كتب - محمود عبد الرازق - لعبة الحب، العلاقات النسائية المتعددة، الحفلات الصاخبة.. كانت تلك المفردات الملخص المفيد للراغبين في وصف حياة "تيدي كينيدي" الشقيق الأصغر للرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي (1961 - 1963). وفي الحقيقة - مع إضافات أكثر إثارة - هي نفسها مفردات المعادلة التي امتثلها باقي أفراد آل كينيدي كويسلة خفية لمد نفوذهم السياسي إلي أبعد مدي. لعبة المافيا هي الطرف الوحيد في المعادلة الذي اضطلع الأب "جون كينيدي" وحده بإضافته لها. سرا وبمنطق دعم أولاده وأفراد العائلة وموقف ابنه، الرئيس المنتظر، كان الأب جون يتصرف كما يروي هذا الكتاب الشيق الذي صدر في لغته الأصلية منذ حوالي 20 عاما، باعتباره المسئول الأول والأخير عن كل ما يتعلق بمستقبل أبنائه في الحقل السياسي الأمريكي، حتي لو كلفه الأمر أموالا طائلة وعلاقات مشبوهة بقيادات المافيا في العالم. وفق هذا التتابع المثير لقصة صعود عائلة كينيدي كما يقدمها الكاتب الأمريكي صاحب سلسلة "جرائم حقيقية"، نتعرف علي "بوبي كينيدي" الذي أصبح المدعي العام الأمريكي، و"تيدي" عضو مجلس الشيوخ وأخيرا جون أول رئيس كاثوليكي للولايات المتحدةالأمريكية، وبينهم تتألق أدوار نساء العائلة - أخوات وزوجات وعشيقات - مع مزيج من تحالفات أسواق المال والاستثمار وأضواء الإعلام وسطوة الرشاوي وابتزازات المافيا. كان تيدي كينيدي - الأخ الأصغر لجون كينيدي الرئيس الأمريكي الأسبق - يشاهد التليفزيون حين قُطع الإرسال لاستقبال البث القادم من دالاس، وعندئذ شاهد تيدي لأول مرة "لي هارفي أوزوالد" قاتل جون كينيدي، وسط أفراد من شرطة دالاس عند نقله من سجن إلي آخر، ذلك الرجل الذي استطاع أن يضع نهاية لأحد أهم الشخصيات في التاريخ الأمريكي. وكان لهذه اللحظات المثيرة، التي لا تقل إثارة عن أحداث سبقتها، وأخري تلتها، أثرها في تتابع شريط الذكريات في رأس تيدي، بدءًا من تلقيه نبأ موت أخيه جون كينيدي وتأثير ذلك علي جميع أفراد أسرته الذي لا يقل عن تأثيره علي الأمة الأمريكية، مرورًا بالأزمات المعقدة التي طوقت العلاقات الأسرية، والتي جعلت العلاقة بين روز كينيدي (الأم) وجاكلين كينيدي (الزوجة) تصل إلي درجة عالية من الكراهية الصريحة، إلي جانب صمت جون كينيدي (الأب) المثير والمقلق والطويل بعد موت ابنه. أما الأحداث التي تلت هذه اللحظة المحورية فكانت شديدة الغرابة والإثارة، فقد تبع ظهورَ القاتل أوزوالد علي الشاشة ظهورُ أحد رجال الشرطة الذي تقدم نحو قاتل كينيدي وأفرغ رصاصات مسدسه في جوفه، هكذا بلا مقدمات، والمثير في الأمر نقل القاتل للعلاج في نفس المستشفي الذي نُقل إليه الرئيس القتيل قبل يومين فقط. بهذه الطريقة المثيرة والتتابع الشيق المرهق للأنفاس، ينقلنا المؤلف جون ماك جينيس في كتابه "عائلة كينيدي.. الصعود إلي الهاوية" الصادر عن سلسلة كتاب الجمهورية وترجمه أحمد هريدي، بين الأحداث التي مرت بها هذه الأسرة التي شغلت الشعب الأمريكي - إن لم يكن العالم أجمع- سنوات طوال. فالكتاب يشبه رواية مُحكمة العقدة تمتلئ بعوامل الجذب والإثارة والتشويق، لا يشبه غيره من الكتب التي تناولت سير وحياة الحكام وأسرهم، بل هو أشبه بسيناريو فيلم ينقلنا الكاتب خلال مشاهده بخفّة ومهارة، متناولاً حياة كل من أفراد تلك العائلة الأمريكية التي وصفت إعلاميا ب"الأسطورة" وتداخلها مع حيوات آخرين، البطل هنا لم يمكن جون كينيدي الرئيس بل أفراد الأسرة والعائلة وبالتحديد الأخ الأصغر تيدي كينيدي الذي أظهر نفسه بعد وفاة أخيه كمرشح لخلافته، فقد كان تيدي هو محور الأحداث في الكتاب ومنه تتشعب بقية الأحداث الخاصة بباقي أفراد الأسرة، ربما يؤكد هذا عنوان الكتاب الأصلي "The Rise & Fall of Teddy Kennedy" أو "ازدهار وأفول نجم تيدي كينيدي". عبر اثني عشر فصلا، لا يكتفي المؤلف بأسرة كينيدي المنتمين إليه نَسَبًا، بل يتخطاهم إلي ذوي الأهمية من موظفيه، مثل ماري جو سكرتيرة روبرت كينيدي شقيق جون كينيدي التي ماتت غرقًا وهي بصحبة الشقيق الأصغر تيدي الذي نجا من الموت، وعموما ما بين الصعود المدوي للرئيس جون كينيدي والسقوط المدوي لآخر الأشقاء تيدي كينيدي، يقدم لنا جينيس صورة حية ومثيرة لفترة من التاريخ الأمريكي الحديث، لعب فيها المال والنساء والمافيا دورا كبيرا في السياسة الأمريكية. فعلي الرغم من الانكسارات الكثيرة التي قابلتها عائلة كينيدي في حياتها فقد كان شعارُها "الفوز، ولا شيء غير الفوز"، هذا الشعار الذي جعل الأب كينيدي ُيعلم أبناءه كيف يكونون متميزين، فوصل جون إلي منصب رئاسة الجمهورية في حياة أبيه، وكذلك بقية اخوته الذين سيطروا علي الكثير من نشاط البلاد الاقتصادي والسياسي، فللمرة الأولي في التاريخ الأمريكي يفوز ثلاثة أشقاء من اسرة واحدة بعضوية مجلس الشيوخ عن ثلاث ولايات مختلفة. وخلال كل هذه الأحداث المتلاحقة كانت وسائل الإعلام تجد في هذه العائلة مادة غنية تثير حولها زوابع لا آخر لها، وكان هذا أحيانًا يصب في صالح الأسرة، ولكنه كان في الغالب يعكر صفاء الرؤية ويؤدي إلي الكثير من الفشل، علي الرغم من الجو الأسطوري الذي أحاط بهذه الأسرة، التي اقترنت دائما فترات صعودها بكبوات السقوط، ومن ثم كان الصعود إلي الهاوية أو "مسرح الأحلام المتكسرة" بحسب وصف المؤلف.