بمجرد الإعلان عن الضبطية القضائية للمواطنين التي أثير حولها الكثير من اللغط بدأت الأفاعي تطل برؤوسها من كل حدب وصوب، ولم تنتظر تفسير أو تأكيد أو حتى تخطيط لمستقبل المرحلة الجديدة التي دشنها وزير الداخلية بإعلانه التخلي عن المسئولية الكاملة عن حفظ الامن في مصر ، ما آثار حفيظة المواطنين وشهية المتنمرين . وقد بدأت الاستعراضات بمختلف أشكالها السياسية والحركية والدعوية لتحجز مكانها في الصدارة فيما يتعلق بأمن مصر ، وكأن شاغرا قد فرغ ويتهافت المتهافون عليه لتأكيد سطوة كل منهم على حدة . امن مصر ذلك الغائب منذ الخامس والعشرين من يناير قبل الماضي يقف اليوم شاهدا على من خرجوا من المعتقلات بعد مواجهات دامية مع ذلك الجهاز الأمني منذ الخمسينات وحتى يوم تنحي مبارك عن حكم مصر ، هؤلاء الذين فتحوا بحور الدم في الصعيد ولهم ثأرا لم يمحه التاريخ مع ضباط وجنود الشرطة الذين حاربوا الإرهاب وحاولوا اجتثاثه من جذوره وتجفيف منابعه في الثمانينات والتسعينات ، حتى أتى الرئيس الإخواني المعتقل سابقا ليفرج عن معظمهم دون أدنى مسئولية أو خوف من عودة الإرهاب إلى سابق عهده في البلاد أو ربما أكثر إذا نما وترعرع في حضن النظام . ولم يخب ظن المحللون عندما بدأت الحوادث الكارثية تقع من وقت لآخر هنا وهناك والفاعل مجهول ، حيث بدأت بعض المخططات تنفذ بكل وحشية في بر مصر فكانت مجزرة الحدود في رمضان التي راح ضحيتها أبرياء مجندين أثناء تأديتهم الواجب الوطني ، وعلى اثرها أزيحت قيادات المجلس العسكري بضربة واحدة من الرئاسة وجماعاتها وعشيرتها المفكرة والمدبرة والمخططة . ولم يقل عن تلك الكارثة ما حدث في بورسعيد من مكيدة مدبرة راح ضحيتها اثنان وسبعون مصريا دفعة واحدة ولحق بهم أكثر من ثلاثين آخرين على اثر مصادمات أهالي بورسعيد وأجهزة الامن في عمليات أكدت الشواهد أنها عمليات غادرة سواء تمت بعلم أو بدون علم الجهاز الأمني وبقناصة محترفين لا يمكن الا ان يكونوا تابعين للجهاز الأمني أو مدربين كإرهابيين في فترات سابقة على الثورة وبدأ هؤلاء يستعيد نشاطه الإرهابي من جديد تحت سمع وبصر وبمباركة النظام الجديد المتورط بلا شك في تلك الفواجع . إذن دور جديد يأمل هؤلاء ان يتولونه لسد الفراغ الأمني ليمثلوا بذلك أكبر ملهاة في التاريخ أو كما درج المثل الشائع في مصر على القول بأن حاميها حراميها . من تورطوا في عمليات اغتيالات من أيام حادث المنصة وحتى أحداث أسيوط هم نفسهم من يتحدثون عن الامن ، وهم انفسهم من يطالبون بتولي زمام الأمور وقدرتهم على معاونة جهاز الشرطة الضعيف الذي بدا في سلسلة إضرابات موسعة شملت المناطق الحيوية وبؤر الصراع في مصر ليشكلان بذلك ضغطا على النظام لتامين وضع خاص لهم يمكنهم من ممارسة القوة المطلقة باستخدام كافة الأسلحة الممكنة دفاعا عن انفسهم وعن المنشآت ، وكأن المواطن هو الطرف الآخر المفترض توجيه فوهة المدفع لرأسه لمجرد اعتراضه على سياسة أو مطالبته بحق . تلك هي المعضلة التي تدخل بمجتمع مسالم في حرب ضروس من جديد بين الجهاز الشرطي والجماعات المتطرفة الا ان كفي الرحى هذه المرة تحمل بين رحاها شعب مصر بأكمله أمنه واقتصاده وسياسته وحلمه بغد افضل ، بلا قهر ولا ظلم ولا خوف . البلبلة التي يتسبب بها تراجع دور الجهاز الأمني في مصر هي السبب الأول في خروج الأفاعي من جحورها وهي على يقين بأن الصراع داخل الجهاز والتمرد غير المسبوق على الامتثال للأوامر ولا سيما فيما يتعلق بالمواجهة مع المتظاهرين لأسباب متباينة ربما كان في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب . ولا احد يعلم إلى اين سيصل الحال في حال خروج ميليشيات الجماعات الدينية المتطرفة لمزاولة نشاطاتها الإرهابية في العلن ، هل ستسفر عن تشكيل قوى وطنية مضادة ، ام ستكتفي بتجديد الصراع مع الند القديم ، ام ستتحول الدفة ليدخل في الصراع أطراف أخرى تنتمي للخارج أكثر من انتماءها للوطن . في مل الأحوال هي مرحلة من الفوضى غير الخلاقة التي سيتم طحن المواطن أثناءها دون رحمة من كافة الأطراف .