كنت قد عقدت العزم على أن أخصص مساحة هذا الأسبوع تحية لأخى الدكتور محمد السيد سعيد الذى يصارع المرض منذ سبعة شهور فى فرنسا متحليا بصبر المؤمنين وشجاعة الواثقين، على أننى لم أستطع أن أمنع نفسى من التعليق على خبرين قرأتهما فى «المصرى اليوم» الجمعة 18 سبتمبر ثم السبت 19 سبتمبر على التوالى. الخبر الأول عن زيارة الرئيس مبارك إلى أحد المراكز التجارية الفخمة فى ضاحية المعادى، وهى الزيارة التى استمرت- وفقا للخبر- ثلاث دقائق ورافقه فيها رئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزراء، أما الخبر الثانى فهو عن استعانة الحزب الوطنى بقوات من الشرطة فى محافظة الدقهلية كى تسيطر على جموع كثيفة من المواطنين تدافعت على مقر الحزب للحصول على حقيبة يوزعها تحتوى على «كيلو جرامين من الأرز وكيلو من المكرونة، وكيلو دقيق وكيلو بلح». الخبران يؤكدان على أن التنمية فى مصر تسير على غير وجه صحيح، ولا تصادف من يستحقها. جاءت زيارة كارفور عقب اجتماع عقده الرئيس مع رئيس الوزراء، ووزراء الداخلية، والتجارة والاستثمار، لمناقشة خطة تطوير التجارة الداخلية والمجمعات التجارية والاستهلاكية، وأسعار الأسواق المصرية والغلاء!! وانتهت الزيارة بتصريحات لوزير التجارة قال فيها إن الرئيس اطمأن بنفسه على ما يحدث فى قطاع التجارة الداخلية. وبقطع النظر عن أن 40% من الشعب المصرى- وفقا لتقرير التنمية البشرية الصادر هذا العام- يعيشون بأقل من ثلاثمائة جنيه شهريا، فضلا عن أن 8.8% من المصريين يعانون من البطالة- وفقا لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء لعام 2009- فإن كارفور يبدو بعيدا للغاية عن أن يمثل صورة واضحة وصحيحة لقطاع التجارة الداخلية، والتى ربما قدمت زيارة أحد منافذ بيع شركة الأهرام للمجمعات الاستهلاكية وهى إحدى الشركات التابعة لوزارة الاستثمار صورة أكثر صدقا عنها للرئيس. وتمثل حقيبة رمضان التى وزعها الحزب الوطنى فى محافظة الدقهلية الوجه الآخر لغياب مفهوم حقيقى للتنمية والمستهدفين بها لدى حزب يحكم مصر بشكل متصل منذ تأسيسه عام 1978، فبدلا من القيام بمشروعات تنموية حقيقية ترفع مستوى المعيشة للطبقات الأقل حظا وزع الحزب صدقاته بشكل استعراضى ومُذْل، يكفى كى يخسر أغلبيته البرلمانية فى أى انتخابات شبه نزيهة تجرى فى مصر، على أن الطريف هو أن حقيبة الحزب التى استعان بالشرطة لتفريق المتكالبين عليها لا تكفى استهلاك أربعة أيام لأسرة محدودة العدد، ولا تفى حتى بأبسط المتطلبات الغذائية الضرورية، مع الأخذ فى الاعتبار أن 46% من الشعب المصرى- وفقا للمجلس القومى للتنمية الاجتماعية- لا يحصل على الطعام الكافى ويعانى من سوء التغذية من بينهم 35% من الأمهات و53% من الأطفال. وأن الوضع الاقتصادى المتردى لغالبية المصريين سوف يؤدى مع الوقت إلى الإطاحة باستقرار البلاد وتكفى الإشارة إلى أن 35% من سكان القاهرة و62% من سكان الجيزة يعيشون فى مناطق عشوائية، وهى مرتع خصب ليس فقط للجريمة الجنائية ولكنها أيضا بيئة صالحة للإرهاب المتدثر بأفكار دينية أو مذهبية. ما العمل؟ بقدر بساطة السؤال تبدو الإجابة شديدة البساطة، فلابد من التسليم أولا بأن تحسين الوضع الاقتصادى الحالى وتلافى تداعياته السلبية لن يكون إلا عبر إجراء إصلاح سياسى واسع وحقيقى وعميق، يؤدى إلى تداول حقيقى للسلطة من ناحية ويشجع التحالفات بين القوى السياسية من ناحية أخرى، وهو ما لايمكن البدء فيه بغير إقامة حكومة ائتلافية تحكم لفترة مؤقتة وانتقالية، يكون على رأس أولوياتها بناء هذا النظام السياسى الجديد، والذى يتعين أن يكون ضمن أركانه تعديل للمادة 77 من الدستور بما لا يسمح بالترشح لمنصب الرئيس لأكثر من مدتين متتاليتين، والسماح بالتشكيل الحر للأحزاب السياسية، واعتماد نظام القائمة الحزبية النسبية فى الانتخابات التشريعية، وضمان استقلال القضاء بشكل كامل عن السلطة التنفيذية. بغير هذا الإصلاح السياسى الحقيقى لا يمكن الحديث عن إصلاح اقتصادى حقيقى. وسواء زار الرئيس كارفور أم زار أحد المجمعات الاستهلاكية، وسواء زاد الحزب الوطنى فى التصدق على المصريين بالسمن واللحم أم اكتفى بالأرز والمكرونة والدقيق، فإن حقيقة واحدة تبرز للعيان رغم محاولات إخفائها، هى أن المصريين لن يتحملوا طويلا وربما اجتاحوا فى فورة غضبهم ذلك المركز التجارى الفخم فى ضاحية المعادى ليعرفوا نوع البضائع التى تباع هناك ومن أجلها شَرُفْ كارفور بزيارة الرئيس.