قَطْرَةٌ من تِرياق حِيْنَ تعُمُّ البلوى ويغْلُبُ الخَبَث يصرخُ كثيرون من فَرْطِ الألم ، ودونهُم آخرون يكسوهمُ التَّأَوُّه ، ويبقى آخرون يسكنُهُمُ الصَّمْتُ ويسكنونَ الأحزان ، ويصبرون ويصبرون ، حتى إذا زادَ كيلُ الهموم وفاضَ عن الكأس ، فقدوا القدرةَ على احتباسِ الألم، واستسْلمَ الصَّمتُ للأنين ! ملايينُ الأسر في مصرَ وعالمِنَا الإسلامي يعيشون في سردابٍ سحيقٍ من الفقرٍ والعَوَزِ والمرضِ والتشرُّد ، وقدْ تَعَرَّوْا مِنْ كفالةِ الحكوماتِ ورحمةِ القادرين ..ملايينُ العربِ والمسلمين ضحايا العنفِ والظلمِ في سورياوالعراق وفلسطين واليمن والصومال وغيرها مشرَّدون ، يتوسدون التراب ويلتحفون بالسماء في مناطق الحدود ومخيمات اللجوء يتسولون لقمةً أو كساءً من عالمٍ ضلَّ طريقَهُ إلى الرَّحمة... أفادَ تقريرُ المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة بوجود أكثر من 51 مليون لاجئ ومُهَجَّر حول العالم معظمُهُم عربٌ ومسلمون !! منهم 2.5 مليون سوريّ ومليون عراقيّ .. أتمنى أن يكون هذا المقال طرقاً على باب الضمير لكل واحد منا ، فعلينا واجبٌ أخلاقيٌّ وإنسانيٌّ ودينيٌّ تجاه هذا الطوفانِ الهادرِ من الفقراء والمهمشين والنازحين في كلِّ بقعةٍ من أوطاننا .... إذا كان الله تعالى سائلنا يوم القيامة عن النَّعيم [ ولتُسْأَلُنَّ يومئذٍ عنِ النَّعيم ] فلسوفَ يكونُ السؤالُ أشدَّ عن تخَلِّيْنَا عن إخوانِنَا وعدمِ مشاركتِهم هذا النعيم .. وإذا كان اللهُ العدل سيسألُ عُمَرَ رضي الله عنه عن بغلةٍ عثَرَتْ في العراق ألا يسألنا عن دموعِ المكلومين وأنَّاتِ المقهورين المعدمين مِنْ بني الإنسان ؟ إذا انتفتْ معالمُ التعاطفِ والتراحمِ بيننا فقدْ وُئِدَتْ إنسانيتُنا وأُهِيلَ عليها التراب .. لو مررتَ يوماً بإحدى الأسرِ المهمَّشة التي تسكنُ جُحْرَاً في إحدى المناطق العشوائية البائسة ،ورأيتَ بعينَيْ رأسِكَ قدْرَ العَوَزِ والحرمان لتمنَّيْتَ أنْ تبتلعَكَ الأرضُ التي تحت قدميك مِنْ فَرْطِ التأسِّي ولومِ الذَّات ... أنْ يصلَ الأمرُ لِأنْ يقتاتَ الجوعى من صناديقِ القمامة ،فباطنُ الأرضِ أولى بنا من ظهرِها ..التكافل هو ضمان السِّلْمِ الاجتماعيِّ ومن التكافل أنْ نؤديَ حقَّ المُعْدَمين في أموالنا .. مبدأٌ واحدٌ وركنٌ واحدٌ من أركانِ الإسلامِ الحنيف وهو الزكاة لو أديْنَاه لمنحنا ملايين المُعْوِذِيْنَ فرصةً في الحياةِ الآدميَّة.. وبالزَّكاةِ نحنُ نطَهِّرُ أنفسَنَا من الشُّحِ والأَثَرَة ونزكِّيها بالإحسان قبل أنْ نُغْنِيَ بها المحتاجين .. يقول جلَّ وعَلا : [ خُذْ مِنْ أموالِهِم صدقةً تُطَهِّرُهُم وتزكِّيهِم بِها ..] .. ونبيُّنا الكريمُ صلى الله عليه وسلم يقول :[ مَنْ كانَ له فَضْلُ ظَهْرٍ فليعُدْ بِهِ على مَنْ لا ظهْرَ له ومَنْ كانَ له فضلٌ من زادٍ فليعُدْ بِهِ على مَنْ لا زادَ له ] الجزءُ الأول من هذا الحديث العظيم كلما جالَ في ذاكرتي أسألُ نفسي سؤالاً عجيباً : لماذا ينطلقُ مَنْ لديه سيارة وحيداً وخلفَ غُبَارِ سيارتِهِ عشراتُ الواقفين المتعبين ينتظرونَ مواصلةً عامّة ؟ هي فكرةٌ مثالية لها محاذيرها وقد يصعب تنفيذها على إطلاقها لكنها قد تجد سبيلاً في بعض النطاقات وهي تصبُّ في مَعِينِ التراحم.. ولكم أنْ تتصوروا كيف يسهم تطبيق هذا الهدي النبويّ في حلِّ أزمةِ المواصلات ..نحن في أشد الحاجة لأنْ نُعْلِيَ من قيمةِ العطاءِ في حياتنا خاصةً في هذه الظروف المأسوية التي تعيشها أمتنا .. فمَنْ رُزِقَ العطاء فقدْ رُزِقَ الخيرَ كُلَّه .. من أجملِ ما أُثِرَ عن عليٍّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه قوله :[ والذي وَسِعَ سمعُهُ الأصوات ، مامِنْ أحدٍ أدخَلَ على قلبِ فقيرٍ سروراً، إلا خلقَ اللهُ له من هذا السرورِ لُطْفاً.. فإذا أُنزِلَتْ به نائبة جرى إليها لطفُ اللهِ كالماءِ في انحدارِه حتى يطْرُدَهَا عنه ! ] .. وما أكثرَ النوائب والمصائب التي أصبحتْ خُبْزَ الصّباحِ والمساءِ في أيَّامِنا .. فهلاَّ قدَّمْنَا لأنفسنا ، وأدْخَلْنَا السرورَ على قلوبِ إخواننا عسى اللهُ أنْ يُفَرِجَ عنا ويلطُفَ بِنَا؟ من العدد المطبوع من العدد المطبوع [email protected]