كشف تقرير ل«نيويورك تايمز» من باريس أمس، عن تفاصيل الساعات العصيبة التى شهدت تحول الموقف فى دهاليز المقر الرئيسى لليونسكو لصالح السفيرة البلغارية لدى الإليزيه إرينا بوكوفا، والتى انتخبت مديرا عاما لليونسكو بعد أن كان وزير الثقافة المصرى فاروق حسنى قاب قوسين أو أدنى من الفوز بهذا المنصب. ومن أهم ما كشف عنه التقرير أن الجهود الدبلوماسية المكثفة التى بذلها الرئيس حسنى مبارك، هى التى اقتربت بالمرشح المصرى من الفوز، لكن طعنة من الأشقاء هى التى مهدت لسقوطه، والذى كان أشبه بزلزال هدد وحدة وتماسك اليونسكو لولا التصرف الدبلوماسى الراقى والمسؤول من جانب السفير المصرى لدى اليونسكو الذى هنأ بوكوفا محتضناً إياها بحرارة ومعلنا أن لمصر نصيبا من انتصارها واستجابة بوكوفا لهذا التصرف وحديثها الإيجابى والودى عن فاروق حسنى. صحيح أن هذه تقارير صحفية تحتاج إلى مزيد من التأكيد والتدقيق، لكن المؤكد أن قوة الدبلوماسية المصرية لم تنجح فى سد الثغرات فى الخطاب الثقافى لوزير يطرح نفسه كمرشح لشغل أهم موقع ثقافى فى العالم . وقد أبرزت ال«نيويورك تايمز» التناقض بين قوة مصر الدبلوماسية وضعف خطابها الثقافى الرسمى فى فقرة جاء فيها: «جاء انتصار بوكوفا هزيمة لمصر بعد أن حاول رئيسها حسنى مبارك أن يجمع الثلاثين صوتا التى يتألف منها المجلس التنفيذى لليونسكو قبل الانتخابات لضمان الانتصار من الجولة الأولى فى ميدان شغله فى البداية تسعة مرشحين. لكن فاروق حسنى «71 سنة» اتهم بمعاداة السامية وبممارسة الرقابة طوال 22سنة قضاها وزيرا للثقافة». وقد تطلع الكثيرون فى الشرق والغرب إلى فوز فاروق حسنى بهذا المنصب وثيق الاتصال بهذا المعنى، بمعنى التحول والتجدد الذى يقرّب بين الكتل الثقافية الكبرى فى الثقافة العالمية، وإن كانت مصر بثقافتها الوسطية منذ أقدم العصور أقدر على التجاوب مع المتغيرات، وأقدر على إحداث تأثير عالمى واسع، بحكم مكانتها المتميزة فى مدارات رئيسية للثقافة العالمية. ويبقى مربط الفرس فى موقف الوزير من حرية التعبير، والموقف الرافض للصهيونية دون تورط فى العنصرية المعادية للسامية. لكن الوزير المصرى كان له موقف انفعالى، وهو يواجه اتهامات بالتطبيع الثقافى ولم يوفق فى التعبير عن موقف الثقافة المصرية الذى هو موقف صحيح مستند إلى رفض العدوان وإلى الإصرار على أن تحترم إسرائيل القانون الدولى والحقوق العربية، ولم يختر الألفاظ الملائمة فأخذها عليه خصومه، فعندما سئل فى مجلس الشعب المصرى عن ترجمة وتداول مؤلفات إسرائيلية فى مصر، رد قائلا إنه مستعد لإحراق أى كتاب إسرائيلى يجد طريقه إلى المكتبات المصرية. لقد قالت ال«نيويورك تايمز» إن أربعا من الدول الأعضاء هى: مدغشقر ونيجيريا ولبنان وباكستان فصلت مندوبيها لدى اليونسكو بعد أن وضح أنه لم يلتزم المندوبون بالوعد الذى قدمته دولهم للرئيس بالتصويت لفاروق حسنى. فماذا جرى إذن؟! تشير ال«نيويورك تايمز» إلى ما نشره الموقع الإلكترونى السعودى «إيلاف» يوم السبت الماضى، عن أن فاروق حسنى تباهى بالدور الذى قام به، حينما كان مجرد دبلوماسى فى 1985 لتمكين مختطفى السفينة الإيطالية آكيلى لاورو، من الهروب والإفلات من قبضة العدالة الدولية التى أرادت محاسبتهم عن عمل إرهابى راح ضحيته رجل مقعد. وطبقا لما قالته الصحيفة، فإن ممثلى اثنتين من الدول التى وعدت مصر بأن تعطى صوتها للمرشح المصرى غيرا موقفيهما فى اللحظة الأخيرة، بعد أن عرفا ما نشرته «إيلاف» بأن فاروق حسنى تباهى بدوره فى تهريب المسؤولين عن هذا الأمر وصوتا للمرشحة البلغارية.