السجن المشدد عقوبة جريمة الإضرار بالأمن القومي من خلال تقنية المعلومات    اللجنة المصرية في قطاع غزة توزع الخيام على النازحين المتضررين من الطقس السيء | فيديو    هل تناول اللحوم والألبان خطر على الصحة في ظل انتشار الحمى القلاعية؟    بعد شكاوى المواطنين، محافظ الدقهلية يقرر وقف محرقة النفايات الطبية الخطرة ببلقاس    الفصائل الفلسطينية: نرفض نزع سلاح غزة أو المساس بحق الشعب فى المقاومة    اللجنة المصرية تستنفر طواقمها الفنية في غزة لمواجهة آثار الأمطار.. فيديو    وزير أمريكي يحذر من خطورة الطائرات المسيرة على الحياة البشرية بأكملها    إيران تكافح الجفاف بتلقيح السحب |عراقجى: تخصيب اليورانيوم «غير قابل للتفاوض»    لاعب الزمالك السابق: خوان بيزيرا صفقة سوبر وشيكو بانزا «غير سوي»    حلم البديل يتحقق.. الكونغو الديموقراطية تقصي نيجيريا وتتأهل إلى الملحق العالمي المؤهل للمونديال    مودي ناصر: طارق السيد فاوضنى للانضمام للزمالك والموسم الحالى هو الأخير مع إنبى    رجب بكار: منتخب مصر ضحى بي في أمم أفريقيا 2019    نائب رئيس اتحاد كاب فيردي: غياب صلاح لن يؤثر على قوة منتخب مصر    بقوة هالاند.. النرويج تذل إيطاليا وتتأهل لكأس العالم بعد غياب دام 28 عاما    تريزيجيه: أنشيلوتي طلبني مرتين وهذا المدرب كان ينهي مسيرتي    نشرة الرياضة ½ الليل| مثل صلاح الأعلى.. تفكيره في القطبين.. تدريبات مصر.. عزاء صبري.. وجوائز كاف    "هو ضاع وهي ضاعت".. شقيقة المجني عليه بالإسكندرية تروي تفاصيل قبل مقتله أمام أطفاله الثلاثة    ضبط 16 جوال دقيق مدعم وإغلاق مخابز مخالفة في حملة تموينية موسعة بالعياط    السيطرة على حريق فيلا بطريق المنصورية دون إصابات وتحقيقات لكشف ملابساته    بعد تعرضه لوعكة مفاجئة، تطورات الحالة الصحية ل عمر خيرت    ريهام عبد الحكيم: أسعى للمزج بين الطرب الأصيل وروح العصر    سيد عبد الرسول.. الحكاية الشعبية فى لوحة    مروة صبري تعتذر ل دينا الشربيني عن تصريحاتها في برنامج "قعدة ستات" (فيديو)    خبراء التكنولوجيا يؤكدون اقتراب مصر من ريادة الذكاء الاصطناعي إقليميًا بشرط توحيد الاستراتيجية    أخبار × 24 ساعة.. وزارة التضامن: 10.2 مليون طفل من سن يوم إلى 4 سنوات    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. المقاومة الفلسطينية توضح أسباب تأخر الكشف عن مصير قادة استهدفهم الاحتلال.. زلزال بقوة 3.5 ريختر يضرب ولاية باليكسير بتركيا.. بريطانيا تعلن تقليص الحماية المقدمة للاجئين    بولندا تستقبل 2026 باحتفالات مبهجة.. أسواق الهدايا تضيء مدينة بوزنان    بعد جولة ناجحة بأهم 3 عواصم أوروبية.. عين الحسود تصيب أحمد سعد    ياسمين العبد تسترجع أصعب أدوارها في لام شمسية: أصبت بانهيار بعد آخر مشهد    في عمق الشتاء، صيف. (10)    زيلينسكي: أوكرانيا تعمل على استئناف تبادل الأسرى مع روسيا    خلاف بسيط بالهرم يتحول إلى صفعة قاتلة تنهي حياة أب    أحمد موسى: الإخوان لا علاقة لهم بالدين أو الجهاد وهدفهم السلطة فقط    دبابة إسرائيلية تطلق ذخيرة ثقيلة بالقرب من قوات حفظ السلام في لبنان    وزير الصحة الفلسطيني: استشهاد فتى برصاص الاحتلال خلال اقتحام مخيم الفارعة    هل التبسّم في الصلاة يبطلها؟ أمين الفتوى يجيب    خطوبتي مش بتتم وقالوا لي معمول سحر.. أمين الفتوى يجيب    داعية توضح حكم منع الميراث من زوجة الأب الثانية    لأول مرة بمستشفيات الفيوم.. نجاح تركيب منظمات ضربات القلب وأجهزة الصاعق الداخلي    مصر تتجاوز مليار دولار في الأمن السيبراني وتستعد لقيادة الحماية الرقمية    أمين البحوث الإسلامية يتفقد منطقة وعظ أسيوط لمتابعة الأداء الدعوي    ما حكم الامتناع عن الإنفاق على الزوجة والأولاد؟.. أمينة الفتوى تجيب    قضايا الدولة تفتتح مقرا جديدا لها بالوادي الجديد (صور)    ضبط سيدة بتهمة التخلص من رضيعها بإحدى قرى مركز أبو تشت فى قنا    ياسر عبدالله يتفقد مستوى النظافة في شارع أحمد عرابي ومحيط كلية الزراعة    محافظ الجيزة: الشعار الجديد للمحافظة يجسد إرثها الحضاري والعلمي    انطلاق حملة التطعيم ضد الحصبة للأطفال حتى 12 سنة بأسوان.. صور    بتوجيهات شيخ الأزهر .. دخول قافلة «بيت الزكاة والصدقات» الإغاثية الثانية عشر إلى غزة    زراعة بنى سويف تعاين مزرعتى ماشية و4 للدواجن وتصدر 6 تراخيص لمحال أعلاف    وزير الصحة يكشف مفاجأة عن متوسط أعمار المصريين    10 محظورات خلال الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب 2025.. تعرف عليها    جهاز مستقبل مصر يقود سوق القمح نحو الاكتفاء الذاتى عبر زيادة المساحات الزراعية    «تعليم الجيزة»: المتابعة اليومية بالمدراس رؤية عمل لا إجراء شكلي    مواعيد وضوابط امتحانات شهر نوفمبر لطلاب صفوف النقل    استنئاف حركة الملاحة والصيد بميناء البرلس    انطلاق أسبوع الصحة النفسية لصقل خبرات الطلاب في التعامل مع ضغوط الحياة    الرعاية الصحية تبحث تطوير خدمات القساطر القلبية المتقدمة لمرضى التأمين الصحي الشامل    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسكن بحيوات كثيرة
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 11 - 2025

وقف للحظات يتطلع إلى الجدار المتشقق وما حوله، نقر بأصبعه على جزء منه وصمت، ثم قال بلغة هى خليط من الأوردو والعربية والإنجليزية، كحال معظم العمالة فى الخليج: «مدام هذا أولد، واجد أولد». ببعض التعود، فهمتُ أنه يقصد، وما قاله بعد ذلك، أن الجدران والأسقف قديمة وبحاجة إلى تغيير كامل. ولم يكتفِ بذلك، بل أضاف أن بعض القطع التى علينا تبديلها لا قطع غيار لها. «لا لا»، ورددتها بالإنجليزية: «نو نو». هذا منزل بذكريات لا تستطيع أن تغيّره، نحن لا نبحث عن التغيير بل عن بعض التعديل، بمعنى أن نزيل عوامل الزمن ونبقى التفاصيل كما هى.
• • •
هو بيت العائلة الذى يزيد عمره على الخمسين عامًا، ذاك الرقم الذى صدم العامل القادم من شبه القارة الهندية فى مقتبل عمره، ففى رأيه الخمسون تعنى «عجوزًا» أو كبيرًا. نظر إلى الجدران والأبواب والنوافذ وكأنها أشياء تجاوزها الزمن. فى تلك اللحظة تحرك شىء ما فى صدرى. هو يراه مجرد بيت عجوز، أما نحن فبالنسبة لنا هو منزل يمتلئ بالحب والذكريات.
• • •
وقفتُ لأقول بحزم: «لا تغيير فى أى شىء». فكل قطعة هنا ليست حجرًا أو قطعة خشب، بل ذاكرة. كل زاوية تحمل لحظة فرح، أو غصّة حزن، أو ربما سرًّا صغيرًا لا يعرفه إلا جدار قديم كان شاهدًا علينا. الأثاث يعرف أصواتنا، والسلالم تحفظ وقع أقدام من غادروا ومن بقوا، بل وحتى الهواء بين الغرف يشبه كتابًا مفتوحًا، صفحاته ليست من ورق بل من أنفاسنا.
• • •
استيقظت من سهوى على صوته وهو يكرر: «مدام لازم يغير». فابتسمت ربما بمرارة، وتذكرت فجأة أن المنازل عند البعض كالبشر أو بنى آدم، لها عمر أو سنوات تعبر أحيانًا سريعة ثم ما تلبث أن ترحل. ولكنها، وهذا ما أردت أن أفسره له ولم أعرف بأى لغة، لا تشيخ؛ فلكل تجعيدة حكاية، ولكل شق فى الجدار ذكرى. بل إن كل المعالم التاريخية، كل الجوامع والبيوت والأسواق التى صمدت مئات السنين، هى أكثر حياة من كثير من العمران الحديث والعمارات الشاهقة. كلها تحمل روح زمن بأكمله، وكل الذين مرّوا وتركوا بصماتهم، فكيف نقول إنه «لا قطع غيار لها» فلنرمه فى النفايات؟!
• • •
وفتحتُ أبواب الذكريات على مصراعيها، ونحن نتحسس الجدران ونتفقد الزوايا وننتقل بين الصور. سمعت أصوات ضحكات قادمة من الغرفة التى كانت تتسع لكل العائلة، ورأيت الوجوه التى غابت، تتحرك فى ذهنى بخفة، وتعود لتجلس فى أماكنها المعتادة. هناك، فوق تلك السجادة، كان الأحفاد يلعبون، وقرب النافذة جلس يراقبهم بعينيه اللتين تعرفان كيف تضحكان وحدهما دون صوت!
• • •
فى غرفة الطعام، وأنا أرى بعض التشقق فى الأرضية الخشبية، عادت القصص التى حيكت وحُكيت حول هذه المائدة. كنا نتشارك أطباقًا من كل بيت، وكل عائلة تحضر ما تميزت بطبخه. نسرد حكايات أيامنا وترتفع الأصوات حتى لا نسمع بعضنا بعضًا. لا تزال هذه الجدران تخبئ صدى الأصوات والضحكات حتمًا.
• • •
البيوت لا تشيخ كما البشر لا يكبرون، بل يزدادون نضجًا وخبرة، وربما رونقًا وحيوية مختلفة. أردت أن أقول له، أو أفهمه هو المقبل على الحياة، أن عليه أن يدرك أن المنازل لا تشيخ، بل هى مخازن للذاكرة، وهى الأماكن التى صنعت الحب، كثيرًا منه. ولذلك فهى ليست بحاجة إلى قطع غيار، بل إلى لمسة هنا وهناك فتنهض الضحكات والحكايات لتخرج فى شكل صور من بين شقوق الجدران العتيقة، فتزهر وتعيد لها نضارتها. كما أن البيوت التى تملؤها القلوب لا تهرم كما علمنا الرومى.
• • •
العمر أو السنين ليسا تقويمًا على ورق؛ فكم من صغير أثقلته الشيخوخة المبكرة، وكم من كبير فى السن ظل يمشى بخفة نورس، لأن روحه لا تزال تحلق وتعشق كل تفصيل فى الحياة.
• • •
حاول هو أن يحرك بعض الأدوات أو قطع الأثاث ليحدث صوتًا أو بعض ضجيج، ربما فقط ليوقظنى من ذلك السرحان أو الحلم الجميل، وقد نجح. فأسرعت بالقول: اترك كل ما تستطيع، رمّم الشقوق فقط، فهذا مسكن بحيوات كثيرة. أو كما يقول ابن عربي: «ليس البيت جدرانًا، إنما هو موضع سكنى الروح».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.