الدول العربية فى عصر المعرفة.. «مجلس التعاون الخليجى»

فى مقال سابق ب«جريدة المصرى» اليوم أشرت إلى تواضع أداء الدول العربية فى المجال المعرفى بوجه عام وفق دليل المعرفة العالمى الصادر عن برنامج الأمم المُتحدة الإنمائى فى عام (2022 )، وقد توصلت من ناحية أُخرى إلى حصد دول مجلس التعاون الخليجى المراتب الأولى معرفيًا بين الدول العربية، وتفوقها فى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بوصفها من أهم أدوات الانتقال المعرفى والتحول الرقمى. بيد أن المؤشرات التحليلية تفيد بأن معظم الدول العربية تعانى من قصور واضح فى توفير البيئات التمكينية الداعمة للمعرفة. ورغم أهمية هذه السمات العامة للأداء المعرفى العربى، يكون من المفيد أن تسعى الدول العربية إلى تنمية نقاط قوتها أو تميزها النسبى، وعلاج أوجه القصور فى أدائها من أجل تحسين الصورة المعرفية الكلية للمنطقة العربية على المستوى العالمى، وهو ما سأتناوله بالتحليل بالاعتماد على عينة مُمثلة للدول العربية.
حصدت دولة الإمارات العربية المرتبة الأولى عربيًا والدولة (25) عالميًا، وبمعدل أداء معرفى يُقدر بنحو (70) فى المائة فى عام (2022)، كما احتلت دولة الإمارات الترتيب الأول عالميًا فى مجال التعليم الفنى والتدريب المهنى، والدولة (15) فى مؤشرات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والدولة (11) على صعيد الاقتصاد الداعم للمعرفة. كما حققت الإمارات المرتبة الأولى عالميًا فى نسبة الطلاب الوافدين إلى جملة الملتحقين بمرحلة التعليم العالى. ويعكس هذا المؤشر البعد الدولى لمنظومة التعليم الإماراتية وسياساتها الرامية إلى اجتذاب الطلاب من الخارج فى إطار استراتيجية تدويل التعليم العالى والبحث العلمى. كما حققت دولة الإمارات الترتيب (16) عالميًا فى مجال دعم التعاون البحثى بين الجامعات وشركات الأعمال الإنتاجية. ومن ثم يُعد أداء دولة الإمارات حالة خاصة بالمقارنة مع باقى الدول العربية. غير أن قطاعى التعليم العالى والبيئات التمكينية يتطلبان اهتمامًا خاصًا من راسم السياسات التنموية الإماراتى.
من ناحية أخرى، احتلت قطر المرتبة الثانية عربيًا، والدولة (37) على المستوى العالمى فى مجال المعرفة. وتتمثل نقاط قوة قطر فى مجالى البحث العلمى والابتكار من ناحية، وفرص العمل المُتاحة للخريجين من ناحية أخرى. إذ حصدت قطر المرتبة الأولى عالميًا فى مؤشر نصيب الباحث من الإنفاق على البحث العلمى، والترتيب الرابع فى نسبة العمالة الحاصلة على مؤهل عالٍ إلى جملة قوة العمل. وهى مؤشرات تدعم بالضرورة التحول المعرفى والرقمى المرغوب. ويلاحظ أيضًا أن دولة قطر قد حصدت المرتبة الأولى عالميًا فى مُعدلات البطالة على صعيد الحاصلين على تعليم مُتقدم. وهو يُعد إنجازًا رئيسيًا فى ظل شيوع ظاهرة ارتفاع معدلات بطالة خريجى الجامعات فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بيد أن قطر تعانى من قصور فى مؤشرات «الابتكار والإبداع » بوجه عام، وبما يتطلب مراجعة السياسات والتوجهات فى هذا الشأن، إذ يتواضع أداؤها فى مؤشر عائد حقوق الملكية الفكرية ومدفوعتها بحد سواء (الترتيب 109 و116 عالميًا على التوالى)، فضلًا عن تحقيقها مرتبة متأخرة (104) عالميًا فى عدد طلبات العلامات التجارية. كما تشير النتائج إلى احتلال نسبة صادراتها الإبداعية والثقافية مرتبة متأخرة على المستوى الدولى. وأخيرًا، تشير مؤشرات البيئات التمكينية إلى بعض أوجه القصور المطلوب تداركها، منها على سبيل المثال نسبة مشاركة الإناث إلى الذكور فى قوة العمل الوطنية (الدولة 107). ومعدلات الأداء البيئى (الدولة 131).
حققت المملكة العربية السعودية المرتبة العالمية رقم (43)، والدولة الثالثة عربيًا، حيث كان أداؤها المعرفى متوسطًا بوجه عام. وتتميز المملكة بالأساس فى أداء كل من قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وقطاع البحث العلمى والتطوير. إذ حصدت المرتبة الدولية (18) فى مجال تكنولوجيا المعلومات، والترتيب الثالث فى معدلات الإنفاق البحثى عالميًا. وقد انعكس هذا الأداء المعرفى فى نسبة السكان الذين يملكون مهارات أساسية فى تطبيقات الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) واستخداماتها المنزلية. كما حصدت المملكة الترتيب (5) عالميًا فى نصيب الباحث من حجم النشر العلمى والمرتبة (10) عالميًا فى مؤشر عدد الاستشهادات لكل مرجع بحثى. كما حققت المملكة المرتبة (5) عالميًا فى معدلات نمو الشركات المُبتكرة، والدولة الخامسة عالميًا فى تنمية التجمعات الصناعية (Industrial Clusters ). ورغم احتلال المملكة المرتبة (11) عالميًا فى معدلات التحصيل العلمى للدارسين بمرحلة الدكتوراه، فإنها تعانى من قصور فى مؤشر التنوع والحريات الأكاديمية بالجامعات الذى حققت فيه الترتيب (109) على المُستوى العالمى. وعمومًا لم تحقق المملكة السعودية الطموح المرغوب فى مجال الابتكار والإبداع. إذ كانت الدولة رقم (110) فى مؤشر نصيب الصادرات الثقافية من جملة التجارة الخارجية، والدولة رقم (92) فى نسبة عدد طلبات العلامات التجارية إلى الناتج المحلى. وتشير المؤشرات التحليلية فى مجال البيئات التمكينية الداعمة للمعرفة إلى تواضع الأداء البيئى (الدولة 107) على المستوى العالمى.
نخلص مما سبق أن دول مجلس تعاون الخليج العربى تمثل أفضل أداء عربى فى مجال المعرفة والتكنولوجيا والتحول الرقمى. كما أنها حققت ترتيبًا متوسطًا على مستوى دول العالم، يتراوح من الدولة (25) إلى الدولة (43)، وأن تصديها لجوانب القصور، المشار إليها عاليه، سيساهم بالضرورة فى إحداثها نقلة نوعية فى الأداء المعرفى.