يحكى التاريخ أن امرأة مسلمة كانت تسير فى إحدى الأسواق بمدينة «زبطرة» بتركيا (حالياً)، فلم يعجب رجل من الروم جلبابها الطويل الذى يستر جسدها، فما كان منه إلا أن تحرش بها، وأمسك بطرف جلبابها ليهتك سترها، هنا صرخت المرأة «وامعتصماه»، وكان المعتصم بالله هو خليفة المسلمين آنذاك، فسمع رجال المعتصم صرخة المرأة وأبلغوه بما حدث، فما كان منه إلا أن نادى بخروج جيوش المسلمين لتأديب الروم. مروة الشربينى أيضاً صرخت من هذا المتطرف الذى حاول أن يهتك ستر حجابها، لأنه لم يعجبه أن تتجول امرأة مسلمة فى حدائق ألمانيا، لكنها صرخت للقضاء الألمانى، إذ لا يوجد الآن- فى بلاد المسلمين- معتصم ولا يحزنون!، وعندما أدين الآثم، إذا به يقتلها فى ساحة المحكمة ويصيب زوجها هو والبوليس الألمانى. وعادت «مروة» إلى القاهرة فى صندوق، ومكث زوجها هناك بين الحياة والموت، شفاه الله. وإذا كانت المرأة التى صرخت باسم المعتصم قد نالت حقها، ودافعت أمة بأسرها عن كرامتها، فقد تراخت هذه الأمة الآن، واستعوضت خالقها فى دم القتيلة. والمسألة هنا لا ترتبط بمجرد الارتخاء المعتاد فى أداء وزارة الخارجية فى مصر، بل تتعلق بأمة كاملة، هى الأمة الإسلامية التى لم تعد منذ سنين قادرة على إبداء أى رد فعل جماعى إزاء ما تتعرض له من امتهان وغزو واستنزاف لثرواتها، منذ أن دخلت عصر الدويلات، التى يستقل كل حاكم فيها بشعب يتعامل معه بمنطق « شعبى وأنا حر فيه»، تماماً مثلما تعاملت حكومتنا مع مسألة مصرع مروة الشربينى. لقد اكتفى شيخ الإسلام، الدكتور محمد سيد طنطاوى بأن يؤكد أن «مروة» شهيدة، وكأنه يضيف إلينا جديداً. أما الكثير من سياسيينا ومثقفينا- من أبناء الحكومة البررة- فقد خرجوا علينا بأحاديث وكلام يؤكد عداء الغرب للإسلام، وكأنهم يضيفون بذلك جديداً أيضاً؟! ناسين أن أجدادهم من المسلمين فتحوا ملف حرب مع الغرب «الرومانى» بسبب تحرش من جانب رجل رومى بامرأة مسلمة. فما بالنا بالقتل؟ والقتل المتعمد، وفى ساحة محكمة، داخل دولة تتشدق بحقوق الإنسان بمنطقها الخاص جداً، بمعنى الإنسان الذى يخصها فقط، أو الإنسان الذى تعتقد أن حكومته سوف تحميه، مثل « جلعاد شاليط» مثلاً!. نحن بالطبع لا نقول بأن تقود مصر العالم الإسلامى فى حرب من أجل تأديب ألمانيا، لا سمح الله، فكم من دول تقع على بعد عدة كيلومترات منا، قتلت أبناءنا، ولم نحرك ساكناً لأننا نعيش فى ظل حكومة تؤمن بالسلام، والتسامح مع الآخر، حتى لو أراق دماءنا، حكومة تحرص على حماية الأجانب أكثر مما تحرص على حماية مواطنيها!. فموت المصرى لن يحاسبها عليه أحد، أما غيره فسوف تحاسب عليه حساباً عسيراً!. دم مروة الشربينى ليس فى رقبة المصريين فقط، بل فى رقبة المسلمين جميعاً، فمروة لم تقتل لأنها مصرية بل لأنها مسلمة. وإذا كانت هذه الأمة تعترف بأن الغرب يكن لها أشد العداء، فقد أصبح لزاماً عليها أن تبحث عن وسيلة للعمل المشترك، تحاول أن تواجه، من خلالها، عدوها المشترك، بعيداً عن المؤسسات الضعيفة - ولا أريد أن أقول الكاريكاتورية- من نوع رابطة العالم الإسلامى، ومنظمة المؤتمر الإسلامى وغيرهما. إننا بحاجة إلى جامعة للدول الإسلامية، بشرط ألا تكون من طراز «جامعة الدول العربية»، بل جامعة حقيقية، يمكن أن تكون فى المستقبل أداة لإعادة الهيبة إلى فكرة الخلافة الإسلامية التى أثبت التاريخ أنها كانت تفعل للمسلمين الكثير، حتى فى أشد لحظات تاريخها ضعفا، ويكفى أن نشير فى هذا الصدد إلى أن اليهود لم يفلحوا فى اغتصاب فلسطين إلا بعد أن سقطت الخلافة الإسلامية «العثمانية» عام 1924، وأخذ الصراع شكل المواجهة بين العرب والصهاينة! لقد تأسست منظمة المؤتمر الإسلامى عام 1969 بعد شهر واحد من قيام عدد من المتطرفين اليهود بحرق المسجد الأقصى، وانطلقت المنظمة من مبدأ الدفاع عن شرف وكرامة المسلمين. وها هو شرف وكرامة المسلمين يداس بالأحذية فى كل مكان، من الصين إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، مروراً بأوروبا. وقد آن الأوان لإحياء فكرة تأسيس جامعة إسلامية حقيقية، يستطيع المسلمون من خلالها أن يعملوا بنفس المنطق الذى كانت تتحرك به قواهم وجيوشهم أيام الخليفة المعتصم، ومن سبقه من خلفاء المسلمين. وقد يشاء الله أن تكون هذه الجامعة تحقيقاً لمفهوم الخلافة بما يتناسب مع ظروف العصر الذى نحياه، من خلال وجود قيادة روحية يجتمع المسلمون تحت قيادتها، وتنسيق سياسى واقتصادى وعسكرى بين دول العالم الإسلامى، فى ظل احترام ذاتية كل دولة، أو بعبارة أخرى إنشاء «كومنولث إسلامى» كما كان يدعو المفكر الجزائرى «مالك بن نبى». ولعل مسؤولينا الحكوميين، وكذلك بعض المثقفين والسياسيين، يفهمون الآن سر الاكتشاف الخطير الذى وصلوا إليه من أن الغرب يكره المسلمين المصريين، ربما أكثر مما يكرهنا «الإيرانيون»!، ذلك الغرب الذى قتلت «مرورة الشربينى» فوق ترابه دون أن تجد بين المسلمين «معتصماً» تستنجد به، ولتؤكد أننا شعوب لا كرامة لها لأننا لا نجد حاكماً أو قيادة نعتصم بها. ولعل دم هذه الشهيدة يثبت للجميع جدوى فكرة الجامعة الإسلامية التى يتوحد المسلمون تحت رايتها، ولهم فى اليهود المثال والتجربة. فاليهود يعيشون فى ظل خلافة، نعم فى ظل خلافة يتوحدون كلهم تحت رايتها، إذ يشخصون بأبصارهم جميعاً نحو تل أبيب، ويخضعون لسلطتها الروحية والسياسية، ويطيعون أوامرها، ويخضعون لتوجيهاتها دون قيد ولا شرط، لذلك عندما نادى الغازى الأسير جلعاد شاليط «واإسرائيلاه» هب اليهود من أجل فك أسره وإعادته إلى جدته التى تبكى من أجله، بل إن الحكومة المصرية «مرهفة المشاعر» تبدى تعاطفاً مع "الجدة" وتحاول أن تتعاون من أجل إعادة "جلعاد"، أما مروة الشربينى فقد عاشت وماتت دون أن تشعر أن لها أرضاً أو وطناً أو عنواناً، أو معتصماً تصرخ باسمه!.. وليرحم الله من لم يرحمه البشر.