أصدر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب مؤخراً تقريرا تحت عنوان «التقدير الاستراتيجي لإسرائيل 2011» تناول خلاله التقديرات الإسرائيلية الجديدة في خضم الثورات العربية التي شهدتها المنطقة والتغيرات الأخري في موازين القوي في المنطقة مع تنامي النفوذ الإيراني والتركي وتناولت الدراسة باهتمام بالغ مصر حيث كان غلاف التقرير صورة لمشهد ميدان التحرير خلال الثورة. وأكد الباحث شلومو باروم أحد المشاركين في التقرير أن الأجواء العامة في الشارع العربي شكلت عاملا ضاغطا علي العلاقات الثنائية الأساسية بين إسرائيل والدول العربية سواء التي كانت تربطها بإسرائيل علاقات سلام رسمية أو غير رسمية، وظهر ذلك في تدهور علاقات إسرائيل مع الأردن التي اتسمت بالتوتر والعدوانية وبتدهور العلاقات المصرية - الإسرائيلية أيضا واستعرضت الدراسة ما سمته «نموذج الاختيار المصري» حيث يمكن اختبار تلك الأحداث التي تشهدها ساحتها من وجهة النظر الإسرائيلية فمصر الآن تحت الحكم العسكري الذي من المفترض أن يسلم الحكم إلي سلطات مدنية بعد إجراء الانتخابات البرلمانية ومن بعدها الانتخابات الرئاسية ويصعب توقع المسار الذي ستؤول إليه الأمور في أعقاب الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية وما هي طبيعة الحكومة القادمة إلا أن القضية الأساسية هي مدي قوة الإخوان المسلمين مقارنة بباقي الأحزاب العلمانية، حيث يمكن رؤية الأجواء السائدة تجاه إسرائيل. وأشار الباحث إلي أنه خلال تلك المرحلة المبكرة - من الربيع العربي- يصعب توقع ما هي الأنظمة التي ستصمد قبل أن ينقشع الغبار، وليس واضحا بعد من سيحل محل الأنظمة التي سقطت.. وأكد أن تل أبيب لديها أكثر من سيناريو قابل للحدوث بدءا من سيطرة العناصر الإسلامية علي دول مثل مصر وسوريا مروراً بقيام حكومات ضعيفة وغير مستقرة من الأحزاب العلمانية ذات الشعبية وانتهاء بالأنظمة العسكرية. وتطرقت الدراسة إلي السؤال الأساسي الذي يشغل بال ساسة إسرائيل والمتعلق باحتمالات المساس باتفاقية السلام بين البلدين.. فحتي الآن أظهرت أغلبية الأطراف ومعظم المرشحين للرئاسة عن احترامه للاتفاقية وحتي الآن تشير تصريحات العديد من المسئولين المصريين احتمالية الغاء اتفاق السلام مع إسرائيل قليلة وعلي الرغم من ذلك، إلا أن هذه المسألة باتت علي قائمة جدول الأعمال الإسرائيلي وأصبحت موضع جدل داخلي فإلغاء اتفاقية السلام مع القاهرة سيضطر إسرائيل إلي إجراء تغيير جذري في تقديراتها. واستعرضت الدراسة التغيير في السياسة المصرية بعد ثورة (25) يناير الذي تجلي في نجاح القاهرة في التوسط للمصالحة الفلسطينية بين حركتي «فتح» و«حماس» فطالما كان يعتبر نظام مبارك حركة حماس عدواً لمصر بينما يري النظام الجديد في حماس لاعبا شرعيا يجب أخذه في الاعتبار. كما أكد الباحث مارك هيلر الذي شارك في الدراسة علي زيادة التوترات بين مصر وإسرائيل علي خلفية الفوضي الامنية في سيناء وعقب العلاقات الجديدة التي أجراها المجلس العسكري مع حماس وبات من الممكن اندماجها في السلطة الفلسطينية. وأوضحت الدراسة أن العلاقة الثنائية الوثيقة بين الولاياتالمتحدة وبين المؤسسة العسكرية المصرية كانت وراء قرار قيادة المجلس العسكري بتقديم المشورة لمبارك بالتخلي عن الحكم. وأشار الباحث الإسرائيلي إلي أن فرص التطور الديمقراطي في مصر قليلة للغاية مقارنة بتونس. مضيفا أن التقديرات المستجدة علي الساحة السياسية المصرية من المرتقب أن يرافقها تدهور الوضع الاقتصادي كذلك أوضح زيادة فرص «تآكل العلمانية» في مصر وأن المصريين لن يذهبوا أبدا وراء تيار العلمانية كالذي في تونس واصفاً مصر «بمهد الإخوان المسلمين». أما الخبير الإسرائيل «جيور أيلند» والمختص بالشئون العسكرية أكد خلال الدراسة أن المعضلة الأساسية التي تواجهها قيادة الأركان الإسرائيلية المتعلقة بمصر هي إذا ما كانت التغييرات التي شهدتها الساحة المصرية في فبراير 2011 تتطلب تغيير الافتراض الإسرائيلي في العلاقات بين البلدين وإن كان ذلك حقيقياً فبأي أسلوب؟