تنسيق الثانوية العامة 2025 ..شروط التنسيق الداخلي لكلية الآداب جامعة عين شمس    فلكيًا.. موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر و10 أيام عطلة للموظفين في أغسطس    رسميًا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 1 أغسطس 2025    5 أجهزة كهربائية تتسبب في زيادة استهلاك الكهرباء خلال الصيف.. تعرف عليها    أمازون تسجل نتائج قوية في الربع الثاني وتتوقع مبيعات متواصلة رغم الرسوم    إس إن أوتوموتيف تستحوذ على 3 وكالات للسيارات الصينية في مصر    حظر الأسلحة وتدابير إضافية.. الحكومة السلوفينية تصفع إسرائيل بقرارات نارية (تفاصيل)    ترامب: لا أرى نتائج في غزة.. وما يحدث مفجع وعار    الاتحاد الأوروبى يتوقع "التزامات جمركية" من الولايات المتحدة اليوم الجمعة    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. مستندات المؤامرة.. الإخوان حصلوا على تصريح من دولة الاحتلال للتظاهر ضد مصر.. ومشرعون ديمقراطيون: شركات أمنية أمريكية متورطة فى قتل أهل غزة    مجلس أمناء الحوار الوطنى: "إخوان تل أبيب" متحالفون مع الاحتلال    حماس تدعو لتصعيد الحراك العالمي ضد إبادة وتجويع غزة    كتائب القسام: تدمير دبابة ميركافا لجيش الاحتلال شمال جباليا    عرضان يهددان نجم الأهلي بالرحيل.. إعلامي يكشف التفاصيل    لوهافر عن التعاقد مع نجم الأهلي: «نعاني من أزمة مالية»    محمد إسماعيل يتألق والجزيرى يسجل.. كواليس ودية الزمالك وغزل المحلة    النصر يطير إلى البرتغال بقيادة رونالدو وفيليكس    الدوري الإسباني يرفض تأجيل مباراة ريال مدريد أوساسونا    المصري يفوز على هلال الرياضي التونسي وديًا    انخفاض درجات الحرارة ورياح.. بيان هام من الأرصاد يكشف طقس الساعات المقبلة    عملت في منزل عصام الحضري.. 14 معلومة عن البلوجر «أم مكة» بعد القبض عليها    بعد التصالح وسداد المبالغ المالية.. إخلاء سبيل المتهمين في قضية فساد وزارة التموين    حبس المتهم بطعن زوجته داخل المحكمة بسبب قضية خلع في الإسكندرية    ضياء رشوان: إسرائيل ترتكب جرائم حرب والمتظاهرون ضد مصر جزء من مخطط خبيث    عمرو مهدي: أحببت تجسيد شخصية ألب أرسلان رغم كونها ضيف شرف فى "الحشاشين"    عضو اللجنة العليا بالمهرجان القومي للمسرح يهاجم محيي إسماعيل: احترمناك فأسأت    محيي إسماعيل: تكريم المهرجان القومي للمسرح معجبنيش.. لازم أخذ فلوس وجائزة تشبه الأوسكار    مي فاروق تطرح "أنا اللي مشيت" على "يوتيوب" (فيديو)    تكريم أوائل الشهادات العامة والأزهرية والفنية في بني سويف تقديرا لتفوقهم    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    الزمالك يهزم غزل المحلة 2-1 استعدادًا لانطلاقة بطولة الدوري    اصطدام قطار برصيف محطة السنطة وتوقف حركة القطارات    موندو ديبورتيفو: نيكولاس جاكسون مرشح للانتقال إلى برشلونة    مجلس الشيوخ 2025.. "الوطنية للانتخابات": الاقتراع في دول النزاعات كالسودان سيبدأ من التاسعة صباحا وحتى السادسة مساء    «إيجاس» توقع مع «إيني» و«بي بي» اتفاقية حفر بئر استكشافي بالبحر المتوسط    مجلس الوزراء : السندات المصرية فى الأسواق الدولية تحقق أداء جيدا    فتح باب التقدم للوظائف الإشرافية بتعليم المنيا    رئيس جامعة بنها يصدر عددًا من القرارات والتكليفات الجديدة    أحمد كريمة يحسم الجدل: "القايمة" ليست حرامًا.. والخطأ في تحويلها إلى سجن للزوج    فوائد شرب القرفة قبل النوم.. عادات بسيطة لصحة أفضل    متى يتناول الرضيع شوربة الخضار؟    تكريم ذوي الهمم بالصلعا في سوهاج.. مصحف ناطق و3 رحلات عمرة (صور)    حركة فتح ل"إكسترا نيوز": ندرك دور مصر المركزى فى المنطقة وليس فقط تجاه القضية الفلسطينية    أمين الفتوى يوضح أسباب إهمال الطفل للصلاة وسبل العلاج    الداخلية: مصرع عنصر إجرامي شديد الخطورة خلال مداهمة أمنية بالطالبية    الإفتاء توضح كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر    الشيخ خالد الجندى: من يرحم زوجته أو زوجها فى الحر الشديد له أجر عظيم عند الله    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير الخارجية الفرنسي: منظومة مساعدات مؤسسة غزة الإنسانية مخزية    ممر شرفى لوداع لوكيل وزارة الصحة بالشرقية السابق    رئيس جامعة بنها يشهد المؤتمر الطلابي الثالث لكلية الطب البشرى    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد المسلمانى يكتب: هيكل.. وقفة ثانية مع الأستاذ

حكى لى الرئيس أحمد بن بلاّ عن زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، قال: فى أثناء زيارة لى إلى الأمم المتحدة فى نيويورك وجّه لى الرئيس جون كينيدى الدعوة لزيارة البيت الأبيض.. استقبلنى الرئيس كينيدى استقبال الرؤساء مع أننى كنت رئيس حكومة مؤقتة. استقبلنى استقبالاً رسمياً مهيباً.. وضع لى البساط الأحمر واستعرض معى حرس الشرف،
كان كينيدى مصرا على استقلال الجزائر.. كان رائعاً فى داخله وعاملنى معاملة طيبة.. لكننى قلت له: سوف أذهب من هنا إلى كوبا.. فذهل كينيدى - الذى كان على وشك دخول حرب عالمية ثالثة بسبب كوبا - وقال: تذهب إلى كوبا من هنا؟!.. لو فعلتها لضربتك الدفاعات الجوية الأمريكية، فهى تضرب كل طائرة تذهب إلى كوبا.
قلت له: نحن ثوار.. لا نخاف، وأنا عندى قرار من «جبهة التحرير» بالسفر من هنا إلى كوبا لزيارة كاسترو.. وهذا قرار مقدس لابد من تنفيذه. قال كينيدى: اذهب إلى المكسيك ومن هناك إلى كوبا.. قلت له: الأمم المتحدة ليست أرضاً أمريكية سأذهب من هنا. وينتهى بن بلاّ بالقول: لقد سبّبتُ بموقفى هذا إحراجاً بالغاً للرئيس كينيدى.. ولكنه فى النهاية قال لى: اذهب.. وذهبت».
لقد تأملت طويلاً هذه الواقعة التى عرضتُها فى كتابى «خريف الثورة»، وحين التقيت الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى حفل إفطار «المصرى اليوم» فى شهر رمضان الماضى، وكان من حظى أن جاورت الأستاذ على مائدة الطعام، لنبدأ حديثاً ثنائياً امتد ساعة كاملة.
كان من بين ما قلته للأستاذ: هل تعترف معى أن رؤية الفكر السياسى المصرى للعالم كانت أبسط مما ينبغى، وأن رجلاً بوزن جون كينيدى لم يتم إدراك حجم التحوّلات التى أحدثها فى السياسة الأمريكية.. ولم يحدث أى تقدير دقيق لحجم المكانة الأخلاقية للرجل ولا لوزن المبادئ التى يحملها. ثم رويت له ما سمعته من الرئيس بن بلاّ. كنتُ أظن أن الأستاذ سيُبدى أىّ قدرٍ من المراجعة أو شيئاً من الاعتراف بأن قصوراً فى الإدراك قد حدث، أو أن الرئيس كينيدى لم يكن بالضبط كما رويت ورأيت.
ولكن الأستاذ راح يصف لى لقاءه بالرئيس جون كينيدى، وعن «قصة السيجار» بينهما.. عمّا قاله الرئيس عن سيجاره المفضل وعمّا قاله الأستاذ عن أنواع السيجار.
ثم مضى الأستاذ بعيداً إلى حيث أراد.. قبل أن ينحنى الحوار إلى منعطف آخر.
وقد ذهبت باحثاً عن رؤية أوسع للأستاذ ربما لم يُسعفه حفل إفطار ومشاهد أطباق وأكواب، وكان ذهابى إلى كتاب الأستاذ «الإمبراطورية الأمريكية»، ولقد قرأته آنذاك مرتين حتى أجد الجرأة لأقول.. إنه واحد من أضعف كتب الأستاذ، وواحد من أضعف الكتب فى حقل الدراسات الأمريكية.
لقد تذكرت ذلك كله.. ما سمعته من الرئيس بن بلّا وما سمعته من الأستاذ حين بدأت صحيفة «الشروق» فى الإعلان عن حديث الأستاذ حول خطاب الرئيس الأمريكى باراك أوباما.
ولأننى واحد ممن يحملون للأستاذ من المشاعر ما يتجاوز الحب ومن التقدير ما يتجاوز الاحترام.. ولأننى عانيت فى وقفتى الأولى من ردود غلبت فيها العاطفة على الحقيقة وغطت فيها حواجز الحركة على معالم الطريق.. فقد أخذنى التردد.. بعد أن دخل على خط المواجهة مَنْ أساء إلى قيمة المعركة وإلى أوزان المتحاربين.
■ إن حديث الأستاذ يؤسس لتهافت جديد فى العقل السياسى العربى.. حيث نواجه العالم بلا بصر أو بصيرة.
إنه حديث يُربك الفكر السياسى ويغلق باب الأمل ويدفع إلى راحة اليأس.. وهنا نقاط محددة فى سطور محدودة.
(1)
قال الأستاذ: «إن مؤسسة قوية قد اختارت أوباما للتعبير عنها.. وأنا أعتقد أنه يؤدى دوره بامتياز.. هو قادر على أن يؤدى المهمة التى جىء به من أجلها» ثم يمضى الأستاذ يقول: «أنت أمام رئيس أمريكى أسود.. هذا فى حد ذاته دليل على عمق الأزمة.. هذا الرجل من خارج السياق.. هو رئيس ينتمى لأقلية».
وهذا رأى غريب.. فالأستاذ لا يرى فى الرئيس أوباما إلا أحد ممثلى هوليوود.. هو مجرد واجهة لآخرين.. هو فقط يؤدى الدور المطلوب.
وفكرة التمثيل عميقة فى ذهن الأستاذ فهى الفكرة الحاكمة فى رؤيته للرئيس السادات ولساسة عديدين.. وعلى الرغم من أن أحداً فى العالم لم ينظر بازدراء إلى ممثل فعلى جاء من هوليوود إلى البيت الأبيض.. ليكون الرئيس الفنان رونالد ريجان هو من يؤسس لنهاية الاتحاد السوفيتى.. ومن ثم ليؤسس للإمبراطورية الأمريكية..
إلا أن الأستاذ الذى لم يحدث أن تعالى على الممثل المغمور القادم من هوليوود.. جاء حديثه متعالياً للغاية على باراك أوباما رجل السياسة القادم من الإسلام والمسيحية ومن أفريقيا وآسيا وأمريكا.. ومن جامعة هارفارد ومجلس الشيوخ.
وقد استخدم الأستاذ نفس المفردات التى يستخدمها اليمين العنصرى فى الغرب من «رجل أسود».. «يمثل أقلية».. «خارج السياق».
(2)
يقول الأستاذ: «كنا فى لحظة وجدت أمريكا نفسها بلا عدو.. فجرى اعتبار الإرهاب مقترناً بالإسلام، ثم كان أن وصلت هذه المعركة فى التعبير عن مطالب الإمبراطورية إلى طريق مسدود».. وقول الأستاذ غير دقيق.. ذلك أنه كان يمكن للإدارة الأمريكية أن تواصل ثنائية «الإسلام والإرهاب».. فلا تزال القاعدة ناشطة، بل هى الآن أكثر نفوذاً داخل باكستان أكثر من أى وقت مضى، ثم إن الأزمة المالية العاصفة التى أربكت الإمبراطورية الأمريكية كانت تحتاج إلى تشتيت الذهن الأمريكى باتجاه مزيد من الأيديولوجيا ومزيد من الحروب..
وعلى ذلك فإن أسباب الفكر الاستعمارى الأمريكى فى اعتبار الإسلام عدواً قد زادت عما كانت عليه منذ سنوات. ومن المهم هنا القول بأن مدة اتخاذ الإسلام عدواً لا تزال قصيرة للغاية فى عمر الصراعات.. فقد وصل آخر عداء قبل الإسلام وهو العداء للشيوعية إلى سبعين عاماً. ومن ثم فإن هناك تفسيرات أخرى لهذا التحول.. لا يكفى بشأنه القول بأن «المعركة فى التعبير وصلت إلى طريق مسدود».
(3)
يقول الأستاذ: «فى أمريكا إذا أريد تغيير السياسات فمكان هذا هو الكونجرس وليس جامعة القاهرة».. وعلى الرغم من أن السياق اللغوى لعبارة الأستاذ جاء جارحاً لجامعة القاهرة.. كأن أوباما كان يتحدث فى كوخ بائس عند غابة أفريقية، فإن تجاوز ذلك لن يكون كافياً لإنقاذ الأستاذ.. ذلك أن تغيير السياسات -أى سياسات- إنما يتم فى العقول أولاً.. ثم تسير الأبنية السياسية على نحو ما ارتأى العقل السياسى الحاكم، السياسة فكرة ورؤية ثم قرار.. ويعرف دارسو النظام السياسى الأمريكى أن سلطة الرئيس سلطة حاسمة،
وعلى الرغم من النفوذ الكبير للكونجرس والقوة المؤكدة للسلطة التشريعية فإن تاريخ الولايات المتحدة هو فى الواقع تاريخ الرؤساء.. والزمن الأمريكى بكامله هو أزمنة رؤساء الولايات المتحدة.. فهذا عصر ويلسون وذاك زمن روزفلت وهذه أمريكا كينيدى وتلك حقبة ريجان وهذا زمن جورج بوش. لم يكن الكونجرس وراء حروب جورج بوش ولا كان الكونجرس وراء التنظير للعداء للإسلام، ولكنه كان فكر الرئيس بوش الذى رأى فكان ما رأى ورأينا.
(4)
يقول الأستاذ فى اختيار مكان الخطاب: «جاكرتا كانت من اختيار أوباما نفسه، وقيل له إنها بعيدة عن قلب العالم الإسلامى».. والمعنى هنا أن جاكرتا بعيدة عن القاهرة التى هى قلب العالم الإسلامى.. وهذا منطق سليم. ولكن الأستاذ الذى بدا حانقاً على القاهرة وربما غير سعيد بالاختيار راح يقول إن خمسة اعتراضات أساسية جاءت على القاهرة، وقال الأستاذ: إن من بين الاعتراضات «ابتعاد القاهرة عن الكتل الإسلامية الكبرى فى جنوب شرق آسيا.. وأنها ليست مسموعة هناك».. وهكذا أصبحت أطراف العالم الإسلامى هى «الكتل الإسلامية الكبرى» وأصبح مركز العالم الإسلامى هو البعيد النائى.
وأما قول الأستاذ: «إن مصر ليست مسموعة هناك» فهو قول غير صحيح، ويعرف العامة من الناس أن الأزهر هو قبلة الفكر الإسلامى فى آسيا، وأن طبقات العلماء من الإمام محمد عبده وحتى الشيخ القرضاوى وكلهم مصريون هم القامات الأعلى لدى جميع دوائر المسلمين فى آسيا.. وأن الكتابات الإسلامية المدرسية فى جامعة الأزهر وفى دار العلوم من أحمد شلبى إلى عبدالصبور شاهين وعشرات من الأساتذة كلها موجودة فى اللغات الآسيوية وعلى امتداد الشرق والجنوب..
بل إن حركة الإسلام السياسى فى آسيا هى كلها قادمة من مصر التى كانت مسموعة بأكثر مما ينبغى.. فاستطاع أيمن الظواهرى وفلول الجماعتين «الإسلامية» و«الجهاد» أن يتجاوزوا «الكتل الإسلامية الكبرى فى جنوب شرق آسيا» ليقودوا صراعاً عالمياً أربك قارات العالم الست.. وإذا لم تكن القاهرة اعتدالاً وتطرفاً هى المسموعة.. فمن يا ترى يراها الأستاذ مسموعة هناك؟
(5)
يذهب الأستاذ إلى تناقض آخر.. يقول: «حاولوا مع السعودية قالت لا.. لا أريد» ثم يأتى الأستاذ عن مصر ليقول: «القاهرة لديها مشكلات مع التيار الإسلامى داخل مصر، ومشكلات مع التيار الشيعى فى أنحاء المنطقة، ومشكلات مع دول عربية متعددة، غياب الديمقراطية».
هكذا يتحدث الأستاذ وكأن السعودية لم تخض حرباً مع تنظيم القاعدة على أراضيها، وكأن السعودية ليست قائدة المعركة مع التيار الشيعى، وكأنها بلا مشكلات مع سوريا أو ليبيا أو لبنان.. وكأنها الأكثر ديمقراطية فى المنطقة. لقد ظننت لغياب المنطق فى تحليل الأستاذ أنه يمتلك معلومات قوية بشأن اعتذار السعودية وسعى مصر.. لكن المصدر الوحيد للأستاذ كان مانشيتاً دعائياً فى صحيفة الشرق الأوسط السعودية «إن أوباما فى السعودية لأخذ المشورة قبل مخاطبة العالم الإسلامى».
(6)
يقول الأستاذ: «نحن إزاء خطاب يتكرر للمرة الثالثة.. كانت المرة الأولى فى تركيا ثم ذهب أوباما إلى السعودية».. هكذا اعتبر الأستاذ أن الذهاب إلى السعودية يساوى خطاباً فى السعودية.. وأن خطاباً رسمياً ألقاه أوباما فى البرلمان التركى.. هو خطاب للعالم الإسلامى.. وهو خلط غريب بين خطاب بروتوكولى فى تركيا وزيارة مجاملة للسعودية وخطاب تاريخى فى القاهرة.
(7)
يقول الأستاذ: «ذهب أوباما إلى تركيا وتحدث فى مجلس النواب.. نحن هنا أمام دولة تركية تعاملت مع الخطاب بطريقة دولة.. وبالتالى وضعته فى حجمه الطبيعى».. وهنا يذهب الأستاذ إلى أخطاء أخرى.. ذلك أن البرلمان أكثر حفاوة من الجامعة وأعلى شأناً منها.. فالبرلمان فى أى دولة هو سيادة الشعب والحديث فيه تشريف رفيع.. بل هو أعلى درجات التكريم والتشريف..
ومن ثم فإن تركيا قد احتفت بأوباما أكثر مما احتفت القاهرة.. إن القاهرة هى التى وضعت الخطاب فى حجمه الطبيعى.. أما تركيا التى ألقى فيها خطاباً بروتوكولياً لا أهمية له.. فقد فتحت له باب البرلمان.. وأجلست أمامه نواب الأمة بكامل أعدادهم وعلى مجمل مقاعدهم.
(8)
يقول الأستاذ عن خطاب أوباما فى تركيا: «بعدها بشهر أو شهرين اكتشفوا أن الخطاب يحتاج إلى ملحق.. وأصبحت هناك ضرورة إلى تكراره».. ولست فى حاجة للقول مجدداً إن خطاب القاهرة العالمى لا صلة له بخطاب تركيا الاحتفالى المحدود.. ولكن الأستاذ لا يريد أن يعترف هنا أن تركيا ليست مسموعة.. لذا احتاج أوباما ليكون مسموعاً أن يأتى إلى هنا.
ولكن حنق الأستاذ على القاهرة يأبى الاعتراف، بل يذهب إلى ما هو أبعد وأخطأ- يقول الأستاذ: «المفارقة أن العالم الإسلامى لم يبد اهتمامًا يذكر بالزيارة ولا بالخطاب.. حرصت على تتبع ما جاء فى وكالات الأنباء حول استقبال الخطاب فى باكستان لا شىء.. فى الهند لا شىء - وإندونيسيا عالم آخر.. أين إذن العالم الإسلامى الذى جاء أوباما ليخاطبه».. إذن أين هو المكان الإسلامى المسموع عند الأستاذ.. لا تركيا مسموعة ولا مصر مسموعة.. وهو نوع من «العدمية» فى التحليل، فكل شىء لا معنى له.. وكل مكان لا قيمة له.. والعالم الإسلامى لا وجود له.
إن كلام الأستاذ عن عدم وجود أثر فى الإعلام العالمى لخطاب القاهرة.. لا أساس له. إذ لم يحدث أن حظى خطاب لأوباما مرشحًا ورئيسًا بكل هذا الحجم من التغطية والجدل.. والحوار.
(9)
يقول الأستاذ: «تيودور روزفلت وحتى الأميرة ديانا، كلهم طلبوا إخلاء منطقة الأهرامات من أى مظهر من مظاهر مصر المعاصرة.. ليقف الواحد ووراءه مصر التاريخية» وهذا تحليل لا معنى له.. إذ لا يوجد فى منطقة الأهرامات- ولا ينبغى أن يوجد - أى مظهر من مظاهر مصر المعاصرة.. هذا مكان للتاريخ وثمة آلاف الأماكن للحداثة والمعاصرة.. ليس روزفلت ولا ديانا وحدهما اللذين يريدان أن يقفا ووراءهما مصر التاريخية.. إن تلاميذ المدارس الذين يزورون الأهرامات يفعلون الشىء نفسه.
(10)
يقول الأستاذ: «المستشرقون نصحوا أوباما بزيادة نسبة الآيات القرآنية فى الخطاب ونحن هنا نسمعه.. نردد الآيات ونصيح (الله).. ونصفق».
وهنا مغالطة فكرية ومغالطة أخلاقية.. أما المغالطة الفكرية فهى أن جهود مدرسة الاستشراق قامت فى أغلبها على ازدراء القرآن الكريم، والتعامل معه كنص بشرى وكتاب وضعى لا قداسة له.. ويعرف الكثيرون فى الغرب الإسلام بالدين المحمدى.. أى الدين البشرى الذى أسسه «محمد»، وإذ يصف أوباما القرآن بأنه مقدس، أى أنه كتاب إلهى مرسل من عند الله «ويضمن خطابه آيات منه» تجعل من هذا الدين حاملاً لأسمى المبادئ وأعلى القيم.. فإن ذلك يتناقض بالضرورة مع أطروحات المستشرقين.
وأما المغالطة الأخلاقية فهى تصور جمهور القاعة من نخبة السياسيين والمثقفين من جميع التيارات السياسية.. وجمهور الخطاب من عموم العرب والمسلمين.. بكونهم جمهورًا جاهلاً ساذجًا يسمع بلا عقل وينظر بلا رأى.. ثم يصيح فى بلاهة ويصفق فى ذهول.. ولو أن هذا تقدير الأستاذ لنخبته وأمته.. لوجب عليه الاعتذار.
(11)
يقول الأستاذ: «أنا واحد من المعترفين بحقيقة الهولوكست.. هناك بالفعل جريمة ارتكبت ضد اليهود.. لكن لا تفرض علىّ رقم الستة ملايين.. لقد ضغطوا على بابا الفاتيكان وهو يزور إسرائيل لكى يقرّ برقم الستة ملايين ولكنه رفض ذلك بشكل قاطع، واكتفى بعبارة ملايين.. لا أريد أن يفرض علىّ هذا الرقم فى القاهرة، وهو لم يتمكن من ذلك مع البابا».. ولست أعرف من هو الذى فرض علينا هذا الرقم، إن مثال البابا لا معنى له..
لقد طلبوا من البابا أن يقول ستة ملايين، ولكن أحدًا لم يطلب من المفتى أو شيخ الأزهر أن يقول إنهم ستة ملايين، هنا أوباما يقول قناعاته، وهناك طلبوا من البابا أن يغيّر قناعاته.. ولو طلب أوباما ذلك من شيخ الأزهر كما طلبوه من البابا لرفض.. ثم إن البابا نفسه لم يتراجع كثيرًا.. فقد اعترف أن الرقم بالملايين.. وهذا معناه أكثر من ثلاثة ملايين.. ومن ثم فإن البابا ليس المثال المناسب للصمود.
(12)
يقول الأستاذ: «35 سنة مرت بين عبارة هنرى كيسنجر فى القاهرة (اللى فات مات) وعبارة أوباما بعدها (بداية جديدة).. وكأننا لم نتعلم شيئًا خلال السنوات ال 35 السابقة».. وهذا خلط لا منطق فيه.. بين هنرى كيسنجر- وهو يهودى صهيونى متطرف.. ثم إنه مجرم حرب ورجل غير أخلاقى.. بل إنه محدود المعرفة ولولا الدعاية الصهيونية ما احتل المكانة التى احتلها- وبين باراك أوباما القادم من سياق آخر.. بل إن الصواب أن الأستاذ هيكل الذى رمانا بالجهل هو الذى لم يتابع الكثير خلال السنوات ال35 السابقة، ذلك أن رؤى وتحليلات الأستاذ قد وقفت عند تلك المفردات والصيغ والعبارات التى كانت تناسب زمنًا غير الزمن.. وعالمًا غير العالم.
(13)
يقول الأستاذ: «المجمع الصناعى العسكرى فى أمريكا لديه تنظيمات تعبر عن مصالحه، والعجيب أن القاسم المشترك فى كل هذه المجموعات هو صديقنا ديفيد روكفلر».. ولا أعرف ما الذى يعنيه الأستاذ هيكل بقوله «صديقنا ديفيد روكفلر».. هل هو صديقه وحده أم صديقه هو والأساتذة المحاورين الثلاثة.. ثم هل ينسجم حديث الأستاذ وهو يرى فى «أوباما» المسيحى- المسلم - الأفريقى.. مجرد «رجل أسود» و«يمثل أقلية» و«خارج السياق» ويجد فى روكفلر «اليهودى - الصهيونى» صديقًا يجرى الاستعراض بصداقته.
(14)
هكذا تحدث الأستاذ طويلاً ولم يقل شيئًا.. تطرق إلى كل ما هو غير مهم وترك الأهم، تفرغ للنيل من القاهرة ومن مكانة الدولة المصرية وبالتالى من الخطاب وصاحب الخطاب.. ليصل إلى تحليلات «الفطير المشلتت» وغيرها من صغائر الأشياء التى لا تليق ومقام الأستاذ.. لكن الأستاذ الذى انتظرناه.. محللاً لتحولات السياسة الأمريكية.. ولجغرافيا العالم الإسلامى ولخريطة الأديان وصدام المذاهب.. ولدور الكاريزما وكذلك حدودها،
وللمسافة الواقعة بين السياسة والأخلاق.. ولوضعية المحافظين القدامى فى زمن أوباما، ولاحتمالات الانفلات النووى الإسلامى فى باكستان أو الانفلات العرقى الإسلامى فى السودان أو الانكسار الثورى الإسلامى فى إيران، أو أن يتطرق الأستاذ للعلاقة بين الدين والمال فى زمن ما بعد بوش.. أو آفاق الأزمة العالمية واحتمالات الحرب أو السلام.. أو مستقبل الصهيونية فى ظل الصعود الأخلاقى للإسلام.. أو حالة الإسلام فى آسيا.. تمنيت ألف قضية يثيرها الأستاذ.. ويضيئ لنا عليها فى المعلومة وتحليل.. لكن الأستاذ لم يفعل فجاء حديث «الشروق» أشبه بالكلام العادى.. كل ما فيه جديد ليس بمفيد، وكل ما فيه مفيد ليس بجديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.