لا أعرف هل هو خبر سار بالنسبة لكم أم لا؟، ولكنه بالتأكيد سار بالنسبة لى. منذ اليوم، ولزمن لا يعلمه إلا الله، سنلتقى يومياً - إن شاء الله - فى هذا المكان. لا أخفى عليكم أننى لا أعرف ماذا أقول على سبيل التمهيد؟، ولكنى أشعر بالشجن والتهيب والسرور، ويأخذنى سحر البدايات. نفس الشعور الذى يستولى عليك فى الصباح الباكر حين تراقب شروق الشمس، أو بدايات قصص الحب، حين لا تعرف هل وقعت فى الحب أم تتوهم!، أو تشاهد ابتسامة وليد يستقبل الحياة. أما شعورى بالشجن فلأن تواصلى اليومى مع إخوانى القراء كان الحلم الذى زرعه فى داخلى أحمد بهجت صاحب العمود المشهور بالأهرام منذ أن كنت شابا يُتقن الدهشة ويُدمن الحلم. لو كنتم شاهدتم فيلم محمد خان «شقة مصر الجديدة» فقد أعفيتمونى من الشرح الكثير. (تهانى) معلمة الموسيقى الرومانسية التى زرعت الحب فى قلوب تلميذاتها الصغيرات من خلال أغانى ليلى مراد. ثم ذهبت تهانى ولم يذهب التوق للحب عند صغيرة ذات عينين حالمتين وقلب متوهج. وعندما كبرت بدأت رحلة البحث عن (تهانى)، والحقيقة أنها كانت تبحث عن نفسها الحقيقية فى الوقت ذاته. لا أبالغ إذا قلت إن أحمد بهجت قام بدور (تهانى) معى، ومنه تعلمت درس الكتابة الحميمة، وعرفت الفارق بين من يكتب بالقلم ومن يكتب بالقلب. منذ ذلك الحين استقرت علاقتى مع الحرف فى خانة العشق، كمراهق يقع فى الحب لأول مرة، كتلميذ فى المرحلة الثانوية ينتظر إشراق حبيبته من المدرسة المجاورة. الكتابة بالنسبة لى اتصال حميم بأشقائى على الكوكب الأرضى، ونفاذ عبر عيون القراء - وهم يقرأون مقالاتى - إلى عالم الروح، وتسلل رحيم إلى خبيئتك، وحلم يراودنى أن أكرر نفس الدور الذى لعبه معى أحمد بهجت مع قارئ لا أدرى اسمه، لا أعرف شكله، ولكنه سيحمل الحلم من بعدى، ويجد نفسه الحقيقية حين يبحث عن (تهانى). أما شعورى بالتهيب فلأن الكتابة عمل مقدس. يقول الله عز وجل: «ن، والقلم وما يسطرون» تصور!!، الله العظيم الجليل، المتعالى فى عظمته وكبريائه، الذى خلق مائة مليار مجرة، يقسم بالقلم، بحرف واحد من حروف الأبجدية يلخص الوهج الإنسانى، وسر النفخة من روح الله التى فضل بها الإنسان على سائر مخلوقاته، وأسجد له الملائكة. وأما السرور فلاعتقادى أن صناعة الأفكار والتعبير الدقيق عن خلجات النفس هو أرقى الأعمال الإنسانية، ولولاها لما قامت حضارة أو تراكم معرفى، ولأصبح البشر جزراً منفصلة فى محيط لا شواطئ له. والكتابة اليومية بحر زاخر متراكم الأمواج، فيه تغرق القوارب وتتشرذم السفن، بعضها يصل إلى شاطئ الأمان، وكثير منها يذهب إلى حيث لا عودة فى أعماق المحيط. لكننى أنوى – وسفينتى لم تزل على الشاطئ - أن أتجنب الأحداث الجارية قدر المستطاع. وبرغم علمى المسبق أن الكتابة عن الأحداث الجارية تحقق أعلى نسبة قراءة، فإن مرامى الحقيقى هو النفاذ إلى عمق الأشياء: خليط الأمس واليوم، والحاضر والتاريخ، والأدب والفكر، والدين والدنيا، والحب البشرى والعشق الإلهى. تنوع يضاهى تنوع الكون من حولى الذى يُلهم بالتعدد واتساع الرؤيا. وإلا فلماذا خلق الله تعالى الأرض بين سهل وجبل، وبحار وأنهار، وغابات وصحراوات!. ولماذا تنوعت الفصول بين حر وبرد!، ولماذا تشاركنا رحلة الكوكب الأرضى بلايين المخلوقات! نفس الشىء يمكن أن يُقال فى عالم الأفكار. بالنسبة لى لا توجد عندى مشكلة فى قبول أى منتج بشرى باعتباره لا يخلو من الحكمة، ما لم يتعارض تعارضا واضحا، لا شبهة فيه مع عقيدتى الدينية. أحب فى اليسار انحيازه للفقراء، وفى اقتصاد السوق تشجيعه للقوى الكامنة فى الإنسان، وفى الليبرالية إيمانها بحق الإنسان فى تحديد مصيره، وفى الديمقراطية رفضها لاستبداد فرد، وفى المسيحية التغيير بالحب، وفى الصوفية عنايتها بالروح، وفى التدين الشعبى حب آل البيت، وفى المعتزلة إيمانهم بالعقل، وفى السلفية اهتمامهم بالدليل. تنوع يضاهى تنوع الكون من حولى فى ملكوت السموات والأرض. فليكن هذا الباب عزلة عن ضجيج الحياة، وشغفا بالتاريخ والأشياء الأصيلة الحقيقية، ومحاولة لفهم تداعيات الماضى على الحاضر والمستقبل. ها هو التاريخ ينتظرنا ليفتح لنا الباب ، (مغارة على بابا) المليئة بكنوز القراصنة وأنات المقهورين.