انتخابات مجلس الشيوخ 2025.. هل يوم الإثنين إجازة رسمية؟    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. قائمة الكليات المتاحة لعلمي علوم ورياضة ومؤشرات الحد الأدنى    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. رابط تسجيل اختبارات كليات الهندسة والحاسبات والتجارة والزراعة (المنهج)    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    أسعار الفراخ والبيض في أسواق وبورصة الشرقية اليوم السبت 2-8-2025    «خدوا بالكم منه».. إعلان عودة معلول ل الصفاقسي يهز مشاعر جماهير الأهلي    بعد حمدي فتحي.. بيراميدز يصرف النظر عن صفقته الجديدة    الأجهزة الأمنية تداهم منزل البلوجر «أم مكة» في شبرا الخيمة وتتحفظ على معدات التصوير    مسلّح يفتح النار داخل حانة بمونتانا ويقتل 4 أشخاص    زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب أفغانستان    ترامب يحذر: الغواصات النووية تقترب من روسيا ويجب الاستعداد    فلسطين.. قصف مدفعي وإطلاق نار إسرائيلي يستهدف محيط حي الأمل غرب خان يونس    "يحل مشكلتين للفريق".. لماذا عدي الدباغ الصفقة الصيفية الأنسب للزمالك؟    3 أرقام مقلقة من وديات الزمالك قبل أسبوع من انطلاق الدوري    ترامب: غواصاتنا تقترب من روسيا وعقوبات إذا لم يُبرم اتفاق مع أوكرانيا    قرارات عاجلة من محافظ سوهاج بعد إصابة 13 شخصًا في انفجار مطعم.. صور    تشميع محال وإحالة الواقعة للنيابة.. محافظ سوهاج يتخذ إجراءات رادعة بعد مشاجرة "حي شرق" – صور    بينهم طفل ..إصابة 3 من أسرة واحدة في حادث مروري بالوادي الجديد    إخلاء سبيل مسؤولي حفل محمد رمضان بكفالة 50 ألف جنيه    تشيع جنازة عريس لحق بعروسه بعد ساعات من وفاتها بكفر الشيخ    يونس: محمد شحاتة قادر على التطور.. وأول 10 مباريات فاصلة للزمالك في الدوري    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    نجاح علاج انسداد الشريان الحرقفي بمستشفى شرق المدينة بالإسكندرية    مستشفيات سوهاج الجامعية تستقبل المصابين في حريق مطعم    مصر ترفع رصيدها إلى 91 ميدالية متنوعة في دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    وزير الزراعة: أسعار الدواجن في انخفاض مستمر.. والأعلاف تراجعت 2000 جنيه للطن    ما هي واجبات أعضاء مجلس الشيوخ؟.. القانون يجيب    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    سقوط مروع لطفل من دراجة نارية في الوادي الجديد    رسميا الآن بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 2 أغسطس 2025    الشباب المصري يصدر تقريره الأول حول تصويت المصريين بالخارج في انتخابات مجلس الشيوخ    أبرزها رفع المعاش واعتماد لائحة الإعانات.. قرارات الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المهن الطبية    إسماعيل هنية كشف خيانة الثورة المضادة فباركوا قتله .. عام على اغتيال قائد حماس    الإخوان : وقف نزيف الحرب على غزة لن يمر عبر تل أبيب    مقتل 4 أفراد من أسرة واحدة في سيوة    أخبار × 24 ساعة.. وظائف فى البوسنة والهرسك بمرتبات تصل ل50 ألف جنيه    نجم الزمالك السابق: فترة الإعداد "مثالية".. والصفقات جيدة وتحتاج إلى وقت    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    محمد ممدوح عن «روكي الغلابة»: «كان نفسي اشتغل مع دنيا سمير غانم من زمان» (فيديو)    تحبي تكوني «strong independent woman» ماذا تعرفي عن معناها؟ (فيديو)    عمرو دياب الأعلى استماعا خلال شهر يوليو على أنغامي (صور)    حدث بالفن| كارثة بسبب حفل محمد رمضان ومطرب يلغي حفله في الساحل حدادًا على المتوفي    "ظهور نجم الأهلي".. 10 صور من احتفال زوجة عماد متعب بعيد ميلاد ابنتهما    كواليس من محاكمة صدام حسين.. ممثل الدفاع: طلب جورج بوش وتوني بلير لهذا السبب    عبدالمنعم سعيد: الدمار الممنهج في غزة يكشف عن نية واضحة لتغيير هوية القطاع    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    منها «الذهاب بكثرة إلى الحمام ».. 6 علامات مبكرة تدل على سرطان البروستاتا يتم تجاهلها    وصول دفعة أطباء جديدة من عدة محافظات إلى مستشفى العريش العام    ترامب: نشرنا غواصتين نوويتين عقب تصريحات ميدفيديف "لإنقاذ الناس"    للرزق قوانين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    هل أعمال الإنسان قدر أم من اختياره؟ أمين الفتوى يجيب    الأسهم الأوروبية تتكبد خسائر أسبوعية بعد أسوأ جلسة منذ أبريل    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    إدارة مكافحة الآفات بالزراعة تنفذ 158 حملة مرور ميداني خلال يوليو    فريق بحثي بمركز بحوث الصحراء يتابع مشروع زراعة عباد الشمس الزيتي بطور سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزكاة فريضة إسلامية ونظام ربانى


الشيخ/ محمد عبد الله الخطيب
من علماء الأزهر الشريف، والعضو السابق بمكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين
للأسف الشديد استمعت إلى أحد أعضاء لجنة الدستور يتحدث عن الزكاة حديثا لا يزيد بحال من الأحوال عن فهم أمى للإسلام، فيقول فى أسباب إبعاد الزكاة أن تكون ركنا وبنودا فى الدستور ويُقلب يديه مستصغراً لها أنها عَلاقة بين الغنى والفقير ولا داعى لوضعها فى الدستور. وأقول له: إن الزكاة فريضة فرضها الله يجمعها الحاكم من الأغنياء بواسطةِ الذين أعدتهم الدولة لجمعها وتقوم الدولة فى الإسلام بتوزيعها على الفقراء وأضرب مثلاً لأسلوب حضارى راق أن تفتح الدولة بنوكا تسمى بنوك الزكاة وتتابع الأغنياء الذين لم يقوموا بإخراج الزكاة وعمل إحصائيات دقيقة لمعرفة هؤلاء الأغنياء وحصر مستحقى الزكاة فى كل مدينة حصراً أميناً وتجعل لهم بطاقات رسمية تُعطى لكل منهم ما يكفيه فى كل شهر يعيش عليه بنظام دقيق ولا مانع أن يُطلب من الأغنياء المساهمة فى رأس مال تلك البنوك حتى يكفى مستحقى الزكاة والمسألة ليست تخميناً ولقد قام المرحوم العالم الاقتصادى العظيم الدكتور/ عيسى عبده بوضع تصور لهذا الأمر فوجد أنه بتنفيذ هذه الصورة التى أشرنا إليها لا يوجد مريض ولا محتاج ولا فقير ولا ساكن قبور، بل يغتنى الجميع وتعود للمسلمين مكانتهم الاجتماعية، وينتهى الذين يمدون أيديهم وهى صورة مزرية لا تليق بالإسلام والإنسان، أما القول بأنها علاقة فردية بين الغنى والفقير فهذه أقوال نعرف أهدافها، وهى إسقاط الصفة القانونية لكل ما جاء به الإسلام، فالمسلم يصلى أو لا يصلى لا يهم، فهذه أحوال شخصية هو خُيِّر فيها، والغنى يزكى أو لا يزكى لا يهم، والقادر يذهب الحج أو لا يذهب لا يهم. فعمل أبى بكر وجهاده لمانعى الزكاة فى نظر هؤلاء كان عملاً غير صحيح، ويزعمون أنها الحرية، وجمع الرسول والصحابة ومن جاء من بعدهم للزكاة كفريضة فرضها الله عز وجل آمراً لرسوله بأخذها فقال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} واستمر الحال على هذه الصورة، رب يأمر وعباد ينفذون، ولا مجال للتلاعب.
وفى عهد عمربن عبد العزيز رضى الله عنه أخرجوا الزكاة تنفيذا لأمر الله فقال: زوجوا الشباب، وأنفقوا على الفقراء من أهل الكتاب.
لقد اتضح الآن من الفهم الصحيح للزكاة أنها إنقاذ دائم لفقراء المسلمين وغيرهم، وحياة كريمة لكل إنسان يعيش فى ظل الدولة الإسلامية العظيمة، وشأن الإسلام العظيم فى التراحم والتواصل بين الجميع.
شأن الزكاة شأن باقى العبادات الإسلامية، إنها تهدف إلى خير الإنسان فى الدنيا وسعادته فى الآخرة، هى نظام الله الذى ارتضاه سبحانه لعباده {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [سورة الإسراء].
لقد اعترف العلماء والباحثون الأجانب بما للزكاة من أثر صالح فى حياة الفرد والأمة يقول: ماسينيون "إن لدى الإسلام من الكفاية، ما يجعله يتشدد فى تحقيق فكرة المساواة، وذلك بفرض الزكاة يدفعها كل فرد لبيت المال، وهو يناهض عمليات المبادلات التى لا ضابط لها، وحبس الثروات، كما يناهض الديون الربوية، والضرائب غير المباشرة، التى تفرض على الحاجات الأولية الضرورية ويقف فى الوقت نفسه إلى جانب الملكية الفردية، ورأس المال التجارى، وبذا يحل الإسلام مرة أخرى مكانا وسطا بين نظريات الرأسمالية، ونظريات الشيوعية.
فالزكاة تكافل اجتماعى، وتعاون أخوىّ فرضها الحق سبحانه وتعالى على المسلمين وأمرهم بها، تكررت فى القرآن الكريم فى حوالى اثنتين وثلاثين آية، مقرونة بالصلاة فى بعضها، قال الله تعالى: {فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج].
ولقد أوصى رسولنا صلى الله عليه وسلم بها فى أحاديث كثيرة، منها ما روى عنه أنه قام فى الناس فقال: (يا أيها الناس، إنه أتانى من ربى فى المنام فقال لى: يا محمد، لا صلاة لمن لا زكاة له، ولا زكاة لمن لا صلاة له، مانع الزكاة فى النار والمتعدى فيها كمانعها).
وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا عندما بعثه إلى اليمن قائلا: "إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله تعالى، فإذا عرفوا الله تعالى، فأخبرهم أن الله تعالى فرض عليهم زكاة، تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فخذ منهم، وإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".
وقد سئل بعض السلف، كم يجب من الزكاة فى مائتى درهم، فقال: أما على العوام بحكم الشرع فخمسة دراهم، وأما نحن فيجب علينا بذل الجميع، واعتبر هؤلاء الأعلام إخراج النصاب أقل درجات الواجب وأقرب إلى البخل .
من أهداف الزكاة
1 - الانتصار على النفس:
{هَا أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [سورة محمد].
إن القرآن الكريم يواجهنا بواقع حالنا، ويعالج شح النفوس بالمال، وما يبذله المسلمون ما هو إلا رصيد لهم عند ربهم، يجدونه يوم يحتاجون إلى ذرة من عمل صالح، ولذلك يبذل المسلم فى سبيل الله ولا يلتف هنا أو هناك ليأخذ أجرا من مخلوق، فأجره هناك عند ربه محفوظ، قال تعالى: {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت].
2 – التحذير من البخل:
إن اختيار الحق سبحانه لنا لحمل دعوته، وتبليغ رسالته تكريم وفضل وعطاء، فيجب أن نكون أهلا لهذا التكريم، فإن لم نحاول أن نكون أهلا لهذا الشرف، وننهض بهذه التكاليف، إن لم نفعل ذلك فإن الله يسترد ما وهب من نعمة، وما أعطى من خير {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} وإنه لإنذار شديد، لمن عرف طريق الله، وذاق حلاوة الإيمان، وأحس بفضل الله، وكرامته عند الله، كيف يسلب الإيمان من قلبه، ونور الله الذى يملأ كيانه.
إن المسلم الحق لا يمكن أبدا أن يطيق الحياة، أو يذوق طعمها، إذا طرد من كنف الله، وأبعد عن جواره، وأغلقت دونه الأبواب، والحياة يومها تصبح جحيما، عند من يتصل بربه، ثم يطبق دونه الحجاب، فلنتأمل هذا الإنذار، ولنسابق إلى أداء ما فرض الله علينا.
3 – الحض على دوام التصدق:
وإذا كانت دورة الحول، وموسم الحصاد ميعادا لاحتساب الزكاة وصرفها لمستحقيها، فإن شهر رمضان العظيم ميدان آخر لإخراج زكاة الفطر، وموسم لتقديم الفدية من أصحاب الأعذار، وإذا كانت الصدقات سنة وقربى فى كل زمان ومكان، وعند كل مناسبة فهى صدى صوت القرآن إلى نهاية الدهر.
وإذا كان القرآن قد أهاب بنا فى كل وقت، فإن أحوال إخواننا فى فلسطين وفى العراق وفى أفغانستان وفى الصومال وفى السودان لتفرض علينا أن نفكر فيهم، وأن نقتطع من أقواتنا وضروراتنا ما يدفع الغوائل عنهم، يجب أن نكون عونا لإخواننا فى كل مكان، وقد أحيط بهم من كل مكان، اليهودية والصليبية تكشر عن أنيابها اليوم وأحقادها لا تنتهى، والمؤامرات لا تقف عند حد، والفتن تشتعل نارها، وكلها مواجهة إلى المسلمين؛ فيجب شرعا أن نبذل وأن نتربى على الجهاد فى سبيل الله، وعلى حب التضحية والثبات والإخلاص والتجرد لله رب العالمين.
4- فى عالم التطبيق:
حينما أدرك أبو بكر الصديق رضى الله عنه هذه المعانى الجليلة تبرع بكل ماله، وحين سئل ماذا تركت لعيالك قال: تركت لهم الله ورسوله، وتبرع عمر رضى الله عنه بنصف ماله، وتبرع عثمان رضى الله عنه بمعظم أمواله، وتبرع عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه بثلث ماله، وكان صلى الله عليه يتبرع بكل ما كانت تصل إليه يديه، وكان فى رمضان كالريح المرسلة كرما وجودا وعطاءً.
5 – تطهير النفس:
من صفة البخل، والبخل أحد المهلكات، قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (ثلاث مهلكات، شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه) وقال تعالى: {شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} إن البخل مجبنة مزرية، تدع صاحبها بين الناس مسلاة وسخرية، وتضعه فى سجن من الحرمان مظلم الجنبات، متماسك اللبنات، وتحلّه من أولاده وأقاربه ومعارفه مكان البغض والكراهية، يستعجلون رحيله ويستبطئون حياته، ويتمنون وفاته، ولا أدرى لمن يعيش البخيل ؟ وما فائدة وجوده فى هذا الجو المشحون حوله بالذل والكراهية والضياع، وهيهات أن يصبح شجرة مديدة الظلال مشرقة الثمر والإيناع، ألا أن يصطنع الجود والسماحة والصلة والبر والتعاون بين الناس، ولا يشده إلى هذه الجداول الصافية، والمزايا السامية، إلا إذا اعتاد تقديم الزكاة وإعطاء الصدقات لا سيما فى شهر رمضان .
6 – تقديم صورة من الشكر صادقة:
وفاء لما أنعم الله به من قدرة على أداء الزكاة فى المواسم المناسبة لها، وترجمة مادية عن إحساسه بصنيع الله، وجعل يده أداة إرسال لا أداة استقبال، يد تبعث الاطمئنان والرضا، وتمسح القلق ومضاضة الانتظار عن نفوس الجوعى والمحرومين، فى شهر حرم الكل فى نهاره ما كان مباحا ومستساغا وشهيا .
7 – الوفاء بالدين قبل حلول أجله:
أدب رفيع لا يستأهله إلا من خصهم الله برضاه، وجملهم بتوفيقه، وزكاة الصوم من رمضان لها نهاية لا تصلح بعدها لسد باب الفريضة، قال الرسول الكريم صلوات الله عليه " فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهى زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهى صدقة من الصدقات" والمراد بالصلاة فى الحديث الشريف صلاة عيد الفكر، ووقت إخراجها يبتدئ من هلال رمضان، ورمضان كله وقت لها، فمن بادر بإخراجها قبل نهاية الشهر، إظهارا للرغبة فى الامتثال، وفرحا بأداء ما عليه من دين، وتخلصا مما عساه يحدث من مفاجآت الأحداث، وغوايات الشيطان، وخروجا من حرج العصيان عند التأخير، وإدخالا للسرور على نفوس الفقراء، وتطهيرا لقلوبهم من الحقد على الأغنياء والمقتدرين، ومكافحة لعوامل الخمول والكسل وتعاطفا وارتباطا بين طبقات المسلمين، وتجميعا لهم حول مائدة العيد إخوانا متحابين، لا يشغلهم فى يوم العيد إلا لقاءاتهم فى مواكب التكبير وتجمعات الصلاة، وتصافحهم فى الزيارات والطرقات باسمين هانئين .
فمن تعود التبكير فى أداء الزكاة تعود التبكير فى أداء واجباته فى مختلف شئونه الدينية، ومعاملاته الدنيوية، ومن استطاع التخلص من حب المال، وآثار حب الله عليه، وقدم الوديعة لأصحابها قبل أوانها، صار فى حياته مطبوعا بطابع الوفاء، ومثالا كريما لتعاليم الإسلام، وحسبنا فى هذا المقام حديث قدسى عن رب العزة حيث يقول "الفقراء عيالى والأغنياء وكلائى، فمن بخل بمالى على عيالى أذقته النار ولا أبالى"
ولعل بعض العلماء لم يرتكب شططا حين قال: إن الفقراء أصحاب فضل على الأغنياء حين يقبلون منهم الزكاة، لأن الزكاة ثمالات الذنوب، فإذا لم تجد هذه الثمالة، من يقطعها عن أصحابها شربوا من الماء الآسن، وعاشوا فى ضباب قاتم .
لهذا لا ينبغى لمخرجى الزكاة أن ينظروا إليها بعين المبالغة والاستعظام حتى لا يكتنفهم الزهو والعجب، والزهو مهوى الضياع، وطريق التهلكة، فما أحقهم بالتواضع، وأجدرهم بالخجل حين يقدمون للفقراء النصاب المحدود فى أقل مراتب البذل، وهم يعلمون أن من المسلمين من تبرعوا بكل ما لهم، غير تاركين لأولادهم وأهليهم شيئا، وفى مقدمتهم أبو بكر .. ويرضى الله عن عائشة، فقد جاءها يوما مائة ألف درهم فوزعتها جميعا على الفقراء، وهى يومئذ صائمة، فقالت لها أم ذرة . أما استطعت فيما أنفقت أن تشترى بدرهم لحما تفطرين عليه ؟ فقالت لو كنت ذكرتنى لفعلت .
وإذا كانت الزكاة عينية فيجب أن تكون أجود أنواعها، قال تعالى (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وقال أيضا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ) ناهيا ومحذرا من التصدق بالتالف والخبيث .
ولعل تطور أساليب الكسب، وتغير الأنظمة الحكومية، واستخدام الآلة قد غير من صفات الاستحقاق وأسقط من الحساب بعضا آخر، وأمن قسما ثالثا على عيشه ورزقه، مما جعل مخرجى الزكاة فى وضع يحملهم على الدراسة والبحث عن حالة المستحقين، ولعل أقربها إلى الرضى والقبول والثواب، أعطاء الفقراء المستقيمين الأتقياء الصادقين فى تقواهم، المخلصين فى عبادتهم، المتفرغين لتجارة الآخرة، قال الرسول صلوات الله عليه "اطعموا طعامكم الأتقياء، وأولوا معروفكم المؤمنين" وقال أيضا "لا تأكل إلا طعام تقى ولا يأكل طعامك إلا تقى"
وكذلك أعطاء أهل العلم الفقراء، لاشتغالهم بأشرف أنواع العبادة، وقد كان رسول الله صلوات الله عليه يتعهد أهل الصفة، ويكفلهم من ماله، ويقوم على خدمتهم بنفسه إجلالا لتقواهم .
ولعل أفضل المستحقين وأحقهم بعد ذلك من صان ماء وجهه عن ذل السؤال، ومنعته عزة نفسه من التسول، لا يسأل إلا ربه، ولا يشكو بثه وحزنه إلا لخالقه، قال تعالى فى أمثالهم _يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا) فأين هؤلاء المتعففون من هذه المخلوقات التى تتخذ السؤال وسيلة للكسب، وطريقا للعيش، بل جادة للادخار والإثراء، رغم تظاهرهم بالفقر وإسرافهم فى مظاهره، وقد يصبح العطاء زكاة وصلة رحم، وذلك عندما يعطى المزكى صدقة الفطر وغيرها لقريب فقير "والأقربون أولى بالمعروف"
وعلى الرغم من أن الزكاة حق معلوم، فرضه الله فى أموال الأغنياء للفقراء، دون من أو أذى، وأن إخراجها أمر لابد منه، لتطهير رأس المال من شوائب الاستثمار وأدران حب المال .
على الرغم من كل ذلك، فإنه ينبغى لمستحقى الزكاة شكر المخرجين لها، تشجيعا وتأدبا وتوثيقا لوشيجة الأخوة والحمية الإسلامية، وعملا بحديث سيد الأنام "من أسدى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تستطيعوا فادعوا لله حتى تعلموا أنكم كافأتموه" وقال أيضا "من لم يشكر الناس لم يشكر الله".
أما شكر المستحقين لربهم على ما ساقه الله إليهم على يد أبناء المسلمين فهو فى غير حاجة إلى تنبيه أو حث للقيام به، فالله الخالق الرازق، وحول وحدانيته يجب أن تتجه القلوب بالعبادة وتلهج الألسنة بالشكر على نعمائه وآلائه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.