لازلت أذكر كلمات شيخ المخرجين المسرحيين الأستاذ حسن عبدالسلام في حواره مع الأهرام بطل العرض المسرحي دائما هو النص الجيد..الكلمة ليس النجم الذي يؤديها. كان المتفرج في الستينيات يقول أنا ذاهب لمشاهدة مسرحية سيدتي الجميلة ولا يقول أنا ذاهب لفؤاد المهندس أو شويكار وغيرهما من كبار النجوم, لهذا حقق المسرح المصري في الستينيات من القرن الماضي نهضة حقيقية وتنوعت العروض بين الكوميدي والتراجيدي والاستعراضي والطليعي وعروض الغرفة والمونودراما.. ونتصور أن بداية النهضة الثانية تتحقق علي يد مجموعات من المبدعين الهواة في ورش الإبداع الجماعي سواء من خلال تجربة مركز الإبداع بالأوبرا والتي قدمت في عام2010 أنجح مسرحيات العام قهوة سادة بمجموعة من الوجوه الجديدة التي تقف علي خشبة المسرح لأول مرة وأشرف عليهم فنان شاب موهوب هو خالد جلال واستطاع أن يقدم رسالة عزاء مستترة لعصر الفساد والقهر وضياع القيم وأن يتنبأ بانتهاء هذه المرحلة السياسية بعد عدة رشفات مرة من القهوة السادة, والعرض الثاني هو شيزلونج الذي لازال يعرض علي خشبة المسرح العائم للعام الثاني بناء علي طلب الجماهير وإقبالهم لمشاهدة مجموعة من الوجوه الشابة هم أعضاء ورشة حلم الشباب ويشرف عليهم أيضا فنان شاب مبدع هو محمد الصغير.. شيزلونج هو المقعد الوثير الذي يستخدمه عادة الطبيب النفسي لتهدئة أعصاب مرضاه والاستماع إلي شكاواهم.. قام بدور الطبيب سامح عبدالسلام وقدم وليد الهندي دور مريض الكرة الذي يشجع نادي الزمالك وكلما اقترب الحلم من تحقيق بطولة يزيد اللاعبون عقدته في الخسارة المفاجئة ومثلت رانيا عبدالمنصف شخصية الفتاة المنعزلة المكتئبة بسبب سخرية الجميع من بدانتها وطرح بسام عبدالله قضية البطالة من خلال عقدة الانتاج الصيني والبضائع الصينية التي أضاعت فرص الشباب في العمل وقدم رامز سامي قضية من أخطر القضايا المجتمعية في مصر وهي النظرة للنوبي وكأنه غير مصري وعدم معرفة المجتمع بكنوز النوبة الثقافية ورموزهم الناجحة والتصور بأن المهن التي يصلحون لها هي الطهي وحراسة أبواب العمارات.. وفي خفة ظل شديد طرح عمرو بهي مشكلة الشاب المرفه الذي ليست لديه مشاكل وقدمت سارة درزاوي مشكلة العنوسة والفتاة الباحثة عن زواج كما قدمت عدة شخصيات أخري وظهرت موهبة حمدي أحمد ومحمد أنور في شخصيتي زيطة وزمبليطة السيدتان الثرثارتان اللتان تفسران كل أحداث الحياة من حولهما دون أي مرجعية ثقافية أو وعي بحقيقة الحدث.. وتغيرت نهاية العرض بأغنية يابلادي يابلادي أنا بحبك يابلادي التي أهداها فريق العمل لشهداء الثورة كنت اتصور في مشاهدتي الثانية لعرض شيزلونج أن أجد مشكلات وعقد جديدة أفرزتها الأحداث السياسية مثل بطء العدالة عندما يتعلق الأمر بمسئولين كبار.. وعقدة الانفلات الأمني.. وضياع هيبة رجال الشرطة في كثير من المواقع وخاصة عند التعامل المروري مع سائقي الميكروباص والتوكتوك.. ومشكلة تقسيم المجتمع إلي طوائف جديدة ثوريين وفلول وحزب كنبة وغيرها من مستجدات كان بإمكان الورشة دراستها والتعبير عنها من خلال تلك الفكرة المطاطة الجيدة وهي عيادة الطبيب النفسي. بقي أن نشير إلي مجهود المبدعين في الكواليس محمود حنكش لتصميم الديكور البسيط والمعبر في الوقت نفسه وأزياء هبة مجدي التي ركزت علي اللون الأبيض الذي يمثل الزي التقليدي لمرضي المستشفيات كما صاحبت موسيقي تامر سنجر لوحات العرض بجمل بسيطة موحية ومؤثرة وقدم فاروق جعفر استعراضات رشيقة من خلال مجموعة الممثلين نفسها تخدم فكرة اللوحة ولا تهدف إلي الإبهار الاستعراضي في حد ذاته.. ونظن أن تجربة شيزلونج الناجحة في عامها الثاني ستعطي مؤاشرات إيجابية للفنان شادي سرور في مدير مسرح الشباب لتنمية هذه المجموعة والحرص علي وجودهم في أكثر من عمل فني مقبل وربما تنبه معظم مديري المسارح الاخري إلي أن النجاح لا يتطلب دائما نجوم شباك وإنما يتطلب في الأساس ورقا جيدا وفريق عمل موهوب ومتحمس. :[email protected]