إلى كل الذين أفرطوا فى التفاؤل حين أنصتوا لخطاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى جامعة القاهرة للعالم الإسلامى، ثم كلمة الرئيس الروسى ميدفيديف فى جامعة الدول العربية للعالم العربى: حين يصل الحديث إلى إسرائيل يتغير كل شىء.. عندما تصل المطرقة إلى رؤوس اليهود تتحول إلى «قبلة» على الجبين ولمسة حنان على الخد.. فالغرب - سواء أمريكا أو أوروبا - حسم هذه المسألة منذ زمن طويل: إسرائيل خط أحمر تذوب عنده كل الثوابت، تغيب الاستراتيجية، وتتراجع الحسابات السياسية، بل توضع «الدساتير» على الأرفف! إليكم هذه القصة حتى تستريحوا.. اقرأوها بإمعان وفسروا الدلالات، لتدركوا أن العرب سوف يموتون وهم يضعون أيديهم على خدودهم فى انتظار هبة من الغرب لن تأتى، وأن الحل يكمن بداخلنا.. نعم.. نحن نلوذ دائماً إلى العجز والوهم والعاطفة.. ثم نلطم خدودنا لأن «الآخر» لم يمنحنا ما لا نستحقه. كان وزير الداخلية الألمانى «فولفانج شويبله» يلقى محاضرة فى جامعة القاهرة الأسبوع الماضى، فى حضور نخبة من المفكرين والسياسيين والشخصيات العامة.. تحدث الرجل طويلاً عن الدستور الألمانى الذى يقدس الحياد تجاه الأديان والعقائد، ويقر الحرية المطلقة لأصحاب الأديان المختلفة فى ممارسة شعائرهم، وأضاف أن علمانية ألمانيا تختلف عن علمانية فرنسا المطلقة، فبلاده تفصل تماماً بين الدين والدولة، إلا أنها تحرص على خلق علاقة وحوار دائم مع المؤسسات الدينية، وأن ألمانيا تعمل جاهدة على إدماج 3 ملايين مسلم يعيشون بها فى المجتمع، ولكنها تحرص أكثر على مدنية الدولة، وحيادها تجاه كل العقائد. كلام الرجل أثلج صدور الحاضرين، لاسيما أنه شدد على رفض الدول الدينية، وحق كل مواطن فى ممارسة شعائر عقيدته فى ظل مبدأ «المواطنة».. غير أن الدكتور حسام بدراوى طرح عليه سؤالاً مفصلياً ضمن عشرات الأسئلة والمداخلات التى أعقبت المحاضرة.. وقف بدراوى، الذى يتمتع باحترام كامل من النخبة والمجتمع فى مصر وخارجها، وقال لوزير الداخلية الألمانية: بما أن محور محاضرتك هو حيادية الدولة تجاه الأديان، ورفض ألمانيا والغرب للدولة الدينية، فما موقفك من إعلان إسرائيل يهودية الدولة وإعطاء الدولة بالكامل الصفة الدينية، وهل هذا يعمق الاحتقان فى الشرق الأوسط، أم يصب فى صالح التسامح الذى تنادون به، وإذا كنا فى مصر نسعى فى إطار الإصلاح إلى أن تكون الدولة مدنية وليست دينية، بحيث تسمح لجميع المواطنين بممارسة شعائرهم بحرية، ولا تفرق بين مواطن وآخر على أساس عقيدته، هل يضعنا ذلك فى موقف صعب ونحن نكافح من أجل ترسيخ مبدأ المواطنة؟! ألقى حسام بدراوى سؤاله، وجلس بين الحضور منتظراً الإجابة! أسهب الوزير الألمانى فى الإجابة والرد على جميع الأسئلة، وفى نهاية كلامه، نظر إلى بدراوى وقال: «أنا لا أهرب من سؤالك.. ولكننى لا أستطيع الرد عليه.. أعتذر لك.. لن أستطيع»!!!.. ثم أنهى الوزير محاضرته، وانصرف من جامعة القاهرة، التى ألقى «أوباما» خطبته التاريخية للعالم الإسلامى تحت قبتها!! فى ظنى ويقين حسام بدراوى ومعظم الحضور أن وزير الداخلية الألمانى رجل محترم.. فهو يدرك أن كل ما قاله فى المحاضرة ينسحب على بلده والعالم كله إلا إسرائيل.. وهو أيضاً يعرف منذ أن كان تلميذاً فى المدرسة أن «الدستور الألمانى» يلزم الشعب بالحياد تجاه الأديان ورفض الدولة الدينية، ولكنه لا يلزم السياسة الخارجية الألمانية برفض الدولة الدينية فى إسرائيل، لذا فقد كانت ألمانيا من أولى الدول التى اعترفت ب«يهودية إسرائيل». الرجل لم يشأ أن يقول كلاماً فارغاً أو عبارات إنشائية فى مواجهة حسام بدراوى.. وأقر بصمته واعتذاره بأن الغرب يكيل بمكيالين حين تكون «إسرائيل» فى الجملة! الغرب والعالم كله يعرف ذلك.. بل إنه يقول لنا ذلك صراحة كل يوم.. ولكننا قررنا ألا نسمع.. فنحن نحب أن نعيش خارج هذا العالم! [email protected]