نخسر كثيراً إن مرت انتخابات منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة والاتصال، المعروفة اختصاراً ب«يونسكو»، دون أن نشير إلى حقائقها دون مبالغة أو تهويل، ونستوعب ما انطوت عليه من دروس كى لا تتكرر الإخفاقات التى أصبحت عنواناً لسياستنا الخارجية فى الآونة الأخيرة. الدرس الأول يتمثل فى أن الوزير المصرى خسر ثمانية أصوات أفريقية من أصل ثلاثة عشر صوتا، وأن هناك دولتين عربيتين من أصل سبع دول لم تصوتا له فى الغالب، هما قطر ولبنان، كما أن أوروبا بكل دولها، بما فيها دول جنوب أوروبا شركاؤنا فى الاتحاد من أجل المتوسط، خذلته، وأمريكا الجنوبية - باستثناء البرازيل - ليس هناك ما يؤكد تأييدها له فى ظل وجود مرشحة الإكوادور ذات الأصول اللبنانية. وتلك الحقائق هى محصلة حوارين مهمين نشرا يوم 29 سبتمبر الماضى، الأول بجريدة «اليوم السابع» مع الشاعر شوقى عبدالأمير، مسؤول العلاقات الثقافية باليونسكو، وأحد المتحمسين للوزير فاروق حسنى، وأجراه الأستاذ محمد البديوى، والثانى مع سفير مصر لدى اليونسكو، شادية قناوى، وأجرته الصحفية الشابة الممتازة مى كرم جبر ونُشر فى مجلة «صباح الخير». الدرس الثانى أن الوزير فاروق حسنى لم يكن موفقاً فى الكثير من تصريحاته، فكما كان غير موفق فى تصريحه الشهير حول إحراق الكتب لم يكن موفقاً عندما صرح، فى ختام الجولة الرابعة، بأن الجنوب لقن الشمال درساً لن ينساه، فهذه التصريحات، إلى جانب أنها لم تكن صحيحة كما تبين بعد ذلك - فالخذلان جاء من الجنوب - فإنها أيضاً لم تكن مناسبة، ففى منظمة تهدف إلى بناء السلام فى عقول البشر عبر التربية والعلوم والثقافة لا يكون من المناسب إعلان حرب ثقافية أثناء الانخراط فى معركة انتخابية من هذا النوع. الدرس الثالث أن الحكومة المصرية فقدت بشكل كامل ثقة المصريين، وبالتالى فإن محاولتها كسب ثقة غيرهم قبض ريح، والمتأمل لردود الأفعال المصرية الداخلية، ومن تابع تعليقات المصريين على نتيجة التصويت يلحظ أنها أقرب إلى الشماتة منها إلى الحزن، فالمصريون فى الداخل – حتى على مواقع التعارف الاجتماعى - اعتبروا أن هزيمة فاروق حسنى هى هزيمة لنهج الجمود والانفراد بالرأى الذى يسير عليه النظام السياسى المصرى ويؤدى إلى عدم دوران النخبة الحاكمة، ولم تفلح محاولات استثارة وطنيتهم أو الحصول على تعاطفهم بالحديث عن مؤامرة صهيونية خلف إسقاط الوزير فى تغيير مشاعرهم تجاه فشل الوزير، فهم لم يفهموا أبداً لماذا يحظى بنيامين نتنياهو بكل هذا الترحيب فى مصر فيما لو صح الحديث عن أن إسرائيل مازالت تحيك المؤامرات ضدنا!. فى تقديرى فإنه يتعين علينا أن نبدأ، وعلى الفور، فى مراجعة جادة لسياستنا الخارجية تجاه أفريقيا أولاً، فمن غير المناسب أن تكون إسرائيل أقرب إلى الدول الأفريقية من مصر التى ساهمت فعليا ليس فقط فى إقامة منظمة الوحدة الأفريقية فى ستينيات القرن الماضى، بل وساهمت بشكل إيجابى وفاعل فى حصول جميع دول القارة الأفريقية على استقلالها، كما أننا محتاجون أيضاً إلى إعادة تقييم سياستنا تجاة إسرائيل، فلا أظن أن المحاولات الودودة من جانب الرئيس مبارك يمكن أن تجدى تجاه دولة يحكمها اليمين المتطرف وتسيطر عليها نزعة التفوق والعنصرية. إن إعادة رسم السياسة المصرية تجاه أفريقيا وإسرائيل وكثير من دول جنوب أوروبا حتى الولاياتالمتحدةالأمريكية، إنما تتطلب أمرين، الأول هو استبدال الطاقم القائم على إدارة السياسة الخارجية المصرية بطاقم أكثر كفاءة، فقد زادت عثرات السياسة الخارجية المصرية وأصبح من الملائم استبدال منفذيها بطاقم أكثر قدرة، أما الأمر الثانى فهو البدء فى إشراك المجتمع المدنى فى رسم السياسات الخارجية، فالسياسة الخارجية أمر لا يخص قطاعاً واحداً من أهل الحكم ولا هى أمور مغلقة تستعصى على فهم آحاد الناس، ولكنها فى النهاية الترجمة الحقيقية لرؤية المجتمع لأمنه القومى، وأصدقائه وأعدائه، والدوائر التى يتعين على حكومته أن تتحرك فيها، وهو طريق ذو اتجاهين، الأول من الدولة تجاه المجتمع المدنى شرحاً وإيضاحاً، واستشارة، والاتجاه الثانى من المجتمع المدنى تجاه الدولة تعاوناً وتنسيقاً، ومساندة. يبقى أن استقالة الوزير أحمد أبوالغيط ومعاونيه لابد أن توضع تحت تصرف الرئيس، فإن إخفاقهم فى تحقيق الأهداف التى وضعت على عاتقهم لا يمكن معالجتها بغير إقالة كريمة تحفظ ماء وجوههم إن بقى فيها شىء من حمرة الخجل، أما الوزير فاروق حسنى فأحسب أن وقت استقالته من منصبه قد حان، لقد وعد الوزير الفنان فى حواره مع «المصرى اليوم» علناً بأن يستقيل من الوزارة إن خسر منصبه - إلا إذا رفض الرئيس - ولا نظن أن عبارة «ارمى ورا ضهرك»، التى قيل إن الرئيس قالها تطيباً لخاطره، تعنى رفض استقالته، ولكنها ربما تعنى أن ينسى كل ما حدث وأن يذهب إلى فيلته الفخمة على النيل فى منيل شيحة يرسم ويكتب لنا قصة الفشل وأسبابه إن لم تفد كمثل، فربما إفادة كأمثولة. سيادة الوزير فاروق حسنى.. هذا وقت الاستقالة.. فكن عند كلمتك وغادر.