محافظ المنوفية يتابع جهود الوحدات المحلية في تنفيذ أعمال إزالة التعديات    الجيش الإسرائيلي: إصابة جندي بالرصاص خلال اشتباكات مع مسلحين فلسطينيين شمالي قطاع غزة    الأرصاد تكشف تفاصيل طقس الثلاثاء.. أجواء حارة ورياح مثيرة للأتربة على أغلب الأنحاء    كشف ملابسات فيديو حدوث مشاجرة بالأسلحة النارية بالجيزة    "فرقة سلطنة" تحيي أمسية طربية في قبة الغوري.. مزيج من التراث والأصالة بروح معاصرة    غدًا بالزقازيق.. أنطلاق عروض شرائح المسرح بشرق الدلتا ضمن موسم قصور الثقافة    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل الصيام والدعاء وأفضل الأعمال في هذا اليوم المبارك    خريطة الأسعار اليوم: انخفاض اللحوم والزيت والذهب وارتفاع الجبن    الحركة الوطنية: «تكافل وكرامة» نجح في توفير مظلة الحماية الاجتماعية    «شباب الأعمال»: تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في مجالات الاقتصاد الأخضر    موعد تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالقاهرة الجديدة    روسيا تسقط 230 مسيرة أوكرانية خلال أسبوع    العراق يتسلم رئاسة القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية من لبنان    جدل في واشنطن حول نية ترامب قبول طائرة فاخرة هدية من قطر    تشكيل مباراة السنغال ونيجيريا في ربع نهائي أمم أفريقيا تحت 20 عاما    تقرير: وكيل أوسيمين يلتقي بمسؤولي الهلال الأربعاء.. وتوقف مفاوضات مانشستر يونايتد    أشرف حكيمي أفضل لاعب أفريقي في الدوري الفرنسي    موعد مباراة النصر ضد الأخدود في دوري روشن السعودي والقناة الناقلة    تقارير: برشلونة يقترب من تمديد عقد رافينيا موسمين    مدرب الأهلي المحتمل - لا ينام عند الخسارة ولا يستهدف إسعاد اللاعبين في أبرز تصريحات ريفيرو    ماذا يحتاج اتحاد جدة للتتويج بلقب الدوري السعودي    براتب 6500.. فرص عمل في شركة مقاولات بالسعودية    مجلس النواب يحيل 33 تقريرا عن اقتراحات النواب للحكومة    نور خالد النبوي أمام النيابة.. اتهام بالتسبب في اصطدام مروري والفرار من الموقع    تأجيل محاكمة عامل وعمه قتلا شابا فى شبرا الخيمة ليونيو المقبل    «بعبع» تسريب امتحانات الثانوية العامة.. هل يتكرر في 2025؟| ننشر خطة «التعليم» كاملة    «تموين البحيرة»: ضبط محل يستخدم القمح المحلي في تصنيع الأعلاف    عاجل.. الأرصاد تحذر من موجة حارة جديدة في هذا الموعد    موعد امتحان الأنشطة والمواد غير المضافة للمجموع لطلاب «تانية ثانوي» في القليوبية 2025    وزير التعليم العالي يعلن سياسات تنفيذ إطلاق الجامعات المتخصصة لدعم رؤية مصر 2030 ومتطلبات الثورة الصناعية الخامسة    وزير الأوقاف: شيخ الأزهر الإمام الشيخ حسن العطار شخصية مصرية جديرة بعشرات الدراسات    إعلام عبرى: قوات من الجيش ودبابات وناقلات جند تمركزت قرب نقطة تسليم عيدان    تكريم غادة جبارة ومنال سلامة في افتتاح مهرجان المسرح العالمي    أحمد زايد: تطوير الأداء بمكتبة الإسكندرية لمواكبة تحديات الذكاء الاصطناعى    ما موقف من تضرر من أزمة البنزين المغشوش ولا يمتلك فاتورة؟.. البترول توضح    مجلس الوزراء يستعرض بالإنفوجراف جهود الدولة لتوطين صناعة الدواء    استمرار حملة "تأمين شامل لجيل آمن" للتعريف بالمنظومة الصحية الجديدة بأسوان    طب القاهرة تحصد اعتمادًا أوروبيًا كأحد أفضل مراكز رعاية مرضى قصور عضلة القلب    "تطوير التعليم" يبحث مع معهد بحوث الإلكترونيات إنشاء حاضنات لدعم ريادة الأعمال    ضبط تجار مخدرات وأسلحة نارية في حملات أمنية موسعة بأسوان ودمياط    في اليوم العالمي للتمريض.. من هي فلورنس نايتنجيل؟    «الوزير»: جذب مستثمرين لشراكات مع مصانع بقطاع الأعمال    سهير رمزي: بوسي شلبي جالها عرسان ورفضت بسبب محمود عبدالعزيز    رسميًا.. أورلاندو بايرتس يعلن رحيل خوسيه ريفيرو من تدريب الفريق    هل يجوز للحامل والمرضع أداء فريضة الحج؟    جامعة المنيا: الكشف على 570 مواطنًا بالقافلة المتكاملة فى قرية بني خيار    محافظ أسيوط: توفير 706 فرصة عمل لشباب الخريجين بمراكز المحافظة    سوريون يضرمون النار بمواد غذائية وزعتها قوات إسرائيلية    براتب يصل ل 500 دينار.. 45 فرصة عمل بالأردن في شركات زراعية وغذائية وصناعات خشبية (قدم الآن)    لماذا يرتدي الحجاج "إزار ورداء" ولا يلبسون المخيط؟.. د. أحمد الرخ يجيب    أكبر صندوق سيادي بالعالم يسحب استثماراته من شركة إسرائيلية بسبب المستوطنات    ما حكم الأضحية إذا تبين حملها؟.. الأزهر يوضح    الرعاية الصحية: لدينا 13 ألف كادر تمريضي بمحافظات التأمين الصحي الشامل    رئيس جامعة حلوان يشهد افتتاح فعاليات المهرجان الأول لتحالف جامعات إقليم القاهرة الكبري    رئيس «دي إتش إل» يتوقع استفادة من التوترات التجارية بين واشنطن وبكين    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    المجلس الوطني الفلسطيني: قرار الاحتلال استئناف تسوية الأراضي في الضفة يرسخ الاستعمار    3 أبراج «مكفيين نفسهم».. منظمون يجيدون التخطيط و«بيصرفوا بعقل»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قدر من الأمل
نشر في المصري اليوم يوم 02 - 01 - 2013


أعلم أن مصر تبدو قاتمة الآن بعض الشيء
وأعلم أننا قد صرنا كشعب أكثر تمزقا مما كنا.
ولا أقصد هنا الخلاف الفكري أو السياسي في حد ذاته أو ما شابه، ففي التنوع ثراء. بل أقصد صداقات السنين التي تمزقت بسبب السياسة والصراعات الدائرة. أعني كل أسرة لم تتحمل أو تتقبل تلك الاختلافات فانقسمت. أعني التعصب الكريه الذي استشرى وانتشر حيث لم يكن يوما موجودا. أعني كل شاب ورجل وقفا في الشوارع ليهددا وليؤذيا شخصا مثلهما بعد أن كانوا كلهم جنبا بجنب منذ سنتين. أعني كل فاسد استمر في فساده بل زاد فيه، وكل من غشنا. أعني كل من انتهك حرمة وكرامة إنسان أو إنسانة في الشارع وتعدى عليه أو عليها، وكل من سرق ولم تكن سرقته لجوع ينهش عظامه، وكل عدالة مازالت غائبة. أعني كل كلمة مؤلمة أو مضللة أو باطلة قرأناها أو سمعناها في القنوات والصفحات والمواقع، وكل كلمة كراهية وتحريض نطق بها أو كتبها من يفترض منه أن يكون رجل محبة ورحمة. أعني كل رجل سياسة وإعلام ورأي كذب وضلل من يستمع إليه ويقرأ له عمدًا لمصلحة لديه، أو عن جهل غير متعمد لأنه لا يكترث بحجم ما يقول فلا يبحث وراءه بما يكفي. أعني كل من فقد رؤيته لحرمة وقدسية حرية وكرامة وحياة كل إنسان مثله، مهما كان، وأيا كان، فتمنى له أو فرح بمكروه أصاب من يخالفه أو - فيما هو أسوأ - شارك في ذلك المكروه. وأعني كل من عاد إلى عادة تمجيد البشر من الأحياء بيننا، وكأننا نسينا أين كنا منذ سنتين. وأعني كل فرصة أضعناها كشعب لكي نتوحد - بعد ثورة - حول رؤية حكيمة وعادلة لإدارة البلاد وإعادة بنائها وحل أزماتها، وحول حلم وطني واحد يجمعنا على اختلافنا.
وأما الكلام عن الازدحام والفقر والكساد والبطالة والضغوط الحياتية والإنسانية والغلاء والأعمال التي تغلق أبوابها أو تكاد وعن غيرها، فهو كلام تكرر كثيرا حتى كادت+ تفقد الكلمات معناها، وربما فقدته بالفعل، لا أدري.
أعرف أن الحال قاتم في الكثير منه. ولكن هناك ما يمنعني من اليأس، ويحفظ لي قدرا من قوتي وعزيمتي، ويجعلني غير فاقد لأمل، بجانب أن الأمل في حد ذاته فضيلة.
فهناك تفجر من الإبداع والإنتاج الفكري والفني والتعبيري والفكري لم يحدث قط في تاريخ بلادنا. وصار كل شاب وشابة ورجل وامرأة لديهم أقلامهم ومدوناتهم، يكتبون ويتفكرون، بعقلهم لا بعقل غيرهم. وانفجر ينبوع من الموسيقى والأشعار والرسم والتمثيل وسائر الفنون والسخرية والفكر والآراء، كان عطاؤه في سنتين بمثابة عطاء عقدين.
ومصر ثلثاها من الشباب، وهم لن يكلوا أو يملوا، وهم شباب لا - ولن - يمكن أن يقمعهم أحد بعد اليوم،
واندفع الآلاف في العمل التطوعي بقدر لم يحدث من قبل في تاريخنا. فهذا يتطوع في مبادرة لتنظيف الشارع، وهذا في مبادرة لإطعام فقير وكسائه أو إيجاد عمل له، وهذه في مبادرة للتوعية السياسية والعامة، وهذا وهذه في حركة أو حزب ولا يخافان تركه إن غيرا هما كشخصين آراءهما، أو إن خرج ذلك الحزب عما يؤمنان به. وهذه تجمع التبرعات المادية والعينية ليس فقط للمصريين في كل المحافظات، بل حتى لمن يحتاج خارج مصر بسبب الظروف البشعة في سوريا والجوع في الصومال وغيرهما، وللمؤسسات الخيرية كذلك كالمستشفيات المجانية التي مازال يتبرع لها المصريون بالرغم من الضغوط الصعبة التي يمرون بها. وإن جمعت أعداد هؤلاء ومبادراتهم، فهم يكادون يشكلون حكومة بديلة، بل دولة أخرى بأكملها. وهم لا يفعلون أيا من ذلك مبتغين مالا أو منصبا، بل حبا في بلادهم وفي الخير، متحدين بذلك كل محبط وسلبي اختار المشاهدة أو إحباط ذاته ومن حوله فقط لا غير.
ربما نحن أكثر إرهاقا، ولكننا أكثر شجاعة وعزما. كان الشعب يخاف حكومته، فصارت الحكومة تخاف الشعب أكثر فأكثر كما يفترض في أي ديمقراطية. صار المواطن ينتفض في الشارع تعبيرا عن رأيه، ويكتب تحليلاته الشخصية على صفحات الإنترنت فيقرؤها الملايين، وصارت تلك التحليلات أعمق وأكثر علما مع مرور الوقت القليل، فكانت أفضل من الهراء الذي يكتبه بعض «الخبراء الاستراتيجيين». وصار المصري لا يهاب سلاحا أو غازا أو أحدا أكثر فأكثر. وصار الفرد ينظر بقوة وبعزة وإباء في عين رجل الأمن بعدما كان يرتعد منه. وبدأنا - ولكننا ما زلنا في أقصى أقاصي البداية - في إعادة رسم العلاقة بين المواطن ورجل الأمن على أساس من الاحترام.
وفي ظل ذات الأزمة، تصاعدت وتيرة الابتكارات، وهناك من فتحوا شركات وأعمالا جديدة في وسط الركود، وهناك من طوروا من أعمالهم الحالية لتواكب الأحداث وتستفيد حتى منها، وجلبوا بذلك الخير لأنفسهم ولغيرهم، وأثبتوا أنه حتى في قلب الأزمات فرص لا توجد إلا في مثل تلك الأزمات، ولا يجدها إلا من انهمك في البحث عنها أو إيجادها.
بدأت أحزابنا وحركاتنا السياسية في النضوج (بينما كشف بعضها بكل تأكيد عن مراهقة متأخرة)، وزادت أعدادها، ويقوم الواقع بسحق الشعارات الخاوية والأفكار الراكدة والبائدة، واستبدالها بواقعية كانت في كثيرها أفضل لمصر. وتجددت دماء حياتنا السياسية والعامة بوجوه جديدة فيها من يبعث فينا قدرا من الأمل، وظهرت - في المقابل - حقيقة بعض من احتسبناهم يوما رجال صدق وأمانة وفكر، وتعلمنا أن تقديس البشر لا يؤدي سوى إلى خيبة أمل.
مصر يحكمها رئيس مدني منتخب لأول مرة في تاريخها، بعيدا عن الخلافات السياسية. وشهدت مصر انتخابات ومناظرات رئاسية وبرلمانية ومنافسات سياسية لم تحدث من قبل، وطوابير من البشر أمام الصناديق في أكثر من مناسبة، وتجمع الناس حول التليفزيونات والصحف والمناقشات العامة والندوات بحثا في كل مرة عن المعلومة، وبحثا عن الخيار الأفضل، وانهمكوا في مناقشة مستقبل بلادهم أكثر مما ناقشوا الكرة يوما.
وعندما شعر المصري بأن حقوقه مهددة (سواء إن اتفقت معه أو اختلفت)، قام بالنزول في الشوارع مرة تلو الأخرى وبأعداد متزايدة، ونجح في إيصال صوته وإثبات وجوده حتى إن رأي البعض أنه ربما تعدى الحدود أحيانا، وأدرك المزيد من الناس أن كل فرد يُحدث فارقا حقيقيا لن يحدث دونه. وقام قدر ليس ببسيط من المواطنين بتغيير اتجاهات تصويتهم في الانتخابات والاستفتاءات - سواء اتفقت أو اختلفت مع اختياراتهم - مما يعني أن شعبنا ليس شعبا متجمدا، وأنه يفكر ويتفكر، ويبحث دوما عما يرى أنها مصلحة البلاد، وأن أغلبيات اليوم قد تصير أقليات الغد، وأن أغلبيات الغد قد تصير أقليات ما بعد غد، وهكذا دواليك.
ولأول مرة أيضا في تاريخنا، فإن مصر لديها «رئيس سابق». وليس ذلك فقط، بل هو محتجز هو وبعض رجاله جزاء سنوات من القمع السياسي والفساد والنهب الاقتصادي وغيرها من الجرائم التي ارتكبها نظامه. ويظل هو ونظامه وروايتهم عبرة حاضرة لمن يعتبر.
هناك إعلام مستقل هو ليس بمثالي وكثيرا ما تجانبه الموضوعية، ولكن كذلك حال الإعلام الرسمي المملوك للدولة والإعلام الموالي لمن يحكم، بل أسوأ. وبين هذا الإعلام وذاك نرى حقائق لم نرها من قبل، ونرى منافسة على عقل كل مصري، وتهتكت الخطوط الحمراء واهترأت ولم يصبح أحد أو شيء فوق النقد، وسيصمد الإعلام ضد أي ضغوط يمكن أن تمارس ضده، وسينمو كذلك حجما وكيفا، وسيصبح أفضل وأقوى.
وأما الكلام الكريه والمؤسف الذي صرنا اليوم نسمعه فهو موجود منذ الكثير، ونحن فقط الذين لم نستمع إليه من قبل، أو على الأقل بالقدر الكافي الذي يوضح مدى وجوده بيننا. واليوم، فهو موجود في الساحة وفي منافسة علنية مع الأفكار الأخرى، والأفكار الأفضل دائما ما تسحق الأفكار الأخرى في نهاية المطاف.
أعلم أن الوضع قاتم في الكثير منه، ولكن هناك ضوءا متزايدا في الكثير الآخر. هناك قدر من الأمل. بل، هناك فيض من الأمل. ولن أفرط فيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.