كان من المفروض أن أنشر هذا المقال منذ أكثر من شهر رداً على مقال للأستاذ عصام تليمة بتاريخ 1 سبتمبر عنوانه - تشبيه عبدالناصر بالله والرسل أيضاً - رداً على مقال لى. كان بدوره رداً على المستشار محمود الخضيرى، حول واقعة خاصة بالمرحوم سعد زايد. عندما كان محافظاً لأسيوط. وتشبيهه الزعيم خالد الذكر جمال عبدالناصر بالله. وهى الواقعة التى أكدت أنها لم تحدث. والأستاذ عصام قال إننى محب لعبدالناصر بصورة تصل لدرجة الحب الأعمى. وأكد أن عبدالناصر زعيم دون شك. ولا أحد ينكر نزاهة يده. إلا أنه - كما قال بالنص: «أما موقفه من الدين. وعلمائه.. فمختلف تماماً. والمقام لا يتسع لتناوله بتفصيل».. أى أنه كان ضد الإسلام وعلمائه. ولكن شاء ربك أن يوقعه فى شر كتاباته، وأن يقدم بنفسه الأدلة على اتهاماته، وبالتفصيل وبالأسماء والوقائع، بعد أن اتسع المجال أمامه فى دراسة له بمجلة «وجهات نظر» بعددها الصادر فى شهر أكتوبر الماضى عنوانها «الخارجون عن الإخوان - متى.. وكيف.. ولماذا؟»، وتميزت بقدر من الجدية. والنظرة الجديدة التى تناول بها ظاهرة انحياز عدد من العلماء من الإخوان المسلمين إلى نظام عبدالناصر. وعملهم فى إطاره. لأنهم اشتغلوا بالفكر. وصاحبهم يصعب عليه التقيد بالعمل التنظيمى الصارم، ولكنهم فى مواقعهم الجديدة، قدموا خدمات جليلة. لا للدعوة الإسلامية فقط. وإنما للإخوان المسلمين كذلك، وأورد عدة أمثلة، فقال النص ص 18 ، 19، 20، 22: «أما الشيخ أحمد حسن الباقورى وقد اقتنع بأنه عن طريق توليه منصب وزير الأوقاف، يستطيع أن يخدم الدعوة والإسلام أكثر من تواجده فى تنظيم الإخوان، وكان له إنجازات قوية فى وزارة الأوقاف. وكان له دور مع شباب الإخوان الذين عارض الأمن تعيينهم. وكان من هؤلاء عشرة من خريجى الأزهر المعينين على وظيفة إمام وخطيب. ورفض الأمن تعيينهم لانتمائهم لجماعة الإخوان، وإذ بالباقورى يفاجئ الجميع بتعيينهم على مسؤوليته الشخصية، وكان من بين هؤلاء العشرة يوسف القرضاوى وأحمد العسال. وقام الباقورى كذلك بخدمات لعدد من الإخوان المسلمين. ورفع الظلم عن بعضهم».. وقال أيضاً: «أما. د.عبدالعزيز كامل والذى كان يسميه حسن البنا، ابن الدعوة - أى دعوة الإخوان - فقد كان مسؤولاً عن قسم الأسر».. وأضاف أن تفكيره هداه إلى: «البحث عن وسيلة أخرى يعمل للإسلام بها غير التواجد فى تنظيم الإخوان المسلمين.. وخرج عبدالعزيز كامل من السجن ثم بعد ذلك تولى وزارة الأوقاف فى عهد عبدالناصر». ونسى عصام أن يذكر دور عبدالعزيز كامل فى نشر الدعوة وإنشاء معهد الدعاة.. وزيادة ميزانية الأزهر والأوقاف.. ومن النماذج التى أوردها أيضاً.. قوله: «الأستاذ البهى الخولى وهو من جيل حسن البنا وأستاذ القرضاوى. كما حكى لى الشيخ القرضاوى أنه كان لعلاقة البهى الخولى السابقة بالإخوان فضل فى تخفيف شدة الاحتقان بعض الشىء بين عبدالناصر والإخوان، خاصة مع بعض أفرادهم ممن لم يكن بينهم وبين عبدالناصر شخصياً خلاف. كما كان للبهى الخولى ابن يعمل ضابطاً فى السجن الحربى اسمه مجيد. وكان يخفف عن مسجونى الإخوان». ولا أريد أن أتوسع أكثر من ذلك فى ما كتبه بنفسه، لكن الذى يحيرنى أنه أرسل الدراسة إلى المجلة - على الأقل - قبل أن تنشرها. بشهرين ثم قبل على نفسه أن يكتب بعدها رداً علىّ يخبرنى فيه بثقة العالم بالأسرار عن عداء عبدالناصر للإسلام والعلماء. وعلى كل حال أشكره على معلوماته. المنشورة من سنوات فى مذكرات الشيخ يوسف القرضاوى.. وفى غيرها. وأؤكد له أن ما أعلمه أكثر مما يعلمه: وما يتخيله أيضاً. لأن أغلبه منشور أمام من يبحث بأمانة. وإذا أراد أن أنشر له أسماء المشايخ والعلماء والإخوان المسلمين الذين كانوا أعضاء فى التنظيم الطليعى السرى داخل الاتحاد الاشتراكى أيام عبدالناصر المعادى للإسلام وعلمائه. فسأفعل إذا احتملت أعصابه ذلك. ويكفى فقط الإشارة إلى أن أحد الإخوان وهو صديقنا خفيف الظل الدكتور محمود جامع، كانت لديه الشجاعة - وهو لا يكف عن مهاجمة عبدالناصر - للاعتراف علناً بأنه كان عضواً فى التنظيم الطليعى. واللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى. وأنه أول من طالب أمام عبدالناصر فى مؤتمر بأن الإسلام هو الحل. وفى الحقيقة، فأنا مندهش من جرأة البعض الذين يبدأون بالهجوم على عبدالناصر ونظامه واستخدام الدين ضده، وإذا قمنا بالرد عليهم، لتوضيح الحقائق، غضبوا، وتساءلوا: لماذا ندافع ونرد وكأنهم يريدون ألا يناقشهم أحد، حتى فى الأكاذيب التى يروجونها وقيامهم بدمج بعض العلماء بالإسلام. وتحويلهم إلى رموز له، بحيث أن أى هجوم عليهم يعتبر هجوماً على الإسلام، وهو ما فعله الأستاذ عصام فى دراسته فى «وجهات نظر»، فقد رفع الشيخ القرضاوى إلى مرتبة قال عنها: «هناك فئة ممن تركوا الإخوان تنظيمياً وليس فكراً رأوا أنهم وصلوا إلى مرحلة يجب أن يكونوا فيها رموزاً للأمة، وألا يحصرهم إطار تنظيمى ومن هؤلاء الدكتور يوسف القرضاوى.. نظراً لأنه أصبح يمثل الأمة كرمز أكثر منه ممثلاً لجماعة الإخوان المسلمين». والأستاذ عصام حر هو وشيخه القرضاوى فى اختراع منصب جديد يمثل فيه الأمة الإسلامية كلها. القرضاوى وصف نفسه بأنه مرشد للأمة، لا للإخوان فقط بعد أن رفض عرضاً بأن يكون مرشداً لهم.. دون أن ننتخبه فى هذا المنصب فى انتخابات حرة تجرى بين متنافسين على منصب مرشد الأمة الإسلامية.