من المعروف أن منظمة الأممالمتحدة تضم منظمات وهيئات عديدة، منها مجلس الأمن ومنظمة اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة "الفاو". وهذه المنظمات والهيئات تهتم بمجالات مختلفة في الحياة، فمجلس الأمن يختص بالأمور السياسية ومنظمة الصحة العالمية تهتم بالأوبئة والأمراض التي تصيب سكان الكرة الأرضية ومنظمة الفاو تعني بالزراعة والغذاء العالمي. أما منظمة اليونسكو التي أسست في 16 نوفمبر 1945م فتعني بالعلوم والتعليم والثقافة. وتعتبر مصر من أولي الدول التي قامت بالتصديق علي ميثاق اليونسكو في 4 نوفمبر 1946م. الجدير بالذكر أن هذا الميثاق يوضح أن هذه المنظمة لا علاقة لها بالسياسة من قريب أو بعيد غير أن السياسة تلعب دورا مهما في حسم الانتخابات "اليونسكية". كان ذلك واضحا خلال انتخاب مدير عام اليونسكو الذي يخلف الياباني كوتشيرو ماتسورا. لا شك أن المجلس التنفيذي لليونسكو الذي يضم 58 عضوا هو المنوط به اختيار المدير العام ولكي يفوز المرشح في هذه الانتخابات فعليه أن يحصل علي 30 صوتا علي الأقل. لقد كان المرشح المصري فاروق حسني قاب قوسين أو أدني من اختياره مديرا عاما لليونسكو غير أن جهات مختلفة أحسنت استغلال بعض تصريحاته التي خانها التوفيق. من الملاحظ أن هذه هي المرة الأولي - ليتها لن تكون الأخيرة - التي يقترب فيها عربي من هذا المنصب المرموق، إذ حصل فاروق حسني علي 22 صوتا في الجولة الأولي و23 صوتا في الجولة الثانية وجاء ترتيبه في هاتين الجولتين متقدما علي المرشحين الثمانية منهم وزيرة خارجية النمسا السابقة بنيتا فيريرو فالدنيراس والسفيرة البلغارية ايرينا بوكوفا. ويعود الفضل في هذا الأداء لدعم القيادة السياسية ولجهود الدبلوماسية المصرية. وبالرغم من أن فاروق حسني حظي بالدعم المصري وبمساندة الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي إلا أن الضغوط الأمريكية واليهودية وتكاتف الأوربيين أسفرت عن فوز المرشحة البلغارية في الجولة الأخيرة حيث حصلت علي 31 صوتا بينما حصل حسني علي 27 صوتا فقط. من المعروف أن إسرائيل لا تملك ثقلا سياسيا تستطيع بموجبه أن تشكل ضغطا حقيقيا علي الدول الأعضاء لكنها اعتمدت علي النفوذ الأمريكي ولعل هذا النفوذ مرده إلي المساهمات المالية التي تقدمها إلي المنظمة وربما هدد المندوب الأمريكي بحرمان المنظمة من الدعم المادي في حالة فوز المرشح المصري، تماما كما حدث في الثمانينيات حين انسحبت أمريكا وبريطانيا من المنظمة. لقد أعرب فاروق حسني عن دهشته من المؤامرة التي حيكت حوله مؤكدا أن ما حدث يمثل الزلزال الأكبر في هذا العصر وحسب جريدة الأهرام فإن حسني يعتبر ضحية حملة إعلامية شرسة قادتها منظمات يهودية وتبناها شخصيات ثقافية يهودية نافذة. لا جدال أن فاروق حسني ضحية المؤامرات التي حاكتها جهات مختلفة في أروقة مقر اليونسكو في باريس أو في دهاليز الأممالمتحدة في نيويورك غير أن الوزير قدم خدمة جليلة لهذه الجهات، وهذه الخدمة كانت بمثابة الوقود الذي احرقوا به آماله في اقتناص المنصب الرفيع. لعل الخدمة التي قدمها الوزير لهؤلاء المتآمرين تطل برأسها في بيان وقع عليه ثلاث شخصيات يهودية تحظي بالاحترام في الأوساط الثقافية في أوروبا وهم ايلي ويزل الحاصل علي جائزة نوبل في السلام والمخرج السينمائي المعروف كلود لانزمان والفيلسوف برنارد - هنري ليفي. لقد أصدر هؤلاء بيانا نشر في الصحيفة الفرنسية لوموند في مايو 2009 ونشر أيضا قبيل الانتخابات في سبتمبر وهذا البيان يشير بوضوح إلي ضرورة عرقلة انتخاب حسني مديرا لليونسكو والمبررات التي يسوقها كاتبو البيان تتعلق بتصريحات منسوبة لفاروق حسني، ففي عام 1997 كان الوزير فاروق حسني قد صرح بأنه يمثل العائق الأساسي لتطبيع علاقات بلاده مع الدولة العبرية. وحسب ما جاء في البيان فإن جريدة روز اليوسف في عام 2001 أبرزت تصريحا للوزير مفاده أن إسرائيل تتلقي دعما قويا من اختراق اليهود للإعلام العالمي وإنها استفادت من قدرات الإعلاميين اليهود علي نشر الأكاذيب. ويضيف البيان أن المرشح المصري سبق أن زعم أن إسرائيل ليست لديها اسهامات في حضارة العصر وأن الثقافة الإسرائيلية تتصف بانعدام الإنسانية والعنصرية والعدوانية وهي ثقافة تقوم علي سلب حقوق الأخريين ثم الادعاء بملكيتها ويشير البيان أيضا إلي كلمات طائشة جاءت علي لسان فاروق حسني في مجلس الشعب في مايو 2008م: "سوف أحرق بنفسي الكتب الإسرائيلية إذا وجدتها في مصر" غير أن الانتقادات التي واجهها في الإعلام الغربي اضطرته إلي أن ينشر مقالا في جريدة اللوموند اعتذر فيه عن هذه الكلمات. ويري البيان أن المرشح اثبت معاداته للسامية حين قام بدعوة أحد أشد الناكرين للهولوكوست أو المحرقة وهو روجيه جارودي إلي معرض القاهرة للكتاب في عام 1998م وعام 2000م.