بعد احتلال المرتبة المتوسطة (72) فى عام (2021)، تراجع أداء «قطاع التعليم قبل الجامعى» المصرى تدريجيًا إلى المركز (79) فى عام (2022)، ثم إلى المرتبة (80) فى عام (2023)، وصولًا إلى المركز (81) عالميًا فى عام (2024). وتفيد النتائج بأن تراجع أداء التعليم قبل الجامعى يرجع بدرجة كبيرة إلى تواضع معدلات الإنفاق من ناحية، وعدم الاهتمام الكافى بمرحلة التعليم المبكر من ناحية أخرى. إذ حصد المؤشر المُجمع للإنفاق على التعليم قبل الجامعى على المرتبة المتأخرة (116) فى عام (2024). وقد ساهم فى هذا الترتيب المُتأخر، معدلات الإنفاق الحكومى على التعليم الابتدائى التى تراجعت إلى المركز (106) عالميًا، ونصيب الطالب من الإنفاق الحكومى كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى للفرد الذى احتل المرتبة (107) من (141) دولة تم تحليل بياناتها بدليل المعرفة. ونظرًا لأن التعليم الحكومى قبل الجامعى يُمثل النسبة الغالبة من أعداد الطلاب بمصر، فإن هناك ضرورة لزيادة معدلات الإنفاق الرأسمالى والجارى بحد سواء بنسبة أعلى مما حدده دستور (2013). كما تشير النتائج من ناحية أخرى إلى تواضع معدلات الالتحاق بالتعليم المُبكر برصدها المركز (109) عالميًا. وهى مرحلة لابد أن تأخذ حقها من السياسات التعليمية لتأثيرها فى تشكيل شخصية الطفل ومهاراته الذهنية والاجتماعية. كما أنها تحتاج لنوعية خاصة من المُعلمين المُدربين. ومن ثم فإنها تتطلب رؤية تنظيمية وفكرية مُغايرة. وعلى مستوى تنمية رأس المال المعرفى، حقق معدل الالتحاق الصافى بالمرحلة العليا من التعليم الثانوى ترتيبًا أقل من المتوسط يُقدر بالدولة رقم (88) عالميًا فى عام (2024). وفى نفس الاتجاه، تراجع مؤشر عدد سنوات التعليم المُعدل حسب مقدار التعلم الذى يتأثر بالتكنولوجيا الرقمية المُتقدمة إلى المركز (96) عالميًا. وهو أمر يؤثر بالطبع على انتظام تغذية منظومة التعليم العالى، من قبل خريجى مرحلة الدراسة الثانوية. وعلى الرغم من نقاط الضعف السابقة فى منظومة التعليم قبل الجامعى المصرى، فإنها تتضمن مجموعة من مصادر القوة التى يمكن البناء عليها من أجل الارتقاء بمعدلات الأداء المعرفى. من أهمها مؤشر عدد السنوات التى يُلزم الأطفال خلالها بالالتحاق بالمدرسة قبل أن يصبحوا مؤهلين قانونيًا للالتحاق بأسواق العمل، التى حققت مصر من خلاله المرتبة الثالثة عالميًا. وهو مؤشر يرتبط من ناحية بحق الإنسان فى التعلم الذى أكدته المواثيق الدولية، ويساهم من ناحية أخرى فى بناء رأس مال بشرى مُتعلم كأحد متطلبات عصر المعرفة. كما حصدت مصر الترتيب السابع عشر عالميًا فى معدلات إتمام الدراسة فى المرحلة العليا للتعليم الثانوى. وهو مؤشر يعكس حرص المُجتمع المصرى على استدامة العملية التعليمية حتى نهاية المرحلة الثانوية، ومن ثم زيادة فرص الالتحاق بالتعليم العالى. ونظرًا للدور الرئيسى لمنظومة البحث والتطوير والابتكار فى توليد المعرفة وزيادة مخزونها ونشرها، فضلًا عن مساهمتها فى الإسراع بوتيرة النمو الاقتصادى ودعم التنمية المُستدامة، فإن تقييم الأداء المصرى فى هذا المجال يجب أن يحتل مرتبة متقدمة من التحليل. والمُلاحظ أن هذا القطاع المعرفى قد تحسن أداؤه بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. حيث انتقل ترتيبه من الدولة رقم (99) فى عام (2022) إلى المركز (90) فى عام (2023)، ثم إلى الترتيب العالمى (77) فى عام (2024) من (141) دولة مُمثلة بالدليل، وهو إنجاز يتعين الإشادة به وتفسير أسباب حدوثه. ولعل أهم النتائج الداعمة لهذا التوجه تتلخص فى الآتى: أولًا: متوسط عدد الاستشهادات (Citations) لكل مرجع بحثى، والذى حصد المرتبة الثامنة عالميًا فى عام (2024). وهو مؤشر هام يعكس جودة المنتج البحثى المصرى واعتراف المُجتمع العلمى الدولى بجدواه والحاجة إلى الاستعانة بنتائجه. ثانيًا: حالة تنمية التحالفات الصناعية (Industrial Clusters) الذى احتل المرتبة التاسعة على المستوى العالمى. وتقوم فكرة التحالفات على تحقيق التعاون والارتباط بين المؤسسات المُكونة له بغرض تنمية البحوث التطبيقية ومبادرات الابتكار. ويتعين الإشارة فى هذا الصدد إلى أن أحد محاور استراتيجية التعليم العالى والبحث العلمى الراهنة، ترمى إلى إنشاء تحالفات تضم الجامعات والمراكز البحثية والشركات الاقتصادية بالسبعة أقاليم المكونة للدولة المصرية. ورغم أن هذا التوجه مازال قيد التجربة ولم ينتج عنه مخرجات يُمكن تقييمها، فإنه سيساهم بالضرورة فى تقوية الروابط بين مؤسسات إنتاج البحث العلمى وقطاعات الاقتصاد الوطنى، ومن ثم علاج أحد أهم الاختلالات البنيوية لمنظومة البحث العلمى المصرية. ثالثًا: ناتج قطاع الطباعة والنشر كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى للصناعات التحويلية الذى حصد المرتبة (12) عالميًا فى عام (2024)، هو أحد المؤشرات النسبية غير المباشرة التى تقيس مساهمة المنتجات الإبداعية والفكرية، وزيادة قدراتها الابتكارية. رابعًا: الإنفاق على البحث والتطوير كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى الذى حصد المركز (39) عالميًا. وهو مؤشر يقيس الأهمية النسبية لأحد الموارد الأساسية لإنتاج البحث العلمى والابتكار. ورغم هذا التحسن النسبى فى معدلات الأداء فإن المنظومة البحثية المصرية مازالت تعانى من بعض أوجه القصور التى تعوق انطلاقها بما يتطلب رسم سياسات مغايرة. وللحديث بقية..