«تطوير التعليم بالوزراء» يعلن اعتماد أول 3 معامل لغات دولية    "علوم جنوب الوادي" تنظم ندوة عن مكافحة الفساد    مستقبل صناعة العقار في فيلم تسجيلي بمؤتمر أخبار اليوم    16 يونيو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    الذهب يتراجع من أعلى مستوياته في شهرين وسط تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    وزير الإسكان من مؤتمر أخبار اليوم العقاري: ندعم الصناعات المرتبطة بالقطاع لتقليل الاستيراد    تداول 9 آلاف طن بضائع و573 شاحنة بموانئ البحر الأحمر    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    إغلاق السفارة الأمريكية في إسرائيل بسبب القصف الإيراني    مراسلة القاهرة الإخبارية: صواريخ إيران تصل السفارة الأمريكية فى تل أبيب.. فيديو    لاعب بورتو: الأهلي وإنتر ميامي خصمان قويان.. وسنقاتل حتى النهاية    صباحك أوروبي.. صدام في مدريد.. إنجلترا المحبطة.. وتعليق كومباني    بالمواعيد.. جدول مباريات ريال مدريد في كأس العالم للأندية 2025    مواعيد مباريات اليوم.. تشيلسي مع لوس أنجلوس والترجي أمام فلامينجو بمونديال الأندية    معلق مباراة الأهلي: الحماس سبب تريند «تعبتني يا حسين».. والأحمر كان الأفضل (خاص)    سقوط مروع لمسن داخل بئر بمصعد بعقار في «الهرم»    وزارة التعليم: ليس ضرورياً حصول الطالب على نفس رقم نموذج الأسئلة بالثانوية    رياح وأتربة وحرارة مرتفعة.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس اليوم الاثنين    تحرير 533 مخالفة لعدم ارتداء «الخوذة» وسحب 879 رخصة خلال 24 ساعة    إصابة شخصين إثر انقلاب دراجة نارية بمدينة 6 أكتوبر    خلافات زوجية في الحلقة الثالثة من «فات الميعاد»    شام الذهبي تطمئن الجمهور على نجل تامر حسني: «عريس بنتي المستقبلي وربنا يشفيه»    أحمد السقا يرد برسالة مؤثرة على تهنئة نجله ياسين بعيد الأب    حكم الصرف من أموال الزكاة والصدقات على مرضى الجذام؟.. دار الإفتاء تجيب    صيف 2025 .. علامات تدل على إصابتك بالجفاف في الطقس الحار    إصدار 19.9 مليون قرار علاج مميكن من خلال التأمين الصحي خلال عام    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    تفاصيل إنقاذ مريض كاد أن يفقد حياته بسبب خراج ضرس في مستشفي شربين بالدقهلية    تنسيق الجامعات.. اكتشف برنامج فن الموسيقى (Music Art) بكلية التربية الموسيقية بالزمالك    مدير جديد لإدارة مراقبة المخزون السلعي بجامعة قناة السويس    إعلام إسرائيلي: إيران أطلقت 370 صاروخا وأكثر من 100 مسيرة منذ بداية الحرب    مستشار الرئيس للصحة: مصر سوق كبيرة للاستثمار في الصحة مع وجود 110 ملايين مواطن وسياحة علاجية    سفير أمريكا بإسرائيل: ارتجاجات ناتجة عن صاروخ إيراني تلحق أضرارا طفيفة بالقنصلية الأمريكية    الميزان لا يزال في شنطة السيارة.. محافظ الدقهلية يستوقف نقل محملة بأنابيب الغاز للتأكد من وزنها    أحمد فؤاد هنو: عرض «كارمن» يُجسّد حيوية المسرح المصري ويُبرز الطاقات الإبداعية للشباب    ب الكتب أمام اللجان.. توافد طلاب الشهادة الثانوية الأزهرية لأداء امتحان "النحو"    السيطرة على حريق داخل شقة سكنية بسوهاج دون إصابات    يسرائيل كاتس: علي خامنئي تحول إلى قاتل جبان.. وسكان طهران سيدفعون الثمن قريبا    الرئيس الإيراني: الوحدة الداخلية مهمة أكثر من أي وقت مضى.. ولن نتخلى عن برنامجنا النووي السلمي    سعر جرام الذهب ببداية تعاملات اليوم الإثنين 16 يونيو 2025    إعلام إسرائيلى: تعرض مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب لأضرار جراء هجوم إيرانى    منتخب السعودية يستهل مشواره في الكأس الذهبية بالفوز على هاييتي بهدف    إيران: مقتل 224 مواطنا على الأقل منذ بدء هجمات إسرائيل يوم الجمعة    نجوى كرم تطلق ألبوم «حالة طوارئ» وسط تفاعل واسع وجمهور مترقب    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    الأمن الإيراني يطارد سيارة تابعة للموساد الإسرائيلي وسط إطلاق نار| فيديو    إمام عاشور: أشكر الخطيب.. ما فعله ليس غريبا على الأهلي    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    ليلى عز العرب: كل عائلتى وأصحابهم واللى بعرفهم أشادوا بحلقات "نوستالجيا"    لا تسمح لطرف خارجي بالتأثير عليك سلبًا.. توقعات برج الجدي اليوم 16 يونيو    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل الدراسة في فارم دي صيدلة إكلينيكية حلوان    تفاصيل اللحظات الأخيرة في واقعة شهيد بنزينة العاشر من رمضان    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    عميدة إعلام عين شمس: النماذج العربية الداعمة لتطوير التعليم تجارب ملهمة    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عمرو الشوبكى يكتب: أستاذ هيكل اسمح لى بالاختلاف معك

أثار خطاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما جدلاً واسعاً فى داخل مصر وخارجها، وأدخلنا فى جدل بعضه عقيم عبر عن أزمة الحالة السياسية والإعلامية المصرية، وبعضه الآخر حفز العقل وساعد على الاجتهاد، كما جاء على لسان الأستاذ محمد حسنين هيكل فى قراءته المعمقة لخطاب أوباما.
والحقيقة أن الأستاذ لم يفقد فى قراءته بريق المحقق الصحفى حين عرفنا بعض تفاصيل ما جرى وراء الكواليس فى لقاء الرئيسين مبارك وأوباما، وعمق المحلل السياسى الملم بأحوال العالم والقادر على الوصول إلى استنتاجات مثيرة للجدل وللاحترام قبل الاختلاف.
خلافات الهامش
لعل قيمة ما قاله الأستاذ أنه نقلنا إلى مناقشه ذات معنى، أخرجتنا من معركة غير مبررة حول موقف الأستاذ فهمى هويدى من حضوره خطاب أوباما فى ظل وجود السفير الإسرائيلى، ثم انسحابه من جلسة خاصة حضر فيها صحفى إسرائيلى، وهو موقف مفهوم أو كما عبر عنه هويدى باحترام «مسألة ضمير» ولم يدع أنه قام ببطولة، ولم يتهم من حضروا بالخيانة والتطبيع.
هذا الموقف يذكرنى بموقف مشابه حدث لى منذ حوالى عشر سنوات وكنت عضواً فى جمعية الصحفيين الأجانب (APE) فى فرنسا وكان بها أكثر من 600 صحفى من كل بلاد العالم ومنهم حوالى خمسة صحفيين إسرائيليين، ولم يثر وجودى فى مؤسسة عالمية بها كل هذا العدد أى قلق طالما لا أدخل فى علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع الصحفيين الإسرائيليين،
ولكن حين طلب منى زميلى الصحفى اللبنانى رئيس الجمعية فى ذلك الوقت إلياس مصبونجى أن أرشح نفسى لمجلس إدارة الجمعية، بكل المغريات المهنية التى يثيرها وجودى على قمة مؤسسة هائلة التأثير وتضم أهم الصحفيين والمراسلين الأجانب فى واحدة من أهم العواصم العالمية، خاصة أنه كانت لدىّ فرصة للنجاح وحملتُ أفكاراً وطموحات كثيرة لتطوير الجمعية والتفاعل مع المؤسسات الفرنسية، والتواصل مع الصحفيين العرب،
وأيضا (كلما أمكن) فضح سياسات الاحتلال الإسرائيلى، ولكنى رفضت الترشيح لأن مجلس الإدارة كان سيضم سبعة أشخاص فقط منهم صحفى إسرائيلى، وهو ما سيعنى أنى سأضطر إلى التعامل معه بصورة ما تفرضها على الأقل واجبات الاجتماع الواحد.
ورغم أن إلياس كان يصنف عربيا فى خانة اليمين لأنه لم يكن لديه هذه المشكلة «الضميرية» فى التعامل ولو بالخلاف مع الإسرائيليين، لكنه كان يصنف فرنسيا فى خانة اليسار الراديكالى لأنه كثيرا ما كان يدين السياسات الإسرائيلية، المهم أن الصحفى الإسرائيلى الذى كان وقتها فى مجلس الإدارة أصبح بعد ذلك رئيس الجمعية، ولم يجد من يواجهه لأن معظم الصحفيين العرب كانوا مهتمين «بالبيزنس» الخاص بهم مع حكوماتهم أو مع رجال الأعمال.
وعدت بعدها إلى مصر وظل فى داخلى هذا السؤال: هل كان موقفى صحيحا أم لا؟ وظلت إجابتى الداخلية كما قال الأستاذ فهمى ضميرية ونفسية خالصة، لأنى أعتبر أن التطبيع هو نسج علاقة مباشرة وثنائية مع الإسرائيليين، ولكن لن نقاطع العالم لأن هناك إسرائيلياً فى ندوة أو احتفال عالمى، أما التفاعل المباشر والمحدود مع الإسرائيليين حتى لو كان ينطلق من نفس المنطق أى أن الداعى جهة دولية أو عالمية، فالخيار الشخصى هو الحاكم فى الموضوع ويحترم فيه كلا الرأيين، من حضروا ومن لم يحضروا.
ولأن معركتنا الحقيقية فى ردع الاحتلال الإسرائيلى بالسلم أو بالمقاومة، وفى كسب الرأى العام العالمى أو تعبئة الرأى العام العربى، ولكننا فى الحقيقة فشلنا فى الاثنين.. لا المقاومون نجحوا وحرروا الأرض وأقاموا الدولة الفلسطينية، ولا المفاوضون استعادوها، وهنا تكمن معركتنا الحقيقية ولذا تركناها وانشغلنا بهوامش الأمور.
معان ثلاثة
هناك معان ثلاثة حكمت قراءة الأستاذ هيكل لخطاب أوباما وتركزت حول أن الرجل هو نتاج مجموعة من مؤسسات المصالح فى أمريكا، وأنه رغم أنه «إنسان رائع» فهو رجل علاقات عامة أشبة بمؤدٍ لدور حدده له «الكبار»، وأنه أخيراً لم يقل أى جديد فى خطابه،
واختزل الأستاذ معانى كثيرة مرتبطة بالتغيير الديمقراطى فى مؤسسات المصالح أو الخبراء ال 40 الذين كتبوا خطاب أوباما، وهو أمر غير دقيق لأن النخب القادرة على تغيير مجتمعاتها أوسع من هؤلاء جميعا.
والمؤكد أن الإعجاب بظاهرة الرئيس أوباما أكثر عمقا بكثير من مجرد أنه شخص ذكى يجيد العلاقات العامة، بل هى استدعت لدى كل واحد فينا خبرة خاصة فى لقاء مع رئيس ديمقراطى أو زيارة لبلد ديمقراطى، تؤدى حتما إلى حسرة مؤكدة على الأوضاع المصرية دفعت الناس لأن تتعاطف مع هذا الرئيس الشاب.
وقد ذكر لى أحد الأكاديميين المصريين ورئيس حزب معارض اعتاد فى الماضى القريب أن يحضر محافل رئاسية مصرية، وقال لى إن الأمن كان متسامحاً هذه المرة لأن من هو موجود كان فقط الرئيس الأمريكى، فترك الناس تدخل بهواتفها المحمولة حتى لو أغلقتها أجهزة خاصة قبل بدء الخطاب بحوالى ساعة،
وسمح لنا بالخروج والدخول إلى القاعة حتى قبل قدوم الرئيس بأقل من ساعة، وبقيت تقريبا حتى الساعة 12 ظهرا مع سياسيين وفنانين من مختلفى المشارب فى فناء جامعة القاهرة دون أى مضايقات أمنية قبل أن ندخل القاعة.
والمدهش أيضا أن هؤلاء الحضور لم يصفقوا لأى مسؤول مصرى حين دخلوا إلى القاعة قبل إلقاء أوباما خطابه بدقائق، بدءا من رئيس الوزراء ومرورا بعمرو موسى وانتهاء بجمال مبارك، فى حين أن هذا الحضور صفق بحرارة ل«هيلارى كلينتون» التى دخلت بعد طاقم الحكم المصرى بدقائق فى مشهد غير معتاد علينا تأمل دلالاته.
سياسى غير معلب
تمر مصر بلحظة تاريخية صعبة جعلت الناس تشعر بوطأة القهر الذى يمارس عليها يوميا وجعل تعاطفها مع حالة أوباما يتجاوز هذا التقييم القاسى الذى اعتبر أن الشباب الذى هتف باسمه نتيجة ذكره بعض آيات القرآن الكريم أو لأنه خطيب مفوه ومتحدث لبق «فسغسغ» أمامه الناس. إن هذا ظلم كبير بحق الشعب المصرى لأن أوباما ليس مجرد «رجل رائع جاء من لا مكان» كما ذكر هيكل،
إنما هو جاء من مكان معروف ومثّل نمطاً جديداً من التعبئة السياسية والانتخابية، وتفاعل بنفسه مع الشباب فى مدوناتهم، وسجل بفضله 300 ألف ناخب جديد أنفسهم للتصويت فى ولاية بنسلفانيا تحت تأثير خطابه وليس برشاوى جماعات المصالح،
وحاول الرجل أن يقدم نموذجاً جديداً اعتمد فى تمويل حملته على عموم الناس وليس كبار الشركات الاحتكارية (ولا يعنى ذلك أنها غير مؤثرة وبقوة) ولا أعرف صديقاً من أصل عربى يعيش فى الولايات المتحدة إلا وتبرع بجزء من ماله لحملة أوباما فى مشهد نادر الحدوث فى الولايات المتحدة وخارجها.
كل هذه المحاولات أنتجت شخصاً مختلفاً فى الخبرة والتكوين النفسى والسياسى، وليس كما ذكر الأستاذ «أن هناك مؤسسة قوية اختارته للتعبير عنها فى لحظة أزمة تواجه أمريكا، واعتقد أنه يؤدى دوره بامتياز» أو حين أضاف «لا يمكن تصور تحت أى وضع أن المؤسسات صاحبة المصالح تترك مصالحها للأهواء السياسية فلابد أن توجد فى السياسة بشكل أو بآخر،
وعندنا فى مصر مثلا المجلس الأمريكى المصرى ولجنة السياسات، ليس فى الأمر مؤامرة لكن الطبيعى تماما أن تعمل المصالح الموجودة فى بلد ما على أن تعبر عن نفسها سياسيًا وأن تضمن مصالحها سياسيًا».
وهذا فى الحقيقة الجانب الصادم فى قراءة الأستاذ، فنظريات «السياسى المعلب» الذى تعده مجموعة من أصحاب المصالح ليست صالحة للتفسير فى كل الحالات، ولأن هيكل لم ينظر إلى النخب بالمعنى الواسع للكلمة، وظل أسير قراءة ضيقة لنخبة محدودة لصيقة بصانع القرار، فلم ير أن التغيير فى المجتمعات الديمقراطية يجرى من خلال عملية تفاعل بين النظام أو بتعبيره المؤسسات صاحبة المصالح،
وبين التيارات والأفكار الجديدة التى أحيانا ما تقوم بثورات واحتجاجات غاضبة، أو تنشئ تجمعات سياسية سلمية تحتج على منظومة الحكم السائدة من داخل مؤسسات النظام وقيمه العامة وعبر عادة آليات ديمقراطية سلمية ويعرفون أحيانا ب«outsider».
فثورة الطلاب فى 1968 فى فرنسا لم تسقط النظام الديمقراطى القائم على طريقة ثورة يوليو فى مصر، وإنما «طوقته» بأفكار جديدة جعلته يغير بعض أسسه، فى نفس الوقت فإن النظام العام نجح أيضا فى دمج معظم ثوار 68 فى المؤسسات القائمة فأضفى عليهم قدراً من العقلانية والهدوء، وهم بدورهم أضفوا على النظام العام قدراً من الحيوية والأفكار الجديدة، وهكذا تتطور المجتمعات عبر نظم تنفتح أمام الجديد، وجديد يدمج فى النظام ليطوره.
من الظلم البين مقارنة نجاح أوباما الديمقراطى وشبكة المصالح الشابة والجديدة التى أنشأها، بلجنة السياسات فى مصر، فما جرى مع أوباما هو «معكوس» ما يجرى مع جمال مبارك، لأن قوة أصحاب المصالح فى المجتمعات الديمقراطية ليست مطلقة وأن خبرة وتكوين أوباما انعكسا على تمايز أدائه وصدقه، لأنهما ببساطة نتاج تفاعل إنسانى وسياسى مركب، فيه شبكات المصالح، وفيه النخب بمعنى أوسع من نخب القصور الملكية والجمهورية،
وأيضا المواطنون العاديون الذين ينتخبون، وأنه ليس مجرد ممارسة بديعة للعلاقات العامة، إنما بالتأكيد أن ما شهدناه فى القاهرة كان مشهداً سياسياً بامتياز، بصرف النظر إذا كنا قادرين على التأثير أو الاستفادة منه فتلك قضية أخرى مختلفة تماما، فأوباما لم ينتخب لتحرير القدس أو جلب الديمقراطية لمجتمعاتنا فهذه قضيتنا وليست قضيته.
حماس ليست إرهابية: نعم هناك جديد
لم يصف أوباما طوال خطابه حركة حماس بأنها جماعة إرهابية، وهنا ذكر الأستاذ ببساطة أنه كان موقفاً طبيعياً، والحقيقة أنه لم يكن كذلك بل إن مقارنة النضال الفلسطينى بنضال الأقلية الأمريكية السوداء كان فى حد ذاته تحولاً «ثورياً» فى الخطاب الرسمى الأمريكى.
إن عدم وصف حماس بأنها جماعة إرهابية ليس نتيجة رأى ال40 خبيراً الذين ذكرهم الأستاذ هيكل إنما هو نتاج جهد ومناقشات أكاديمية وسياسية طويلة امتدت منذ أكثر من عشر سنوات وشارك فيها خبراء عرب وغربيون،
ودارت حول مشكلة الإسلاميين أو قضية «دمج الإسلاميين»، وأزعم أننى كنت مع زملاء (عمرو الحمزاوى وآخرين) ممن طرحوا هذه الفكرة وضرورة إيجاد حل سياسى لمشكلة الإسلاميين. صحيح أن هذه الرؤية ظلت على هامش التأثير فى دوائر صنع القرار الغربية طوال السنوات الثمانى فى حكم الرئيس بوش،
إلا أنها عادت وظهرت بقوة فى الفترة الأخيرة وبدت المفوضية الأوروبية وبعض القادة الأوروبيين أقرب إلى فكرة الحوار مع الإسلاميين خاصة حركة حماس، وربما بعد ذلك الإخوان المسلمون، ولكن وفق شروط أهمها اعتراف حماس بالاتفاقات السابقة، وتحديداً أوسلو، وليس بالضرورة إسرائيل،
وهو الأمر الذى يبدو منطقياً فى أن تعترف حماس باتفاقات أوسلو التى أدخلتها البرلمان وشكلت لها حكومة، فإما أن تخرج من اللعبة السياسية وتستمر كحركة مقاومة مسلحة، أو تدخل فيها وتقبل باستحقاقاتها وقواعدها دون أن يعنى ذلك استسلامها لكل شروطها، بل على العكس يمكنها أن تغير جوانب كثيرة منها.
فقضية فتح باب مشروط للتعامل مع حماس ليس نتيجة نزوة رئيس يتقن العلاقات العامة، إنما هى نتاج مشروع فكرى وسياسى كبير تضع فيه الإدارة الأمريكية الجديدة وبعض الأوروبيين شروطاً لما سميناه من قبل الدمج الآمن «Save integration» للإسلاميين،
وهو أمر يتناقض مع الرؤية التى طرحتها إدارة بوش التى اعتبرت على المستويين الفكرى والسياسى أن جميع الحركات الإسلامية (وربما المسلمون أيضاً) خطر على الأمن القومى الأمريكى، وأن الرؤية المقابلة تعكس مدرسة متكاملة فى الاجتماع السياسى وليس مجرد كلام علاقات عامة، ترى أنه لا توجد أى ظاهرة سياسية غير قابلة للدمقرطة بما فيها الإسلاميون،
وهى امتداد لنفس الرؤية التى تقول إنه لا توجد مجتمعات أو حضارات غير قابلة لتبنى الديمقراطية كما يردد همسا وأحيانا صراحة عن مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وأن ربط حماس الإسلامية بالسياسة (ولو اختلافا) هو تحول جذرى، وامتداد لمدرسة كاملة فى الفكر السياسى لا يمكن أن نقول معها لا جديد.
صحيح من حق حماس أن ترفض بعض أو كل الشروط الموضوعة أمامها للدخول فى مسار التسوية السياسية، وهنا إما أن تنجح فى مشروع المقاومة المسلحة وهو ما لم يحدث، أو تدخل فى المعادلة السياسية وتقبل بجانب من شروطها الدولية، بصورة تجعلنا أمام تيار سياسى متشدد قادم من خارج المنظومة السائدة «outsider»، ولكنه يقدم لغة قادرة على التأثير فى العالم أو على الأقل يحاورها حتى لو اختلف معها.
لماذا اختلفت؟
جاءت قراءة الأستاذ هيكل قديمة لظاهرة جديدة ولرئيس شاب، رغم أنه كان دائما الأكثر لمعانا وجرأة وحداثة فى كل ما يكتب، وأن خلافى مع مضمون تلك القراءة يكمن أساساً فى أنها قرأت ظاهرة جديدة صنعتها أطراف عديدة (وبعضها جديد) داخل نفس الإطار الضيق الذى يحكم انتخاب أى رئيس تقليدى أمريكى يعبر عن مجموعة ضيقة من جماعات المصالح، وتجاهلت تماما أدوار النخب الواسعة والرأى العام والأجيال الجديدة.
إن الجيل الجديد الذى تحدث عنه كاتبنا الأكبر قد غاب تماما عن مضمون قراءته، فهذا الجيل حلم ولو للحظات ب«أوباما المصرى» رغم أنه حلم مازال بعيد المنال، ولم يكن ساذجا حين صفق 41 مرة لأوباما لأنه تفاعل مع شىء أصيل وليس مُصّنعاً.
لقد غير الأمريكيون مصيرهم تغييراً حقيقياً نهنئهم عليه، أما نحن فلم نغير فى العالم العربى حاكما واحدا بانتخابات سلمية وديمقراطية، وهذه مشكلتنا التى لا تعنى أن العالم لا يتغير.
على أن أعترف بأننى ترددت قبل أن أعلن اختلافى، ليس بسبب كونى أمام قامة مهنية وموهبة نادرة، إنما ما دفعنى إلى ذلك شعورى أن تقييم هيكل لأوباما كان فى مواجهة هيكل نفسه، وتجربته التى حافظت على مهنيتها رغم أنها كانت جزءاً من نظام ثورى،
واختلف مع رأس الدولة حين فرض عليه ضميره المهنى وقراءته السياسية ذلك فى وقت اكتظت البلاد بالمطبلين وحملة المباخر. انتظرت قراءة مختلفة ترى الجديد فى ظاهرة أوباما كما رأينا نحن الكثير فى ظاهرة هيكل، فوجدت قراءة صادمة، فكان لابد هذه المرة أن أختلف.. وليسمح لى بذلك.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.