الفن هو الفعل الإيجابي الذي يمكن أن ُيفرغ الإنسان من خلاله جميع الطاقات السلبية والإيجابية التي يمر بها في حياته، وقد التفت العالم إلي أهمية دور الفنون في العلاج النفسي للوصول بالمريض إلي التكيف مع الواقع المحيط به..هذا النوع من التمثيل ُيعرف بالسيكودراما. كانت هذه التيمة الرئيسية التي بني عليها عرض "شيزلونج" الذي يعرض علي خشبة مسرح العائم الصغير للعام الثاني علي التوالي، والاسم إشارة الي شيزلونج الطبيب النفسي داخل العيادات، والعرض نتاج ورشة أطلق عليها مسرح الشباب حلم الشباب، فقد عبر فيها مجموعة من الشباب الواعد والشابات الواعدات عن أوجاع الوطن من وجهة نظر كل منهم الخاصة، فالعرض لا يحتوي علي نص درامي بمعناه التقليدي وإنما عبارة عن لوحات ارتجالية تدخل في صياغتها بشكل نسبي مخرج العرض محمد الصغير، ومدير مسرح الشباب شادي سرور، العرض استمد إلهاماته من الأحداث السياسية والإنسانية التي مرت بها مصر ومازالت تمر بها حتي الآن، ولذلك كان من الطبيعي أن تطرأ عليه خلال العامين العديد من التعديلات التي تحاكي الواقع الراهن . المهارات الشخصية خمسة عشر ممثلاً هم أبطال عرض "شيزلونج"، استعرض كل منهم العديد من المشكلات التي يعانيها جيلهم خلال الثلاثين عاما السابقة منها فساد التعليم والإعلام والانتخابات وغيرها، من خلال عدة شخصيات تعاني المرض النفسي منها مريض النوستالجيا، الذي جسده مصطفي خاطر الي جانب عدة أدوار أخري في العرض، وقد أبرز من خلال دوره الرئيسي مشكلة الهروب من الزمن الراهن بالرجوع الي الأزمنة السابقة اعتقادا منه بأنها الزمن الجميل. المريض الصيني الذي جسده بسام عبدالله، حاول من خلال هذه الشخصية ابراز مشكلة اغراق السوق المصرية بالمنتجات الصينية واختفاء كل ماهو مصري. رانيا عبدالمنصف جسدت عدة شخصيات منها الفتاة المعقدة من هيئتها، والمطربة ألمظية وغيرهما، وهي تتمتع بقبول وصوت قادر علي الغناء الجيد. مشكلة عزلة أهل النوبة قام بعرضها رامز سامي من خلال شخصية المريض النوبي. مريض الوحدة جسدها اسماعيل السيد. مريض الفراغ (معندهوش مشكلة) شخصية جسدها عمرو بهي وقد خص بها أبناء الطبقة فوق المتوسطة والأثرياء، وقد انتاب تجسيد هذه الشخصية الكثير من المبالغة التي تعكس نظرة المجتمع العدائية لأبناء هذه الطبقات. مصطفي أحمد مريض عام شارك بالتمثيل في أكثر من لوحة بالعرض. وليد هندي مريض التعصب الكروي . محمد خطاب مريض الوسواس بلال علي أصغر ممثل في العرض مريض عام . سارة درزاوي شاركت في العرض بأكثر من شخصية وأجادت في التنوع بينهم بتون الصوت والأداء والإكسسوارات . سامح عبدالسلام قام بدور الطبيب بأداء تلقائي بسيط تناسب مع بساطة العرض. وأخيرا شخصية زيطة التي جسدها حمدي أحمد، وزمبليطة التي جسدها محمد أنور، وهاتان الشخصيتان اشتركتا في تقديم عدد من اللوحات التي تخللها الارتجالات الفورية، ناقشت عدة موضوعات بشكل ساخر جميل منها مشكلة الفتنة الطائفية، المحاكمات، النميمة وغيرها، فكلاهما يتمتع بحس كوميدي تلقائي وقدرة علي الارتجال الفوري النابع من الموقف، وبدا بينهما التعاون علي خشبة المسرح، وقد كانت ملابسهما والإكسسوارات جزءاً لا يتجزأ من شخصيتهما داخل العرض،وأعتقد أن لكليهما مستقبلاً في دراما الكوميديا اذا التفت لهما المخرجون والمنتجون. بقية فريق العمل كانوا كريم عرفة لتدريب الصوت، تامر سنجر اعداد موسيقي، فاروق جعفر تصميم استعراضات وأذكر منها الرقصة النوبية، ورقصة الراقصة الصينية . مساعدو الإخراج مصطفي حسن، حيدر شوهير، فتحي سالم، أما المخرج فهو محمد الصغير الذي قدم رؤية اخراجية بسيطة خالية من التعقيد أبرز من خلالها التشكيلات كما في لوحة الافتتاح، وعلاقة الكتلة بالأفراد كما في مشهد الركض وراء المترو، والجلوس في الميكروباص، ولوحة إعادة تشكيل تمثال نهضة مصر الذي أعتبره من أجمل لوحات العرض. إعداد موسيقي وظفت الموسيقي في عرض "شيزلونج" بمستويات متنوعة منها الإعداد الموسيقي، من خلال موسيقي البلاي باك (المسجلة) المصاحبة لبعض المشاهد التمثيلية، والمستوي الثاني كان للموسيقي الحية سواء تلك التي أداها المغني علي الجيتار من ألحانه، أو التي قام بأدائها الممثلون والممثلات كما جاء في لوحة المريض النوبي مستخدمين بعض العبارات النوبية في الغناء، كذلك أغنية "يابلادي" التي غناها رامي جمال وعزيز الشافعي في بداية ثورة يناير لتكون ختاما لهذا العرض، التي ظهر من خلالها مستوي ثالث للموسيقي هي موسيقي الجسد، حيث استخدم الممثلون والممثلات أقدامهم وتصفيقاتهم لعمل إيقاع مصاحب في نهاية هذه الأغنية . واختيار أغنية "يابلادي" دلالة تعكس تحيز جيل الشباب الي ُمنتج الشباب في جميع عناصر العرض، وهو شعار المرحلة الآني . ومما لا شك فيه أن العرض اعتمد علي المهارات الشخصية للممثلين والممثلات فكل منهم قام بعدة أدوار، وشارك في الرقصات والغناء، والعزف علي بعض الدفوف والخامات الأخري التي ُتصدر صوتاً كما جاء في اللوحة الأولي للعرض . الإرث التقليدي فاجأني مدير مسرح الشباب عندما صرح لي بأن ميزانية العرض عشرون ألف جنيه فقط، في حين أنني شاهدت عرضاً آخر تابعاً لقطاع آخر من قطاعات وزارة الثقافة، أيضا كان أجر المؤلف (الصحفي) فيه أربعين ألف جنيه، مع الأخذ في الاعتبار أنها المرة الأولي له في التأليف المسرحي، الي جانب أن النص كان بالغ الضعف . ومما لا شك فيه أن ضعف ميزانية عرض "شيزلونج" انعكس علي ديكوراته وملابسه، فالديكور الذي صممه أحمد حنكش كان بسيطا متناغماً مع روح العرض، حيث كان عبارة عن منحوتات خشبية لأجساد أشخاص أو أجزاء من تلك الأجساد بأحجام مختلفة أحيانا أكبرها حجما انتصف عمق الخشبة، يعتلي تلك الأجساد أشياء تشير إلي بعض العقد النفسية التي يعانيها المرضي النفسيون في العرض، فأحيانا تكون رأس الإنسان، وأحيانا أخري تكون كرة قدم أوعين أو أي شيء آخر، تناثرت هذه المنحوتات في جميع أجزاء الخشبة بشكل يقترب من نصف الدائرة، وقد استخدمت هذه المنحوتات كساتر يختفي وراءه الممثلون. هذا الي جانب بعض الكتل الخشبية التي أخذت شكلي المدرجات والمكعبات كان الغرض منها جلوس الممثلين عليها أثناء العرض، أو استخدامها كمستوي ثان مرتفع عن الخشبة الرئيسية للمسرح في بعض اللوحات. الأزياء التي صممتها هبة مجدي اتسمت بالبساطة أيضا، فقد حرصت علي أن تجسد الواقع المعاصر الملموس سواء أكانت واعية لذلك أم لا، فصممت للجميع ملابس الممثلين والممثلات حيث كان العنصر المشترك فيها هو البنطال، الذي أصبح قطعة الملابس المشتركة بين المرأة والرجل. منتقية اللون الأبيض لجميع الملابس المطعمة بخطوط بسيطة جدا من ألوان أخري كالأحمر، والأصفر، والبيبي بلو وغيرها، وهي تحمل بذلك الإرث التقليدي لدلالات الألوان، فقد أرادت أن ُتعبرعن طهارة الشباب باللون الأبيض في هذا العرض . "شيزلونج" تجربة ارتجالية عبرت عن مشكلات وأوجاع جيل الشباب، في مسرح الشباب، لكن علينا أن نمنح هؤلاء الموهوبين والموهوبات فرصا أخري في عروض أكبر .