عندما تزداد جرعة الواقع والروتين، نكون فى حاجة إلى جرعة عبث وصور، أياً كانت تلك الصور. امتلأ سرادق العزاء عن آخره وأصرّ على الامتلاء، بالرغم من أن المقرئ الذكى اختصر فصلات تلاوته إلى آيتين قصيرتين فقط. كل الكراسى المكتظة بالمعزين قطيفة زرقاء داكنة، حولها هيكل ألومنيوم وليس لها يد، إلا كرسياً وحيداً شاغراً يقف فى منتصف صف طويل فى آخر القاعة، قطيفته نبيتية اللون وله يد. تأمل الشاب العشرينى الوسيم الكرسى الخالى من موقعه فى الصف الذى يتعامد على صفه، ثم سرح لأكثر من خمس دقائق كاملة، فى اللوحة الملصقة فوق ذلك الكرسى على الخشب الذى يكسو حوائط القاعة والمكتوب عليها بخط رقعة أسود «مندوب السيد رئيس الجمهورية». ما إن انتهى فاصل التلاوة حتى وجد نفسه يتجه ناحية اللوحة - لن يُعطى رداً مفهوماً عندما سيسأله نجل المتوفى بعد العزاء عن سبب فعلته الغريبة - ويخرج قلمه من جيبه ليشطب من عليها كلمتى «مندوب» و«السيد»، ثم يجلس بهدوء على ذلك الكرسى مستمعاً لباقى الآيات ومغمضاً عينيه. [email protected]