لا أشعر بالارتياح لهؤلاء الذين يزرعون الفرقة بين الشعوب العربية، ويتهمونهم بالتصحر والبداوة، وكأن الصحراء ليست أرض الله أو أن الانتماء إليها مما يعيب. والحقيقة أنها كلها أرض الله، والشعوب كلها خير وبركة، والوداعة لا علاقة لها بالجنسية. فهناك أُناس اختصهم الله بطيبة القلب من كل جنس ودين، هؤلاء هم الرحماء حقا، تعرفهم بسيماهم، بمجرد النظر إليهم، يمشون على الأرض هوناً ويقولون سلاماً. يعرفون بعضهم بعضا بمجرد النظر، فترسل لك أرواحهم رسائل محبة تفهمها وإن كنت تجهل لغتهم. مازلت أذكر ذلك الفتى السريلانكى الوديع الذى كان عامل نظافة حين كنت أعمل بمكة منذ عهد سحيق، كنت أحب النظر إلى عينيه الواسعتين المندهشتين المفعمتين بالبراءة، ورغم أننى كنت أعمل بين أطباء مصريين فقد كنت أرتاح إليه أكثر منهم، وأشعر بالاطمئنان لمجرد وجوده، وأظنه كان يشعر نحوى بنفس الشىء، رغم أننا لم نتبادل كلمة واحدة، لأننا لا نعرف لغتى بعضنا. أتمنى أن تنتهى من عالمنا العربى هذه الشوفينية الضيقة. شهدنا المهاترات بين صبية مصر والجزائر، وشهدنا موضة الهجوم على التيارات الدينية الوافدة من الجزيرة العربية، ورغم أن طريقتهم فى فهم الدين لا تناسبنى، وأفهم تجليات الإسلام حسب الطريقة المصرية، ورغم أننى مصرى بكل ما فى الكلمة من معان، وأننى انتقدتهم فى كثير من مقالاتى، فهناك فارق شاسع بين الاختلاف فى الرأى مع المحبة، وبين الاحتقار وإثارة الكراهية، خصوصا أنهم ليسوا بالسوء الذى يصورونه، ولهم أدلتهم فيما يعتقدونه، وفيهم - كما فى كل شعوب العالم - خير كثير. لا فرق بين مصرى وسعودى، وسريلانكى وإيرانى. أذكر أننى كنت فى السعودية، وصدمت بسيارتى سيارة أمامى، فجاءت الشرطة فى ثوان، ورغم أننى كنت المخطئ تماما فقد تنازل صاحب السيارة السعودى عن حقه. ليس هذا هو المهم، فالأريحية موجودة فى كل مكان، أما الذى هزّنى بعنف فهو رد فعل المارة العابرين، كلما شاهد أحدهم الحادثة توقف وأنزل زجاج سيارته وقال لصاحب السيارة السعودى: «فمن عفا وأصلح فأجره على الله»، ثم ينصرف، والرجل يضحك فى عذوبة ويقول: «لا أريد شيئا، فقط اتركونى أذهب». هذه شهادة حق: الصورة النمطية للمواطن السعودى غير عادلة وغير حقيقية. لا أدرى معيار حكمك على البشر، لكن إن كنت تفكر مثلى فالناس تُقاس قيمتهم بمدى نفعهم للآخرين. بالنسبة لى يتناسب مقدار إعجابى بإنسان مع قدر المشقة الذى يبذله فى عمله، سواء كان هذا العمل بسيطا أو معقدا، لذلك أحترم العامل الفقير أكثر من الثرى بالوراثة. معظم الشباب السعوديين رواتبهم قليلة، مكافحون يأكلون خبزهم بالتعب مثل إخوانهم المصريين، ولطالما شاهدت من يصلون الليل بالنهار ليحملوا أعباء أسرهم، وشبابا جامعيا يعمل على سيارة أجرة لكيلا يبقى عاطلا. صدقونى: معظم الناس طيبون إذا نظرت إليهم بعين المحبة.