لا تزال أزمة تشكيل الحكومة العراقية مستمرة بعد انقضاء شهرين علي إجراء الانتخابات التشريعية في السابع من مارس الماضي. وأعلنت المحكمة الاتحادية مؤخراً عن تصديقها علي نتائج الانتخابات التي أسفرت عن فوز 325 مرشحاً كانت مفوضية الانتخابات قد أرسلت أسماءهم للمحكمة الاتحادية في السادس والعشرين من الشهر الماضي للمصادقة النهائية عليها. وكانت نتائج الانتخابات التشريعية قد أسفرت عن فوز الكتلة العراقية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي بالمركز الأول بحصولها علي 91 مقعدًا يليها ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي بحصوله علي 89 مقعداً ثم الائتلاف الوطني العراقي بزعامة عمار الحكيم في المركز الثالث بحصوله علي 70 مقعداً ثم التحالف الكردستاني رابعاً بحصوله علي 43 مقعداً من مجموع مقاعد مجلس النواب العراقي الجديد البالغ عددها 325 مقعداً. وصرح قاسم العبود المتحدث باسم المفوضية العليا للانتخابات العراقية أنه كانت هناك مشكلة تتعلق باثنين من النواب بعد رفض المفوضية الطعون حولهما، وتمت المصادقة علي مرشح القائمة العراقية البديل لشغل المقعد التعويضي لعمر الكربولي، وعلي مرشح قائمة الائتلاف الوطني عن مدينة البصرة فرات الشرع. وأضاف العبود "أن هذه النهاية تعد نصراً وتتويجاً لعمل المفوضية وبمثابة شهادة فخر علي صدور كل من عمل من أجل إنجاح المفوضية في ظل الظروف الصعبة التي كانت تعمل تحتها". تعثر مفاوضات الائتلافين وبهذه المصادقة يكون أمام رئيس الجمهورية خمسة عشر يوما كحد أقصي لدعوة مجلس النواب الجديد لعقد جلسته الأولي وفقاً للدستور والذي تنص المادة 76 منه أنه علي رئيس الجمهورية أن يكلف مرشح الكتلة النيابية الأكبر عدداً بتشكيل الحكومة الجديدة. وفي الوقت الذي يتم فيه الاستعداد لعقد أولي جلسات البرلمان الجديد، لا تزال الصراعات محتدمة بين الكتل السياسية المختلفة بشأن تشكيل الحكومة. وعلي الرغم من تشكيل تحالف بين ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي والائتلاف الوطني العراقي بزعامة عمار الحكيم لتشكيل الكتلة النيابية الأكبر، لا يزال الخلاف الداخلي بينهما مستمراً حول التوافق علي اختيار رئيس الوزراء. وبلغ الخلاف أوجه مع إصرار حزب الدعوة علي ترشيح نوري المالكي في حين وجه زعيم المجلس الإسلامي العراقي الأعلي عمار الحكيم انتقادات حادة لهذا التعنت، وأشار في حديث له إلي أن "مبدأ الشراكة الحقيقية وحضور القوائم الاساسية في الحكومة المقبلة يمثل ركيزة مهمة. لايمكن أن نتخلي عن هذا الأساس لأي سبب من الأسباب وسوف لن نتحمل وزر حكومة تستثني وتستبعد أي من المكونات الاجتماعية الأساسية في بلادنا". غير أن تحالف الائتلافين أعلن مؤخراً إلي أنه تم التوصل إلي آلية اختيار رئيس الوزراء الذي يجب أن تتوفر فيه أربعة شروط وهي أن يكون مؤمناً بالدستور ومقبولاً من قبل الشركاء السياسيين، وأن يديم العلاقات الخارجية والداخلية، وألا ينفرد بالسلطة، كما أنه يجب أن يحصل علي نسبة ثمانين بالمائة من أصوات الائتلافين. يذكر أن المرشحين هم نوري المالكي من ائتلاف دولة القانون، وعادل عبد المهدي وإبراهيم الجعفري من الائتلاف الوطني العراقي. العراقية تتمسك بالحكومة ومن ناحية أخري، أعلن إياد علاوي عن تمسك كتلته بحقها في رئاسة الحكومة الجديدة مشيراً إلي إنه وفقاً للدستور العراقي، فإن الكتلة الفائزة في الانتخابات هي من تسند إليها مهمة رئاسة الحكومة الجديدة. ووصف علاوي التحالف بين ائتلاف دولة القانون والائتلاف الوطني العراقي بالطائفية. وانقسمت آراء أعضاء في القائمة العراقية حول تصريحات عضو القائمة جمال البطيخ الذي أكد وجود توجه لدي العراقية لدعم ترشيح عادل عبد المهدي لرئاسة الوزراء في حال عدم تكليفها بتشكيل الحكومة. وصرح حيدر الملا الناطق باسم العراقية أن كتلة العراقية لن تتنازل عن حقها الدستوري في تشكيل الحكومة، وأضاف إنه "في حال تكليف العراقية بتشكيل الحكومة المقبلة وعدم نجاحها بذلك خلال المهلة الزمنية المخصصة، سنكون داعمين لعبد المهدي وفقاً للدستور". واعتبر البعض هذه التصريحات إيجابية وتشير إلي احتمالات حدوث تحالف بين كتلة العراقية و بين الائتلاف الوطني في حالة فشل الأخير في التوصل إلي توافق علي المرشح لرئاسة الوزارة مع ائتلاف دولة القانون. ورحب الائتلاف الوطني بزعامة رئيس المجلس الأعلي الإسلامي عمار الحكيم بتصريح كتلة العراقية حول دعم عبد المهدي. وقال باسم العوادي مستشار الحكيم في تصريح نشره موقع المجلس الأعلي إلي أن هذا الدعم "جاء ثمرة جهودنا الطيبة وعلاقاتنا الواسعة ومشاريعنا الوطنية التي من خلالها اقتنعت الأطراف الأخري بترشيح أحد قياديي المجلس الأعلي". وبذلك بدأت الاحتمالات الأكبر تشير إلي عادل عبد المهدي علي أنه الشخصية الأكثر ترشيحاً لانقاذ المشروع الوطني العراقي. وأعلن هاني عاشور مستشار القائمة العراقية أن رئيس القائمة إياد علاوي سيواصل مفاوضاته مع الكتل السياسية بشأن تشكيل الحكومة المقبلة بعد المصادقة علي نتائج الانتخابات وسط تلميحات بأن الأقرب الآن للعراقية هو الائتلاف الوطني العراقي بعد أن رفض ائتلاف دولة القانون رفض جميع العروض التي قدمتها له قائمة العراقية. كما أكد بعض قياديي العراقية علي أن كتلتهم غير مستعدة لتقديم تنازلات للتحالف الكردستاني، وأشار عدنان الدنبوس من قائمة العراقية إلي أن "الموضوع ليس موضوع تنازلات وانما هو موضوع تنسيق يجب ان يأخذ بنظر الاعتبار من الجانب الدستوري والديمقراطي وإلي الان نحن القائمة الاكبر ومن حقنا تشكيل الحكومة". حكومة إنقاذ وطني من ناحية أخري، رفعت شخصيات سياسية وأكاديمية عراقية مذكرة الي الأممالمتحدة ومجلس الأمن والمؤسسات الدولية الأخري تطالب فيها بتشكيل حكومة إنقاذ وطني في العراق بضمانات دولية. وطالبت في نص مذكرتها بأن تباشر الأممالمتحدة ومجلس الأمن وبالتعاون مع الجامعة العربية تشكيل حكومة إنقاذ وطني في العراق من المستقلين ومن ذوي الخبرة والكفاءة و السيرة المهنية والوطنية الحسنة لتمثل إرادة الشعب وتحقق تطلعاته إلي دولة عصرية متقدمة، وتمارس الحياة السياسية وتداول السلطة السلمي، وتحقق الثقافة الديمقراطية، وتعمل علي إنقاذ العراق من الفوضي السياسية والأمنية ودوامة العنف والإرهاب السياسي والفساد المالي والإداري الذي يشهده، وتحقيق العدل والإصلاح والتغيير السياسي والقانوني والقضائي والمؤسساتي الذي يتسق مع مفاهيم ومعايير الأمن والسلم الدوليين في الدول المتحضرة وتعمل علي جلاء القوات الأمريكية وإنهاء النفوذ الإقليمي وإلزامه أممياً بعدم التدخل بالشئون الداخلية العراقية. ترحيب أمريكي وعلي الصعيد الدولي، أشادت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون علي المصادقة النهائية لنتائج الانتخابات وأكدت علي دعم بلادها للديمقراطية في العراق، ودعت القادة السياسيين في العراق إلي "التقدم بدون تأخير لتشكيل حكومة تكون ممثلة ومنفتحة وتعمل باسم العراقيين". يذكر أن الويالات المتحدة لتنفيذ أولي خطوات الاتفاقية الأمنية بإنهاء وجودها العسكري وسحب قواتها القتالية من العراق بنهاية أغسطس المقبل وهو الأمر الذي يثير القلق من عودة أعمال العنف خاصة في ظل الفراغ الدستوري المستمر منذ مارس الماضي. وعلي الرغم من هذا الترحيب الأمريكي بالمصادقة النهائية علي نتائج الانتخابات، فإن الوضع في العراق أصبح شبيهاً بما بعد عقد الانتخابات التشريعية اللبنانية التي أفضت إلي فراغ دستوري استمر طويلاً قبل التوافق علي تشكيل الحكومة الجديدة. وحذر نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي مما وصفه بأنه "انحراف عن السياق الديمقراطي باتجاه تكريس الفردية"، و إعلاء المصالح السياسية الشخصية و الطائفية علي الاعتبارات الديمقراطية و الدستورية. العراق اليوم بصدد عدد من المشاكل المتراكمة فمبدئياً هناك مشكلة الاختلاف حول تفسير المادة 76 من الدستور التي تتيح للكتلة الأكبر الحق في تشكيل الحكومة و هو الاختلاف الذي أثاره موقف قائمة العراقية التي لا تزال تتمسك بحقها الدستوري في مواجهة التحالف بين الائتلافين اللذين حلا في المرتبة الثانية و الثالثة في الانتخابات التشريعية. وهناك أيضاً الخلاف بين الكتل السياسية حول التوصل إلي رئيس حكومة توافقي وسط إصرار المالكي بأحقيته في تشكيل الحكومة وإصرار الكتل الأخري علي رفض هذا الطرح الذي يصفونه بالعودة إلي مربع المحاصصة والطائفية. وبالإضافة إلي الإشكاليتين السابقتين، هناك الصراع بين القوي الإقليمية الذي نري أحد أبعاده في تشكيل التحالف بين الائتلافين في محاولة لإقصاء قائمة علاوي من ناحية، وفي الزج بمرشحين من الائتلاف الوطني العراقي أقرب إلي الإدارة الإيرانية التي تريد استبعاد المالكي. ويري بعض المحللين أنه في مقابل الدور الإيراني وتدخله في تشكيل نتيجة الانتخابات، هناك دور سعودي يسعي لتحقيق التوازن ضد الضغط الشيعي لإيران ولمساندة السنة لاسترداد دورهم المتراجع داخلياً.