«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجال الأعمال ... وثقافة العطاء
نشر في المصريون يوم 19 - 04 - 2010

كثيرا ما نبهر حين نسمع عن تبرعات الأثرياء ورجال الأعمال السخية جدا في الغرب للمؤسسات الخيرية، فعلى سبيل المثال الملياردير الأميركي بيل جيتس تبرع بمبلغ (28) مليار دولار (أي أكثر من 150مليار جنيه مصري) من ثروته لأعمال الخير!! ووارين بافيت ثاني أغنى رجل في العالم تبرع إلى المؤسسات الخيرية التي يديرها صديقه الملياردير بيل جيتس بنحو (37) مليار دولار (أي أكثر من 200مليار جنيه مصري) وهو ما يزيد عن 80 % من إجمالي ثروته، والمتابع للتقارير الرسمية عن حجم التبرعات والعمل الخيري في أمريكا وأوربا يُعْجَب كثيرا بهذا الوعي الرائع بدور وأهمية البذل والعطاء في الحياة الإنسانية، وبغض النظر عما يقال من ارتباط المؤسسات الخيرية الغربية بأعمال التنصير، والنشاطات المشبوهة المرتبطة بماكينة الاستخبارات الهادفة إلى تحقيق أغراض دنيئة بعيدة كل البعد عن نبل وسمو فكرة أعمال الخير... بغض النظر عن كل ذلك فضخامة حجم التبرع السخي الذي ينفقه الأثرياء للقيام بأعمال البر والإحسان من وجهة نظر المتبرع تعطينا مؤشرا قويا على مستوى الوعي والنضج الراقي الذي بلغه رجال الأعمال الغربيين في هذه الناحية!!
وللعلم فقد سبقت الحضارة الإسلامية الخالدة الغرب والغربيين بقرون طويلة إلى فكرة العمل الخيري؛ لأنه ضرب من ضروب الإنفاق في سبيل الله تعالى، فها هو الصديق أبو بكر رضي الله عنه سيد المنفقين والباذلين ينفق ثروته كلها في سبيل الله تعالى، وحينما يسأله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :"ماذا تركت لأبنائك وأهلك؟" يقول رضي الله عنه :"تركت لهم الله ورسوله!!" ومذ أشرق نور الإسلام على البشرية وثقافة البذل والعطاء والإنفاق في سبيل الله تعالى جزء أصيل من البنية الثقافية والمنظومة القيمية للمسلمين الذين ينفقون أموالهم في كل أوجه البر والإحسان؛ تحقيقاً للتكافل الاجتماعي والترابط والتعاون بين جميع أبناء المجتمع المسلم، والأوقاف الإسلامية خير شاهد على رقي ونبل المسلمين في ذلك، ونضج ثقافة البذل والعطاء لديهم على امتداد التاريخ الإسلامي المجيد، وقد شملت أموال الأوقاف الإسلامية جميع أوجه البر وأعمال الخير، ودون مبالغة شملت جوانب الحياة كافة: فهناك الإنفاق على اليتامى والأرامل والفقراء والمساكين والضعفاء، والإنفاق على طلبة العلم، وبناء المستشفيات، والإنفاق على بناء المساجد، وتعبيد الطرق وبناء الجسور، وإقامة الأسْبِلَة والتكايا، وشق الترع والقنوات وحفر الآبار، وتوفير المياه النقية للناس في المنازل للشرب والطهي، وكذلك توفير مياه الري، وتزويج الشباب والفتيات، والإعانة على سداد الديون والقروض، ودفع الديات والغرامات، بل لقد وصل الأمر إلى حد أن بعض أهل الخير من المسلمين أوقفوا أجزاء كبيرة من ثرواتهم لإقامة حظائر للحيوانات المسنة التي لا يرغب فيها أصحابها، كالخيول والبغال، والحمير... وغيرها، والإنفاق على طعامها وشرابها!!
نتحدث في ذلك الموضوع مع الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الضرورية والمتطلبات الحيوية التي لا غنى لأي أسرة عنها كالأرز والسكر والدقيق والزيت واللحوم ... وغيرها، حيث تتصاعد الشكوى وتئن قطاعات كبيرة وشرائح واسعة من المجتمع، وربما لا يستطيع الكثيرون من أبناء الطبقة المخملية تخيل حال الشعب المسكين وما وصل إليه من قمة البؤس والمعاناة...!! علما بأن الإحصاءات الرسمية الحكومية تشير إلى تزايد أعداد الفقراء، ومن هم تحت خط الفقر، ووصول نسبتها إلى أكثر من 40% من تعداد السكان.
وأريد أن أناقش هذه القضية هنا من الجانبين الديني والاجتماعي فقط ، دون تطرق لبقية الجوانب الأخرى السياسية والاقتصادية... فحالة الفساد المستشري في كامل منظومة السلطة الحاكمة على مختلف المستويات أصبحت مُوَثَّقَة، ومُثْبَتَة بالأوراق الرسمية، والشهادات الرسمية الصادرة عن عدد كبير من رجالات الحكم أنفسهم، فها هو الدكتور زكريا عزمي يصرخ مؤخرا تحت قبة البرلمان قائلا "لعن الله الخصخصة" وتقارير منظمة الشفافية الدولية عن شيوع الفساد في مصر، وانتشار ما يسمى باقتصاديات الفساد تغنينا عن محاولات إثبات ذلك، فالفساد أصبح بكل أسف ثقافة ونمط حياة تتبناه السلطة بدرجات متفاوتة، ويكفي تزاوج الثروة مع السلطة كأبرز دليل على شيوع هذه الثقافة الرديئة!!
وليس بخافٍ دور السلطة والمؤسسة الحاكمة ومسؤوليتها الكبيرة والأمانة الضخمة التي تتحملها أمام الله تعالى، ثم أمام شعبها وأمام التاريخ، ففي رقاب جميع المشاركين في هذه السلطة كل مسكين بات ليلة طاوياً لا يجد ما يسد به رمقه ورمق أطفاله، وفي أعناق هؤلاء أمام الخالق عز وجل كل شيخ بائس ضعيف لا يجد دواءً لعلاج أوجاعه، وكل أرملة مسكينة هزمتها الحياة وهدتها بمطالب أطفالها التي لا تنتهي، وكل يتيم ملتاع اعتصر قلبه الألم والحزن وهو عاجز عن إيجاد لقمة العيش، فضلا عن أن تتوافر له سبل الحياة الكريمة، وفرص الصحة والتعليم كغيره من الأطفال!!!
وسأركز كلامي هنا على دور المجتمع عامة، ورجال الأعمال والأثرياء خاصة في علاج ظاهرة الفقر، ومسؤوليتهم أمام الله تعالى في هذا المجال، لاسيما وأن بمصر عددا كبيرا من المليارديرات والمليونيرات الذين جمعوا ثرواتهم الطائلة من هذا المجتمع البائس الفقير...!!
إن الفقر من أهم عوامل الانحطاط البشري والارتكاس الفكري والخلقي، وبيئة الفقر ملوَّثة بجراثيم الفساد والانحراف، وقد أدى تحول الفقر إلى ظاهرة واسعة الانتشار في المجتمع إلى استفحال المشاكل الاجتماعية، وانتشار الأمراض الأخلاقية والسلوكية بشكل لم يسبق له مثيل ، فقد عمَّ الفساد المالي والإداري، وزادت الاختلاسات والرشاوى، وانتشرت المخدرات، وانخفضت الإنتاجية، واتسعت الفجوة بشكل رهيب في مستويات المعيشة بين أبناء المجتمع الواحد، وليس من الإيجابي تكرار الحديث بشكل سلبي عن هذه المشاكل والإلحاح عليها، لأن ذلك يكرسها، وينشر حالة من اليأس والقنوط نحن في غنى عنها!!
إننا بحاجة إلى الإلحاح على النجاح، والبحث عن مخارج عملية سريعة تحمي مجتمعنا من الانهيار والضياع لا قدر الله وهنا نؤكد على أهمية الدور المجتمعي على كلٍّ منا، وبخاصة رجال الأعمال الذين تقدر ثرواتهم بالمليارات، فهؤلاء عليهم واجب ديني ووطني، واجب حتمي وعاجل ومُلِحٌّ وفوري للمساهمة في علاج مشكلة الفقر المستشرية في كل مكان، ويعاني جرَّائها ملايين الأسر، والسؤال المهم الآن: هل يؤتي الأغنياء زكاة أموالهم على النحو المطلوب؟! وإذا كان الأمر كذلك فهل يتصدقون بجزء آخر من ملياراتهم لمحاربة الفقر في المجتمع؟!
ولأضرب لذلك مثلا: فقد سمعنا جميعا أن أحد رجال الأعمال المصريين قد أقام علاقة مع مغنية وأنفق عليها أموالا طائلة، يقال والعلم عند الله إنها بلغت نحو مئة مليون جنيه بالتمام والكمال...!!! وبغض النظر عن مشروعية هذا التصرف من عدمها، فسأركز عل الجانب الاجتماعي للمسألة، فلو أن رجل الأعمال هذا أنفق هذا المبلغ (مئة مليون جنيه) على عشرة آلاف شاب فقير معدم، لكان قد أعطى كلا منهم عشرة آلاف جنيه!! ولكان بذلك قد فتح باب الرزق أمامهم، وبعد عدة سنوات لربما أمكن كل منهم أن يتزوج ويبني أسرة جديدة...!!!
وهذا مثال واحد، فما بالنا لو أصبح العطاء ثقافة عامة ورؤية شاملة يتمتع بها رجال الأعمال؟ وقد يقول قائل: ومن أدراك أن هذا الرجل أو غيره لا يؤتي زكاة ماله؟ والإجابة عن ذلك بسيطة جداً ففي المال حق سوى الزكاة، لاسيما مع تنامي ثروات رجال الأعمال بهذا الشكل الأسطوري، حتى أصبحت ثروة رجل أعمال واحد تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، فكيف يرضى رجل كهذا أن يعيش متقلباً في النعيم في قصر من ذهب، ورفاهية لا حدود لها، وحوله ملايين الناس يعيشون في أكواخ، أو يسكنون في المقابر (والعشش)، ويرى ويشاهد بأم عينيه ملايين الجائعين يعانون الفقر والبؤس والجوع والحرمان، ثم يتحجج بأنه أدى ما عليه من زكاة!!!
لا والله فأغلب الظن أن مثل هذا ما أدى ما عليه!! فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل على راحلة، فجعل يضرب يمينا وشمالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان معه فضل ظهرٍ فَلْيَعُدْ به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فَلْيَعُدْ به على من لا زاد له " قال : فذكر من أصناف المال حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل. رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بفلاة يمنعه ابن السبيل، ورجل بايع رجلا بسلعته بعد العصر فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا، فصدقه فأخذها وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها ما يريد وفى له وإن لم يعطه لم يفِ" وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم :" ورجل حلف على سلعته لقد أُعْطِيَ بها أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم، ورجل منع فضل ماءٍ فيقول الله عز وجل له: اليوم أمنعك فضلي كما منعتَ فضلَ ما لم تعمل يداك" رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وأبو داود.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وَقُعِدَ لها بِقَاعٍ قرقرٍ تَسْتَنُّ عليه بقوائمها وأخفافها، ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت وَقُعِدَ لها بِقَاعٍ قرقرٍ فتنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها ليس فيها جمَّاء، ولا منكسر قرنها، ولا صاحبِ كنْزٍ لا يفعلُ فيه حقَّه إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعا أقرع يتبعه فاتحا فاه، فإذا أتاه فرَّ منه، فيناديه خذ كنزك الذي خبأته فأنا عنه غني، فإذا رأى أن لا بد له منه سلك يده في فيه فيقضمها قضم الفحل" رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفايح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقْضَى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" قيل: يا رسول الله فالإبل؟! قال صلى الله عليه وسلم :" ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها، إلا إذا كان يوم القيامة بُطِح لها بِقَاعٍ قرقر أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلا واحدا، تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أُوْلَاها رُدَّ عليه أُخْرَاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقْضَى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" قيل: يا رسول الله فالبقر والغنم؟! قال صلى الله عليه وسلم :"ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة بُطِحَ لها بِقَاعٍ قرقر أوفر ما كانت، لا يفقد منها شيئا ليس منها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطَحُه بقرونها وتطَؤُه بأظلافها، كلما مر عليه أوَّلُها رُدَّ عليه آخرُها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقْضَى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" قيل: يا رسول الله فالخيل؟! قال صلى الله عليه وسلم :"الخيل ثلاثة: هي لرجل وزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر، فأما التي هي له وزر فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء لأهل الإسلام فهي له وزر، وأما التي هي له ستر فرجل ربطها في سبيل الله، ثم لم ينسَ حق الله في ظهورها، ولا رقابها فهي له ستر، وأما التي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج أو روضة، فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كُتِبَ له عددُ ما أكلت حسنات، وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات، ولا تقطع طولها فاستنت شرفا أو شرفين إلا كتب له عدد آثارها وأرواثها حسنات، ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه، ولا يريد أن يسقيها إلا كُتب الله تعالى له عدد ما شربت حسنات" قيل: يا رسول الله فالحمر؟! قال صلى الله عليه وسلم :"ماأنزل علي في الحمر إلا هذه الآية الفاذة الجامعة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أعطي لا توكي فيوكى عليك" وفي رواية:"أنفقي أو انفحي أو انضحي ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي الله عليك" رواه البخاري ومسلم وأبو داود، والمعنى المقصود هنا والله أعلم أنفقي في سبيل الله، ولا تبخلي بما لديك من أموال، وتشدي ما عندك وتربطي عليه، وتمنعي ما في يدك عن أخوانك فينقطع الرزق عنك بسبب هذا البخل.
وبعدُ، إن مجتمعنا اليوم في أمس الحاجة إلى كل صور وأشكال التكافل والتعاون، فلينفق كل ذي سعة من سعته، إن مظاهر الفقر والبؤس والجوع والحرمان تملأ المجتمع، وليذهب من يريد إلى القرى ولاسيما في الصعيد ليرى حجم الكارثة بنفسه، لقد شاهدت بنفسي ذات مرة في أحد الحافلات وقبيل عيد الفطر موظفا حكوميا يجهش بالبكاء بحرقة ألماً وحسرة على عدم استطاعته تلبية المطالب الأساسية لأسرته وأولاده من طعام وكساء وعلاج ودروس خصوصية... وعندما تدخلت لأخفف عنه وأهدئ من حالته انهمرت دموعه وتحشرج صوته وقال والأنين المكتوم يمزق ضلوعه: :والله يا أستاذ ما عندي ما أشتري به هدوم العيد للعيال زي غيرهم من ولاد الناس"... وانخرط في بكاء مرير، وتعاطف معه بعض الركاب الآخرين، وشاركوه مشاعره قائلين: "كلنا على دي الحال" وفي غمرة البكاء الشديد الذي يقطع الكبد قال الرجل: "والله يا جماعة بنفضل بالأربع شهور ما نشتري لحمة وفين وفين على ما أجيب كيلو للعيال...!!"
كان هذا الكلام وثمن كيلو اللحم 35جنيها، وأعتقد أن أمثال هذا الرجل المسكين لن يشتري اللحم أبدا بعد أن وصل ثمن الكيلو أكثر من80جنيها كاملة!! اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين و قهر الرجال.
فأين أهل البر والإحسان من هؤلاء البؤساء المحرومين المحزونين وهم كُثُر حولنا في كل شارع، وفي كل حي، وفي كل قرية؟ أين رحماء القلوب؟ أين رجال الأعمال أصحاب الملايين والمليارات؟ أم أن هؤلاء لا يفكرون إلا في (تسقيع الأراضي) ونهب المال العام؟! لعلهم يلتفتون قليلا لمجتمعهم، ويعطفون على من حولهم من الفقراء والمساكين، فيرحمون ضعفهم، ويجبرون كسرهم، ويبردون نار قلوبهم، على الأقل ليحموا ثرواتهم وصحتهم وصحة أبنائهم من نيران الحسد والحقد التي قد تأكل أكباد هؤلاء المهمشين البائسين الذين تخلت عنهم الدولة، وسحقتهم الحياة، وعجز إخوانهم عن مد أيدي العون والمساعدة إليهم!!!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.