عندما تشاهد عرض "شيزلونج" الذي يقدمه مسرح الشباب علي "العائم الصغير" لابد ان ينتابك الفرح. ولابد ان تأمل خيراً في مستقبل المسرح المصري اذا استمرت سياسة الدفع بالموهوبين من الشباب وتدريبهم وصقل مواهبهم. فعلي هؤلاء يمكن التعويل علي مسرح جديد وجاد وجاذب للجمهور. هذا العرض هو أول نتاج لورشة "حلم الشباب"التي أطلقها مسرح الشباب بقيادة المخرج شادي سرور. في "البامفليت الرائع الذي صممه رامي رمزي يطلق شادي سرور علي العرض "ارتجالية شيزلونج". دعك من مصطلح الارتجال هنا. فهو ليس ارتجالاً بالمعني المعروف بقدر ما هو تأليف جماعي وربما ما يمنحه صفة الارتجال في أحد جوانبه أنه عرض ذو بنية مفتوحة يسمح دائماً بالحذف والاضافة. ويسمح كذلك للممثلين بالتصرف إذا لزم الأمر. وهو ما يجعله متميزاً بالطزاجة والحيوية. ومتحرراً إلي حد ما من أية شروط تحد من انطلاقه أو تضعه في دائرة ضيقة لا يستطيع الفكاك منها. "شيزلونج" باختصار فكرته بسيطة وأقرب إلي التقليدية وسبق معالجتها في كثير من العروض. عيادة نفسية يحكي كل واحد فيها مشكلته أو مأساته التي هي بالتأكيد مشاكلنا جميعا ومشاكل الشباب بصفة خاصة.. وينتهي الأمر بما يشبه الصرخة التي يطلقها الشباب متذمرين من أوضاعهم وأوضاع البلد وسياسات حكومتها. ستقول وما الجديد إذن. وأجيبك بأنه ليس شرطاً ان يكون الموضوع عبقرياً وفذا وغير مسبوق. المهم ان يخص هذا الموضوع صناعه. وهو يخصهم بالفعل من هنا يأتي الانفعال به ويأتي الصدق في أدائه. لا بطولات فردية في "شيزلونج" البطولة هنا جماعية لمجموعة من الشباب: أحمد مجدي. وليد الهندي. محمد خطاب. بلال علي. محمد أنور. بسام عبدالله. ريهام سامي. مصطفي أحمد. لقاء الصيرفي. حمدي أحمد. حمدي التايه. سارة درزاوي. مصطفي خاطر. رانيا عبدالمنصف. ياسمين فهمي . اسماعيل السيد . عمرو بهي. رامز سامي. مجموعة من الشباب ربما يقف معظمهم علي خشبة المسرح لأول مرة. لكنهم أدوا بشكل متناغم فيما بينهم وقدموا "حالة" مسرحية باتقان شديد يحسب لهم. ويحسب أولاً لمخرج شاب واعد هو محمد الصغير الذي قادهم ببراعة وبساطة دون فذلكة أو تعقيد أو تركيب فالعرض بسيط. نعم الدلالة هنا أحادية ولا توجد أي مسحات للتأويل.. وأقول لك ليس مطلوباً أكثر من ذلك. علي الأقل مع هذه التجربة الأولي التي ربما يكون أهم أهدافها هو الاعلان عن وجود هذه المواهب الشابةالجديدة صاحبة الحضور الطيب وخفة الظل الواضحة. الجميل في أمر هذا العرض أيضاً أنه يأتي بجمهوره.. معظم الممثلين من طلاب الجامعة وأظنها "عين شمس" تحديداً.. أحدهم كان ينادي علي الميكروباص قائلاً: "مسطرد - عتبة" وقال لي صديقي محمد زعيمة الذي شاهد معي العرض إن طلاب جامعة القاهرة في مثل هذا الموقف ينادون "جيزة- هرم".. لا عليك من أمر الجامعة فنحن نمزح.. المهم ان مثل هذه العروض التي يقدمها شباب تجتذب إليها الجمهور من الأصدقاء والمعارف فضلاً عن المهتمين بالطبع وهو أمر محمود ومطلوب بشدة.. هناك جمهور للمسرح يحتاج فقط إلي ان تنبهه إلي هذا العرض أو ذاك وكذلك إلي أن تقدم له عرضاً يمس همومه ويعبر عنه ولا يخدعه. الملاحظات التي يمكن أخذها علي العرض كثيرة منها ما يتعلق بالديكور والملابس فقد كان هذان العنصران أفقر عناصر العرض ولم يبذل محمود حنكش مصمم الديكور وهبة مجدي مصممة الملابس الجهد الكافي لكي يتماهي هذان العنصران مع بقية عناصر العرض. . ربما يعود السبب إلي الانتاج. وبشكل عام فقد استطاع المخرج الشاب الموهوب محمد الصغير ان يقدم عرضاً متماسكاً وجيداً. واستطاع كذلك توظيف ممثليه كل في مكانه خاصة الممثلين اللذين لعبا دوري سيدتين وهما يمتازان بخفة ظل عالية وظفاها دون مبالغة. ولا يمنع ذلك من التأكيد علي تميز وموهبة فريق التمثيل ككل.. والمهم في هذا العرض ان بنيته المفتوحة لم تكن مصدر إغراء للمخرج يؤدي إلي الترهل فقد حافظ علي ايقاعه بموازين دقيقة أعطت للعرض تلك الحيوية ولم تجعل الملل يتطرق لحظة إلي مشاهديه.