حراس المحروسة: أبوالعلا.. قطب بولاق .. السلطان السماوي

حياة ثرية مملوءة بالإيمان. خاصة فى جانبها الآخر، «الحياة الثانية للإنسان». امتدت مع بطلنا إلى 120 عاما، قضاها ما بين مكة المكرمة والقاهرة، مستقرا فى الثانية بحى بولاق، على ضفة النيل الشرقية.
كان سلطانا، أو هم خلعوا عليه هذا اللقب. سلطانا للعارفين بالله، سلطاناً بالعلم وبالإيمان وبالفكر الصوفى، سلطاناً على العقول، وسلاطين العقول أخطر من سلاطين الحكم وأخلد، فهؤلاء يسقطون كأوراق الشجر فى خريف كل عام.
«السلطان أبوالعلا»، هكذا عُرف تاريخ التصوف، والوطنية، «الحسين أبوعلى بن الحسن بن على بن إبراهيم»، الذى ينتهى نسبه لعلى زين العابدين بن الأمام الحسين بن الإمام على، وسيدتنا فاطمة الزهراء، رضى الله عنهم جميعا. ولد فى مكة المكرمة أواخر القرن 18 ه، وجاء القاهرة وعمره 80 عاما، ليعيش فيها 40 سنة. عنه قال أحمد أبوكف فى كتابه «آل بيت النبى فى مصر»: «شيخنا كالرحى، يدور حوله الناس». هؤلاء الناس هم من فجروا ثورة القاهرة الثانية ضد الاحتلال الفرنسى. يروى الجبرتى عن «البولاقيين»، صنعوا القنابل من حديد المساجد وأدوات الصناع، فعلوا ما لا يمكن تصديقه.. صنعوا المدافع، ولم يتأخر رد كليبر، حرق الحى كاملا.
يقول الإمام الشعرانى فى طبقاته عن أبوالعلا «كان كثير التطورات». تعبير يوحى ب«التجليات» التى يراها العامة تصرفات غريبة. يحكى الشعرانى: «من لا يعرف أحوال الفقراء، يقول هذا «كيماوى سيماوى». يقصد بالفقراء أهل التصوف، فهم فقراء إلى الله. والعامة عادة ما ينسبون «الكرامات» إلى السحر أو «فعل الكيمياء». هكذا اتهم شيخنا ب«عمل الكيمياء فى خلوته»، وحرضوا عليه السفهاء والجهلاء، حتى إنهم رموه بالحجارة، المدهش أن أغلبهم أصبح، فيما بعد، من مريديه. ودفن معه فى ضريحه، أسفل القبة، خمسة منهم.
حين اعتكف فى خلوته ازدحمت بولاق بالساكنين للفوز ببركات «ولى الله الصالح»، فلم يكن أمامه سوى أن يطلب من أحد مريديه الأثرياء، نور الدين بن على الفنيش البرلس، أن يجدد خلوته حتى تتسع لكثرة زائريه، وبلغ الفرح بالبرلس أقصاه، فقرر تحويل الخلوة إلى مسجد كبير، كان وقتها من أفخم عمائر القاهرة.