طارق الطاهر «محمد خلف» هو واحد من النماذج التى بنت نفسها، واستطاعت أن تخلق لذاتها سياقا مستقلا، لم يخضع لأى ظروف، وضع أمام عينيه هدفا وسعى إليه، لم يكن الهدف هو فقط «وظيفة مرموقة»، بل سعى إلى تحصيل المعارف، والدخول فى عالم الأدب والثقافة من أوسع الأبواب، وهو باب «القراءة»، هذا الباب الذى جعله يتمكن من اللغة، إلى الدرجة التى مكنته من أن يعد أبحاثا عن كلمات يرى أنها تستخدم فى غير مواضعها، ولم يخف أن يرسل هذه الاجتهادات إلى مجمع اللغة العربية، الذى أدرك القائمون عليه أنهم أمام «مجتهد» يستحق أن يكون «خبيرا» فى هذا المجمع العريق، وتحديدا بلجنة القانون. ولم «القانون»؟ لأنه واحد من رجالات القضاء المصرى، الذين آمنوا بهذه الرسالة، وسعوا فيها - أيضا - إلى تطوير أدواتهم، فساهم فى تأسيس قسم المنازعات الخارجية فى الهيئة التى انتسب إليها وأصبح أحد أفرادها، وهى هيئة قضايا الدولة العريقة، هذا القسم المسئول عن الدفاع عن مصر فى جميع قضايا التحكيم الدولى المقامة ضدها أمام مؤسسات التحكيم الدولى، وقد استطاعوا فى فترات عصيبة مرت على مصر أن يكسبوا قضايا كبرى - ليس الآن محل ذكرها - كما تولى رئاسة شعبة القسم الدولى فى ذات القسم «المنازعات الخارجية»، ومن خلاله شارك فى تمثيل مصر فى العديد من قضايا التحكيم الدولى. ومنذ فترة ليست بالقصيرة أطلعنى على مخطوط نادر فى توجهه فى هذه الأيام، وهو يحيى من جديد ببراعة أهمية «المقال الأدبى» الذى من خلاله يستطيع بأسلوب رصين مناقشة أى موضوع، وهو ما تحقق له فى كتابه «عودة الضوء.. مقالات أدبية واجتماعية» الصادر عن هيئة الكتاب. هذا الكتاب يعيدنا بالفعل إلى عصر المقالة الأدبية التى برع فيها كبار الأدباء والمثقفين والمفكرين فى النصف الأول من القرن الماضى، وتركوا لنا إرثا من الممكن البناء عليه، بلغة عصرية، وهو ما فعله «خلف» فى كتابه، الذى تناول فيه قضايا فلسفية كبرى، وقد قسمه إلى أربعة عناوين كبرى، اندرج تحتها العديد من الموضوعات الفرعية، هذه العناوين هى: القدر والأسباب، بين الذات والمجتمع، طه حسين، وموضوعات متنوعة. فى مقدمته التى تعد بلغة النقاد «عتبة النص»، يظهر فيها فلسفته من هذا الكتاب، أو بمعنى أدق الغرض من إحياء هذا النوع الأدبى المهجور نسبيا، فيكتب محمد خلف: «كل مقال يعبر عن حالة وجدانية ونفسية وعقلية اعترتنى فحملتنى على الكتابة والسرد والتعبير، فخرجت هذه المقالات من نفسى وهى عزيزة منها»، وبالفعل فقد وصلت إلينا هذه المقالات، محققة سعيها، مؤكدة على مولد كاتب سعى، فحقق له الله سعيه.