يحب الصديق العزيز أحمد المسلمانى «باريس» وشوارعها، يحكى لى فى كل مرة يذهب إلى هناك الكثير والكثير، من أول طعم اللحوم فى مطاعمها الأنيقة، وحتى حالة الرقى المبهر فى شوارعها وميادينها وخدماتها، كلما سافر للخارج يعود مثقلاً بأحلام جديدة لمسقط رأسه «بسيون» ولمحافظة الغربية التى تنتمى لها هذه المدينة الصغيرة، التى وضعها المسلمانى بأحلامه لها وحديثه عنها على خريطة الشهرة، على الأقل لدى متابعى برنامجه الناجح جداً، وكتاباته التى لا تقل نجاحاً وتألقاً. آخر أحلام المسلمانى، أن يرى فى طنطا «عاصمة الدلتا» أوبرا، تعيد تشكيل الوجه الثقافى للمدينة التى تمثل المحافظة التى ينتمى إليها وأنا، ويحكى عن «أحلام» مماثلة للواء عبدالحميد الشناوى محافظ الغربية الذى يخلع عليه المسلمانى صفات الدأب والجد والاجتهاد. والحقيقة أننى أيضاً أحلم مثل المسلمانى ب«أوبرا طنطا»، وبفرع لساقية الصاوى هناك، وبأشياء كثيرة تتجاوز ميداناً وبضعة شوارع فى عاصمة الإقليم لتمتد لضواحيها ومراكزها وقراها، أتمنى مثلما يتمنى المسلمانى أن نجد ما يراه فى «كان» و«باريس»، فى كل مكان فى إقليمنا. لكننى مقتنع، وأعتقد أن العزيز أحمد المسلمانى معى، أن الأوبرا فقط لن تجعل من طنطا «كان» أو «باريس» أو حتى حياً صغيراً فى أسطنبول العاصمة التاريخية للأتراك، وأنه بالتوازى مع حلمه بالأوبرا لابد أن يحلم لسكان المنطقة بالخدمات التى يتمتع بها فى الخارج من يباهون بمسارحهم وحضورهم الثقافى، لا أطلب ولا يطلب هؤلاء رفاهية أو كماليات، لكنهم يطلبون على الأقل طريقاً ممهداً ومضاء، وكوب ماء نظيف، ووسيلة انتقال عامة آدمية. قرأت ما كتبه المسلمانى أمس عن طنطا ومحافظ الغربية، فتذكرت أننى كنت فى قريتى «الجميزة» فى عيد الفطر، وكنت غادرتها قبل عام بالضبط لأستقر فى القاهرة، وعندما غادرتها كان طريق «الجميزة - إخناواى» مليئاً بالتكسير والحفر وأعمال بدا أنها أعمال صرف أو مياه، وعندما عدت بعد عام كان وضع الطريق كما هو، كأننى تركته منذ ساعتين، وعندما غادرت منزلنا هناك كانت المياه تبدو للعين مجردة نظيفة حتى وإن كانت فى حقيقتها خادعة، وعندما عدت وجدت «الفلاتر» قد انتشرت فى منازل القرية، والماء الذى درسنا أنه بلا لون أو طعم أو رائحة، إما أنه تغير واختلط بصرف صحى كما يقول الأهالى، أو تغيرت مناهج الدراسة ومسلمات الطبيعة وأصبح للماء لون وطعم ورائحة، ناهيك عن الطرق المؤدية لطنطا من الاتجاهات المختلفة التى تحتضنها أكوام القمامة من الجانبين. ليصطحب المسلمانى «المحافظ الدؤوب» فى جولة على هذه الطرق، وليعزمه على كوب ماء فى إحدى القرى، وليسر به عند كوبرى 6 أكتوبر ب«إخناواى» دون استخدام «الكمامات»، وليحاول أن يستقل معه وسيلة مواصلات على الطريق، بعد أن غابت الدولة، وتركت المواطنين تحت رحمة «الميكروباص» دون أن تقدم بديلاً عاماً، أو تبادر بتنظيم فوضى الميكروباص بإجراءات رادعة وحازمة تحمى حقوق المواطنين، أو ليسر به على طريق «كفر خضر» على الجانب الآخر من المدينة فى الليل المعتم، دون أن يخشى السقوط فى «الملاحة». ليقنع المسلمانى «المحافظ الدؤوب» بعقد جلسات استماع مع الأهالى فى «الجميزة» أو «ميت حواى» أو أى قرية يختارها بعشوائية، ربما يدرك أنه، وهو يحلم للغرباوية ب«أوبرا»، لابد أن يحلم لهم أيضاً بحياة آدمية..! [email protected]