سواء كانت هذه الأرقام «الصادرة عن مكتب الهجرة فى فيينا» صحيحة أم غير صحيحة، فالثابت أن أسنان المجتمعات الأوروبية تصطك خوفاً مما تسميه هى محاولات أسلمة أوروبا! لأن هذه الأعداد فى تزايد مستمر إلى حد أن أرقاماً وأخرى صدرت فى باريس تُحذر من أن فرنسا فى عام 2020 ستصبح دولة إسلامية مثل إيران، لأسباب، منها ارتفاع نسبة المواليد بين أبناء الجالية العربية والإسلامية البالغ عددهم - أصلاً - نحو ستة ملايين نسمة! ولقد دق جان مارى لوين، الزعيم اليمينى الشهير فى فرنسا ورئيس حزب الجبهة الوطنية المتطرف، ناقوس الخطر عندما كتب، ذات مرة، يطالب الفرنسيين بأن يقدموا - منذ الآن فصاعداً - فروض الطاعة والولاء لأى شخص مسلم يعيش فى باريس، والسبب هو أن مقعد الرئاسة فى قصر الإليزية سيكون من نصيب أحد المسلمين قريباً، ويقول إنه يكاد يرى هذا اليوم بأم عينيه، ومن ثم فإن كسب مودة مسلمى فرنسا الآن سيكون من حُسن الفطن! والأخطر - بحسب دراسة ديموغرافية فرنسية موثقة - أنهم عندما يشيرون إلى «شباب فرنسا» إنما يشيرون نحو غالبية كثيفة من أبناء الجيل الثانى المنحدرين من أصول عربية وإسلامية، فالإحصاءات تقول إن الأعمار من 15 إلى 28، إنما تقع بين أبناء المهاجرين، وأسماءهم لا تخرج بعيداً عن محمد، وعبدالله، ومحمود، ومصطفى، وهنا ترتعد فرائص النخب السياسية فى أوروبا خوفاً من هذا الزحف الإسلامى نحو القارة العجوز! وإذا علمنا أن كلمة «مسلم» هى المرادف الطبيعى فى الذهنية الأوروبية لكلمة «إرهابى»، وأن أحداثاً كثيرة فى أفغانستانوإيران والعراق ولبنان، قد أكدت - بما لا يدع مجالاً للشك - هذه الحقيقة المغلوطة، لأمكننا أن نضع أيدينا على «ظاهرة الإسلاموفوبيا» التى أصبحت أخطبوطاً يتمدد بأذرعه يميناً ويساراً، وتحولت مؤخراً إلى «لعنة» تُصيب العرب والمسلمين أنى حلوا أو ارتحلوا. ولذلك يخطئ كثيراً من يعتقد أن حياة المغتربين أو المهاجرين فى أوروبا لبن وعسل مُصفى، فالعكس هو الصحيح تماماً لأن الشبهات تطاردهم، والشكوك تلازمهم كظلهم، ناهيك عن الأبواب الموصدة فى وجوه معظمهم، خصوصاً فى سوق العمل، ولذلك ليست مصادفة أن نجد أن النسبة الأكبر من العاطلين تقع فى أوساط المغتربين، ولا تشفع لهم الجنسيات الأوروبية التى يحملونها فى شىء، فنظرة الأوروبيين لم تتغير، وكثيراً ما يسألون عن البلد الأصلى الذى جاء منه هذا المغترب أو ذاك، ليحددوا طريقة التعامل معه تبعاً لذلك، والكارثة هى أن القارة العجوز، وتحديداً الدول ال27 الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، بها نحو 26 مليون عربى ومسلم.. وجميعهم أصبحوا - ولو نظرياً - وراء القضبان بتهمة عدم الاندماج! والحق أن هذا الاتهام صحيح مائة فى المائة فمعظم المغتربين يرفضون الانفتاح على ثقافة المجتمع الذى يعيشون فيه ويفضلون العيش داخل كانتونات مغلقة، وليس مصادفة أن كثيرين منهم لا يجيدون التحدث بلغات المجتمعات التى يسكنونها، سواء الفرنسية أو الإنجليزية أو الإسبانية.. ولذلك حكموا على أنفسهم «بالتهميش»، فضاعت من ألسنتهم اللغة الأم «اللغة العربية» ولم يلحقوا بركب اللغات الأخرى، باستثناء بعض المفردات التى يستخدمونها بشكل ركيك يثير الضحك واللوعة أكثر من أى شىء آخر، وإذا تجاوزنا «هذه العقبة» لوجدنا أنفسنا أمام عقبة أشد خطراً وهى الزهد فى استخدام المنطق العقلى الذى برع فيه الأوروبيون، وكان سبباً مباشراً فى تقدمهم ورقى حياتهم، ولعل من تجليات هذا الزهد الإصرار على ارتداء الحجاب والبرقع وهما إحدى علامات «رفض الآخر». السؤال الآن هو: إذا كنا نرفض الاندماج ونصر على البقاء فى الظل، ونكره التحدث بلغاتهم الأبجدية والعقلية والمنهجية، ولم نحاول تنقية صورة الإسلام والمسلمين مما علق بها من شوائب، فلماذا نندهش عندما سدد متطرف ألمانى الطعنات فى ظهر وبطن الصيدلانية المصرية مروة الشربينى؟.. فى ظنى أنها لن تكون الضحية الأخيرة والجانى هو العقل العربى والإسلامى الذى استمرأ الكسل وتقاعس عن القيام بدوره النقدى «تجاه أنفسنا» والانفتاح «تجاه الآخر». ودائماً يحلو لنا طرح المعادلة الآتية: لماذا نجح اليهود فى أوروبا بينما فشل العرب والمسلمون، والإجابة: لأن اليهودى المهاجر رفع شعار: «كن يهودياً فى بيتك، ومواطناً أوروبياً فى الشارع»، ففاز بالحسنيين الأولى: كسب مودة الأوروبيين باختلاطه معهم، والثانية حافظ على هويته بممارسة حياته داخل البيت!.. أما نحن فلقد حصدنا الكراهية من كل لون وصنف، وحكمنا على أنفسنا بالعزلة وساهمنا، عن قصد أو عن غير قصد، فى تكريس الصورة الخاطئة عن الإسلام والمسلمين.. ولذلك كان طبيعياً أن نجنى الحنظل!