نحمد الله الذى لا يُحمد على مكروه سواه أن مدَّ فى أعمارنا لنقرأ لأستاذ بجامعة الأزهر، يدرس للطلبة كتاب المولى عز وجل الذى أنزله على آخر أنبيائه وأشرف خلقه، ويشرح لهم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يستخدم هذا كله لمهاجمة السيدة جميلة إسماعيل، زوجة زميلنا وصديقنا أيمن نور، ويتهكم عليهما وعلى الرئيس الأمريكى أوباما، استناداً لأحاديث الرسول، ولنقرأ له أيضاً تشبيهاً لحسن نصر بالمرأة الزانية، فى جريدة حكومية. وفى عمود يومى يكتبه تحت عنوان «قرآن وسنة»، وليذكرنا بأن الانهيار حين يبدأ ولا يجد من يسرع بإيقافه، فلن تكون له كوابح أخلاقية أو دينية تردعه، والجريدة المقصودة هى «الجمهورية»، والأستاذ الذى أعنيه هو الدكتور عبدالله النجار، الذى يكتب العمود اليومى منذ سنوات طويلة، بعد وفاة الشيخ سعاد جلال الذى كان يكتبه قبله، واستمر الدكتور النجار فى استخدام نفس العنوان «قرآن وسنة». فى يوم الثلاثاء 21 أبريل قال إن أمريكا تخلت عن أيمن مثلما تخلت عن شاه إيران، ولم تتدخل لحل خلافاته مع زوجته، وأضاف بالنص: «وهى دخلت فى معارك من أجله وناضلت لتحريره من سجنه، وقد كان بمقدور أمريكا أن تفعل له شيئاً فى سبيل حل تلك المشكلة العائلية، كان بمقدور الرئيس الجديد، وهو ذو ميول إسلامية، أن يلقى خطاباً يذكر فيه الزوجة بحق الزوج عليها. ولا مانع من أن يذكر لها جانباً من الأحاديث النبوية الداعية إلى طاعته والإخلاص له، والوقوف إلى جانبه، ومنها قوله عليه السلام: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها)، ومنها (إن حسن تبعل الزوجة لزوجها يعدل الصيام والقيام والجهاد)، ومنها (الزوجة راعية فى بيت زوجها وهى مسؤولة عن رعيتها)، ولو أن رجلاً فى ثقل رئيس أكبر دولة فى العالم فعل ذلك، أو تدخل لحل تلك المشكلة، لما تفاقمت إلى حد إيذاء مشاعر المعارض الكبير». ولم يتوقف أستاذ الأزهر عند هذا الحد من استخدام الأحاديث النبوية، وتوجيه اتهام لأوباما من الممكن أن تستغله إسرائيل ضده كلما تحدث عن حل الدولتين، وهو أن له ميولاً إسلامية، وإنما تمادى وقال: «علاقة الزوجة بزوجها يجب أن تكون قائمة على العطاء المستمر، ولهذا جعل النبى (صلى الله عليه وسلم) دين المرأة هو أرجح ما ينبغى أن يتوجه اختيار الزوج له حين قال: (ففز بذات الدين تربت يداك)، وقد ملأت زوجة المعارض الكبير الدنيا زياطاً وعياطاً وصياحاً وبكاءً عليه عند سجنه، حتى ظن الناس أنه ليس بعد هذا الوفاء وفاء، ثم فى لحظة انهار كل شىء وبعد وقت قصير من الإفراج عنه». ولا أعرف ما الذى يقصده بالضبط رغم أن تهكمه واضح تماماً، وفى اليوم التالى مباشرة -الأربعاء- الماضى خصص عموده لحسن نصر الله، متهماً إياه بالكفر لخيانته الله ورسوله، وأضاف عليها تشبيهه بالمرأة الزانية، وهو ما جاء فى قوله بالنص: «لم يكن حسن نصر الله عندما تآمر ضد مصر ملتزماً بأى مبدأ دينى أو أخلاقى أو قانونى، وكان عارياً متجرداً من جميع مبادئ السماء والأرض، ومن الخطأ الواضح، بل السذاجة الفائقة أن يبرر فعلته الشنعاء بأنه كان يريد مساعدة أهل غزة، وربما كان العذر فيها أقبح من الذنب. وقد سبق أن قدمت امرأة زانية عذراً يشبه هذا لتبرير ما تحرص على فعله من الفحش، والله حين قالت: إنها تزنى لتتصدق، فقيل لها -كما جاء فى الأثر الشهير: (ليتها لم تزن ولم تتصدق)، لأن الغاية فى الإسلام لا تبرر الوسيلة، وتلك هى أبعاد جريمة حسن نصر الله، لقد خان الله ورسوله والمؤمنين قبل أن يخون مصر». وفى حقيقة الأمر، فإن النفس تعاف التعليق على مثل هذا المستوى الذى يسىء إلى النظام والأخلاق وإلى الجريدة، والمجلس الأعلى للصحافة، وأعتقد أن صديقنا صفوت الشريف، رئيس المجلس، سوف يعيد قراءة ما كتبه أستاذ الأزهر فى «قرآن وسنة» أكثر من مرة ليصدق أنه نُشر فعلاً، ويتخيل ما الذى يمكن أن يحدث إذا قام حزب الله باستغلال تشبيه أمينه العام ب«الزانية» والطنطنة به للإساءة إلى الإعلام الحكومى، ولا شك أنه -أى صفوت- يتذكر حادثة وقعت أواخر عام 1958 أو أوائل 1959 عندما كانت المعركة الإعلامية مشتعلة بين الجمهورية العربية المتحدة التى تضم مصر وسوريا، وبين نظام عبدالكريم قاسم فى العراق. وكان الإعلام المصرى يسخر مرات من قول قاسم، تفسيراً لعدم زواجه حتى الآن، إنه تزوج العراق، أو الشعب العراقى -لا أتذكر الآن العبارة بالتحديد، قاتل الله الشيخوخة - لكن زميلنا المرحوم رائد عطار، كتب فى «التعاون» واصفاً قاسم بأنه «مأبون» وأسرع قاسم بذكائه بإعطاء أوامره للإعلام العراقى بإعادة نشر الاتهام ليثبت للشعب مستوى الإعلام فى مصر، وفوجئ الزعيم خالد الذكر جمال عبدالناصر واستاء وغضب غضباً شديداً، وطالب باتخاذ إجراء ضد رائد. وتدخل البعض وتم نقله إلى الأهرام ومنعه من الكتابة، إلى أن سمح له بها فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات -عليه رحمة الله- وخوفاً من أن يكون مرور سنين كثيرة على هذه الحادثة اتصلت بصديقنا سامى شرف، مدير مكتب عبدالناصر للمعلومات، للتأكد منها بشكل أفضل، فأكدها كما رويتها وقال: «الريس كان حزيناً لأنه كان حساساً جداً نحو أى معلومات من هذا النوع عن الناس، خاصة التى تتصل بالأعراض»، وقال: حتى لو كان هذا صحيحاً فلا يجب أن يُقال، وحين كان أى جهاز ينقل معلومة من هذا النوع، كان يطلب التثبت منها من أجهزة أخرى وعدم استخدام هذه المعلومات. ونحن لا نطالب بمنع أستاذ الأزهر من الكتابة، وإنما أن يكون كلامه فى عموده متسقاً مع عنوانه «قرآن وسنة» وليحفظ صورته أمام طلبته، وليدرك أنه يسىء للنظام الذى يخدمه، والمدهش أن عمود «قرآن وسنة» كان قد شهد أيام المرحوم الشيخ سعاد جلال معركة طريفة عندما أفتى بأن شرب البيرة حلال. فرد عليه عدد من المشايخ وأطلق عليه أحدهم لقب «الشيخ سعاد ستلا»، وكانت ستلا أشهر أنواع البيرة وقتها، بالإضافة إلى معارك أخرى بعضها يتميز بالعمق وبعضها لا يخلو من طرافة وخفة دم، ولم يعرف عمود الشيخ سعاد أى قدر من ثقل الظل أو الفحش فى القول.