«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكرامات
نشر في أخبار الأدب يوم 28 - 08 - 2011

يعتقد كثيرون من أصحاب التفكير العلمي في أشياء كثيرة لا علاقة لها بالتفكير العلمي، ومع هذا ينظرون الي الكتب التي تتناول كرامات الأولياء باستعلاء وخفة كأنهم من بلد آخر، لا تشكل فيه الكرامات (وعلامات من ثقافات قديمة متداخلة) المياه الجوفية للوجدان المصري، المياه التي شرب كل واحد منا في طفولته منها، ويحتفظ في داخله بنفحات سمع بها وأطلقت خياله وجعلته بعد التقدم في العمر يتأكد بين الحين والآخر من وجودها في مكان ما في مخيلته، يخجل كثيرون منا في استدعاء هذا المكون الطازج علي المنصات الثقافية، حتي لا يتم اتهامهم بالتخلف والرجعية والترويج للخرافات، ستكون امام كرامات الأولياء اذا احتكمت الي فطرتك قريبا من الناس الذين عشت بينهم، وستفتح أمامك أبواب الدهشة ، وتجلس طفلا امام مشاهد غاياتها نبيلة، تجلس خلفها أرواح منحها الله علما ونورا وقدرة لا مثيل لها علي التجاوز والمباغتة، أولياء الله الصالحين ليسوا في حاجة الي دفاع من احد، هم دخلوا بحكاياتهم وآرائهم وكراماتهم في النسيج الجمعي للمصريين والعراقيين والمغاربة، ولن يتمكن الذين يعتقدون أنهم أصحاب "التوكيل الرسمي" للدين الحنيف من التغلب علي نورهم الباطني، سئل بشر الحافي عن التصوف فقال "هو اسم لثلاث معان، وهو ألا يغطي نور معرفة العارف نور ورعه، وأن لا يتكلم في علم باطن ينقضه ظاهر الكتاب والسنة، ولا تحمله الكرامات علي هتك استار محارم الله عز وجل"، في هذه المختارات (من جامع كرامات الأولياء للشيخ النهاني والطبقات للشيخ عبد الوهاب الشعراني) نحاول أن نستعيد بعضا من المشاعر "الخام" التي جمعتنا علي معان عظيمة غامضة ورحابة بحاصرها الان رجال دين قال لمثلهم أبو اليزيد البسطامي" اخذتم علمكم من علماء الرسوم ميتا عن ميت، وأخذنا علمنا من الحي الذي لا يموت"
تقديم وأختيار: إبراهيم داود
أبوالفيض ذو النون المصري رضي الله تعالي عنه: واسمه ثوبان بن ابراهيم وكان أبوه نوبيا توفي سنة خمس وأربعين ومائتين وكان رضي الله عنه رجلا نحيفا تعلوه حمرة وليس بأبيض اللحية، ولما توفي رضي الله عنه بالجيزة حمل في قارب مخافة أن ينقطع الجسر من كثرة الناس مع جنازته ورأي الناس طيورا خضرا ترفرف علي جنازته حتي وصلت إلي قبره رضي الله عنه.
ومن كلامه رضي الله عنه: إياك أن تكون للمعرفة مدعيا أو بالزهد محترفا أو بالعبادة متعلقا وفر من كل شيء إلي ربك وكان يقول كل مدع محجوب بدعواه عن شهود الحق لأن الحق شاهد لأهل الحق بأن الله هو الحق وقوله الحق ومن كان الحق تعالي شاهدا له لا يحتاج أن يدعي فالدعوي علامة علي الحجاب عن الحق والسلام وكان يقول للعلماء أدركنا الناس وأحدهم كلما ازداد علما ازداد في الدنيا زهدا وبغضا وأنتم اليوم كلما ازداد أحدكم علما ازداد في الدنيا حبا وطلبا ومزاحمة وادركناهم وهم ينفقون الاموال في تحصيل العلم وأنتم اليوم تنفقون العلم في تحصيل المال وكان يقول يا معشر المريدين من أراد منكم الطريق فليلق العلماء باظهار الجهل والزهاد باظهار الرغبة والعارفين بالصمت .
قلت وذلك ليزيده العلماء علما والزهاد زهدا والعارفون معرفة قال الله تعالي »إنما الصدقات للفقراء والمساكين« الآية . وسئل رضي الله عنه عن السفلة من الخلق من هم فقال من لا يعرف الطريق إلي الله تعالي ولا يتعرفه وكان يقول سيأتي علي الناس زمان تكون الدولة فيه للحمقي علي الأكياس.
قلت: والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمني علي الله تعالي الأماني، والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت وكان يقول لم يزل الناس يسخرون بالفقراء في كل عصر، ليكون للفقراء رضي الله عنهم التأسي بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقال قد جاءتني امرأة فقالت: ان ابني أخذه التمساح فلما رأيت حرقتها علي ولدها أتيت النيل وقلت اللهم أظهر التمساح فخرج إلي فشققت عن جوفه فأخرجت ابنها حيا صحيحا فأخذته ومضت وقالت اجعلني في حل فإني كنت إذا رأيتك سخرت منك وأنا تائبة إلي الله عز وجل وكان يقول من علامة سخط الله تعالي علي العبد خوفه من الفقر، وكان يقول لكل شيء علامة وعلامة طرد العارف عن حضرة الله تعالي انقطاعه عن ذكر الله عز وجل وقال رضي الله عنه إذا تكامل حزن المحزون لم تجد له دمعة وذلك لأن القلب إذ أرق سلا وإذا جمد وغلظ سخر وتذاكر الفقراء عنده يوما في المحبة فقال لهم كفوا عن هذه المسألة لئلا تسمعها النفوس فتدعيها وكان يقول من القلوب قلب يستغفر قبل أن يذنب فيثاب قبل أن يطيع وكان يقول ان الله تعالي أنطق اللسان بالبيان وافتتحه بالكلام وجعل القلوب أوعية للعلم ولولا ذلك كان الانسان بمنزلة البهيمة يوميء بالرأس ويشير باليد وكان يقول كنا إذا سمعنا شابا يتكلم بالمجلس أيسنا من خيره وكان يقول من لم يفتش علي الرغيفين من الحلال لا يفلح في طريق الله عز وجل وقال له رجل إن امرأتي تقرأ عليك السلام فقال رضي الله عنه لا تقرءونا من النساء السلام وكان يقول إياكم وكثرة الاخوان والمعارف وكان رضي الله عنه يقول: لحنا في العمل واعربنا في الكلام فكيف نفلح: قلت: وكذلك كان ابراهيم بن أدهم رضي الله عنه يقول من آنسه الله بقربه أعطاه العلم من غير طلب وكان يقول ليس بعاقل من تعلم العلم فعرف به ثم آثر بعد ذلك هواه علي عمله، وليس بعاقل من طلب الإنصاف من غيره لنفسه ولم ينصف من نفسه غيره وليس بعاقل من نسي الله في طاعته وذكر الله تعالي في مواضع الحاجة إليه وكان رضي الله عنه يقول تواضع لجميع خلق الله تعالي واياك ان تتواضع لمن يسألك أن تتواضع له فإن سؤاله اياك يدل علي تكبره في الباطن وتواضعك له يكون له عونا علي التكبر وكان يقول رضي الله عنه من نظر في عيوب الناس عمي عن عيب نفسه وكان يقول من طلب مع الخبز ملحا لم يفلح في طريق القوم.
حكي عن أحمد بن محمد السلمي قال: دخلت علي ذي النون المصري يوما فرأيت بين يديه طسنا من ذهب وحوله الند والعنبر يسجر فقال لي: أنت ممن يدخل علي الملوك في حال بسطهم، ثم أعطاني درهما فأنفقت منه إلي بلخ.
قال القشيري: وسمعت الشيخ أبا عبدالرحمن السلمي يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت يوسف بن الحسين يقول: سمعت ذا النون المصري يقول: وقد سأله سالم المغربي عن أصل نوبته فقال: خرجت من مصر إلي بعض القري فنمت في الطريق، ثم انتبهت وفتحت عيني فإذا أنا بقنبرة عمياء سقطت من شجرة علي الأرض، فانشقت الأرض فخرج منها سكرجتان: احداهما من ذهب،
والأخري من فضة، وفي احداهما سمسم وفي الأخري ماء ورد، فأكلت من هذه وشربت من هذه، فقلت حسبي تبت، ولزمت الباب إلي أن قبلني.
وسمعت حمزة بن يوسف يقول: سمعت أبا الحسن اسماعيل بن عمرو بن كامل بمصر يقول: سمعت أبا محمد نعمان بن موسي الحيري بالحيرة يقول: رأيت ذا النون وقد تقاتل اثنان: أحدهما من أولياء السلطان، والآخر من الرعية، فعاد الذي من الرعية علي الجندي فكسر ثنيته، فتعلق الجندي به وقال: بيني وبينك الأمير فجاوزوا بذي النون فقال لهم الناس: اصعدوا إلي الشيخ، فصعدوا إليه وعرفوه بما جري، فأخذ الثنية وبلها بريقه وردها إلي فم الرجل في الموضع الذي كانت فيه، فحرك شفتيه فتعلقت بإذن الله تعالي، فبقي الرجل يفتش فاه فم يجد الاسنان إلا سواء، قاله القشيري.
قال الإمام اليافعي: قال أبوجعفر: كنت عند ذي النون المصري فتذاكرنا طاعة الأشياء للأولياء،
فقال ذو النون: من الطاعة أن أقول هذا السرير يدور في أربع زوايا البيت ثم يرجع إلي مكانه فيفعل، قال: فدار السرير في أربع زوايا البيت وعاد إلي مكانه، وهناك شاب قاعد فأخذ يبكي حتي مات في الوقت.
قال السخاوي: إن محمد بن اسماعيل المعروف بصاحب الدار بني دارا حسنة وأتقن بناءها، فلما فرغ جلس علي بابها، فدخل عليه ذو النون فقال له: أيها المغرور اللاهي عن دار البقاء والسرور كيف لا تعمر دار مولاك في دار الأمان؟ دار لا يضيق فيها المكان، ولا ينتزع منها السكان، ولا يزعجها حوادث الزمان، ولا تحتاج الي بناء وطيان، ويجتمع لهذه الدار حدود أربعة: الحد الأول ينتهي إلي منازل الراجين، والحد الثاني ينتهي إلي منازل الخائفين المحزونين، والحد الثالث ينتهي إلي منازل المحبين، والحد الرابع ينتهي إلي منازل الصابرين، وشرع إلي هذه الدار الشارع إلي خيام مضروبة، وقباب منصوبة علي شاطيء أنهار الجنة، في ميادين قد أشرقت، وغرف قد رفعت، فيها سرر قد نصبت علي فرش قد تصدرت فيها أنهار وكثبان مسك وزعفران، قد عانقوا خيرات حسان، وترجمة كتابتها هذا ما اشتري العبد المحزون من الرب الغفور، اشتري منه هذه الدار بالتفكر في ذل المعصية إلي عز الطاعة، فما علي المشتري فيما اشتري من درك سوي نقض العهود والغفلة عن المعبود، وشهد علي ذلك التبيان وما نطق في محكم القرآن، قال الملك الديان: إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، فلما سمع هذا الكلام أثر ذلك في قلبه، وباع هذا الدار وتصدق بثمنها علي الفقراء والمحتاجين طلبا للدار
التي وصفها له ذو النون، وكتب كتابا وأوصي أن يجعل علي صدره في لحده، ففعلوا ذلك ثم بعد مدة فتحوا قبره فوجدوا مكتوبا في الكتاب: قد وفينا ما ضمن عبدنا ذو النون.
ومنها: قال ذو النون: كنت راكبا في سفينة فسرق منها درة، فاتهموا بها شابا فقلت دعوني أترفق به لعله يخرجها، فأخرج رأسه من تحت كسائه، فتحدثت معه في ذلك المعني وتلطفت به، فرفع الشاب رأسه إلي السماء وقال: أقسمت عليك يارب لا تدع أحدا من الحيتان إلا ويأتي بنحو هذه، قال: فرأيت حيتانا كثيرة علي وجه البحر وفي فم كل واحد منها جوهرة.
وقال المناوي: قال ذو النون رأيت شابا عند الكعبة يكثر الركوع والسجود، فقلت له فيه، فقال أنتظر الإذن من ربي بالانصراف، فسقطت عليه رقعة فيها: من العزيز الغفور إلي عبدي الصادق انصرف مغفورا لك.
وحكي ذو النون المصري عن الجوهري انه خرج بالعجين من بيته إلي الفرن وهو جنب، فجاء إلي شط النيل بمصر، فنزل الماء يغتسل، فرأي وهو في الماء مثل ما يري النائم كأنه ببغداد، وقد تزوج وأقام مع المرأة ست سنين وأولدها أولادا، ثم رد إلي نفسه وهو في الماء، فخرج ولبس ثوبه وأخذ خبزه من الفرن وجاء إلي بيته وأخبر أهله بما أبصره، فبعد اشهر جاءت تلك المرأة التي رأي انه تزوجها في تلك الواقعة تسأل عن داره، فلما رآها عرفها وعرف الأولاد، وقيل لها متي تزوجك؟ قالت: منذ ست سنين وهؤلاء أولاده مني، فخرج في الحس ما وقع في الخيال.
قال ابن عربي: وهذه من مسائل ذي النون الست التي يحيلها العقول، فلله قوي في العالم خلقها مختلفة الأحكام في اختلاق حكم العقل في العامة من حكم البصر والسمع وغيرهما، فاختص الله أولياءه بقوي لها مثل هذه الحكاية، فلا ينكرها إلا جاهل بما ينبغي للجناب الإلهي من الاقتدار ولا يعرف هذا الضرب إلا من عرف قدرة الله تعالي في وجوه الخيال في العالم الطبيعي، وما يجده العالم من الأمور الواسعة في النفس الفرد وطرفة العين، ثم يري أثر ذلك في الحس بعين الخيال، فيعرف هذه القريب وتضاعف السنين في الزمن القليل من زمان الحياة الدنيا انتهي، ذكره المناوي.
قال: ومن كراماته أنه دخل عليه تلميذه يوسف بن الحسين الرازي فقال له: ما يقول الناس في؟
زنديق، فقال: الامر سهل حيث لم يقولوا يهودي، فإن الناس تنفر قلوبهم من اليهود أشد، فخرج فسمعهم يقولون يهودي، فعاد فأخبره وخرج، فوجد فقهاء اخميم تعصبوا ونزلوا الي زورق ذاهبين إلي سلطان مصر ليشهدوا بكفره فانقلب الزورق بهم والناس ينظرون حتي الملاح، فقبل له: مابال الريس؟ قال حمل الفساق.
ودخل غلام من غلمانه بغداد فسمع قوالا، فصاح ووقع ميتا، فلمادخل ذو النون بغداد سأل عن القوال وقال له قل، فقال، فصاح ذو النون فخر القوال ميتا، فخرج وهو يقول النفس بالنفس.
واخرج ابن الطحان في ذيل تاريخ مصر في ترجمة ذي الكفل وهو أخو ذي النون أن رجلين اختصما في ثلاثمائة إردب قمح، فاعترف احدهما بالحق وادعي العجز فوعظه ذو النون فأصر، فقال لصاحب الدين: تصالحه علي مائة إردب؟ فرضي فقال لأخيه ذي الكفل كل له من هذا البيت، وأومأ إلي بيت مهجور مملوء بالتراب ففتحه فرأي القمح يخرج من شقوقه، فكال له مائة، فقال اردد الباب، فعاد مملوء ترابا كما كان.
وقال بكر بن عبدالرحمن: كنت معه في البادية، فجلسنا تحت شجرة أم غيلان، فقلت ما أطيب الموضع لو كان فيه رطب، فحرك الشجرة وقال: أقسمت عليك بالذي ابتداك وخلقك شجرة إلا نثرت علينا رطبا جنيا فتساقط الرطب فأكلنا وشبعنا، ثم نمت وقمت حركت الشجرة فنثرت شوكا، مات ذو النون سنة 542 ودفن بالقرافة في مصر بقرب قبر عقبة بن عامر الجهني، وقيل بل هو وعقبة وعمرو بن العاص في قبر واحد.
- أبوالسعود الجارحي: من أكابر الأولياء العارفين، ومن كراماته أنه جاءه مرة أمير بقفص موز ورمان فرده عليه، فقال: هذا لله تعالي، فقال الشيخ: إن كان لله فأطعمه للفقراء فأخذه الأمير ورجع به إلي بيته، فأرسل الشيخ فقيرين بصيراً وضريراً وقال: ألحقاه وقولا له: يا أمير أعطنا شيئا لله من هذا الموز والرمان، فتوجها مثل ما قال لهما الشيخ ولحقاه وقالا له: يا أمير اعطنا شيئا لله، فنهرهما ولم يعطهما شيئا، فرجعا وأخبرا الشيخ بما وقع لهما، فأرسل له الشيخ يقول: هذا وتكذب علي الفقراء وتنهر من يقول لك يا أمير اعطنا شيئا لله، فلا عدت تأتينا بعد ذلك اليوم أبدا، فحصل له العزل ولحقته العاهات في بدنه ومات علي أسوأ حال.
قال الشعراني: وما رأيت أسرع كشفا منه، وحصل لي دعوات وجدت بركتها.
وقال المناوي: كان يكتب الكراريس العديدة حال ظلمة الليل كما يكتب نهارا بغير فوق.
ومن فوائده أنه قال: إذا ذكرت اسم ربك فلا تنطق به إلا مع تعظيم وخشية فقد كان رجل يطير في الهواء ويمشي علي الماء فعاد مريضا، فقال: قل يا لطيف، فسلب فلم يعرف كيف أتي، فقال له بعض أهل الكشف: لكونك نطقت باسم اللطيف وأنت غافل عن التعظيم.
وقال النجم الغزي: قال له الشخص من تلامذته: يا سيدي رأيت صبية من البرابرة فراحت نفسي لها، فقال له الشيخ: صم تنفك عنك الشهوة، فلم يصم وذهب إلي الصبية فأدخلته خصها، فأخذ رجليها في وسطه فتأمل فوجدها في صورة الشيخ فخجل وتركها، فلما رجع ذكر له الشيخ القصة قبل أن يذكرها هو.
قال الشيخ عبدالوهاب الشعراوي رحمه الله تعالي: ورأيته في المنام قبل اجتماعي عليه يتوضأ وشعره نحو شبر، فأول ما اجتمعت به بدا لي، طول الشعر للفقير يدل علي زيادة الدين، وطوله للأغنياء يدل علي هم وغم.
وقال الشيخ نور الدين الماوردي: أنكرت علي أصحابه حلقهم لحاهم وقلت: هذا الامر لا عن الله ولا عن رسوله، فقال لي: يا نور لابد لك من حلق لحيتك وتكون أنت السائل في ذلك، قال: فحلقت لحيتي بعد قول الشيخ بعشر سنين، وأبي الحالق أن يحلق فأكرهته علي ذلك، وهذا من جملة أحوال طريقته.
ومن لطائفة أن بعض علماء الجامع الأزهر بعث يستأذنه في الاجتماع به، فأذن له الشيخ، فقال الشيخ للحاضرين: هذا ليس له عقيدة في شيخ، فنصبه توديه وضمة تجيء به، فلما جلس الفقيه قال الشيخ: يظن الناس بي خيرا
وإني لشر الناس إن لم تعف عني
بنصب الناس في أول البيت، فقام الفقيه وقال: هذا عامي، ثم لقبه الشيخ بعد شهر فقال الشيخ: يظن الناس بي خيرا بضم السين، فقبل الفقيه يد الشيخ وقال: أنا استغفر الله، فقال: من أبعدته نضبة وردته ضمة لا يصلح لصحبة الفقراء. مات الشيخ في مصر سنة 929 ودفن بزاويته بكوم الجارحي بالقرب من جامع عمرو بن السرداب الذي كان يتعبد فيه.
عبدالسلام بن مشيش : السيد الشريف أحد أئمة العارفين وأكابر المرشدين الكاملين ومن كرامته رضي الله عنه: ما حكاه أجل خلفائه سيدي أبوالحسن الشاذلي رضي الله عنه كما في »المفاخر الشاذلية« وغيرها
قال رضي الله عنه: لما دخلت العراق اجتمعت بالشيخ الصالح أبي الفتح الواسطي، فما رأيت بالعراق مثله، وكان بالعراق شيوخ كثيرون وكنت اطلب القطب، فقال لي الشيخ أبوالفتوح: تطلب القطب بالعراق وهو في بلادك؟ ارجع إلي بلادك تجده فرجعت إلي بلاد المغرب إلي أن اجتمعت بأستاذي الشيخ الولي العارف الصديق القطب الغوث أبي محمد عبدالسلام بن مشيش الشريف الحسني، قال رضي الله عنه: لما قدمت عليه وهو ساكنا مغارة برباطة في رأس الجبل اغتسلت في عين في أسفل الجبل، وخرجت عن علمي وعملي وطلعت عليه فقيراً واذا به هابط علي فلما رآني قال: مرحبا بعلي بن عبدالله بن عبدالجبار وذكرة لي نسبي إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم قال لي: يا علي طلعت علينا فقيراً عن علمك وعملك، أخذته منا غني الدنيا والآخرة، فأخذني منه الدهش، فأقمت عنده أياما إلي أن فتح الله علي بصيرتي ورأيت له خرق عادات من كرامات وغيرها، قال: وكنت يوما جالسا بين يديه وفي حجره ولد صغير فخطر ببالي أن أسأله عن اسم الله الأعظم، فقام الولد إلي ورمي يده إلي أطواقي وقال: يا أبا الحسن أردت أن تسأل الشيخ عن الاسم الأعظم إنما الشأن أن تكون أنت هو الأسم الأعظم، يعني سر الله مودع في قلبك، قال: فتبسم الشيخ وقال: أجابك فلان عنا، وكان اذا ذاك قطب الزمان، ثم قال لي: يا علي ارتحل إلي افريقية واسكن بها بلدا تسمي شاذلة، فإن الله يسميك الشاذلي، وبعد ذلك تنتقل إلي مدينة تونس ويؤتي عليك بها من قبل السلطنة، وبعد ذلك تنتقل إلي بلاد المشرق وترث فيها القطبانية ، فقلت: يا سيدي أوصني، فقال: الله الله بلاد والناس تنزه لسانك عن ذكرهم وقلبك عن التماثيل من قبلهم، وعليك بحفظ الجوارح وأداء الفرائض، وقد نمت ولاية الله عليك، ولا نذكرهم إلا بواجب حق الله تعالي عليك وقد تم ورعك، وقل اللهم ارحمني من ذكرهم ومن العوارض من قبلهم، ونجني من شرهم، واغنني بخيرك عن خيرهم وتولي بالخصوصية من بينهم، انك علي كل شيء قدير، توفي سيدي عبدالسلام سنة 226 رضي الله عنه ونفعنا به في الدنيا والآخرة.
محمد شمس الدين الحنفي: المصري الشاذلي. من أجلاء مشايخ مصر وسادات العارفين، وهو أحد أركان هذه الطريقة، وصدور أوتادها وأكابر أئمتها وأعيان علمائها، وهو أحد من أظهره الله تعالي إلي الوجود، وصرفه في الكون، وأنطقه بالمغيبات، وخرق له العوائد، وقلب له الأعيان، وأظهر علي يديه العجائب. أفرد الناس ترجمته بالتآليف، منهم الشيخ نور الدين علي بن عمر البتنوني، والحق أنه لم يحط علما بمقام الشيخ. قال الشعراني: (ونذكر طرفا صالحا مما ذكره الإمام البتنوني) قلت: وكتاب البتنوني في مناقب محمد شمس الدين الحنفي مطبوع وهو عندي، وقد ذكر فيه كرامات كثيرة، وأنا أقتصر هنا علي بعض ما اقتصر عليه من الإمام الشعراني قال: وقع لسيدي محمد الحنفي رحمه الله أنه كان يعدي من مصر إلي الروضة ماشيا علي الماء هو وجماعته.
كان رضي الله عنه يتكلم علي خواطر القوم ويخاطب كل واحد من الناس بشرح حاله، قال له رجل: بلغنا عن الشيخ عبدالقادر الكيلاني رضي الله عنه أنه عمل يوما ميعادا سكوتيا لأصحابه، ومرادنا أن تعمل لنا ذلك، فقال: نفعل ذلك غدا إن شاء الله تعالي، فجلس علي الكرسي وتكلم بغير صوت ولا حرف سرا، فأخذ كل من الحاضرين مشروبه وصار كل واحد يقول: ألقي إلي في قلبي كذا وكذا فيقول له الشيخ: صدقت، فيحصل الاتعاظ لكل واحد، وكان ذلك من الكرامات، وكان إذا حضر أحد من المنكرين ميعاده يصير المنكر يضطرب وينتفض وينقلب في الأرض ويقول: والله ما هذا سدي ثم يصحبه.
وكان رضي الله عنه يلبس الملاس المثمنة الفاخرة، فأنكر عليه بعض من لا معرفة عنده بأحوال الأولياء وقال: بعيد أن يكون الأولياء يلبسون هذه الملابس التي لاتليق إلا بالملوك، ثم قال: إن كان الشيخ وليا يعطني هذا السلاوي وانفقه علي عيالي، فلما فرغ الشيخ من الميعاد نزعه ثم قال: أعطوه لفلان يبيعه وينفق ثمنه علي عياله، فأخذه الرجل وباعه وصار يقول: شيء لله المدد، ثم جاء الميعاد الثاني فوجده علي الشيخ، اشتراه بعض المحبين وقال: هذا لايصلح إلا للشيخ محمد الحنفي فأهداه له.
قال الشيخ أبوالعباس السرسي: لما خرج الشيخ محمد الحنفي من الكتاب جلس يبيع الكتب في سوقها، فمر عليه بعض الرجال، فقال: يا محمد ما للدنيا خلقت؟ فنزل من الدكان ويترك جميع ما فيه من الغلة والكتب ولم يسأل عن ذلك بعد، ثم حبب إليه الخلوة، فاختلي سبع سنين لم يخرج من خلوة تحت الأرض ودخلها وهو ابن أربع عشرة سنة، قال الشيخ أبوالعباس المذكور: وكنت إذا جئته وهو في الخلوة أقف علي بابها، فإن قال لي ادخل دخلت، وإن سكت رجعت، فدخلت عليه يوما بلا استئذان، فوقع بصري علي أسد عظيم فغشي علي، فلما افقت خرجت واستغفرت الله تعالي من الدخول عليه بلا إذن، قال الشيخ أبوالعباس المذكور: ولم يخرج الشيخ رضي الله عنه من تلك الخلوة حتي سمعا هاتفا يقول: يا محمد اخرج انفع الناس ثلاث مرات، وقال له في الثالثة: إن لم تخرج وإلا هيه، فقال الشيخ: فما بعد هيه إلا القطيعة. قال الشيخ: فقمت وخرجت الي الزاوية فرأيت علي الفسقية جماعة يتوضأون فمنهم من علي رأسه عمامة صفراء، ومنهم زرقاء ومنهم من وجهه وجه قرد، ومنهم من وجهه وجه خنزير، ومنهم من وجهه كالقمر، فعلمت أن الله أطلعني علي عواقب أمور هؤلاء الناس، فرجعت إلي خلفي وتوجهت إلي الله تعالي فستر عني ما كشف لي من أحوال الناس وصرت كآحاد الناس.
وكان في خلوة الشيخ توتة مزروعة، قال الشيخ رضي الله عنه: فخطر لي أن أباسطها، فقلت: ياتوتة حدتيني حدوتة، فقالت بصوت جهوري: نعم إنهم لما زرعوني سقوني، فلما سقوني أسست، فلما أسست فرعت، فلما فرعت أورقت، فلما أورقت أثمرت، فلما أثمرت أطعمت، قال الشيخ رضي الله عنه: فكان كلامها سلوكا لي وقد حصل لي بحمد الله ما قالت التوتة.
ومنها: أن سيدي علي بن وفا رضي الله عنه كان يوما في وليمة، فقال الناس: ما تتم الوليمة إلا بحضور سيدي علي بن وفا وجماعته، فقال: ادخل واستأذنه لي فإن من أدب الفقراء إذا كان هناك رجل كبير لا يدخل عليه حتي يستأذن له، فأذن له سيدي علي وقام له وأجلسه إلي جانبه، فدار الكلام بينهما، فقال سيدي علي: ما تقول في رجل رحي الوجود بيده يدورها كيف يشاء؟ فقال له سيدي محمد رضي الله عنه: فما تقول فيمن يضع يده عليها فيمنعها أن تدور؟ فقال له سيدي علي: والله كنا نتركها لك ونذهب عنها، فقال سيدي محمد رضي الله عنه لجماعة سيدي علي: ودعوا صاحبكم فإنه ينتقل قريبا إلي الله تعالي، فكان الأمر كما قال. وسمع سيدي محمد رضي الله عنه هاتفا يقول بالليل: يا محمد وليناك ما كان بيد علي بن وفا زيادة علي ما بيدك، فعلمت ان ذلك لا يكون إلا بعد موته، فأرسلت شخصا من الفقراء يسأل عن بيت سيدي علي بحارة عبدالباسط فوجد الصائح أنه قد مات.
وقال الشيخ شمس الدين بن كتيلة رضي الله عنه: وأول شهرة اشتهر بها الشيخ محمد الحنفي رضي الله عنه أن السلطان فرج بن برقوق كان يرمي الرمايا علي الناس وكان الشيخ يعارضه، فأرسل وراء الشيخ وأغلظ عليه القول وقال: المملكة لي أو لك؟ فقال له الشيخ رضي الله عنه: لالي ولا لك، المملكة للواحد القهار، ثم قام الشيخ متغير الخاطر، فحصل للسلطان عقب ذلك ورم في محاشمه كاد يهلك منه فأرسل خلف الأطباء فعجزوا، فقال له بعض حراسه العقلاء: هذا من تغير خاطر الشيخ محمد الحفني، فقال: أرسلوا خلفه لأطيب خاطره، فنزل الأمراء إليه فوجدوه خارج مصر، نواحي المطرية، فأخبروه بطلب السلطان له فلم يجب إلي الاجتماع به، فلم يزالوا يترددون بينه وبين السلطان حتي رق له وارسل له رغيفا مبسوسا بزيت طيب، وقال لهم: قولوا له كل هذا تبرأ، ولا تعد إلي قلة الأدب نملخ آذانك، فمن ذلك اليوم اشتهر أمر الشيخ رضي الله عنه للناس، وصار الناس إذا لام بعضهم بعضا علي أمر لم يفعله يقول له يعني ينغاظ الحفني، وشاعت هذه الكلمة بين الناس إلي الآن.
وأرسل إليه الأمير بيسق بشكارة فضة، فوجده علي الكرسي، فصار يقبض منها ويرمي للناس حتي أفناها كلها بحضرة القاصد كأنه يريه أن الفقراء في غنية عن ذلك، وأنهم لو أحبوا الدنيا ما كان لهم هذا المقام بين الناس، ثم إن الأمير بلغه ما وقع، فجاء إلي الشيخ فقبل يديه، فقال له الشيخ: قم إلي هذا البئر فاملأ منه هذه الفسقية للوضوء ويصير ثواب ذلك في صحيفتك إلي يوم القيامة، فخلع الأمير ثيابه وملأ دلوا فوجده ثقيلا، فعالجه حتي طلع به فوجده ذهبا فقال ذلك للشيخ، فقال: صبه في البئر واملأ، فملأ كذلك ثانيا وثالثا، فقال: قل للبئر مالنا حاجة إلا بالماء، فاستحقر الأمير ما كان أرسله للشيخ وطلب الفقراء بالوعة للميضأة، فغرز الشيخ عكازه وقال: هذه بالوعة فهي إلي الآن ينزل فيها ماء الوضوء ولا يعارفون أين يذهب.
وجاءه مرة قاض من المالكية يريد امتحان الشيخ، فأعلموا الشيخ أنه جاء ممتحنا، فقال الشيخ رضي الله عنه: إن استطاع يسألني ما عدت أقعد علي سجادة الفقراء، فلما جاء القاضي يسأل قال: ما تقول في، وتوقف، فقال الشيخ رضي الله عنه: نعم فقال: ما تقول في، وتوقف، فقال الشيخ رضي الله عنه: نعم، فقال: ما تقول في وتوقف فقال له الشيخ: نعم، حتي قال ذلك مرارا عديدة، فقال القاضي: كنت أريد أن أسال عن سؤال وقد نسيته، ثم كشف رأسه واستغفر وأخذ عليه العهد بعدم الإنكار علي الفقراء والاعتراض عليهم.
وكان رضي الله عنه إذا نادي مريدا له في أقصي بلاد الريف من القاهرة يجيبه، فإن قال له تعال سافر إليه، أو افعل كذا فعله، ونادي يوما أبا طاقية من بلاد قطور بالغربية، فسمع نداء الشيخ فجاء إلي القاهرة.
وكانت رجال الطيران في الهوا تأتي إليه فيعلمهم الأدب، ثم يطيرون في الهواء والناس ينظرون إليهم حتي يغيبوا، وكان رضي الله عنه يزور سكان البحر فيدخل البحر بثيابه فيمكث ساعة طويلة ثم يخرج ولم تبتل ثيابه.
ووقع لإمام زاويته أنه خرج للصلاة فرأي في طريقه امرأة جميلة، فنظر إليها، فلما دخل الزاوية أمر الشيخ غيره أن يصلي، فلما جاء الوقت الثاني فعل كذلك إلي خمسة أوقات، فلما وقع في قلبه أن الشيخ أطلعه الله علي تلك النظرة استغفر وتاب، فقال الشيخ: ما كل مرة تسلم الجرة.
ودخل مصر رجل من أولياء الله من غير استئذان سيدي محمد، فسلب حاله فاستغفر الله ثم جاء الي الشيخ فرد عليه حاله، وذلك انه كان معه قفة يضع يده فيها فيخرج كل ما احتاج إليه، فصار يضع يده فلا يجد شيئا.
وكان يتطور في بعض الأوقات حتي يملأ الخلوة بجميع أركانها ثم يصغر قليلا قليلا حتي يعود الي حالته المعهودة، ولما علم الناس بذلك سد الطاق التي كانت تشرف علي الخلوة رضي الله عنه.
وكان إذا تغيظ من شخص يتمزق كل ممزق، ولو كان مستندا لأكبر الأولياء لايقدر يدفع عنه شيئا من البلاء النازل به، كما وقع لابن التمار وغيره، فإنه اغلظ علي الشيخ في شفاعة، وكان مستندا لشيخ اسمه البسطامي من أكابر الأولياء، فقال سيدي محمد: مزقنا ابن التمار كل ممزق ولو كان معه ألف بسطامي، ثم ارسل فهدم دار ابن التمار وهي خرابة إلي الآن.
وعزم بعض الأمراء علي سيدي محمد ووضع له طعاما في إناء مسموم وقدمه للشيخ، وكان لا يتجرأ أحد يأكل معه في انائه، فأكل منه الشيخ شيئا ثم شعر بأنه مسموم، فقام وركب إلي زاويته، فاختلطت الأواني فجاء ولدا الأمير الاثنان فعلقا من إناء الشيخ فماتا، ولم يضر الشيخ شيء من السم.
وكان يتوضأ يوما فورد عليه وارد فأخذ فردة قبقابه فرمي بها وهو داخل الخلوة، فذهبت في الهواء وليس في الخلوة طاق تخرج منه، قال لخادمه: خذ هذه الفردة عندك حتي تأتيها أختها، فبعد زمان جاء بها رجل من الشام مع جملة هدية وقال: جزاك الله عني خيرا ان اللص لما جلس علي صدري ليذبحني قلت في نفسي ياسيدي محمد ياحفني، فجاءته في صدره فردة القبقاب فانقلب مغمي عليه، ونجاني الله عز وجل ببركتك.
وشفع رضي الله عنه عند أمير يسمي المناطح، كان كل من نطحه كسر رأسه، وكان ينطح المماليك بين يدي السلطان الملك الأشرف برسباي فقال للقاصد: قل لشيخك اقعد في زاويتك ولا تعارضه، وإلا جاء لك ينطحك ويكسر رأسك، فذكر القاصد ذلك للشيخ فلم يرد عليه جوابا، فلما دخل الليل كشف ذلك الأمير رأسه وصار ينطح الحيطان الي ان مات، فبلغ الخبر السلطان فقال: قتله الحفني رضي الله عنه.
وكان له جارية مباركة اسمها بركة اعتقها وكتب لها، وقال لها: لا تخبري بذلك أحدا، فلما اخبرت أهل البيت بذلك قال لها: روحي اقعدي في المكان الفلاني، ولم تعلم ما أراد الشيخ، فجلست فيه ثم ارادت ان تقوم فما استطاعت، فسألت الشيخ أن يأذن لها في القيام فقامت، لكن لم تستطع المشي، فقالت: استأذنوا سيدي في المشي، فقال: انها لم تسأل إلا القيام والسهم اذا خرج من القوس لايرد، فلم تزل مقعدة الي ان ماتت.
وكان رضي الله عنه يقريء الجان علي مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، فاشتغل عنهم يوما بأمر، فأرسل صهره سيدي عمر فأقرأهم في بيت الشيخ ذلك اليوم وكان سيدي عمر هذا يقول: طلبت مني جنية أن أتزوجها فشاورت سيدي محمدا رضي الله عنه فقال: هذا لايجوز في مذهبنا، فعرضت ذلك علي ملكهم حتي نزلت معها تحت الأرض فقال الملك: لا أعترض علي سيدي محمد فيما قال، ثم قال الملك للوزير: صافح صهر الشيخ باليد التي صافحت بها النبي صلي الله عليه وسلم ليصافح بها سيدي محمدا رضي الله عنه، فيكون بينه وبين وقت مصافحة النبي صلي الله عليه وسلم ثمانمائة سنة، ثم قال للجنية: رديه إلي الموضع الذي جئت به منه.
ورآه كاتب السر ابن البارزي يوما وهو راكب ومعه جماعة من الأمراء فأنكر عليه وقال: ما هذه طريقة الأولياء فقال له ناظره الخاص: لا تعترض فإن للأولياء أحوالا، فقال: لابد أن أرسل أقول له ذلك، فلما دخل القاصد وأخبر سيدي محمدا قال له: قل لأستاذك أنت معزول عزلا مؤبدا، فأرسل له السلطان المؤيد وقال له: الزم بيتك فمازال معزولا حتي قتله الملك المؤيد، ونعوذ بالله من النكران، ودخلت علي الشيخ يوما امرأة أمير، فوجدت حوله نساء الخاص، فأنكرت بقلبها عليه، فلحظها الشيخ بعينه وقال لها: انظري، فنظرت فوجدت وجوههن عظاما تلوح والصديد خارج من أفواههن ومناخرهن كأنهن خرجن من القبور، فقال لها: والله ما ننظر دائما إلي الأجانب إلا علي هذه الحالة، ثم قال للمنكرة: إن فيك ثلاث علامات، علامة تحت إبطك، وعلامة في فخذك، وعلامة في صدرك، فقالت: صدقت، والله إن زوجي لم يعرف هذه العلامات إلي الآن، واستغفرت وتابت.
وأرسل ابن كتيلة مرة يشفع عند إنسان من كبراء المحلة فقال: إن كان ابن كتيلة فقيرا لايعارض الولاة، وإن لم يسكت ابن كتيلة قطعت مصارينه في بطنه فتكدر ابن كتيلة من ذلك وارسل من اعلم سيدي الشيخ محمدا فقال: هو الذي تتقطع مصارينه، فأرسل له سيدي محمد رضي الله عنه جماعة من الفقراء وامرهم اذا طلعوا المحلة ان يمروا علي بيت ذلك الظالم ويرفعوا اصواتهم بالذكر، ففعلوا فصار يتقايأ ومصارينه تطلع قطعا قطعا الي ان مات.
وكان يأخذ القطعة من البطيخ ويشق منها حتي يملأ كذا طبق كل طبق له لب خلال الآخر، حتي انه يشق في البطيح الأخضر بطيخا اصفر حتي يبهر عقول الحاضرين رضي الله عنه.
وسرقت له نعجة من الحوض، فمكثت ستة اشهر غائبة، فقال الشيخ رضي الله عنه يوما لغلامه: اذهب الي الروضة فدق الباب الفلاني فاذا خرج صاحب الدار فقل له: هات النعجة التي لها عندك ستة اشهر، فأخرجها له، فقال الشيخ رضي الله عنه، هذه بضاعتنا ردت الينا.
وجاءه مرة قاض فقال: ياسيدي اهل بلدي رفعوا فيّ قضية الي استاذهم بأنني فلاح، فقال: قضيت حاجتك، فركب الأمير ذلك اليوم فرسا حرونا، فجري به في خوجة ضيقة فانكسر ظهر الأمير ووقع علي ظهر الأرض ميتا، وتولي ذلك الاقطاع رجل من اصحاب سيدي محمد فجاء الي الشيخ يزوره ثاني يوم، فكلمه علي ذلك القاضي، فكتب له عتاقة هو وذريته.
وكان الشيخ اذا لم يجد شيئا ينفقه يقترض من اصحابه، ثم يوفيهم اذا فتح الله تعالي عليه بشيء، فاجتمع عليه ستون الفا، فشق ذلك علي الشيخ، فدخل عليه رجل بكيس عظيم وقال: من له علي الشيخ دين فليحضر، فأوفي عن الشيخ رضي الله عنه جميع ما كان عليه ولم يعرف ذلك الرجل أحد من الحاضرين، فقالوا للشيخ عنه، فقال: هذا صيرفي القدرة، أرسله الله تعالي يوفي عنا ديننا.
وأنشدوا بين يديه شيئا من كلان ابن الفارض رضي الله عنه، فتمايل الشيخ العارف بالله تعالي سيدي الشيخ شمس الدين بن كتيلة المحامي، فلحظه الشيخ، فغاب عن إحساسه، فرأي في منامه سيدي عمر ابن الفارض رضي الله عنه واقفا علي باب الزاوية وفي فمه قصبة غاب كأنه يشرب بها ماء من تحت عتبة باب الزاوية ثم أفاق فقال له الشيخ الذي رأيته صحيح، رأيت بعينك ياشمس الدين، وكان يقول كثيرا: لو كان عمر بن الفارض في زماننا ما وسعه إلا الوقوف ببابنا.
ومرضت زوجته فأشرفت علي الموت، فكانت تقول: ياسيدي احمد يابدوي خاطرك معي، فرأت سيدي احمد رضي الله عنه في المنام وهو ضارب لثامين وعليه جبة واسعة الأكمام عريض الصدر احمر الوجه والعينين وقال لها: كم تناديني وتستغيثي وانت لاتعلمي انك في حماية رجل من كبار المتمكنين، ونحن لا نجيب من دعانا وهو في موضع احد من الرجال، قولي ياسيدي محمد ياحفني، يعافيك الله تعالي، فقالت ذلك فأصبحت كأن لم يكن بها مرض.
وانكرت عليه امرأة ما يقدمه للفقراء من الطعام القليل في الصحون الرملي، فقالت: قلة هذا الطعام ولاهو، ثم ذهبت وعلمت طعاما بكثرة فيه خراف واوز وحملته الي الزاوية، فقال سيدي محمد رضي الله عنه لسيدي يوسف القطوري رحمه الله: كل، فأكل طعامها كله وحده وشكا من الجوع، فاخذته الي بيتها وقدموا له نحو ذلك الطعام واكثر، وهو يشكو الجوع، فقال لها الشيخ: البركة في طعام الفقراء لا في أوانيهم، فاستغفرت وتابت.
وكان إذا تذكر احداً من اصحابه الغائبين عن السماط، يأكل الشيخ عنهم لقمة أو لقمتين، وتنزل في بطونهم في أي مكان كانوا، ثم يجيئون ويعترفون بذلك، وكان اذا سأله احد من المنكرين عن مسألة اجابه، فإن سأله عن اخري اجابه حتي يكون المنكر هو التارك للسؤال، فيقول الشيخ رضي الله عنه لذلك الشخص: أما تسأل، فلو سألتني شيئا لم يكن عندي اجبتك من اللوح المحفوظ.
وجاءه رجل فقال: ياسيدي انا ذو عيال فقير الحال، فعلمني الكيمياء، فقال الشيخ رضي الله عنه: اقم عندنا سنة كاملة بشرط انك كلما احدثت توضأت وصليت ركعتين، فأقام علي ذلك، فلما بقي من المدة يوم جاء الي الشيخ فقال له: غدا تقضي حاجتك، فلما جاء قال له: قم فاملأ من البئر ماء للوضوء فملأ دلوا من البشر فإذا هو مملوء ذهبا، فقال ياسيدي ما بقي في الآن شعرة واحدة تشتهيه، فقال له الشيخ: صبه مكانه واذهب الي بلدك، فإنك قد صرت كلك كيمياء، فرجع الي بلاده ودعا الناس الي الله تعالي وحصل به نفع كبير.
ومنهم الشيخ أبوالحسن الشاذلي رضي الله تعالي عنه: هو علي بن عبدالله بن عبدالجبار الشاذلي بالشين والذال المعمتين. وشاذلة قرية من افريقية، الضرير الزاهد نزيل الاسكندرية وشيخ الطائفة الشاذلية، وكان كبير المقدار علي المنابر له عبارات فيها رموز، فوّق ابن تيمية سهمه إليه فرده عليه وصحب الشيخ نجم الدين الاصفهاني وابن مشيش وغيرهماوحج مرات ومات بصحراء عيذاب قاصدا الحج فدفن هناك في ذي القعدة ستة وخمسين وستمائة، وقد أفرده سيدي الشيخ تاج الدين بن عطاء الله هو وتلميذه أبوالعباس بالترجمة.
وهأنا أذكر لك ملخص ما ذكره فيها فأقول وبالله التوفيق: قد ترجم رضي الله عنه في كتاب لطائف المنن سيدي الشيخ أبا الحسن رضي الله عنه بأنه قطب الزمان والحامل في وقته لواء أهل العيان حجة الصوفية علم المهتدين زين العارفين أستاذ الأكابر زمزم الأسرار ومعدن الأنوار القطب الغوث الجامع أبوالحسن علي الشاذلي رضي الله عنه لم يدخل طريق القوم حتي كان يعد للمناظرة في العلوم الظاهرة وشهد له الشيخ أبو عبدالله ابن النعمان بالقطبانية جاء رضي الله عنه في هذه الطريق بالعجب العجاب وكان الشيخ تقي الدين بن دقيق العبد رضي الله عنه يقول ما رأيت أعرف بالله من الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه.
ومن كلامه رضي الله عنه: عليك بالاستغفار وإن لم يكن هناك ذنب واعتبر باستغفار النبي صلي الله عليه وسلم بعد البشارة واليقين بمغفرة ما تقدم من ذنبه وما تأخر هذا في معصوم لم بفترة ذنبا قط وتقدس عن ذلك فما ظنك بمن لايخلو عن العيب والذنب في وقت من الأوقات، وكان رضي الله عنه يقول إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف وقل لنفسك إن الله تعالي قد ضمن لي العصمة في الكتاب. والسنة ولم يضمنها لي في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة مع انهم أجمعوا علي أنه لاينبغي العمل بالكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة إلا بعد عرضه علي الكتاب والسنة، وكان رضي الله عنه يقول لقيت الخضر عليه السلام في صحراء عيذاب فقال لي يا أبا اسسلحسن أصحبك الله اللطف الجميل وكان لك صاحبا في المقام والرحيل وكان رضي الله عنه يقول إذا جاذبتك هواتف الحق فإياك ان تشهد بالمحسوسات علي الحقائق والغيبيات وتردها فتكون من الجاهلين واحذر أن تدخل في شيء من ذلك بالعقل وكان رضي الله عنه يقول إذا عرض عارض يصدك عن الله فاثبت قال الله تعالي »يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون«.
وقال أبوالحسن رضي الله عنه أيضاً: كنت أنا وصاحب لي قد أوينا إلي مغارة نطلب الوصول إلي الله تعالي، فكنا نقول: غداً يفتح لنا، بعد غد يفتح لنا، فدخل علينا رجل له هيبة.
فقلنا له: من أنت؟ فقال: عبدالملك، فعلمنا أنه من أولياء الله تعالي، فقلنا له: كيف حالك؟
فقال كيف حال من يقول غداً يفتح لي بعد غد يفتح لي، فلا ولاية ولا فلاح، يانفس لم لا تعبدين الله؟ قال: فتيقظنا وعرفنا من أين دخل علينا، فتبنا واستغفرنا الله تعالي ففتح لنا.
وقال: نمت ليلة في سياحتي علي ربوة من الأرض، فجاءت السباع فطافت بي وأقامت حولي إلي الصباح، فما وجدت أنساً كأنس وجدته تلك الليلة، فلما أصبحت خطر لي أنه قد حصل لي شيء من مقام الأنس بالله، فهبطت وادياً وكان هناك طيور حجل لم أرها. فلما أحست بي طارت في دفعة واحدة كلها، فتشقق قلبي رعباً، فسمعت قائلاً يقول لي: يأنس كان البارحة يأنس بالسباع مالك تفزع من خفقان الحجل، ولكنك البارحة كنت بنا والآن أنت بنفسك، قاله الإمام الشافعي.
وقال الإمام الشعراني: أخبر ابن اللبان عن ابن عطاء الله عن ياقوت العرشي عن أبي العباس المرسي عن أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه وعنهم أنه كان يقول: سيظهر بمصر رجل يعرف بمحمد الحنفي يكون فاتحاً لهذا البيت، ويشتهر في زمانه ويكون له شأن عظيم، وفي رواية أخري عن الشاذلي رضي الله عنه: يظهر بمصر شاب يعرف بالشاب التائب، حنفي المذهب اسمه محمد بن الحسن، وعلي خده الأيمن خال، وهو أبيض اللون مشرب بحمرة وفي عينيه حور، ويربي يتمياً فقيراً.
وكان رضي الله عنه يقول: الحنفي خامس خليفة بعدي، وقد ظهر ذلك كذلك فإن الحنفي أخذ عن ناصر الدين بن المليق، عن جده الشيخ شهاب الدين بن المليق، عن الشيخ ياقوت العرشي، عن المرسي، عن الشاذلي.
ومن كراماته: أنه لما اعترض بعض الفقهاء علي حزبه المسمي بحزب البحر قال الشيخ: والله لقد أخذته من في رسول الله صلي الله عليه وسلم حرفاً بحرف .
وقال المناوي: من كرامات علي بن أبي الحسن بن عبدالجبار الشاذلي أنه قيل له: من شيخك؟
قال: أما فيما مضي فعبدالسلام بن مشيش، وأما الآن فإني أسقي من عشرة أبحر: خمسة سماوية وخمسة أرضية.
قال ابن دقيق العيد: ما رأيت أعرف بالله منه، قال: رأيت النبي ونوحاً عليهما الصلاة والسلام وملكاً بين أيديهما يقول: لو علم نوح من قومه ما علم محمد من قومه مادعا عليهم »رب لاتذر«، ولو علم محمد من قومه ما علم نوح من قومه ما أمهلهم طرفة عين، علم أن في أصلابهم من يؤمن ويسعد بلقاء ربه فقال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لايعلمون.
وقال: ابتلي الله هذه الطائفة بالخلق بينما أهل الجدال قلما نشرح صدر أحدهم للتصديق يولي معين من معاصريه، يقول: نعم تعلم أن لله أولياء لكن أين هم؟
قال المرسي: جلت في الملكوت فرأيت أبا مدين متعلقاً بساق العرش، فقلت: ما علومك قال: أحد وسبعون: قلت: ما مقامك؟ قال: رابع الخلفاء، ورأس السبعة الأبدال: وقلت فما تقول في الشاذلي؟ قال: زاد علي بأربعين علماً، هو البحر الذي لايحاط به.
ولما قدم الاسكندرية وكان بها أبوالفتوح الواسطي وقف بظاهرها واستاذنه فقال: طافية لاتسع رأسين فمات أبوالفتح في تلك الليلة، قال المناوي: وذلك لأن من دخل بلداً علي فقير بغير إذنه فمهما كان أحدهما أعلي مقاماً سلب الآخر أو قتله.
وقال شيخنا الشيخ حسن العدوي في شرح البردة البوصيرية: »من كراماته أنه لما أتي من المغرب كتبوا للسلطان في شأنه مكاتيب شنيعة، فخرج من إسكندرية وذهب إلي السلطان فاعتقده، وأرسلوا له ثانياً أنه كيماوي، فزال اعتقاده فيه ثانياً واتفق أن خازن داره فعل امرا يوجب القتل، فخاف من السلطان وهرب إلي الشيخ بالاسكندرية فحماه منه فارسل السلطان يغلظ عليه ويقول: تتلف مماليكي؟ فقال نحن ممن يصلح ما نحن ممن يفسد، ثم أخرج الملوك من الخلوة، وقال: بل علي هذا الحجر، فبال عليه فانقلب الحجر ذهباً، وكان نحو خمسة مناظير فقال الشيخ: خذوا هذا للسلطان يضعه في بيت المال، فما وصل إليه رجع عما كان فيه من الاعتقاد الفاسد، ثم نزل لزيارته وطلب من الشيخ المملوك ليبول علي ما شاء الله من الحجارة فقال الشيخ: الأصل في ذلك الإذن من الله تعالي، ولم يزل السلطان علي اعتقاده وعرض عليه الأموال والأرزاق فأبي وقال: الذي يبول خادمه علي الحجر فيصير ذهباً بإذن الله تعالي لايحتاج لاحد من الخلق.
عبدالقاهر بن عبدالله ابو النجيب السهر وردي: يتصل نسبه بالصديق وهو الامام الأعظم أحد أكابر الشافعية واعظم مشايخ الصوفية. قال السراج الدمشقي: وعن الشيخ شهاب الدين السهروردي أنه قال: حضر عند الشيخ عبدالقاهر ثلاثة نصاري وثلاثة يهود، فعرض عليهم الإسلام فامتنعوا فوضع في فم كل واحد لقمة من لبن فأسلموا وقالوا: لما خالط اللبن بواطننا نسخ منا ما كان غير الإسلام فقال: وعزة المعبود ما أسلمتم حتي أسلمت شياطينكم علي يدي، وإني استوهبتكم من الله، ثم مر بيده علي عيونهم فرأوا قرناءهم وخاطبوهم بالإسلام.
قال الشعراني: وكان اذا جلس فقير في الخلوة يدخل عليه في كل يوم يتفقد احواله ويقول له: يرد عليك كذا، ويكشف لك عن كذا، وتنال حال كذا، ويقول لك كذا، فاحذره فإنه شيطان، فيقع للفقير جميع ما أخبره به الشيخ رضي الله عنه.
ونقل السخاوي عن صاحب كتاب (محاسن الابرار ومجالس الاخيار) انه قال: مررت مرة مع الاستاذ ابي النجيب السهروردي بسوق السلطان ببغداد، فنظر إلي شاة مسلوخة معلقة عند جزار ، فوقف وقال: ان هذه الشاة تقول لي انها ميتة فغشي علي الجزار وتاب علي يديه بعد أن اعترف بما جري منه.
وقال المناوي: من كراماته أنه قال يوما لاصحابه، نحن محتاجون إلي نفقة، فارجعوا إلي الخلوة وسلوا الله، وما يفتح عليكم هاتوه، ففعلوا فجاء رجل منهم اسمه إسماعيل البطائحي بكاغد عليه ثلاثون دائرة وقال أعطيت هذا، فأخذه فلم يمض إلا ساعة وإذا برجل دخل ووضع بين يديه ذهبا، فعده الشيخ فاذا هو ثلاثون دينارا، فنزل كل دينار علي دائرة فاذا هو قدرها. فقال: كلوا من فتوح اسماعيل.
وقال التاذفي: قال الشيخ الامام شهاب الدين عمر السهروردي. كنت يوما عند عمي ضياء الدين أبي النجيب عبدالقاهر رضي الله عنه، فأتاه سوادي، »أي فلاح« بعجل وقال له: يا سيدي هذا نذرته لك، ثم توجه فقال الشيخ: ان هذا العجل يقول: اني لست العجل الذي نذر لك، وإنما نذرت الشيخ علي الهيتي، وإنما العجل الذي نذر لك اخي، قال فلم نلبث إلا قليلا إلا أن جاء السوادي ومعه عجل وقال: ياسيدي اشتبه علي العجل الأول. ،هذا العجل نذرك والأول للشيخ علي الهيتي، ثم أخذه وانصرف.
وقال: مررت معه مرة أخري علي الجسر، فرأي رجلا يحمل فاكهة فقال له: بعني هذه، قال: ولم؟ قال: لانها تقول لي: أنقذني من هذا الرجل، فإنه قد اشتراني ليشرب علي الخمر، فأغمي علي الرجل وسقط علي وجهه، وأتي إلي الشيخ وتاب علي يديه قال: والله ما علم بحالتي التي أخبر بها الشيخ سوي الله تعالي.
وقال: اجتزت معه يوما بالكرخ، فسمعنا أصوات سكاري في دار، فدخل الشيخ وصلي ركعتين في دهليزها، فخرج كل من كان فيها صالحين، فدخلنا الدار فإذا الخمر قد سار ماء، فتابوا جميعهم علي يد الشيخ رضي الله عنه، مات رضي الله عنه ببغداد سنة 365 وقبره بها ظاهر يزار، يقول جامعه، قد زرته والحمد لله سنة 6921 هجرية، وحصلت لي بركته رضي الله عنه.
عبدالرحيم بن أحمد بن أحمد القناوي: السبتي الأصل الشريف الحسيب النسيب صاحب الكرامات الشهيرة، منها: أنه نزل يوما في حلقة الشيخ شبح من الجو لايدري الحاضرون ماهو، فأطرق الشيخ ساعة، ثم ارتفع الشبح إلي السماء، فسألوه عنه .
قال: هذا ملك وقعت منه هفوة يسقط علينا يستشفع بنا، فقبل الله شفاعتنا فيه فارتفع وكان إذا قال لعامي يافلان تكلم علي العلماء، فيتكلم عليهم في معاني الايات والحديث حتي لو كان هناك عشرة آلاف محبرة لكلت عنه، ثم يقول اسكت فلا يجد العامي معه كلمة واحدة من تلك العلوم، قاله الإمام الشعراني.
قال المناوي: وكان إذا استشاره إنسان يقول أمهلني حني أستأذن لك جبريل فيطرق ثم يقول افعل أو لاتفعل، قال والمراد به ملك غير جبريل الانبياء.
ومر به كلب فقام له، فسئل فقال قمت إجلالا لأثر الفقراء، ففتش فوجد بعنقة خرقة من أثر صوفي.
ومنها: أنه مد عنقه يوما بقنا: صدق الصادق الصدوق، فقيل له من هو؟ قال الشيخ عبد القادر قال في هذا اليوم: قدمي هذه علي رقبة كل ولي لله، وتواضع له رجال المشرق والمغرب، فأرخ ذلك الوقت فجاء بذلك كذلك.
وقال الكمال بن عبدالظاهر: زرت قبره وجلست عنده، فخرجت يده من قبره وصافحني وقال: يابني لا تعص الله طرفة عين فإني في عليين.
وقد جربوا استجابة الدعاء عند قبره يوم الاربعاء وقت الظهر يمشي الانسان حافيا مكشوف الرأس، ويصلي عنده ركعتين ويقرأ شيئا من القرآن ثم يقول: اللهم إني أتوجه إليك بجاه نبيك محمد صلي الله عليه وسلم، وبأبينا آدم وحواء وبما بينهما من الأنبياء والمرسلين، وبعبدك عبدالرحيم القناوي اقضي حاجتي، وتذكر تقضي إن شاء الله تعالي.
قال الشيخ علوان الحموي في »نسمات الاسحار«: ذكر الشنطوفي في بهجة الشيخ عبدالقادر الكيلاني، عن أبي الحجاج الاقصري قال: اجتمع بمصر الشيخان عبدالرحيم المغربي وعبدالرزاق، فأطرق عبد الرحيم مليا ثم قال لعبد الرزاق: ياأخي نظرت في اللوح المحفوظ فرأيت فيه حضور رجل من الابدال في بيت المقدس في هذه الساعة، وقد أمرت أن أحضر وفاته، فقاما فأتيا بيت المقدس في وقتهما وحضرا موت البدل وجهازه ودفنه وعادا الي مصر في يومهما، فقال الشيخ عبدالرحيم للشيخ عبدالرزاق: اذهب فإن الله تعالي قد وهب مقام هذا البدل شيخا في سفينة في النيل، وقد أمرت أن آتي به فذهبنا إلي شاطي النيل، فاذا تلك السفينة جارية في الشاطيء الآخر فأخذ الشيخ عبدالرحيم عصا وغرسها في الأرض فوقفت السفينة لا تذهب يمينا ولاشمالا لا فمر الشيخ عبد الرحيم علي الماء حتي وقف علي السفينة ونادي باسم الرجل فأجابة فلما قرب منه أخذ بيده ومشي علي الماء الي الشاطي الآخر، ونزع الشيخ بيده تلك العصا فسارت السفينة، ثم ساروا ثلاثتهم الي بيت المقدس فصلوا فيه صلاة المغرب من يومهم ذلك وجلس الرجل مقام البدل ووهبه الله مقامه، مات الشيخ عبدالرحيم القناوي رضي الله عنه في قنا بصعيد مصر سنة 265.
إبراهيم الدسوقي: القرشي الهاشمي القطب الكبيرالشهير أحد أفراد العالم وأركان الطريق الذين أجمعت الأمة علي اعتقاد غوثيتهم الكبري وقطبانيتهم العظمي، كان رضي الله عنه يتكلم بالعجمي والسرياني والعبراني، وسائر لغات الطيور والوحوش، قاله الشعراني.
وقال المناوي: من كراماته أنه خطف التمساح صبيا، فأتته أمه مذعورة، فأرسل نقيبه فنادي بشاطئ البحر: معشر التماسيح من ابتلع صبياً فليطلع به، فطلع ومشي معه إلي الشيخ، فأمره أن يلفظه حيا، وقال للتمساح: مت بإذن الله فمات.
ومن كراماته بعد موته رضي الله عنه ما قاله العلامة سيدي أحمد بن المبارك في الباب الثاني من كتابه (الإبريز في مناقب سيدي عبدالعزيز الدباغ) قدم علينا بعض اصحابنا من أخيار أهل تلمسان فأخبرني انه سمع بعض من حج بيت الله الحرام يقول: إنه زار قبر سيدي إبراهيم الدسوقي نفعنا الله به، فوقف عليه الشيخ سيدي إبراهيم الدسوقي نفعنا الله به، وعلمه دعاء وهو هذا (باسم الاله الخالق الاكبر ، وهو حرز مانع مما أخاف منه وأحذر، لاقدرة لمخلوق مع قدرة الخالق، يلجمه بلجام قدرته، أحمي حميثا أطمي طميثاً، وكان الله قويا عزيزا، حمعسق حمايتنا، كهعيص كفايتنا، فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) فقال له سيدي إبراهيم، ادع بهذا الدعاء ولا تخف من شيء، ثم سأله شيخه عن معني احمي حميثا، أطمي طميثا، فأجابه بكونها سريانيتين، وأن معني أحمي يامالك، وحيمثا إشارة إلي مملكته، وأما قوله أطمي فهو بمنزلة من يصفه تعالي بالعظمة والكبرياء والقهر والغلبة والعز والانفراد في ذلك كله، وطميثاً إشارة إلي الاشياء التي يتصرف فيها وإلي الممكنات التي يفعل فيها ما يشاء ويحكم ما يريد، سبحانه لا إله إلا هو، قال رضي الله عنه: وفي كل من العبارتين سر عجيب لا يطيق القلم تبليغه أبدا، والله أعلم . مات سنة 676.
نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: بركة مصر من عصرها الي هذا العصر، قيل انه كان في جوارها رضي الله عنها حينما قدمت الي مصر ونزلت في دار جمال الدين عبدالله بن الجصاص، فأقامت بها مدة شهور يهود من جملتهم امرأة يهودية لها ابنة زمنة لا تقدر علي الحركة، فأرادت الأم أن تذهب الي الحمام فسألت ابنتها الزمنة أن تحمل الي الحمام فامتنعت البنت من ذلك، فقالت لها أمها تقيمين في الدار وحدك، فقالت لها: أشتهي أن أكون عند جارتنا الشريفة حتي تعودي فجاءت الأم الي السيدة نفيسة واستأذنتها في ذلك فأذنت لها، فحملتها، ووضعتها في زاوية من البيت وذهبت، ثم أن السيدة نفيسة توضأت، فجري ماء وضوئها الي البنت اليهودية، فألهمها الله سبحانه وتعالي أن أخذت من ماء الوضوء شيئا قليلا بيدها ومسحت به علي رجليها، فوقفت في الوقت بإذن الله تعالي وقامت تمشي علي قدميها كأن لم يكن بها مرض قط
، هذا والسيدة نفيسة مشغولة بصلاتها ولم تعلم ما جري، ثم ان البنت لما سمعت بمجيء أمها من الحمام خرجت من دار السيدة نفيسة حتي أتت الي دار أمها وطرقت الباب فخرجت الأم تنظر من يطرق الباب، فبادرت البنت واعتنقت أمها فلم تعرفها وقالت لها: من أنت؟ فقالت لها: أنا ابنتك، قالت لها: وكيف قضيتك، فأخبرتها بما فعلت فبكت الأم بكاء شديدا وقالت: هذا والله الدين الصحيح، وما نحن عليه من الدين قبيح ثم دخلت فأقبلت تقبل قدم السيدة نفيسة وقالت لها: امددي يدك أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك محمدا رسول الله، فشكرت السيدة نفيسة ربها عز وجل وحمدته علي هداها وانقاذها من الضلال، ثم مضت المرأة الي منزلها، فلما حضر أبو البنت وكان اسمه أيوب ولقبه أبوالسرايا وكان من أعيان قومه ورأي البنت علي تلك الحالة ذهل وطاش عقله من الفرح وقال لامرأته كيف كان خبرها؟ فأخبرته بقصتها مع السيدة نفيسة، فرفع اليهودي رأسه الي السماء، وقال: سبحانك هديت من تشاء وأضللت من تشاء، والله هذا هو الدين الصحيح ولا دين إلا دين الإسلام، ثم أتي الي باب السيدة نفيسة فمرغ خديه علي عتبة بابها وأسلم وقال: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك محمد رسول الله، ثم شاع خبر البنت واسلامها واسلام أبيها وأمها وجماعة من الجيران اليهود.
ومن كراماتها رضي الله عنها: أن رجلا تزوج بامرأة ذمية فرزق منها ولدا، وكبر الولد ثم سافر فأسر في بلاد العدو، فجعلت أمه تدخل البيع وتتضرع وولدها لا يأتي، فقالت لبعلها بلغني أن بين أظهركم امرأة يقال لها نفيسة بنت الحسن الأنور اذهب اليها لعلها تدعو لولدي أن يأتي، فإن نجا آمنت علي يديها، فخرج الرجل فأتي معبدها فقص عليها القصة، فدعت له فعاد الي زوجته فأخبرها فلما كان الليل إذا بالباب يطرق فقامت المرأة ففتحت الباب فإذا بولدها قد جاء، فقالت: كيف كان أمرك؟ قال: لم أشعر إلا ويد وقعت علي القيد وسمعت قائلا يقول: اطلقوه فقد شفعت فيه نفيسة بنت الحسن، فما شعرت حتي وقفت علي هذا الباب، فأسلمت المرأة وحسن اسلامها.
ومنها: ما روي عن القاضي ابن ميسر أنه قال: إن النيل توقف في زمانها فأتوا إليها. فأخرجت اليهم قناعا فجعلوه في النيل فعلا الماء وأوفي النيل.
ومنها: ما حكي بعض المشايخ: أنه كان في حال حياتهم أمير ظالم، فطلب إنسانا ليعذبه ظلما، فمر ذلك الانسان بالسيدة نفيسة واستجار بها، فقالت له بعد أن دعت له بالخلاص منه: امض حجب الله تعالي عنك أبصار الظالمين، فمضي ذلك الرجل مع أعوان الأمير الظالم إلي أن وقفوا بين يديه فقال الأمير لأعوانه: أين فلان؟ قالوا: إنه واقف بين يديك، فقال الأمير: والله ما أراه، فقالوا: إنه مر بالسيدة نفيسة وسألها الدعاء فقالت له: حجب الله عنك أبصار الظالمين، فقال: وبلغ من ظلمي هذا كله، أن يحجب الله عني المظلوم بالدعاء؟ يارب إني تائب اليك، ثم كشف رأسه فلما تاب ونصح في توبته، نظر الرجل وهو واقف بين يديه، فدعا به وقبل رأسه وألبسه أثوابا سنية وصرفه من عنده شاكرا، ثم أنه جمع ماله وتصدق به علي الفقراء والمساكين، وأرسل الي السيدة نفيسة بمائة ألف درهم وقال: هذه شكر لله تعالي من عبد تاب الي الله تعالي، فأخذت الدراهم وصرتها صررا بين يديها وفرقتها عن آخرها، وكان عندها بعض النساء فقالت واحدة لها: يا سيدتي لو تركت لنا شيئا من هذه الدراهم نشتري به شيئا نفطر عليه؟ قالت لها: خذي غزل يدي بيعيه بشيء نفطر عليه، فذهبت المرأة وباعت الغزل بشيء يفطرون عليه ولم تمس من ذلك المال شيئا.
ومنها: ما حكي الأزهري في »الكواكب السيارة« أن من غريب مناقب السيدة نفيسة بنت الحسن أن مرأة عجوزا لها أربعة أولاد بنات كن يتقوتن من غزلهن من الجمعة الي الجمعة، فأخذت أمهن الغزل لتبيعه وتشتري بنصفه كتانا ونصفه ما يتقوتن به علي جاري العادة ولفت الغزل في خرقة حمراء، ومضت الي نحو السوق، فلما كانت في بعض الطريق اذا بطائر انقض عليها وخطف الرزمة الغزل ثم ارتفع في الهواء، فلما رأت العجوز ذلك وقعت مغشيا عليها، فلما أفاقت قالت كيف أصنع بأيتامي قد أهلكهم الفقر والجوع فبكت فاجتمع الناس عليها وسألوها عن شأنها فأخبرتهم بالقصة، فدلوها علي السيدة نفيسة وقالوا لها: اسأليها الدعاء فإن الله سبحانه وتعالي يزيل ما بك، فلما جاءت الي باب السيدة نفيسة أخبرتها بما جري لها مع الطائر وسألتها الدعاء، فرحمتها السيدة نفيسة وقالت: اللهم يامن علا فاقتدر وملك فقهر، اجبر من أمتك هذه ما انكسر، فإنهم خلقك وعيالك وانك علي كل شيء قدير، ثم قالت: اقعدي ان الله علي كل شيء، فقعدت المرأة تنتظر الفرج وفي قلبها من جوع أولادها حرج، فلما كان بعد ساعة يسيرة اذا بجماعة قد أقبلوا وسألوا عن السيدة نفيسة وقالوا: ان لنا أمرا عجيبا نحن قوم مسافرون لنا مدة بالبحر ونحن بحمد الله سالمون، فلما وصلنا الي قرب بلدكم انفتحت المركب التي نحن فيها ودخل الماء وأشرفنا علي الغرق، وجعلنا نسد الخرق اذي انفتح فلم نقدر علي سده، واذا بطائر ألقي علينا خرقة حمراء فيها غزل، فسدت الفتح بإذن الله تعالي وقد جئنا بخمسمائة دينار شكرا علي السلامة، فعند ذلك بكت السيدة نفيسة وقالت: إلهي وسيدي ومولاي ما أرحمك وألطفك بعبادك، ثم طلبت العجوز صاحبة الغزل وقالت لها: بكم تبيعين غزلك؟ فقالت: بعشرين درهما فناولتها الخمسمائة دينار، فأخذتها وجاءت الي بناتها وأخبرتهن بما جري، فتركن الغزل وجئن الي خدمة السيدة نفسية وقبلن يدها وتبركن بها ، قاله السخاوي
وقال المناوي: ولدت رضي الله عنها بمكة سنة 541 ونشأت بالمدينة في العبادة والزهادة تصوم النهار وتقوم الليل، وتزوجت إسحاق المؤتمن بن الجعفر الصادق، ثم قدمت مصر وماتت فيها سنة 802، ولها الشهرة التامة في الولاية والكرامات، ولما احتضرت وهي صائمة ألحوا عليها بالفطر.
فقالت: وعجبا لي منذ ثلاثين سنة أسأل الله أن ألقاه وأنا صائمة أفطر الآن؟ هذا لايكون، ثم قرأت سورة الأنعام، فلما وصلت إلي قوله تعالي (لهم دارالسلام عند ربهم) (الأنعام 721) ماتت،. وكانت قد حفرت قبرها وصارت تنزل فيه وتصلي، وقرأت فيه ستة آلاف ختمة .
أبوالحسن الفران علي الفران: المصري، حكي عنه أن إمرأة أتته ومعها رغيفا عجين تريد أن تخبزهما فخبزهما لها، فلما أخرجهما من الفرن تنهدت وبكت، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: إن والدي فلانا بالحجاز.
قد وددت أن يأكل من هذا الخبز وكانت ليلة الوقفة، فقال لها: لفيهما في المنديل واتركيهما، فتركتهما ومضت، فلما جاء الحاج جاء والدها ومعه المنديل فقالت له: لا إله إلا الله متي جاءك هذا المنديل؟ فقال: ليلة الوقفة وفيه رغيفان ساخنان، فشاع ذلك واشتهر، وقد كان الحجاج يأتون من الحج ويقولون: إن فلاناً الفران كان معنا في هذه السنة مع أنه لم يذهب من مكانه والناس يرونه في كل يوم، وهذا مما لاينكر من أربا العلي (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) (الحديد: 13) مات في مصر ودفن بالقرافة، وكان لايضع ميلا في عين حتي يقرأ عليه ثلاث مرات سورة الإخلاص وأتاه رجل ذمي وقد عمي، فقال له: لو أسلمت لرد الله عليك بصرك، قال: والإسلام يرد نور الأبصار؟ فقال: نعم، فقال: والله لاكذبتك، أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فذهب وهو يبصر، قاله السخاوي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.