أصدر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي-"INSS" التابع لجامعة تل أبيب- مؤخرًا تقريرًا بعنوان "التقدير الاستراتيجي لإسرائيل 2011"، تناول خلاله التقديرات الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة فى خضم الثورات العربية التى شهدتها المنطقة خلال هذا العام، والتغييرات الأخرى فى موازين القوى فى المنطقة مع تنامي النفوذ الإيراني والتركي. وبطبيعة الحال تناولت الدراسة باهتمام بالغ مصر، حيث كان غلاف التقرير صورة لمشهد ميدان التحرير خلال الثورة، ويتكون هذا التقرير من عدة دراسات قام بها عدد من المختصين والخبراء فى شتى المجالات، ويضم 25 صفحة، وخلال هذا الملخص قمت بتسليط الضوء على ما هو متعلق بالشأن المصري في هذا التقرير الإسرائيلي. من بين المشاركين فى هذا التقرير الباحث "شلومو باروم" والذى أعد خلاله دراسة بعنوان "إسرائيل والعالم العربي: "قوة الشعوب"، موضحاً أنه قبل بدء ثورات "الربيع العربي" التي اجتاحت المنطقة كانت تسود في إسرائيل رؤية ثنائية لمنطقة الشرق الأوسط، لكونها ساحة صراع بين محورين سياسيين واستراتيجيين: المحور الأول: محور الدول الراديكالية بقيادة إيران، ويشمل معها سوريا و"حزب الله" وحركة "حماس"، واصفًا إياها بمحور "المقاومة"، والذي يتصف بتحدي الوضع الراهن، سواء بالنسبة إلى موقع إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، أو بالنسبة لمكانة الولاياتالمتحدة والغرب وتدخلهما في المنطقة وعلاقاتهما بالدول العربية، ويحاول هذا المحور مواجهة الغرب والدول العربية المتعاونة معه، متبنيا عقيدة "المقاومة" كوسيلة لتغيير الوضع الراهن. المحور الثانى: وهو الذي يشمل الدول المسماة ب"المعتدلة"، بقيادة مصر والسعودية، فقد أصبح يحوم الشك حول قدرة هذا المحور على البقاء فى تلك الصورة فى أعقاب "الربيع العربي"، فطالما سعى هذا المحور للحفاظ على استقرار الوضع الراهن، ومنع المحور الأول من التغلب عليه، ويشمل محور "الدول المعتدلة" معظم دول منطقة الشرق الأوسط العربية الأخرى. وأوضح "باروم" أن السياسة الإسرائيلية قد حافظت على اتفاقيات السلام الموقعة مع بعض دول المحور المعتدل وعلى رأسها مصر، وقامت بتعزيزها وإقامة علاقات وتعاون استراتيجي مع دول أخرى من هذا المحور، مشيرًا إلى أنه من المفترض أن يركز هذا التعاون على إضعاف محور المقاومة وتحييد دوره، خاصة إيران، باعتبارها التهديد الأكبر الذي تواجهه إسرائيل بسبب برنامجها النووي. وأشار الباحث إلى ما وصفه ب"اللاعب الأصغر بكثير" الذي انتهج سياسة مماثلة لتركيا فى المنطقة، إنها قطر، حيث وصفها بأنها حاولت أداء دور أكبر من حجمها، دور الوسيط بين المحورين، هذا على اعتبار أنها لا تنتمي إلى أي منهما. ففي هذا الإطار قد استخدمت بفاعلية كبيرة قناة "الجزيرة" التابعة لها فى دعم معسكر المقاومة، وفى نفس الوقت المحافظة على علاقاتها الطبيعية مع دول محور الاعتدال، ووجدت قطر صعوبة خلال الأعوام الأخيرة في مواصلة هذه السياسة بنجاح، فقد دخلت في مواجهات حادة مع دول رئيسة فى معسكر الاعتدال كمصر والسعودية، فوفقا للباحث فالقاهرة والرياض كانتا غير مستعدتين لقبول ادعاءات السياسة القطرية، أو ما اعتبرتاه وقاحة فى هذه السياسة. وبالرغم من العلاقات الاقتصادية مع مصر ودول عربية أخرى، إلا أن "باروم" أوضح أن حكومة تل أبيب لا تعير العلاقات الاقتصادية مع العالم العربي أهمية كبرى، وأنها تتطلع إلى أسواق بعيدة عن منطقة الشرق الأوسط. وتناول العلاقات الإسرائيلية مع مصر وما كانت تمثله فى مواجهة محور الممانعة، فالقاهرة كانت على خلاف كبير مع حكومة حماس فى قطاع غزة، إذ كان نظام مبارك يعتبر "حماس" بمثابة تهديد مباشر له، لأنها جناح من حركة "الإخوان المسلمين"، لكن الرأي العام المصري منعه من انتهاج سياسة فاعلة ضدها من التعاون مع إسرائيل، مشيرًا إلى أن "مبارك" قد انتهج سياسة بدت في ظاهرها أنها تعاون مع تل أبيب، بينما هي في الواقع تخدم مصلحة مصر المناقضة للمصالح الإسرائيلية، وأن التعاون الظاهر في إدارة حصار قطاع غزة لم يكن نابعا من رغبة مصرية في التعاون مع الإسرائيليين، ولكنها كانت إلى حد كبير بسبب الشك في نية الإسرائيليين، لأن نظام مبارك كان يعتقد أن الحكومة الإسرائيلية تحاول دفع قطاع غزة إلى أحضان مصر لتصبح المسئولة عنه، وهو الأمر الذي اعتبره نظام مبارك مناقضا للمصلحة المصرية، وقد كان الهدف من إغلاق المعبر من غزة إلى مصر هو منع حدوث ذلك. وقد شكلت الأجواء العامة في الشارع العربي عاملا ضاغطًا على العلاقات الثنائية الأساسية بين إسرائيل والدول العربية، سواء للتي كانت تربطها بإسرائيل علاقات سلام رسمية أو غير رسمية، وتجلى هذا بتدهور علاقات إسرائيل مع الأردن، والتي اتسمت بالتوتر والعدوانية، وبتدهور العلاقات المصرية الإسرائيلية أيضا. واستعرضت الدراسة ما سمته "نموذج الاختبار المصري" حيث يمكن ختبار تلك الأحداث التى تشهدها ساحتها من وجه النظر الإسرائيلية، فمصر تجد نفسها اليوم تحت الحكم العسكري الذي من المفترض أن يسلم الحكم إلى سلطات مدنية بعد إجراء الانتخابات البرلمانية في نهاية سنة 2011، ومن بعدها الانتخابات الرئاسية، ويصعب توقع المسار الذي ستؤول إليه الأمور فى أعقاب الانتخابات البرلمانية والرئاسية وما هي طبيعة الحكومة القادمة، إلا أن القضية الأساسية التى تشغل البال هي قوة الإخوان المسلمين مقارنة بباقي الأحزاب العلمانية، حيث يمكن رؤية الأجواء السائدة إزاء إسرائيل، فقد أصدر رئيس الحكومة المؤقتة "عصام شرف" ووزير خارجيته ووزراء أخرين تصريحات معادية لإسرائيل، وتعهدوا بانتهاج سياسة أكثر تشددًا تجاه إسرائيل، وخاصة فيما يتعلق بالجدل الداخلي السائد فى مصر بشأن صفقة الغاز مع إسرائيل. وطالب "شرف" بإعادة النظر فى الصفقة، أما وزير الاقتصاد المصري فقد أكد على التزام مصر باتفاقية السلام مع إسرائيل، ولكنها غير ملزمة بتصدير الغاز، واتهم نائب رئيس الحكومة السابق "يحيي الجمل " إسرائيل بمهاجمة مصر وممارسة الضغوط عليها. وأشار إلى أنه خلال تلك المرحلة المبكرة – من الربيع العربي - يصعب توقع ما هي الأنظمة التي ستصمد قبل أن ينقشع الغبار، وليس واضحًا بعد من سيحل محل الأنظمة التي سقطت، وأكد أن تل أبيب لديها أكثر من سيناريو قابل للحدوث، بدءًا من سيطرة العناصر الإسلامية على دول مثل مصر وسوريا، مرورًا بقيام حكومات ضعيفة وغير مستقرة من الأحزاب العلمانية ذات الشعبية، وانتهاءً بالأنظمة العسكرية. واستعرضت الدراسة مواقف مختلفة لمرشحين الرئاسة بمصر، والتى وصفوها بأنها تدل على نيتهم ممارسة سياسة متشددة إزاء إسرائيل، وعلى رأسهم الأمين العام السابق للجامعة العربية " عمرو موسى"- الذي اعتبرته أحد أكثر المرشحين حظاً للفوز بمنصب الرئاسة المصرية- فقد استعرضت تصريحاته لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، فقد أوضح أن الموضوع النووي في الشرق الأوسط يتعلق أولا بإسرائيل ثم بإيران، وأنه في إمكان مصر أن تربح الكثير من العلاقة مع إيران، وصرح موسى فى مقابلة أخرى أن مبارك أخطأ عندما قرر التعاون مع إسرائيل وقبل بفرض حصار على قطاع غزة، وأنه اختلف مع مبارك أكثر من مرة خلال توليه منصب وزير الخارجية بشأن العلاقات مع إسرائيل، وأنه كان يعتقد بضرورة اتخاذ خطوات أكثر صرامة صوب الحكومة الإسرائيلية. واستعرض التقرير مرشحًا أخر لرئاسة مصر وهو "أيمن نور" الذى أعلن سابقا أن اتفاقية "كامب ديفيد" قد عفا عليها الزمن، وأصبحت اتفاقية قديمة يجب إدخال تعديلات عليها بصورة تتوافق مع المصالح المصرية، أما المدير العام الأسبق لوكالة الطاقة الذرية "محمد البرادعي" فقد أعلن أن مصر سترد على إسرائيل فى حالة مهاجمة إسرائيل لقطاع غزة. وبحسب الدراسة فإن تلك التصريحات تشير إلى أنه لا أساس للتوقعات التي تقول إن الأنظمة الجديدة -التي ستنشأ- وتلك القديمة -التي ستصمد- ستركز جهودها على المشكلات الداخلية، وأنها لن تهتم كثيرًا بالسياسة الخارجية، مؤكدة أنه لا يمكن أن تتوقع إسرائيل من شخصيات مثل "عمرو موسى " أو "محمد البرادعي" –أصحاب التجارب الغنية في السياسة الخارجية- ألا يركزا جهدهما على الموضوعات الخارجية وأن يصبا كل التركيز على المشاكل الداخلية، فالعكس هو الصحيح . فعلى سبيل المثال في حال فوز عمرو موسى فى انتخابات الرئاسةً فسيقوم بتخصيص جهده من أجل عقد مؤتمر يهدف إلى نزع أسلحة الدمار الشامل من الشرق الأوسط ، و المزمع عقده في سنة 2012، وأنه لن يدخر جهدا للدخول في مواجهة مع إسرائيل في هذا الشأن. وتطرقت الدراسة إلى السؤال الأساسي الذي يشغل بال ساسة إسرائيل، والمتعلق باحتمالات المساس باتفاقية السلام بين البلدين، فحتى الآن أظهرت أغلبية الأطراف ومعظم المرشحين للرئاسة المصرية احترامها للاتفاقية، وأن التصريحات التى يصدرها بعضهم من آن لآخر تأتي بسبب اعتقادهم أن تلك التصريحات ستخدم معاركهم الانتخابية، وأن ما يزيد من غموض الموقف النتائج المتناقضة لاستطلاعات رأي الشارع المصري، ففي أبريل من العام الحالي أصدر معهد PEW استطلاعا لرأي الشارع أظهر أن 54% من الجمهور يري إلغاء اتفاقية السلام، فى المقابل كان هناك استطلاع آخر فى مارس من نفس العام يظهر أن غالبية الناخبين -63%منهم – يفضلون انتخاب حزب يمكنه الحفاظ على اتفاقية السلام مع إسرائيل، فى المقابل فضلت أقلية بسيطة التصويت على إلغاء الاتفاقية. وحتى الآن تشير تصريحات العديد من المسئولين المصريين حول احتمالية إلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل أنها قليلة، وعلى الرغم من ذلك إلا أن التغييرات حول هذه المسألة باتت على قائمة جدول الأعمال الإسرائيلي، وأصبحت موضع جدل داخلي في إسرائيل، فإلغاء اتفاقية السلام مع القاهرة سينعكس بدوره على اتفاقية السلام الإسرائيلية مع الأردن، الأمر الذي سيكون له انعكاسات بعيدة المدى على إسرائيل، فالتوقيع على اتفاقية السلام عام 1979 أخرج مصر من دائرة الدول العربية التى تدخل فى حرب مع إسرائيل، وأبعد احتمال دخول إسرائيل حرب على جبهتين فى وقت واحد، وهو الأمر الذي سيسمح لإسرائيل بتركيز استعداداتها العسكرية على جبهات أخرى، وسمحت لها بتوفير موارد مالية. وفى حالة توصل تل أبيب إلى خلاصة أن سيناريو الحرب العربية الشاملة –بمشاركة مصر- أصبح ممكنا فإنها ستضطر إلى إجراء تغيير جذري فى تقديراتها الاستراتيجية. وأوضحت أن الحالة التي يمر بها العالم العربي الآن –واصفة إياه بالفوضى– تضع إسرائيل فى مواجهة مشكلة كبيرة، وكيف تتصرف فى هذا الوضع الذي لا توجد به أية حقائق وكلها تقديرات. وأشارت الدراسة إلى أمر مقلق لساسة إسرائيل، فحتى فى حالة إعداد إسرائيل لاحتمالية انهيار اتفاق السلام مع مصر فإنها ستعرضها نفسها لخطر شديد، حيث ستعتبر مصر تلك الخطوات بمثابة خطر موجه ضدها، وفى حالة تأخرها فلن تكون مستعدة لمواجهة هذا التغيير فى الوقت المناسب، ليس مع مصر فقط ولكن مع الأردن أيضا والتي لا يفصلها حيز جغرافي مع إسرائيل بعكس الدور الذى تلعبه سيناء الفاصلة بين مصر وإسرائيل. واستعرض التغيير فى السياسة المصرية بعد الربيع العربي، والذي تجلي فى نجاح القاهرة فى التوسط في المصالحة الداخلية الفلسطينية بين حركتي "فتح" و"حماس"، فطالما كان يعتبر نظام مبارك حركة حماس عدوا لمصر، بينما يرى النظام الجديد في حماس لاعبا شرعيا يجب أخذه في الاعتبار مثل منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، لذلك فقد تعهد النظام المصري الجديد بوقف الحصار المفروض على قطاع غزة. دراسة أخري حملت عنوان "شرق أوسط جديد" أعدها الباحث "مارك هيلر"، أكد "هيلر" فى بداية دراسته على زيادة التوترات بين مصر وإسرائيل على خلفية الفوضى الأمنية فى سيناء، وعقب العلاقات الجديدة التي أجراها المجلس العسكري مع حماس، وبات من الممكن الآن اندماج حماس فى السلطة الفلسطينية، والتصريحات التي أدلى بها مسئولون مصريون والتى تتعلق بمستقبل اتفاقية السلام بين البلدين. وأوضحت الدراسة أن العلاقة الوثيقة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وبين المؤسسة العسكرية المصرية هي التى كانت وراء قرار قيادة المجلس العسكري بتقديم مشورته لمبارك بالتخلي عن الحكم ومنع الولاياتالمتحدة من اتخاذ خطوات أخرى. وأشار الباحث الإسرائيلي أن فرص التطور الديموقراطي المستقر فى مصر قليلة للغاية مقارنة بتونس، فالجيش المصري هو بمثابة قوى عظمى تقف وراء الحكومات المصرية منذ عام 1952، فقد حافظ الجيش المصري على السلطة الإدارية وهو لا يظهر أي ميل للتخلي عن السلطة،على الأقل حتى انتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها عام 2012، وأن الجيش يظهر رغبة حقيقية فى العودة لثكناته وأظهر الكثير من التجاوب لمطالب الرأي العام وأنه لم يظهر معارضة لتوسيع الساحة السياسية، وبالرغم من هذا نجد أن هذه الساحة تمتلئ بسرعة، وليس بالقوى التي كانت فى ميدان التحرير وقادة ثورتها لإسقاط نظام مبارك، ولكن بقوى سياسية أخري، والتي تلتزم بديموقراطية مشكوك بها، بمعنى أن هؤلاء الذين يطالبون بالحرية لأنفسهم ليس بالضرورة يطالبون بها لغيرهم، مضيفا أن التقديرات المستجدة على الساحة السياسية المصرية من المرتقب أن يرافقها تدهور الوضع الاقتصادي بسبب الأضرار التي لحقت بقطاع السياحة وتحويلات الأموال من المصريين فى الخارج –خاصة هؤلاء الذين كانوا يعملون فى ليبيا– وأيضا بسبب عدم شعور المستثمرين بالأمان. وتناول "هيلر" تسارع معدل التضخم منذ بدء الثورة، خاصة فيما يتعلق بزيادة أسعار المستلزمات الغذائية، وقد هربت رؤوس الأموال والتى تقدر بثلث احتياطيات العملة الصعبة فى مصر بما يقارب 30مليار دولار، والتي تسببت فى أضرار بالغة للاقتصاد المصري. كذلك أوضح زيادة فرصة " تآكل العلمانية " فى مصر -على حد وصفه- وأن مصر لم تذهب أبدا وراء تيار العلمانية كالذي كان فى تونس ، واصفا مصر ب"مهد الإخوان المسلمين"، تلك الحركة التى لاقت قمعا مستمرا مع باقي فصائل الجهاديين الإسلاميين من قبل السلطات، وواصلت أنشطتها فى أقسي الظروف، ولكن مع تخفيف القيود المفروضة عليها وعلى أنشتطها ازداد حجمها فى المجال السياسي، في حين أن القوى السياسية الأخرى تواجه صعوبات متزايدة فى التحضيرات على مستقبل مصر. وفى المقابل نجد الحركات السلفية التي تزيد من نبرة التحريض والعنف ضد الأقباط، تلك الحركات التى تواجدت فى ظل النظام القديم، وفى معظم الأحوال كانت معفاة من العقوبات. دراسة أخرى بعنوان "الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية – لا حوار" للباحثة "عنات كوريتس" أوضحت فيه أن سقوط نظام مبارك فى مصر قد منح حركة حماس قوة إضافية، وقد سعى المجلس العسكري والحكومة للحد من احتمالات اندلاع حرب ثانية على غزة من خلال إعادة تحسين البنية التحتية المدنية ومحاولة دمج حركة حماس فى السلطة الفلسطينية، وأن رفض المجلس العسكري التعاون مع إسرائيل في كبح جماح "حماس" يعد بمثابة تغيير فى سياسة مصر الإقليمية، مشيرةً إلى فشل النظام السابق فى تنفيذ اتفاق المصالحة الفلسطيني الداخلي الموقع عام 2009 بفاعلية؛ نظرًا لتدخل الجانب الإيراني فى المسألة. لكن المجلس العسكري قام بتحفيز حماس للتوقيع من خلال وعود بزيادة المساعدات الاقتصادية للقطاع وحمايتها من حرب إسرائيلية ورفع الحصار على تنقل الأفراد على الحدود بين مصر وغزة، كل هذا قد ساعد حماس فى شد بأسها. أما الخبير الإسرائيلي "جيورا أيلند" والمختص بالشئون العسكرية فقد أعد دراسة متعلقة بالتقديرات العسكرية التي يضعها الجيش الإسرائيلي نصب عينه، تحت عنوان " الخطة السنوية للجيش الإسرائيلي – معضلات وحلول " تناول مصر فى أحد جوانبها ، حيث أشار إلى أنه منذ توقيع اتفاقية السلام بين البلدين عام 1979 أدرجت مصر فى جدول الأعمال الإسرائيلي كدولة "خطيرة"، لكن ليست بدولة "تهديد"، وأن الفارق بين المصطلحين هو فى عدم وجود نية لخوض حرب – فكذلك كانت مصر. وعلى مدار 30عاما كانت هناك تقديرات لدى ساسة إسرائيل أنه فى حالة اندلاع مصادمات عسكرية مع دول عربية أخرى فى المنطقة فإن مصر ستمتنع عن خوض غبار الحرب أو المشاركة من بعيد. وهذا ما مكن إسرائيل من خوض حربها فى لبنان وتنفيذ عمليات عسكرية فى الضفة الغربية وفى قطاع غزة دون قلق من تدخل الجانب المصري. كذلك أشاد الخبير باتفاقية السلام مع مصر التي كانت لها مزايا كبيرة متعلقة بمجال بناء القوة العسكرية لإسرائيل، فمنذ التوقيع على الاتفاقية قلل الجيش الإسرائيلي من عدد قواته –خاصة القوات البرية- وهو ما وفر لدولة إسرائيل أموالا كثيرة من التي كانت تخصص لميزانية وزارة الدفاع. لكن المعضلة الأساسية التى تواجهها قيادة الأركان الإسرائيلية المتعلقة بمصر -بحسب وصفه- هي إذا كانت التغييرات التى شهدتها الساحة المصرية فى فبراير2011 تطلب تغيير الافتراض الإسرائيلي فى العلاقات بين البلدين، وإن كان هذا حقيقي فبأي أسلوب سيتم ؟ وافترض أن الإجابة ستتعلق بكل ما هو مرتبط بتعزيز الحدود مع مصر، وتوفير انتباها أوسع للنواحي الاستخباراتية، وأن تأثير التغييرات التى شهدتها مصر قد يكون لها تأثيرا أشد قسوة على النواحي العسكرية، من حيث زيادة أعداد القوات عامة –سواء البرية أو البحرية أو الجوية-، وعلى المخزون الاستراتيجي من الأسلحة والذخائر والعتاد. وضم التقرير الاستراتيجي الإسرائيلي فى نهايته ملحق بعنوان "موازين القوى العسكرية في الشرق الأوسط" والذي أعده كلا من "يفتاح شابير" وتامير ميجل" ، وأوضحا خلال استعراضهما للقوى العسكرية في الشرق الأوسط الدور الذي قام به الجيش المصري خلال الثورة الشعبية المصرية، والتي انتهت بإسقاط نظام مبارك، واصفان إياه بالدور الهام للغاية، وأن قنوات الاتصال بين المؤسسة العسكرية والسياسية أظهرت أن الجيش المصري يحافظ على أسس النظام القائم فى مصر مع دعمه للثورة، وتأييد تخلي مبارك عن الرئاسة. وخلال المظاهرات التى نشبت فى البلاد منذ يناير الماضي حاول الجيش المصري جاهدا تهدئة التوترات ومنع وقوع تصادمات عنيفة بأي شكل، وفى نهاية الأمر ساعد الجيش الحركات الشعبية فى إسقاط نظام مبارك، وأنه بات المسئول الآن عن الشئون الداخلية للبلاد حتى نقل السلطة وانتخاب قيادة شعبية، مشيران إلى أن المجلس لا يطمح فى تأسيس ديكتاتورية عسكرية في مصر.
وكما هو الحال مع إسرائيل، فإن مصر تتلقى مساعدات خارجية من الولاياتالمتحدةالأمريكية،و النظام المصري الجديد سيحاول جاهدًا الحفاظ على تلك المساعدات، خاصة أن جزء منها مرتبط بالنواحي العسكرية وأنه لا توجد رغبة فى حدوث تغييرات فجائية فى خطط تسليح الجيش المصري. وإستعرض الملحق العسكري بشكل علنى القدرات العسكرية التى تمتلكها مصر ووسائل دفاعها المختلفة من القوات الجوية والمدرعة والوحدات البحرية منذ عام 2007 وحتى 2011.