زيلنسكي يصل إلى برلين للقاء شولتس    احتفالا بعيد الأضحى، جامعة بنها تنظم معرضا للسلع والمنتجات    التجمع الوطني يسعى لجذب اليمينيين الآخرين قبل الانتخابات الفرنسية المبكرة    أيمن يونس: لست راضيا عن تعادل مصر أمام غينيا بيساو.. وناصر ماهر شخصية لاعب دولي    ضياء السيد: تصريحات حسام حسن أثارت حالة من الجدل.. وأمامه وقتًا طويلًا للاستعداد للمرحلة المقبلة    زكي عبد الفتاح: منتخب مصر عشوائي.. والشناوي مدير الكرة القادم في الأهلي    عيد الأضحى في تونس..عادات وتقاليد    إيلون ماسك يهدد بحظر استخدام أجهزة "أبل" في شركاته    بالصور| هاجر أحمد وزوجها يحضران العرض الخاص لفيلم "أهل الكهف"    عمرو أديب: مبقاش في مرتب بيكفي حد احنا موجودين عشان نقف جنب بعض    صحة الفيوم تنظم تدريبا للأطباء الجدد على الرعاية الأساسية وتنظيم الأسرة    تراجع سعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الثلاثاء 11 يونيو 2024    إنتل توقف توسعة مصنع في إسرائيل بقيمة 25 مليار دولار    مصر ترحب بقرار مجلس الأمن الداعي للتوصل لوقف شامل ودائم لإطلاق النار في غزة    تعليق ناري من لميس الحديدي على واقعة تداول امتحانات التربية الوطنية والدينية    حماس ترحب بقرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في غزة    رئيس هيئة ميناء دمياط يعقد لقاءه الدوري بالعاملين    بعد 27 عاما من اعتزالها.. وفاة مها عطية إحدى بطلات «خرج ولم يعد»    السياحة: توفير عيادات صحية وتقديم خدمات مميزة لرعاية الحجاج    عيد الأضحى 2024.. إرشادات هامة لمرضى النقرس والكوليسترول    الحق في الدواء: الزيادة الأخيرة غير عادلة.. ومش قدرنا السيء والأسوأ    وزراء خارجية بريكس يؤيدون منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة    إخماد حريق داخل حديقة فى مدينة 6 أكتوبر دون إصابات    حالة الطقس.. 41 درجة مئوية بشرم الشيخ    مصرع سيدة صدمتها سيارة أثناء عبورها لطريق الفيوم الصحراوى    مجموعة مصر.. سيراليون تتعادل مع بوركينا فاسو في تصفيات المونديال    «جابوا جون عشوائي».. أول تعليق من مروان عطية بعد تعادل منتخب مصر    «اختار الأهلي».. كواليس مثيرة في رفض حسين الشحات الاحتراف الخليجي    مختار مختار: غينيا بيساو فريق متواضع.. وحسام حسن معذور    تحذير عاجل ل أصحاب التأشيرات غير النظامية قبل موسم حج 2024    روسيا بالأمم المتحدة: إسرائيل لم توافق رسميا على اتفاق بايدن بشأن حرب غزة    قصواء الخلالي: وزير الإسكان مُستمتع بالتعنت ضد الإعلام والصحافة    أحمد كريمة: لا يوجد في أيام العام ما يعادل فضل الأيام الأولى من ذي الحجة    رئيس خطة النواب: القطاع الخاص ستقفز استثماراته في مصر ل50%    خبير اقتصادي: انخفاض التضخم نجاح للحكومة.. ولدينا مخزون من الدولار    إبراهيم عيسى: طريقة تشكيل الحكومة يظهر منهج غير صائب سياسيا    مفاجأة في حراسة مرمى الأهلي أمام فاركو ب الدوري المصري    شهداء وجرحى فى قصف للاحتلال غرب مخيم النصيرات بقطاع غزة    هل خروف الأضحية يجزئ عن الشخص فقط أم هو وأسرته؟.. أمين الفتوى يجيب (فيديو)    وفد من وزراء التعليم الأفارقة يزور جامعة عين شمس .. تفاصيل وصور    بالصور.. احتفالية المصري اليوم بمناسبة 20 عامًا على تأسيسها    منتخب السودان بمواجهة نارية ضد جنوب السودان لاستعادة الصدارة من السنغال    إصابة 4 أشخاص في حادث انقلاب أتوبيس بالمنوفية    هل تحلف اليمين اليوم؟ الديهي يكشف موعد إعلان الحكومة الجديدة (فيديو)    وزيرة الثقافة تفتتح فعاليات الدورة 44 للمعرض العام.. وتُكرم عددًا من كبار مبدعي مصر والوطن العربي    «أونلاين».. «التعليم»: جميع لجان الثانوية العامة مراقبة بالكاميرات (فيديو)    أستاذ اقتصاد: حظينا باستثمارات أوروبية الفترة الماضية.. وجذب المزيد ممكن    عالم موسوعي جمع بين الطب والأدب والتاريخ ..نشطاء يحييون الذكرى الأولى لوفاة " الجوادي"    أخبار 24 ساعة.. الحكومة: إجازة عيد الأضحى من السبت 15 يونيو حتى الخميس 20    الرقب: الساحة الإسرائيلية مشتعلة بعد انسحاب جانتس من حكومة الطوارئ    منسق حياة كريمة بالمنوفية: وفرنا المادة العلمية والدعم للطلاب وأولياء الأمور    إبراهيم عيسى: تشكيل الحكومة الجديدة توحي بأنها ستكون "توأم" الحكومة المستقيلة    هل يجوز الأضحية بالدجاج والبط؟.. محمد أبو هاشم يجيب (فيديو)    «الإفتاء» توضح حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة    وزير الصحة: برنامج الزمالة المصرية يقوم بتخريج 3 آلاف طبيب سنويا    تفاصيل قافلة لجامعة القاهرة في الصف تقدم العلاج والخدمات الطبية مجانا    رشا كمال عن حكم صلاة المرأة العيد بالمساجد والساحات: يجوز والأولى بالمنزل    «المصريين الأحرار» يُشارك احتفالات الكنيسة بعيد الأنبا أبرآم بحضور البابا تواضروس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عمرو الشوبكى يكتب: أستاذ هيكل اسمح لى بالاختلاف معك

أثار خطاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما جدلاً واسعاً فى داخل مصر وخارجها، وأدخلنا فى جدل بعضه عقيم عبر عن أزمة الحالة السياسية والإعلامية المصرية، وبعضه الآخر حفز العقل وساعد على الاجتهاد، كما جاء على لسان الأستاذ محمد حسنين هيكل فى قراءته المعمقة لخطاب أوباما.
والحقيقة أن الأستاذ لم يفقد فى قراءته بريق المحقق الصحفى حين عرفنا بعض تفاصيل ما جرى وراء الكواليس فى لقاء الرئيسين مبارك وأوباما، وعمق المحلل السياسى الملم بأحوال العالم والقادر على الوصول إلى استنتاجات مثيرة للجدل وللاحترام قبل الاختلاف.
خلافات الهامش
لعل قيمة ما قاله الأستاذ أنه نقلنا إلى مناقشه ذات معنى، أخرجتنا من معركة غير مبررة حول موقف الأستاذ فهمى هويدى من حضوره خطاب أوباما فى ظل وجود السفير الإسرائيلى، ثم انسحابه من جلسة خاصة حضر فيها صحفى إسرائيلى، وهو موقف مفهوم أو كما عبر عنه هويدى باحترام «مسألة ضمير» ولم يدع أنه قام ببطولة، ولم يتهم من حضروا بالخيانة والتطبيع.
هذا الموقف يذكرنى بموقف مشابه حدث لى منذ حوالى عشر سنوات وكنت عضواً فى جمعية الصحفيين الأجانب (APE) فى فرنسا وكان بها أكثر من 600 صحفى من كل بلاد العالم ومنهم حوالى خمسة صحفيين إسرائيليين، ولم يثر وجودى فى مؤسسة عالمية بها كل هذا العدد أى قلق طالما لا أدخل فى علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع الصحفيين الإسرائيليين،
ولكن حين طلب منى زميلى الصحفى اللبنانى رئيس الجمعية فى ذلك الوقت إلياس مصبونجى أن أرشح نفسى لمجلس إدارة الجمعية، بكل المغريات المهنية التى يثيرها وجودى على قمة مؤسسة هائلة التأثير وتضم أهم الصحفيين والمراسلين الأجانب فى واحدة من أهم العواصم العالمية، خاصة أنه كانت لدىّ فرصة للنجاح وحملتُ أفكاراً وطموحات كثيرة لتطوير الجمعية والتفاعل مع المؤسسات الفرنسية، والتواصل مع الصحفيين العرب،
وأيضا (كلما أمكن) فضح سياسات الاحتلال الإسرائيلى، ولكنى رفضت الترشيح لأن مجلس الإدارة كان سيضم سبعة أشخاص فقط منهم صحفى إسرائيلى، وهو ما سيعنى أنى سأضطر إلى التعامل معه بصورة ما تفرضها على الأقل واجبات الاجتماع الواحد.
ورغم أن إلياس كان يصنف عربيا فى خانة اليمين لأنه لم يكن لديه هذه المشكلة «الضميرية» فى التعامل ولو بالخلاف مع الإسرائيليين، لكنه كان يصنف فرنسيا فى خانة اليسار الراديكالى لأنه كثيرا ما كان يدين السياسات الإسرائيلية، المهم أن الصحفى الإسرائيلى الذى كان وقتها فى مجلس الإدارة أصبح بعد ذلك رئيس الجمعية، ولم يجد من يواجهه لأن معظم الصحفيين العرب كانوا مهتمين «بالبيزنس» الخاص بهم مع حكوماتهم أو مع رجال الأعمال.
وعدت بعدها إلى مصر وظل فى داخلى هذا السؤال: هل كان موقفى صحيحا أم لا؟ وظلت إجابتى الداخلية كما قال الأستاذ فهمى ضميرية ونفسية خالصة، لأنى أعتبر أن التطبيع هو نسج علاقة مباشرة وثنائية مع الإسرائيليين، ولكن لن نقاطع العالم لأن هناك إسرائيلياً فى ندوة أو احتفال عالمى، أما التفاعل المباشر والمحدود مع الإسرائيليين حتى لو كان ينطلق من نفس المنطق أى أن الداعى جهة دولية أو عالمية، فالخيار الشخصى هو الحاكم فى الموضوع ويحترم فيه كلا الرأيين، من حضروا ومن لم يحضروا.
ولأن معركتنا الحقيقية فى ردع الاحتلال الإسرائيلى بالسلم أو بالمقاومة، وفى كسب الرأى العام العالمى أو تعبئة الرأى العام العربى، ولكننا فى الحقيقة فشلنا فى الاثنين.. لا المقاومون نجحوا وحرروا الأرض وأقاموا الدولة الفلسطينية، ولا المفاوضون استعادوها، وهنا تكمن معركتنا الحقيقية ولذا تركناها وانشغلنا بهوامش الأمور.
معان ثلاثة
هناك معان ثلاثة حكمت قراءة الأستاذ هيكل لخطاب أوباما وتركزت حول أن الرجل هو نتاج مجموعة من مؤسسات المصالح فى أمريكا، وأنه رغم أنه «إنسان رائع» فهو رجل علاقات عامة أشبة بمؤدٍ لدور حدده له «الكبار»، وأنه أخيراً لم يقل أى جديد فى خطابه،
واختزل الأستاذ معانى كثيرة مرتبطة بالتغيير الديمقراطى فى مؤسسات المصالح أو الخبراء ال 40 الذين كتبوا خطاب أوباما، وهو أمر غير دقيق لأن النخب القادرة على تغيير مجتمعاتها أوسع من هؤلاء جميعا.
والمؤكد أن الإعجاب بظاهرة الرئيس أوباما أكثر عمقا بكثير من مجرد أنه شخص ذكى يجيد العلاقات العامة، بل هى استدعت لدى كل واحد فينا خبرة خاصة فى لقاء مع رئيس ديمقراطى أو زيارة لبلد ديمقراطى، تؤدى حتما إلى حسرة مؤكدة على الأوضاع المصرية دفعت الناس لأن تتعاطف مع هذا الرئيس الشاب.
وقد ذكر لى أحد الأكاديميين المصريين ورئيس حزب معارض اعتاد فى الماضى القريب أن يحضر محافل رئاسية مصرية، وقال لى إن الأمن كان متسامحاً هذه المرة لأن من هو موجود كان فقط الرئيس الأمريكى، فترك الناس تدخل بهواتفها المحمولة حتى لو أغلقتها أجهزة خاصة قبل بدء الخطاب بحوالى ساعة،
وسمح لنا بالخروج والدخول إلى القاعة حتى قبل قدوم الرئيس بأقل من ساعة، وبقيت تقريبا حتى الساعة 12 ظهرا مع سياسيين وفنانين من مختلفى المشارب فى فناء جامعة القاهرة دون أى مضايقات أمنية قبل أن ندخل القاعة.
والمدهش أيضا أن هؤلاء الحضور لم يصفقوا لأى مسؤول مصرى حين دخلوا إلى القاعة قبل إلقاء أوباما خطابه بدقائق، بدءا من رئيس الوزراء ومرورا بعمرو موسى وانتهاء بجمال مبارك، فى حين أن هذا الحضور صفق بحرارة ل«هيلارى كلينتون» التى دخلت بعد طاقم الحكم المصرى بدقائق فى مشهد غير معتاد علينا تأمل دلالاته.
سياسى غير معلب
تمر مصر بلحظة تاريخية صعبة جعلت الناس تشعر بوطأة القهر الذى يمارس عليها يوميا وجعل تعاطفها مع حالة أوباما يتجاوز هذا التقييم القاسى الذى اعتبر أن الشباب الذى هتف باسمه نتيجة ذكره بعض آيات القرآن الكريم أو لأنه خطيب مفوه ومتحدث لبق «فسغسغ» أمامه الناس. إن هذا ظلم كبير بحق الشعب المصرى لأن أوباما ليس مجرد «رجل رائع جاء من لا مكان» كما ذكر هيكل،
إنما هو جاء من مكان معروف ومثّل نمطاً جديداً من التعبئة السياسية والانتخابية، وتفاعل بنفسه مع الشباب فى مدوناتهم، وسجل بفضله 300 ألف ناخب جديد أنفسهم للتصويت فى ولاية بنسلفانيا تحت تأثير خطابه وليس برشاوى جماعات المصالح،
وحاول الرجل أن يقدم نموذجاً جديداً اعتمد فى تمويل حملته على عموم الناس وليس كبار الشركات الاحتكارية (ولا يعنى ذلك أنها غير مؤثرة وبقوة) ولا أعرف صديقاً من أصل عربى يعيش فى الولايات المتحدة إلا وتبرع بجزء من ماله لحملة أوباما فى مشهد نادر الحدوث فى الولايات المتحدة وخارجها.
كل هذه المحاولات أنتجت شخصاً مختلفاً فى الخبرة والتكوين النفسى والسياسى، وليس كما ذكر الأستاذ «أن هناك مؤسسة قوية اختارته للتعبير عنها فى لحظة أزمة تواجه أمريكا، واعتقد أنه يؤدى دوره بامتياز» أو حين أضاف «لا يمكن تصور تحت أى وضع أن المؤسسات صاحبة المصالح تترك مصالحها للأهواء السياسية فلابد أن توجد فى السياسة بشكل أو بآخر،
وعندنا فى مصر مثلا المجلس الأمريكى المصرى ولجنة السياسات، ليس فى الأمر مؤامرة لكن الطبيعى تماما أن تعمل المصالح الموجودة فى بلد ما على أن تعبر عن نفسها سياسيًا وأن تضمن مصالحها سياسيًا».
وهذا فى الحقيقة الجانب الصادم فى قراءة الأستاذ، فنظريات «السياسى المعلب» الذى تعده مجموعة من أصحاب المصالح ليست صالحة للتفسير فى كل الحالات، ولأن هيكل لم ينظر إلى النخب بالمعنى الواسع للكلمة، وظل أسير قراءة ضيقة لنخبة محدودة لصيقة بصانع القرار، فلم ير أن التغيير فى المجتمعات الديمقراطية يجرى من خلال عملية تفاعل بين النظام أو بتعبيره المؤسسات صاحبة المصالح،
وبين التيارات والأفكار الجديدة التى أحيانا ما تقوم بثورات واحتجاجات غاضبة، أو تنشئ تجمعات سياسية سلمية تحتج على منظومة الحكم السائدة من داخل مؤسسات النظام وقيمه العامة وعبر عادة آليات ديمقراطية سلمية ويعرفون أحيانا ب«outsider».
فثورة الطلاب فى 1968 فى فرنسا لم تسقط النظام الديمقراطى القائم على طريقة ثورة يوليو فى مصر، وإنما «طوقته» بأفكار جديدة جعلته يغير بعض أسسه، فى نفس الوقت فإن النظام العام نجح أيضا فى دمج معظم ثوار 68 فى المؤسسات القائمة فأضفى عليهم قدراً من العقلانية والهدوء، وهم بدورهم أضفوا على النظام العام قدراً من الحيوية والأفكار الجديدة، وهكذا تتطور المجتمعات عبر نظم تنفتح أمام الجديد، وجديد يدمج فى النظام ليطوره.
من الظلم البين مقارنة نجاح أوباما الديمقراطى وشبكة المصالح الشابة والجديدة التى أنشأها، بلجنة السياسات فى مصر، فما جرى مع أوباما هو «معكوس» ما يجرى مع جمال مبارك، لأن قوة أصحاب المصالح فى المجتمعات الديمقراطية ليست مطلقة وأن خبرة وتكوين أوباما انعكسا على تمايز أدائه وصدقه، لأنهما ببساطة نتاج تفاعل إنسانى وسياسى مركب، فيه شبكات المصالح، وفيه النخب بمعنى أوسع من نخب القصور الملكية والجمهورية،
وأيضا المواطنون العاديون الذين ينتخبون، وأنه ليس مجرد ممارسة بديعة للعلاقات العامة، إنما بالتأكيد أن ما شهدناه فى القاهرة كان مشهداً سياسياً بامتياز، بصرف النظر إذا كنا قادرين على التأثير أو الاستفادة منه فتلك قضية أخرى مختلفة تماما، فأوباما لم ينتخب لتحرير القدس أو جلب الديمقراطية لمجتمعاتنا فهذه قضيتنا وليست قضيته.
حماس ليست إرهابية: نعم هناك جديد
لم يصف أوباما طوال خطابه حركة حماس بأنها جماعة إرهابية، وهنا ذكر الأستاذ ببساطة أنه كان موقفاً طبيعياً، والحقيقة أنه لم يكن كذلك بل إن مقارنة النضال الفلسطينى بنضال الأقلية الأمريكية السوداء كان فى حد ذاته تحولاً «ثورياً» فى الخطاب الرسمى الأمريكى.
إن عدم وصف حماس بأنها جماعة إرهابية ليس نتيجة رأى ال40 خبيراً الذين ذكرهم الأستاذ هيكل إنما هو نتاج جهد ومناقشات أكاديمية وسياسية طويلة امتدت منذ أكثر من عشر سنوات وشارك فيها خبراء عرب وغربيون،
ودارت حول مشكلة الإسلاميين أو قضية «دمج الإسلاميين»، وأزعم أننى كنت مع زملاء (عمرو الحمزاوى وآخرين) ممن طرحوا هذه الفكرة وضرورة إيجاد حل سياسى لمشكلة الإسلاميين. صحيح أن هذه الرؤية ظلت على هامش التأثير فى دوائر صنع القرار الغربية طوال السنوات الثمانى فى حكم الرئيس بوش،
إلا أنها عادت وظهرت بقوة فى الفترة الأخيرة وبدت المفوضية الأوروبية وبعض القادة الأوروبيين أقرب إلى فكرة الحوار مع الإسلاميين خاصة حركة حماس، وربما بعد ذلك الإخوان المسلمون، ولكن وفق شروط أهمها اعتراف حماس بالاتفاقات السابقة، وتحديداً أوسلو، وليس بالضرورة إسرائيل،
وهو الأمر الذى يبدو منطقياً فى أن تعترف حماس باتفاقات أوسلو التى أدخلتها البرلمان وشكلت لها حكومة، فإما أن تخرج من اللعبة السياسية وتستمر كحركة مقاومة مسلحة، أو تدخل فيها وتقبل باستحقاقاتها وقواعدها دون أن يعنى ذلك استسلامها لكل شروطها، بل على العكس يمكنها أن تغير جوانب كثيرة منها.
فقضية فتح باب مشروط للتعامل مع حماس ليس نتيجة نزوة رئيس يتقن العلاقات العامة، إنما هى نتاج مشروع فكرى وسياسى كبير تضع فيه الإدارة الأمريكية الجديدة وبعض الأوروبيين شروطاً لما سميناه من قبل الدمج الآمن «Save integration» للإسلاميين،
وهو أمر يتناقض مع الرؤية التى طرحتها إدارة بوش التى اعتبرت على المستويين الفكرى والسياسى أن جميع الحركات الإسلامية (وربما المسلمون أيضاً) خطر على الأمن القومى الأمريكى، وأن الرؤية المقابلة تعكس مدرسة متكاملة فى الاجتماع السياسى وليس مجرد كلام علاقات عامة، ترى أنه لا توجد أى ظاهرة سياسية غير قابلة للدمقرطة بما فيها الإسلاميون،
وهى امتداد لنفس الرؤية التى تقول إنه لا توجد مجتمعات أو حضارات غير قابلة لتبنى الديمقراطية كما يردد همسا وأحيانا صراحة عن مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وأن ربط حماس الإسلامية بالسياسة (ولو اختلافا) هو تحول جذرى، وامتداد لمدرسة كاملة فى الفكر السياسى لا يمكن أن نقول معها لا جديد.
صحيح من حق حماس أن ترفض بعض أو كل الشروط الموضوعة أمامها للدخول فى مسار التسوية السياسية، وهنا إما أن تنجح فى مشروع المقاومة المسلحة وهو ما لم يحدث، أو تدخل فى المعادلة السياسية وتقبل بجانب من شروطها الدولية، بصورة تجعلنا أمام تيار سياسى متشدد قادم من خارج المنظومة السائدة «outsider»، ولكنه يقدم لغة قادرة على التأثير فى العالم أو على الأقل يحاورها حتى لو اختلف معها.
لماذا اختلفت؟
جاءت قراءة الأستاذ هيكل قديمة لظاهرة جديدة ولرئيس شاب، رغم أنه كان دائما الأكثر لمعانا وجرأة وحداثة فى كل ما يكتب، وأن خلافى مع مضمون تلك القراءة يكمن أساساً فى أنها قرأت ظاهرة جديدة صنعتها أطراف عديدة (وبعضها جديد) داخل نفس الإطار الضيق الذى يحكم انتخاب أى رئيس تقليدى أمريكى يعبر عن مجموعة ضيقة من جماعات المصالح، وتجاهلت تماما أدوار النخب الواسعة والرأى العام والأجيال الجديدة.
إن الجيل الجديد الذى تحدث عنه كاتبنا الأكبر قد غاب تماما عن مضمون قراءته، فهذا الجيل حلم ولو للحظات ب«أوباما المصرى» رغم أنه حلم مازال بعيد المنال، ولم يكن ساذجا حين صفق 41 مرة لأوباما لأنه تفاعل مع شىء أصيل وليس مُصّنعاً.
لقد غير الأمريكيون مصيرهم تغييراً حقيقياً نهنئهم عليه، أما نحن فلم نغير فى العالم العربى حاكما واحدا بانتخابات سلمية وديمقراطية، وهذه مشكلتنا التى لا تعنى أن العالم لا يتغير.
على أن أعترف بأننى ترددت قبل أن أعلن اختلافى، ليس بسبب كونى أمام قامة مهنية وموهبة نادرة، إنما ما دفعنى إلى ذلك شعورى أن تقييم هيكل لأوباما كان فى مواجهة هيكل نفسه، وتجربته التى حافظت على مهنيتها رغم أنها كانت جزءاً من نظام ثورى،
واختلف مع رأس الدولة حين فرض عليه ضميره المهنى وقراءته السياسية ذلك فى وقت اكتظت البلاد بالمطبلين وحملة المباخر. انتظرت قراءة مختلفة ترى الجديد فى ظاهرة أوباما كما رأينا نحن الكثير فى ظاهرة هيكل، فوجدت قراءة صادمة، فكان لابد هذه المرة أن أختلف.. وليسمح لى بذلك.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.