الجسد هو الكيان المادي الذي يوجد من خلاله الإنسان علي وجه الأرض لذا فقد كان ولايزال الجسد هو الشغل الشاغل لأي انسان، والجسد هو المفردة الأولي لفن الرقص الذي يعتبر أقدم الفنون علي الإطلاق فقد عبر الانسان القديم عن كل مشاعره بحركات جسده حتي قبل ان يعرف الكلام.. وكان أول باليه أدخل فيه رقصات خاصة للعنصر النسائي باليه «انتصار الحب» بفرنسا سنة 1681 وكان من تصميم «لوللي » وكانت مجموعة الراقصات بقيادة راقصة الباليه «لافونتين» التي أصبحت فيما بعد من أشهر راقصات الباليه. وكان من تقاليد الراقصات وقتئذ أن يلبسن أثناء الرقص ملابس محكمة علي أوساطهن، وأن تكون سميكة ولم يكن في الإمكان رؤية أقدامهن أثناء الرقص وحتي ذلك الوقت لم تكن الراقصات يقفن علي أطراف أصابعهن أو ما يسمي ب «البوانت» حتي جاءت «ماري تاليوني» في باليه «لاسلفيد » علي مسرح أوبرا باريس في 12/3/1832 ووقفت علي أطراف أصابعها وغيرت من شكل الملابس التقليدية وكانت هذه بمثابة الشرارة التي أنطلقت منها النساء الي عالم الباليه فأصبحت فرق الباليه غالبية أعضائها من النساء اللواتي تفوقن كثيرا علي الرجال في هذا الفن الراقي .. ورغم هذه النشأة الأوروبية لفن الباليه إلا أننا في الوطن العربي وخاصة مصر تفوقنا علي أوروبا في أن الباليه ظهر في الوطن العربي علي يدي حواء وليس آدم وذلك بعد إنشاء أول معهد باليه في الوطن العربي بأكاديمية الفنون بالقاهرة وكان ذلك في أوائل ستينات القرن العشرين حيث أرسل المعهد بعثة الي روسيا للدراسة كانت هذه البعثة تتكون من خمس فتيات أو كما أطلق عليهن «الفراشات الخمس» وهن «مايا سليم، ودود فايزي، ماجدة صالح، هنزادة، ديانا حقاق» وكن النواة الحقيقية لفرقة باليه أوبرا القاهرة والتي تعتبر من أكبر فرق الباليه علي مستوي العالم. إذًا الباليه العربي قام علي أكتاف حواء رغم عدم قبول الفكر العربي للرقص الكلاسيكي بمختلف أنواعه وهذا ما استنبطته من حديثنا مع المتخصصين في فن الباليه. نيللي مظلوم وبدأنا بأهل التخصص وكان حديثنا للدكتورة إيفيت نجيب الببلاوي العميد السابق لمعهد الباليه والتي قالت إن بداية الباليه في الوطن العربي كانت في مصر وجاءت علي يدي حواء حيث كانت هناك مدرستان خاصتان لتدريس الباليه واحدة باسم السيدة نيللي مظلوم والأخري باسم السيدة لورا لوريلا وكانت الدراسة في هذه المدارس قاصرة علي الطبقة الأرستقراطية، ثم جاء السيد ثروت عكاشة وزير الثقافة الأسبق وأصدر قرارا بإنشاء أكاديمية الفنون بمعاهدها ومن ضمنها معهد الباليه وكانت البداية علي أيدي أساتذة من روسيا سواء كانوا سيدات أو رجالا وكان أيضا من الدارسين إناث وذكور... أما باقي دول الوطن العربي فتكاد تختفي فيها دراسة الباليه، هناك بعض الأشقاء العرب يأتون إلي المعهد للسؤال عن إمكانية التحاق أبنائهم وبناتهم بالمعهد لكن تقابلهم مشكلة عدم وجود قسم داخلي بالمعهد فيستلزم الأمر انتقال الأسرة كاملة للإقامة في مصر خاصة أن سن قبول طلاب الباليه مبكرة جدا «7 سنوات » وهذه سن تحتاج رعاية خاصة. وتضيف الدكتورة إيفيت أنه لا فرق بين الإناث والذكور في التفوق في هذا الفن فهناك متفوقون ومتفوقات في كل فصول المعهد ونحن في تدريسنا للباليه لا نفصل بينهما فصلا كاملا فهناك حصص تسمي «الرقص المزدوج » يدرس فيها الطلاب رقصات ثنائية ورقصا شعبيا عالميا ورقصا تاريخيا وكلها رقصات تحتاج للولد والبنت معا. وعندما سألنا الدكتورة إيفيت عن أيهما يحتاج مجهودا أكثر اثناء التدريبات الذكر أم الأنثي؟قالت.. ان الذكور في المراحل المبكرة «الطفولة» يكون تدريبهم أسهل كثيرا من الاناث في نفس السن وذلك لكون تركيب عضلات الصبي أكثر استعدادا لتلقي التدريب أما في مرحلة النضج يكون تدريب الإناث أسهل حيث يكون الجسم قد أخذ شكله وتعود علي الحركة بينما الذكور في هذه الفترة يحتاجون للشدة والحزم. خوف عربي من الباليه أما راقصة الباليه السابقة وأستاذة الباليه حاليا الدكتورة أحلام يونس أستاذ الباليه بالمعهد تقول إن الفتي والفتاة جنبا الي جنب في مجالات الفنون المختلفة وخاصة الفنون الأدائية وعلي رأسها فن الباليه، لأن فن الباليه يعتمد علي سيناريوهات وقصص وأساطير يكون فيها العنصر النسائي دائما جنبا الي جنب مع العنصر الرجالي وإن كانت العناصر النسائية عددها أكثر لكن لا غني عن العنصر الرجالي وخاصة أن هناك حركات في رقص الباليه تحتاج للقوة العضلية للذكر في رفع الراقصة أو عمل تشكيلات حركية معقدة ومركبة. وسألنا الدكتورة أحلام عن الوطن العربي علي خريطة فن الباليه... أجابت أن هناك بعض الدول العربية لديها مدارس خاصة للباليه ولكنهم لا يمتلكون فرقا ومن المفروض أن من يدرس الباليه يدرس ليلتحق بفرقة وذلك يؤدي الي أن الفتاة التي تدرس الباليه في هذه المدارس عند سن معينة تتركها وغالبا ما تكون هذه السن ما بين «12 14 عاما» فتترك الباليه وتتحول الي فن آخر علي سبيل المثال الرقص الفولكلوري أو الرقص الشعبي وخاصة في بلدان المغرب العربي «المغرب تونسالجزائر » وكذلك لبنان وسوريا وتضيف قائلة: أيضا تمخضت من هذه المدارس مدارس للرقص الحديث ورقص الجاز وهي فرق لها شهرتها الكبيرة وخاصة في لبنان وتونس. وهنا في مصر لم تأت لنا دارسة من أي دولة عربية لدراسة الباليه لكن جاء دارس من العراق وأكمل دراسته الي مرحلة الماجستير ثم سافر ألمانيا وعمل هناك راقص أول. أما الدكتورة نيفين الكيلاني أستاذ النقد الفني «نقد باليه » بأكاديمية الفنون فتري أن فن الباليه فن نسائي إلي النخاع وإذا كانت النشأة ذكورية إلا أن جميع الرجال الذين وضعوا اللبنات الأولي لفن الباليه وضعوا في الحسبان أن للنساء أدوارا وللرجال أدوارا أخري وقد ظهر ذلك بوضوح في القرنين التاسع عشر والعشرين حتي أن الباليهات الكلاسيكية القديمة مثل باليهات تشايكوفسكي «الجمال النائم كسارة البندق بحير البجع » سنجد أن العنصر النسائي بها أكثر من العنصر الرجالي في الأدوار علي الرغم من أن كاتب السيناريو ومصمم الرقصات ومؤلف الموسيقي رجال إلا إنه من الصعب مشاهدة باليه كلاسيكي دون وجود العنصر النسائي. والدليل علي ذلك أن أكثر ما يميز فن الباليه هو خاصية الوقوف علي أطراف الأصابع وهي خاصية من ابتكار أنثي «ماري تاليوني» ومنها بدأ التميز بين الراقص والراقصة في فن الباليه. .. ولآدم رأي وكما أخذنا رأي حواء أخذنا رأي آدم فتوجهنا للأستاذ الدكتور أحمد حسن جمعة العميد الأسبق لمعهد الباليه ورئيس مركز أبحاث الباليه وفنون الاستعراض وهو مركز بحثي الأول من نوعه في الشرق الأوسط..فقال: أريد في بداية حديثي أن أصحح معلومة أجد الكثيرين يرددونها وهي أن معهد الباليه بأكاديمية الفنون هو الأوحد في الوطن العربي علي مدي تاريخ هذا الفن في العالم العربي ولكن الحقيقة أنه كان هناك معهد باليه ببغداد بالعراق وكان يدرّس به خبراء سوفييت، وكذلك كانت هناك مدرسة للباليه في الجزائر وكان بها أيضا خبراء سوفييت.. لكن لم يكتب لهما الاستمرار ولذلك فقد اختلط الأمر علي الكثيرين في أن معهد الباليه بمصر هو الوحيد علي مستوي العالم العربي. أما عن المرأة العربية في فن الباليه فنجد أن الفتيات الصغيرات يسحرهن منظر راقصات الباليه في ملابسهن فساتينهن القصيرة التي يطلق عليها في فن الباليه TuTu ووقوفهن علي أطراف أصابعهن كفراشات سابحة في السماء فتتعلق أذهانهن بهذا الشكل الجمالي فيتجهن الي هذا النوع من الفن وخاصة أن أي أنثي تتمني لنفسها الرشاقة، والباليه فن قائم علي الرشاقة ومرونة الجسم قد يتشابه معه فن «الجمباز » لكن لاعبة الجمباز عمرها الفني أو المهني أقصر من عمر راقصة الباليه وإن كان كلا الفنين عمر الفنان به قصير مقارنة بالفنون الأخري.. لكن ما يميز الباليه عن غيره إنه يعطي فرصة أكبر للفتيات حتي يخرجن كل ما لديهن من مشاعر لأن الخطوة الأولي في إتقان أي حركة في الباليه هي الإحساس بها والتآلف معها بشكل "نفسجسدي". وفن الباليه سواء للذكور أو الإناث وجد اهتماما كبيرا من الدولة في مصر فمنذ ثورة 1952 بدأت النهضة الفنية المصرية وضمنا فن الباليه حيث أنشأ معهد الباليه في 1958، فلم تقابل الفتيات بأي رفض بل العكس قوبلن بترحاب شديد حتي أن دفعتنا عندما قامت بعرض باليه "نافورة بخشي سراي" في 4/12/1966 قوبلت باستقبال حافل من الجمهور حتي أن القناصل والسفراء اعتقدوا في البداية أنها فرقة أوروبية، وكان هذا ذكاء من وزارة الثقافة المصرية حيث بدأت العروض بفرقة السواد الأعظم من أعضائها الذين لم يتعدوا عامهم الرابع عشر فشاهد الجمهور أطفالا أبرياء يرقصون أمامهم فلم يشعروا بأي أزمة أخلاقية في اختلاط الفتيات بالفتيان بل شعروا بأنهم يشاهدون أسرة واحدة أفرادها هم أعضاء الفرقة، فأصبحت صور أعضاء الفرقة من الذكور والاناث وخاصة الإناث هي أغلفة المجلات الفنية، وأصبحت حياة راقصات الباليه موضوعا شيقا للصحافة ووسائل الاعلام فالجميع متشوق لمعرفة كيف تتدرب راقصة الباليه؟ كم عدد ساعات نومها؟ كيف تحافظ علي رشاقتها؟ لذلك تزايدت أعداد الفتيات المقبلات علي الالتحاق بمعهد الباليه ومن ثم الالتحاق بفرقة باليه أوبرا القاهرة حتي أصبحت الفرقة مصرية بحتة واستمر ذلك وقتًا طويلا لكن في السنوات الأخيرة تم تطعيمها ببعض العناصر الأجنبية. لكن بشكل عام أنا صاحب نظرة تفاؤلية وأعتقد أن فن الباليه في الفترة القادمة سيأخذ مكانة عالية علي مستوي العالم العربي.