رغم الأزمة المالية العالمية التى يعيشها العالم منذ منتصف العام الماضى 2008 وتراجع الطلب على الطاقة والغذاء، مما أدى إلى تراجع كبير فى أسعار المواد الغذائية، فإن مؤشرات المؤسسات الدولية تتنبأ بأزمة غذائية حادة للعالم بصفة عامة ومصر بصفة خاصة خلال العام المقبل 2010. وبحسب تقارير دولية فإن الأزمة المتوقعة ستكون أكثر قسوة من طفرة الأسعار فى 2007 و 2008، مشيرة إلى أن ما حدث نهاية العام الحالى قلب كل الموازين والتوقعات الاقتصادية العالمية والإقليمية، حيث عادت أسعار المحاصيل الغذائية للارتفاع بالرغم من زيادة الإنتاج العالمى الذى يقترب من 2.2 مليار طن، لتزيد أسعار فول الصويا والسكر بنحو 50%، ومحاصيل زراعية أخرى مثل القطن والمطاط بنسبة 25%. وتوقع التقرير الاقتصادى العالمى الصادر عن صندوق النقد الدولى فى أكتوبر 2008 حدوث أزمة حادة فى الغذاء فى الربع الأخير من 2009، وبدايات 2010 بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وضعف المبالغ الموجهة للاستثمار الزراعى. وتشير إحصاءات التجارة الخارجية إلى استيراد مصر أكثر من 70٪ من غذائها من الخارج، خاصة القمح الذى تتراوح نسب استيراده بين 40% و60٪ والفول حوالى 50٪، العدس 90٪، الزيوت 90٪، الذرة 40٪، والسكر 35٪. وأكد الدكتور ضياء عبده، مستشار منظمة الأممالمتحدة للأغذية «الفاو»، أهمية وجود مخزون استراتيجى غذائى لدى الدول، موضحا أن ذلك يعد جزءاً من نظام إدارة المخاطر الاقتصادية والسياسية، ويحتاج إلى دراسات فنية واقتصادية وترتيب لأولويات اختيار السلع الرئيسية. ولفت عبده -فى تصريح ل«المصرى اليوم»- إلى ضرورة مواجهة التقلبات السعرية العالمية بالعديد من الإجراءات، منها المخزون الاستراتيجى، بالإضافة إلى التعامل مع الأسواق المستقبلية والتقليدية بعقود آنية وآجلة. وأوضح أن تحديد نسبة المخزون الاستراتيجى بمتوسط 19% من الاستهلاك المحلى غير ثابت بالنسبة لجميع الدول، وعلى كل دولة أن تحدد مخزونها الاستراتيجى حسب نسبة المخاطر التى تواجهها، مضيفا أن المخزون الاستراتيجى العالمى يصل حاليا ل3% من الاستهلاك. وتوقع ألا تصل الزيادة السعرية المتوقعة خلال عام 2010 إلى مستوى الطفرة التى بلغت ذروتها فى يونيو 2008، وذلك بسبب زيادة الإنتاج الغذائى العالمى مؤخرا، واستقرار أسواق المال، واستقرار الأحوال الجوية، غير أنه أكد أهمية دراسة الوضع محليا وعالميا بعناية حتى لا تحدث أزمة «مفاجئة». ورأى أن المخزون الاستراتيجى المحلى، المقدر ب5 شهور كاف، داعيا الحكومة إلى تحفيز المزارعين على زيادة إنتاج القمح، وتحديد نسب إنتاج غذاء محددة تلائم الاحتياجات الفعلية. وطالب بتعديلات مؤسسية لقطاع الزراعة تتمثل فى زيادة كفاءة إدارة قطاع الزراعة، خاصة فى المحافظات، وتطوير الإرشاد الزراعى والاستفادة من البحوث وتدريب الكوادر المهنية والفنية. وحسب دراسة أعدها علاء حسب الله، عضو الجمعية العلمية للتصنيع الغذائى، فإن مصر تفقد حوالى 30% من محاصيلها سنويا، بسبب التخزين والنقل وأساليب الزراعة المتخلفة، بينما أكدت دراسة أخرى بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعى بوزارة الزراعة أن قيمة الفاقد على المستوى القومى لمحاصيل القمح والبرتقال والطماطم وصلت ما يقرب من 3.2 مليار جنيه سنويا. كما يعانى قطاع الزراعة من مشاكل أخرى، منها ضعف الاستثمارات الموجهة له، التى لا تتعدى 4٪ من الاستثمارات العامة للدول، كما لا تزيد المبالغ المرصودة للبحوث الزراعية على 25 مليون جنيه فقط سنويا. وساهمت بعض القوانين الزراعية، حسب الدراسة، فى إحجام المستثمرين عن الدخول فى القطاع، مما أدى إلى تدهور الكثير من المنتجات المشهورة، مثل القطن الذى تقلصت مساحة زراعته إلى 100 ألف فدان فقط، مما أثر على الإنتاج المصرى لزيت بذرة القطن، وأدى إلى زيادة نسبة استيراد الزيوت النباتية إلى 90٪، فى حين زادت نسبة زراعة فدادين «لب القزقزة» إلى أكثر من 250 ألف فدان.