أنا واحد من الذين يؤمنون بأن العروبة حقيقة، وأن ما يجمع العرب وبعضهم من المحيط إلى الخليج أكثر مما يجمع أى مجموعة إقليمية أخرى، سواء من حيث الموروث الثقافى أو من حيث التكامل الاقتصادى، ومن الذين يؤمنون تأسيساً على ذلك بأن القوة العربية الحقيقية تكمن وراء هذه الحقيقة. ولكن الواقع العربى، لأسباب عديدة بعضها داخلى وكثير منها خارجى، يسير عكس هذا الاتجاه الذى يجعل من العرب قوة لها وزن فى هذا العالم، الذى لم يعد يعرف أو يعترف بالكيانات المبعثرة الصغيرة الممزقة. وقد قامت فى الوطن العربى، فى وقت مضى، اتحادات ثلاثة، ثم اختفى اثنان منها اختفاءً كاملاً وبقى الثالث. اتحاد المغرب العربى أنهته حماقات القذافى وعدم إيمان الآخرين بجدواه، والاتحاد الذى كان يقوم بين مصر وسوريا والأردن والعراق وانتهى هو الآخر بدوره، ولم يبق من الاتحادات الثلاثة سوى اتحاد الخليج العربى، والحمد لله. وقد بقى الاتحاد الخليجى قائماً وصامداً لمدة أربعة وثلاثين عاماً، وجرت محاولات كثيرة لتمتين وتقوية العلاقات بين دوله من ناحية، كما جرت محاولات لهدمه وتمزيقه من ناحية أخرى. «بقى الاتحاد الخليجى قائماً وصامداً لمدة أربعة وثلاثين عاماً، وجرت محاولات كثيرة لتمتين وتقوية العلاقات بين دوله». والطرفان - الراغب فى تقوية الاتحاد والراغب فى هدمه- هما على التوالى السعودية من ناحية وإيران من ناحية أخرى. وقد طرحت المملكة العربية السعودية، فى الفترة الأخيرة، مبادرة تدعو إلى نوع من الوحدة بين دول الخليج. والحقيقة أن الدور الرائد، سواء فى الداخل أو فى المحيط العربى أو فى المحيط الدولى، الذى تقوم به المملكة أعطاها ثقلاً ووزناً غير مسبوق. ومن المعروف والمؤكد أن موقفها من مصر بعد ثورة 30 يونيو هو الذى شد أزر مصر وغيّر كثيراً من الموازين، وقد عرضنا لذلك من قبل. وقد اجتمعت دول الخليج فى قمتها الرابعة والثلاثين، وكانت المبادرة السعودية مطروحة، لكن للأسف استطاعت أصابع إيران أن تحول بين تحقيق هذه الغاية التى كانت أملاً لكل عربى مخلص، وكانت لو تحققت ستكون مصدر قوة لدول الخليج كلها فى مواجهة المخططات الإقليمية التى تحركها إيران والمخططات العالمية التى تحركها الولاياتالمتحدة وإسرائيل، من أجل إضعاف الأمة العربية. ومع ذلك فإن خطاب أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، دعا أولاً إلى ضرورة تمتين العلاقات بين الشعب العربى فى دول الخليج واستمرار التشاور بين حكوماتهم، وأكد الشيخ «صباح» أن المنطقة العربية كلها لن تنعم بالسلام إلا إذا قامت إسرائيل بتطبيق قرارات الشرعية الدولية وأوقفت الاستيطان وقبلت حل الدولتين، وأشار الخطاب إلى المأساة الإنسانية التى تعيشها سوريا، والفتنة الطائفية التى توشك أن تدمر العراق. الخطاب كانت فيه حرارة الصدق، وكم أتمنى ويتمنى غيرى من العروبيين أن تتحول الكلمات إلى حقائق. ومن أهم التوجهات التى اتخذها المجلس، فى قمته الأخيرة، إنشاء «قيادة عسكرية موحدة»، ومن المرجح، حسب بعض المصادر الخليجية المطلعة، أن تكون الرياض هى مقر القيادة العسكرية الموحدة، وهذا يعطى هذه القيادة وزناً وأهمية، وكانت الخطوة السابقة على هذه القيادة العسكرية الموحدة هى قوات درع الجزيرة المشتركة التى تحركت فى الأعوام الماضية إلى «البحرين»، عندما حدث تهديد إيرانى لها، وكان تحرك هذه القوات رادعاً لإيران. ما أكثر ما نملك من مقومات فى وطننا العربى، وما أكثر التحديات التى تحيط بنا وتهدد وجودنا ذاته. كلمة أخيرة خاصة جداً: بدأت مع «المصرى اليوم» من أول أعدادها، ومازلت أعتبرها جريدتى المفضلة، ولذلك أشعر هذه الأيام بأن ركناً من أركان جريدتى «المصرى اليوم» قد غاب، ولست أدرى سبب غيابه. مقالى يظهر عادة يوم الاثنين، وكنت أقرأ مقال الأخ الصديق الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، زميلى فى باريس، يوم الأحد، ثم كنت أقرأ له أعمدة متعددة فى أيام أخرى غير المقال الرئيسى. واختفى ذلك كله فجأة. الذى أعرفه أن قارئ «المصرى اليوم» - وأنا بالذات - خسرت مصدراً خصباً للمعرفة بعد غياب هذا الركن الركين. ركن حسن نافعة.