تجمع المعاجم العربية على أن البطولة هى الشجاعة الفائقة التى لا يتصف بها إلا قليل من البشر، أما معجم إكسفورد فيرى أن البطل هو «المحارب العظيم والمقاتل الشجاع»، وهو «القائد القوى الملهم الذى بوسعه أن يحدد مسار التاريخ»، أو «الشخص الذى اشتهر بين الناس بإنجازاته الكبيرة أو صفاته الحميدة» حسب ما تذكره الموسوعة الأمريكية. فإذا انتقلنا من الحرب إلى الإبداع والمعرفة والمخيلة الشعبية يكون البطل هو «الشخصية المحورية فى حكاية أو رواية من أى نوع من الأدب الملحمى»، كما تذكر الموسوعة البريطانية، وهو هنا يبدو تعبيرا فنيا واعيا أو غير واع عن أشواق ورغبات تعتمل فى نفوسنا بحثا عن الاكتمال الإنسانى، أو محاولة فهم الواقع وسبر أغواره. وللبطولة ركائز لا تخفى على أحد، أولها فيض الحيوية، ومضاء العزيمة والشجاعة والاعتداد بالنفس ورسوخ العقيدة، فلولا إيمان الأبطال فى كل مجال من مجالات الحياة بما يدور فى عقولهم وتنطوى عليه جوانحهم ما تقدمت الحياة بنا خطوة واحدة. وليس بالضرورة أن يكون البطل فردا، بل يمكن أن تمثل البطولة جماعة أو مؤسسة أو هيئة اعتبارية. والأبطال إما أن يكونوا حقيقيين كالذين نعرفهم فى السياسة والحرب والمعرفة والعلم والدين، مثل هؤلاء الذين ذكرهم توماس كاريل فى كتابه الأثير «الأبطال»، أو أسطوريين تصنعهم قرائح الشعوب وأقلام بعض الكتاب المبدعين، إما اختلاقا كاملا، أو بإضفاء صفات خارقة على قادة وشخصيات عادية بعد موتها. وهنا يقول كارليل: «إن من أسباب العزاء أن فى ذكرى الأبطال العظماء، كيفما كانت، نفعا وفائدة. والرجل العظيم لا يزال بعد موته ينبوع نور يتدفق. فليس أحسن من مجاورته شىء.. نور يضىء، وكان يضىء ظلمات الحياة. وليس هو كسراج أشعل، ولكنما نجم شبته يد الله بين أشباهه من كواكب الأفق.. هو ينبوع نور يتدفق بالحكمة ومعانى الرجولة والشرف الكبير». ويقدم كارليل أبطاله فى صور شتى، أولاها البطل فى صورة إله، حيث يتحدث عما سماها «عبادة الأبطال» التى تعنى الإفراط فى إجلالهم إفراطا لا حد له. والثانية هى البطل فى صورة رسول، ويمثله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، والثالثة هى البطل فى صورة شاعر ويجسده كل من دانتى وشكسبير، والرابعة هى البطل فى صورة قس، ويجسده مارتن لوثر بالنسبة للبروتستانتية وجون نوكس بالنسبة للبيوريتانية. وقياسا على هذه النماذج يحفل التاريخ البشرى بالأبطال، الذى كبروا فى عيون الناس ونفوسهم، وصاروا رموزا ومثلا عليا، يقتدى بها. ويولد البطل فى السير الشعبية مصحوبا بنبوءة واضحة المعالم، ترتبط بوجوده الفعلى، وتحدد له المصير المعد له، والدور الذى سيلعبه فى حياته، وهو دور حتمى، ليس بوسعه أن يفر منه، أو يتفاداه. وتضع هذه النبوءة بصمة أساسية فى إخراج البطل من حيز الإنسان العادى إلى براح الإنسان الأسطورى، ليدخل دائرة الكون الفسيح، فيتوحد معه، ويرتبط به ارتباطا وثيقا. والنبوءة قاسم مشترك فى أساطير البطولة، وحياة أصحاب الملاحم والسير الشعبية الكبرى. وفى حقيقة الأمر فإن معظم الشعوب التى كانت لها حضارات عظيمة، نسجت الكثير من الأساطير النمطية التى تمجد فرسانها وملوكها وأمراءها ورجال دينها الكبار ومن بنوا مدنها التاريخية. ومن أشهر تلك الأساطير أسطورة «حورس» فى الأدب الفرعونى القديم، و»إنكى» فى ملحمة الخليقة البابلية، و»بعل» فى آداب الكنعانيين، و»سرجون الأكادى» مؤسس الإمبراطورية الأكادية فى بلاد النهرين، و»شمشون» عند العبرانيين. وتوزعت أساطير هؤلاء «الأبطال» على عدة أشكال منها ما يعرف ب «أسطورة البطل» والملاحم والتراجيديا والحكايات الخرافية والحكايات السحرية والسير الشعبية والأسطورة الدينية. وينحت بعض المبدعين أبطالا من خيالهم الخصب، لكنهم يتركون علامات فى تاريخ الإنسانية، وتتردد سيرهم وأفعالهم وكأنهم بشر من لحم ودم، وليسوا مجرد سطور دبجها قلم، وربما لم يتوقع كاتبها لحظة تدبيجها أنها ستعلوا فى نفوس الناس هذا العلو، وتجرى على ألسنتهم هذا الجريان. ويمكن أن نضرب مثلا هنا بشخصية «دون كيشوت» التى أبدعها الكاتب الأسبانى ذائع الصيت سيرفانتس (1546 1616) بعد أن احتشد خياله بقصص الفروسية التى قرأها من الأدب اليونانى القديم، فهذه الشخصية المختلقة صارت مضرب الأمثال على الفروسية الجامحة، التى جعلت صاحبها يعشق الحرب، فإن لم يجد من يحاربه حارب طواحين الهواء. وهذه النماذج الخيالية المختلقة تدل دلالة قوية على أن الناس ينتظرون الأبطال ويتوقون دوما إلى البطولة، فإن لم يجدوها اخترعوها. وسواء كان البطل حقيقيا، عاش بين الناس ومشى على الأرض وسُمعت أقواله وشوهدت أفعاله وأقض وجوده مضاجع الحاكم المستبد، أو كان صناعة كاتب قدير أو إنتاج قريحة شعبية متوقدة، فإن الحياة بحاجة دوما إلى الأبطال، كى ترتقى وتسير إلى الأمام.