العالم يبدو سيركاً هائلاً ، البعض فيه يتنطط علي الأحبال ، والبعض يلهو مع الأسد ، والكلاب تمتطي ظهور الخيل ، والكبار قبل الصغار يرقبون كل ذلك ببلاهة وإنبهار ، بينما البلياتشو يرسم علي نفس الوجه الضاحك أحزاناً ودموعاً … الطائرات المقاتلة التي تم صنعها وتخزينها لتكون أهم أدوات الحرب العالمية الثالثة ضد الشيطان الشيوعي ، تقوم هذه الساعة بقصف مركز علي بلاد المسلمين : العراق ، سوريا ، اليمن ، فسلطين ، أفغانستان ، والخصم المزعوم في الحالتين هو وحش أسطوري يطلقون عليه إسم " الإرهاب " . العالم كله يجلس علي مقاعد المتفرجين ، وهي يشاهد ببلاهة وإنبهار تلك الألعاب النارية التي تتوالي في سماء الشرق الأوسط ، طائرات مقاتلة ضخمة من كل الأنواع تحلق بحرية وإستمتاع وهي تقذف الدمار دون أية مقاومة علي الإطلاق ، ولا حتي عصفورة تبدو في الصورة القاتمة ، وعلي الأرض نيران ودخان كثيف يخفي بقايا الأطلال والبشر . ومن عجب أن العالم لا يزال يجلس علي مقاعد المتفرجين دون حراك ، رغم أن بعض الصور الملونة حملت بعض ملامح ذلك الوحش الإسطوري المسمي بالإرهاب ، حيث أتضح من تلك الصور أن ذلك الوحش ليس إلا أطرافاً آدمية ممزقة لأطفال ونساء وشيوخ ، وبعض الحناجر التي تجأر بالشكوي لمن تكون الشكوي لغيره مذلة . شنوا حرباً عالمية ثالثة ضد جنرالات طالبان وأسلحتهم الفتاكة ، حيث فجأة أكتشف العالم المتحضر أن هؤلاء الجنرالات الطلبة ومعهم الأعوان من القاعدة لديهم قدرة غير عادية لتصنيع أسلحة الدمار الشامل ، بل ووصل الأمر ببعض المحللين الإستراتيجيين الأمريكيين إلي التأكيد بإحتمال حيازة هؤلاء الجنرالات للقنبلة النووية .. وهنا يضع البلياتشو وجهه الضاحك ، ويضحك الأطفال ويصفقون بينما يفرك الكبار عيونهم شبه النائمة . ويعلن السيد نتن ياهوووه أيضاً أنه في حرب ضد الإرهاب ، وتشن طائراته ودباباته هجمات مخططة بدقة للقضاء علي الإرهاب ، ثم تنقل الصور الملونة أهداف هذه الهجمات التي لا تزيد عن فتات أطفال رضع ، وبقايا أشجار زيتون محترقة أو مقتلعة ، ويعرف العالم كله ربما لأول مرة تعريفاً لمصطلح الإرهاب : أنهم الأطفال وأشجار الزيتون .. ويضع البلياتشو وجهه الباكي ، وتدمع عيون الأطفال ، بينما يجتهد الكبار في مواراة ضمائرهم وإبتلاع كرامتهم . لماذا أصبح ضحايا تلك الحرب العالمية الثالثة الجديدة أسماء تبدأ بمحمد وأحمد وعلي ؟ ، هل هي نبؤة " هينتجتون " حول صراع الحضارات ، ولكن أي صراع هذا ؟ ، هل يستقيم أن نطلق علي ما يحدث إصطلاح الصراع ؟ ، حيث لا يوجد أي تكافؤ من أي نوع بين طرفيه ، أنه ليس صراعاً وإنما مذبحة تتم علي مرأي ومسمع العالم كله ، ويكفي أن ننظر إلي الصور الملونة لجثث المحاصرين في جبال أفغانستان أو في مدن وقري فلسطين أو سوريا أو العراق أو اليمن .. لقد ماتوا ومزقت أشلاءهم دون أن تكون لديهم فرصة حقيقية للدفاع عن أنفسهم ، فالموت ينقض عليهم من فوق السحاب ، بينما جنود المارينز يتباهون أمام الكاميرات في الخطوط الخلفية ، ويدفعون الأغبياء كي يستكملوا مراسم الذبح علي الأرض . ولا شك أن هناك العديدين من العقلاء الحكماء الذين سوف يبادرون بالحض علي ممارسة ضبط النفس ، وبأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان أو كائن أو سيكون ، أو بأن الباب الذي يجيئ لك منه الريح ، سده وأستريح ، إلي آخر هذه العبارات التي نحتها الزمن علي جدران الهوان والذلة والمسكنة . وهناك أيضاً العديد من الدراويش الذين سوف يقلبون أوراقهم الصفراء كي يستحضروا عفريت من الجن كي يثأر لهم من الأعداء ويشتت شملهم ، أو ينسبون ذلك إلي القضاء والقدر الذي ينبغي علي المرء أن يتحمله دون إعتراض ، وأن يأخذ الصفعات علي قفاه ويحمد الله أنه لا يزال حياً .. ولكن هل هذه حياة ؟؟ . أكثر من بليون مسلم يجلسون ضمن باقي بلايين العالم في مقاعد المتفرجين ، ومن الصحيح أن بعضهم يلوي شفتيه إمتعاضاً ، وبعضهم الآخر يذرف الدمع الهتون في المساء ، ولكن من المؤكد أن الأغلبية تكظم الغيظ كي تفرغه في نسائهم وأطفالهم .. والمسألة بالفعل تتطلب تحليلاً نفسياً للتعرف علي الحالة التي يعيش فيها أكثر من بليون مسلم وهم يشاهدون ذلك الإمتهان غير المبالي لأقدس ما يعتزون به ، وتلك المهانة التي وصلت إلي حد ذبح أحياء أسري دون أن يحتج أحد . واقع الأمر أن ما يسمي الحرب ضد الإرهاب ، يبدو وكأنه حرب بلا هدف ليس لها سوي نتيجة واحدة محققة وهي أنها سوف تخلق الإرهاب الحقيقي ، حيث أن أقنعة الحكمة والدروشة تتساقط تدريجياً مع كل طفل يسقط في بلاد المسلمين ، ومع كل ورقة توت تسقط وتظهر لنا العورات التي أخفتها سياسة الغرب حيال العالم الثالث كله . أن قراءة الواقع وبعض دروس التاريخ تؤكد بشكل لا يمكن مجادلته أن سياسة القوة العمياء وغرورها سوف تنقلب في النهاية علي أصحابها ، ولكن يبدو أن العمي قد بلغ مداه إلي درجة إنعدام القدرة علي القراءة أو الفهم ، لقد نجح السيدأوباما والسيد نتن ياهووه في خلق حالة من العداء غير مسبوقة ، وتمكن اليمين الأمريكي ورفيقه اليمين الإسرائيلي من توسيع معسكر الأعداء ، وظني أن هناك آلاف المدارس في قري ومدن العالم الثالث تستوعب الآن الدرس الذي أرادت تلك القوي الجبارة أن تلقنه للعالم ، فالحق هو أن تمتلك القوة وتمارسها ، والباطل هو أن تكون ضعيفاً ، وربما أنتهت معسكرات القاعدة في أفغانستان ، وربما زالت حماس والجهاد الإسلامي من الأرض الفلسطينية ، ولكن من المؤكد أن ما يتم بذره اليوم بالقنابل وسفك الدماء سوف ينمو مع كل طلعة شمس في بلاد المغلوبين علي أمرهم ، وسوف يخلق غابات من الكراهية تتضاءل أمامها عمليات القاعدة أو حماس ، وأسارع بالقول بأن تلك المنظمات لم تكن لتنجح في تسويق قضيتها بنفس النجاح الذي حققته تلك المذابح التي أكدت المنطق السائد ، منطق القوة وغلوائها . من العدد المطبوع من العدد المطبوع