حزنت على هزيمة الوزير فاروق حسنى فى اليونسكو، لكنى حزنت أكثر على ما جرى لعبد النعيم حسانين فى أحد مستشفيات مصر الجديدة!.. للوزير مئات- وربما آلاف- من البشر يواسونه، أولهم الرئيس مبارك الذى نصح حسنى بأن (يرمى ورا ضهره)، ناهيك عن كتّاب وصحفيين وسياسيين يبذلون الآن قصارى جهدهم لإقناعنا بأن الهزيمة نتيجة مؤامرة صهيونية أمريكية!.. لذا لا أعتقد أن الوزير يحتاج حزنى أو حزنك!.. منْ يحتاجه فعلا هو عبد النعيم حسانين، الشاب السوهاجى الذى سُرقت إحدى كليتيه!.. يستطيع الوزير الفنان أن يجد السلوى فى مواصلة مشوار وزارى بدأه منذ قرابة ربع قرن.. بإمكانه لو أراد التفرغ لرسم لوحات على شواطئ الإسكندرية، أو الاستمتاع بتسجيلات الموسيقار اليهودى بارنبويم!.. لدى فاروق حسنى بدائل عديدة لتعويض كرسى اليونسكو، بينما لا يمتلك عبد النعيم حسانين شيئا لتعويض كليته المسروقة!.. خدع الإسرائيليون الوزير وتآمر عليه الأمريكيون، لكنه عاد مرفوع الهامة، تملؤه حيوية الشباب، خاصة عندما تحدث عن مشاريعه للمستقبل، أما عبد النعيم فيبدو اليوم كهلاً كشرت الدنيا فى وجهه، بعد أن نُهبت قطعةٌ من جسده بأيدى لصوص متجبرين (واصلين) لا يخشون الله ولا يهابون الحكومة! . قبل خمس سنوات جاء إلى القاهرة قادما من سوهاج، يحذوه - كملايين الصعايدة والبحاروة- أمل العثور على عقد عمل فى الخليج!.. حمل دبلوم الصنايع ودس فى جيوبه 4 آلاف جنيه هى كلُ ما استطاع تدبيره ثمنا لرحلة البحث عن الحلم!.. كان صيدا سهلا لأحد سماسرة الأعضاء البشرية.. منذ تلك اللحظة تحول عبد النعيم إلى رقم فى قائمة ضمت أمثاله، الذين خضعوا لسيناريو كلاسيكى.. فحص طبى لزوم التأشيرة.. اكتشاف حصوة فى الكلية اليمنى وإجراء عملية جراحية لاستخراجها!..استسلم بلدياتنا لسريان المخدر فى عروقه، وأطلق العنان لأحلام السفر والشغل والدنانير والبيت المبنى بالمسلح والغسالة الأوتوماتيك.. ثم استيقظ ناقصا كلية!.. خمس سنوات قضاها بين أقسام الشرطة والنيابة والمحاكم، ذاق فيها الأمرين تهديدا ووعيدا وابتزازا!.. رأى بأم عينيه محامين كبارا يرتدون قميص جمال عبد الناصر، ويملأون الدنيا ضجيجا عن مبادئ ثورة 23 يوليو وانحيازها للبسطاء، لكنهم وقفوا أمام القاضى للدفاع عن طبيبة يوقنون مليونا فى المائة أنها نهبت كلية إنسان لا حول له ولا قوة!.. بنت مين دى فى مصر؟!.. تساءل الشاب الصعيدى دون أن تتراجع عزيمته.. سار فى طريقه نحو الهدف، إلى أن حكمت محكمة جنايات القاهرة برئاسة قاض شريف على الطبيبة واثنين من عصابتها بالسجن ثلاث سنوات فى القضية رقم 7728 لسنة 2005!.. غير أن هذا الحكم الصادر قبل ثمانية أشهر لم ينفذ بعد!.. تعيش الطبيبة المدانة حياتها بصورة طبيعية.. لم تهرب إلى بريطانيا أو إلى اليونان، بل تذهب كالمعتاد إلى عيادتها وتتنزه مع أسرتها وكأن شيئا لم يكن!.. لم يترك عبد النعيم بابا إلا وطرقه بحثا عن تحقيق العدالة.. يعرف فى قرارة نفسه أن سجن المذنبين لن يعيد كليته.. ومع ذلك لا يريد أن يفرط فى الحد الأدنى من حقوقه!.. حين تركنى مع أوراق قضيته فكرت أن أخاطب المسؤولين لأدعوهم إلى نصرته، لكنى شعرت بسذاجتى وعدلت عن ذلك لصالح فكرة أكثر واقعية!.. قررت أن أتوجه إلى الزميل الإعلامى القدير خيرى رمضان، عله يجد بين الملايين من قراء صفحته (بريد الجمعة) فى الأهرام، منْ بإمكانه توفيرُ فرصة عمل لعبد النعيم .. المواطن الذى هُزم مرتين! [email protected]