فى أعقاب التفجير الإرهابى الذى وقع فى ساحة المسجد الحسينى.. اتصل بى صديقى الدكتور حمدى حسن، أستاذ الإعلام، الذى قال لى على الفور: «إننى أتصل لأعبر لك عن تقديرى لتحذيرك المبكر من موجة الإرهاب الجديدة فى مقالك ب(المصرى اليوم)، لقد قرأت الواقع بدقة قبل حصوله». وفى الحقيقة فإن المسافة بين تاريخ نشر مقالى التحذيرى لحكام العالم فى «المصرى اليوم»- وهو الثلاثاء 20/1/2009 تحت عنوان «مبروك عليكم موجة الإرهاب القادمة يا حكام العالم»- وبين وقوع أول انفجار فى هذه الموجة، التى مازلت أتوقع حلقاتها على مستوى العالم هى مسافة تقدر بشهر، حيث وقع انفجار الحسين فى الأحد 22/2/2009. المدهش أن هذا التحذير المبكر لم ولن يؤدى إلى وقف هذه الموجة التى بدأت لأن دوافعها عميقة فى نفوس الشباب العرب والمسلمين نتيجة الدعم الذى لقيته الحملة العسكرية الإسرائيلية الوحشية على أطفال ونساء غزة من حكام العالم.. الذين وجدوا فيها نوعاً من الدفاع الشرعى عن النفس ضد المقاومة الفلسطينية، وهو تقدير مختل عقلياً وقانونياً وأخلاقياً. لقد أحكم حكام العالم خاصة الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية الكبرى ضبط جهاز التفجير النفسى والعصبى لدى الشباب على اتساع العالمين العربى والإسلامى مرة بالدعم العسكرى وتعويض نقص الذخائر الإسرائيلية فى الترسانة العسكرية الإسرائيلية، ومرة ثانية بامتناع الولاياتالمتحدة عن تأييد قرار مجلس الأمن القاضى بوقف العدوان، ومرة ثالثة بامتناع الدول الأوروبية الكبرى عن تأييد قرار إدانة جرائم الحرب الإسرائيلية وتشكيل لجنة لتقصى الحقائق فى هذه الجرائم فى المجلس الدولى لحقوق الإنسان.. إذن أعلن المجتمع الدولى إفلاسه الأخلاقى عندما تجاهل أن حماس هى حزب سياسى، انتخبته أغلبية الشعب الفلسطينى فى الضفة وغزة ليشكل الحكومة وأفلس المجتمع الدولى عندما خالف دعوته للديمقراطية، وأفلس عندما عاقب الشعب الفلسطينى بالحصار عقابا له على خياره الديمقراطى، ثم أعلن كبراء العالم وحكامه إفلاسهم عندما تناسوا أن المقاومة حق مشروع للشعوب الخاضعة للاحتلال واعتبروا المقاومة إرهاباً كما تريد حبيبتهم إسرائيل، ثم جاهر حكام العالم الكبار بانحطاط معاييرهم الأخلاقية وازدواج مكاييلهم عندما اعتبروا التدمير المنهجى للمنازل على رؤوس الأطفال والنساء بترسانة جيش حديث التسليح دفاعاً شرعياً عن النفس، فهل كان غريباً أن أتوقع أن هذه الهمجية وهذا الانحدار الأخلاقى السياسى الدولى سيمر هيناً كاللبن والعسل فى أحشاء الشباب العربى والمسلم؟ أم أن الطبيعى والبديهى ببساطة أن يتوقع الجميع أن هذه الوجبة الوحشية الهمجية الحقيرة قد نزلت فى أحشاء الشباب كالخناجر والمسامير تمزق ضمائرهم وتدفعهم إلى الغليان. إن الدكتور سرور، رئيس البرلمان المصرى، كان الوحيد الذى سار فى اتجاه هذا الفهم المستقيم البسيط عندما أرجع الحادث الإرهابى بالحسين إلى السياسة الإسرائيلية المتطرفة ضد الفلسطينيين كما ورد فى خبر ب«المصرى اليوم» يوم 24/2/2009 بالصفحة الرابعة. أشد على يدك أيها الأكاديمى الفاهم وأطالبك بصفتك شريكا مهماً فى البرلمان الدولى والبرلمان الأورومتوسطى بأن ترسل مذكرة لبرلمانات العالم تبين لهم فيها الرسالة الواضحة وتنذرهم بأن الموجة بدأت وستتصاعد وسيزيد لهبها على امتداد الكرة الأرضية، تعبيراً عن الإحباط واليأس ورفضاً للنفاق السياسى الدولى وسياسة تدليل كيان توسعى وحشى جشع اسمه إسرائيل. اطلب يا د. سرور من برلمانات العالم تقويم اعوجاج سياسات حكامها إذا أرادوا تجنب الإرهاب. أما صديقى أستاذ القانون الدولى د. نبيل حلمى وكذلك الأستاذة هالة أبوعلم، المذيعة التليفزيونية اللامعة، فقد قالا لى: عندما سمعناك منذ شهر تقول فى «لجنة مصر والعالم» إن جرائم إسرائيل لن تمر هينة وإن التواطؤ الدولى لن يمر مرور الكرام وإن الناتج الحتمى سيكون موجة إرهاب عالمية قادمة.. تصورنا أن قولك مجرد فكرة نظرية ولكن علينا الآن أن نأخذها مأخذ الجد. ما أرجوه أيضاً أن يأخذ السادة الوزراء المسؤولون عن الدبلوماسية والإعلام والاتصالات الدولية هذا التحذير مأخذ الجد فيحملوه إلى جميع الدول. إن أهمية هذا التحرك هى دفع العالم ليحضر نفسه للمجهود السياسى المضنى اللازم للضغط على الحكومة الإسرائيلية القادمة برئاسة نتنياهو التى ستلعب ب«البيضة والحجر» للتهرب من عملية السلام ولتكريس سياسة التوسع والاستيطان فى الضفة وحصار غزة وممارسة الوحشية العسكرية من جديد. واسمحوا لى أن أنقل من مقالى التحذيرى المذكور بعض الفقرات علها تبين كيف يجب أن نخاطب هذا العالم المنحط أخلاقياً. قلت فى ذاك المقال: «يا حكام العالم لقد بلغ عدد الضحايا من المدنيين العزل، الذين تحطمت أسقف بيوتهم على رؤوسهم وهم عزل يرتعدون من الخوف، ثمانية آلاف شخص ما بين قتيل وجريح، وكل هؤلاء القتلى والجرحى سادتى حكام العالم من المدنيين وثلثهم من الأطفال الذين تحولوا إلى أجزاء مبعثرة وأصبحت أجسامهم مثل العجينة التى مر عليها فيل ضخم. لقد شاهد معكم كل هذه الجرائم الوحشية أطفال وشباب فى كل أنحاء العالم على الشاشات، وإذا كنتم يا سادتى الحكام لم تندهشوا لمرأى هذه الفظائع التى أدرجتموها فى خانة «حق إسرائيل فى الدفاع الشرعى عن النفس» فإن أطفال وشباب العالم قد تساءل عن معنى هذه الوحشية وعن دلالة إحياء مشاهد المحرقة النازية بالقنابل العنقودية والقنابل الفسفورية. دعونى أذكركم سادتى حكام العالم ببعض النصوص التى وقعت عليها حكوماتكم منذ عام 1949 تحت عنوان «اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين فى وقت الحرب»، تقول المادة الثالثة: «فى حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولى فى أراضى أحد الأطراف السامية المتعاقدة يلتزم كل طرف بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية: 1- توفير المعاملة الإنسانية فى جميع الأحوال للأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة فى الأعمال العدائية بمن فيهم أفراد القوات المسلحة، الذين ألقوا أسلحتهم والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرحى أو الاحتجاز، أو لأى سبب آخر ولهذا الغرض تحظر الأفعال التالية فى جميع الأوقات والأماكن بالنسبة لهؤلاء أ- الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية وبخاصة القتل بجميع أشكاله ب- أخذ الرهائن. ج - الاعتداء على الكرامة». لقد ختمت المقال المذكور بقولى: «سادتى حكام العالم أرى أنكم لم تسمعوا نصيحتنا وسمحتم لإسرائيل مرة أخرى بقضم لحم الأطفال العرب الطرى، فهل تتوقعون أن يرفع الشباب الكؤوس ليشرب معكم نخب انتصار إسرائيل والحضارة الغربية التى تحمى جرائمها؟». اليوم أنهى مقالى الجديد بتحذير واضح: «إما حلاً عادلاً للمأساة الفلسطينية وإما غضباً وكراهية وإرهاباً».