كانت طفلة فى السنة الأولى من المرحلة الابتدائية حين امتدت يد المُدرّسة بأول صفعة ظلم على حسّها الطفولى المرهف، عقابا على ذنب لم ترتكبه.. بينما كلّ أطفال الفصل على دراية بمن طلَت كرسى المدرسة بالألوان المائية.. لم تبكِ رغم رقرقة الدمع فى عينيها المتسمرتين على مشهد اغتصاب عذرية العدل الذى لم تعرف ماهيته آنذاك.. قاومت بصمت الكبار، وهى لم تتجاوز بعد الستة أعوام.. بينما تكافأ الأخرى بالتصفيق التبليغها عن الجانى.. تمرّ عليها تلك الذكرى محملة بألف علامة استفهام وتعجّب.. تُرى من علم طفلة السادسة الكذب والمؤامرة ؟ وكيف ينفّذ عقاب دون بيّنة ؟! وكيف امتدت أكفّ الطفولة مجتمعة تتهم بريئا وتصفق لكاذب؟ وهكذا تتهادى أمامها الذكريات مرحلة تلو أخرى لترى بذور الكذب والظلم المزروعة فى الطفولة تنمو وتترعرع لتصبح كائنات تأخذ أماكنها فى مجتمع قشّ ضاعت فيه إبرة العدل.. مجتمع وضع الأخلاق على رفّ المصلحة جاهلا أنها كمال الإيمان.. جاهلا بحديث أشرف الخلق، صلى الله عليه وسلم، (ما من شىء أثقل فى ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق وإنّ الله ليبغض الفاحش البذىء).. مجتمع جاهل أن الأخلاق هى القيم، التى تعتبر أساس المعايير المنظمة للسلوك الإنسانى، وهى الكابح الأساسى لنوازع الشر والسيطرة على الهوى ومصالح الذات وهى أيضا الحافز على فعل الخير.. مجتمع غارق فى بحور الشذوذ الأخلاقى الأصعب من شذوذ الجنس الموصومة به بعض فئات.. معاول نميمة وفضائح وتآمر وغيبة وتكفير تنهال لتفتيت مبادئ وتقويض بناء عائلات.. خناجر اتهامات ترفع فى وجه هذا وظهر ذاك.. حدود تقام لقتل أبرياء قبل إثبات تهمة.. ألسنة (بغبغائية)، كأنها كورس مطربى إشاعات عراة حتى من ورقة الإنسانية.. مآدب صحف مشبوهة تقام على روح الشرف المنتهك بأيدى دخلاء مهنة البحث عن الحقيقة البيضاء وكشف المستور من زوايا الإرهاب الإنسانى.. صحافة مستوردة بأرخص الأسعار.. مدادها (هباب) وورقها عجينة فضائح صفراء وموضوعاتها مزاد أعراض على قارعة طريق لكل من يريد شراء الآثام.. أوكازيون أعراض بأسعار أرخص من التراب (يا بلاش) والضحية قارئ يؤخذ به إلى هوّة الباطل.. وبشر يساقون إلى مقاصل الافتراء.. وهانحن نرى ، وعلانية قضية ليست الأولى ولا الأخيرة فى سجلات الصحافة الصفراء.. قضية الفنان نور الشريف.. ولست هنا فى مكان دفاع عن أحد رموز الفن الراقى وعن بناته ووالدتهن وما سبّب لهن ذلك من جرح نفسى عميق.. بل أدافع عن مواطن من ملايين الذين نفذت فيهم العقوبة القصوى قبل الإدانة.. يقول الفيلسوف الألمانى عمانويل كانط (لا أقول إلا ما أعتقد أنه الحق ولا أقول ما أعتقد أنه حق).. ترى هل شرب قتلة الأبرياء ولو قطرة من قطرات الظلم ليعرفوا مرارته؟! الظلم ظلمات فى الدنيا والآخرة والأيام دوَلْ.. وسؤال أخير.. هل يحقّ لمثل هؤلاء محاسبة نظام وتطوير مجتمع؟ إليك.. ولائى وانتمائى وملجئى حين يشتد الإعصار.. وتضيع الدروب وتتبعثر الخطوات.. بكَ أصول وأجول.. أسحق العناكب السوداء الموبوءة بالأحقاد.. أجتث الخطايا المختبئة خلف الستائر الشفافة المنعكسة على سطوح العفة.. أمزّق ثياب النفاق الملتفة حول المشاعر الخرساء.. لأجلك أخرج من ساعة الزمن.. أقفز فوق المكان.. أرفض المستحيل.. أشرب الصبر المحلّى بالشوق إليك.. منك أنهل كل الأشياء لكل الأشياء.. يا أنت.. يالابتسام والرضا والكلمات النابضة عبقا.. يالبشرى المخترقة بوابة البؤس.. المتخايلة فوق حبال اليأس.. المحمولة على كفيك تهبها للسائلين والصابرين والعاشقين.. .يا سيدى.. يا سيد اليوم والغد.