اهتمت وسائل الإعلام الإسرائيلية بالذكري الأولي لثورة 25 يناير، وأبرزت التقارير الخاصة بها في صدر صفحاتها، مع تباين وجهات النظر- لكن اللافت هو تأكيدها - أن الاقتصاد يمثل اكبر التحديات التي تواجه المصريين بعد الثورة حيث خصصت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية افتتاحيتها للذكري الأولي للثورة المصرية، لافتة إلي تزامنها مع انعقاد بدء جلسات أول مجلس شعب الذي تم انتخاب أعضائه في انتخابات حرة ونزيهة، لاول مرة منذ 60 عاما، عبرت عن نسيج القوي السياسية في مصر. وقالت، تحت عنوان "عهد جديد مع مصر"، ان هذا البرلمان جاء بالشكل الذي لم يكن يتطلع الغرب إليه أو إسرائيل، حيث تسيطر الأحزاب الدينية علي أغلب مقاعده، مقابل أقلية ليبرالية علمانية. وأضافت انه ينبغي تهنئة المصريين علي نجاحهم في تحقيق الثورة، وإسقاط النظام الذي قمعهم، وتشكيل برلمان منتخب في وقت قصير نسبيا، سيتولي قريبا تشكيل الحكومة الجديدة. وأوضحت أن الثورة المصرية تشبه التونسية في أنها لا تقتصر علي إسقاط الرئيس وتغيير نظام الحكم، وانما تغير شكل العلاقة بين المواطن والنظام الحاكم، حيث بات علي النظام أن يحرص علي ارضاء الجماهير كي يحظي بالشرعية، وليس العكس، "وهذا هو أساس الديمقراطية، الذي يسعي المصريون ونوابهم علي بناء مستقبلهم وفقا له". وشددت الصحيفة علي أن الديمقراطية بحاجة إلي مساعدات اقتصادية وسياسية، لانه سيكون من الصعب علي الديمقراطية ان تطعم 85 مليون مصري بدون استثمارات ومساعدات مباشرة. وطالبت الصحيفة الحكومة الإسرائيلية بعدم الاكتفاء بدور المتفرج، وان تبادر إلي إقامة علاقات وخلق فرص للتعاون مع النظام الجديد في القاهرة، واكدت أن مصر بدأت الآن السير في طريق جديد، ينبغي علي إسرائيل أن تعرف ابرز ملامحه. من ناحية اخري، وصفت إذاعة الجيش الإسرائيلي الأوضاع الحالية بأن مصر تبحث عن نفسها من جديد بدون مبارك، لكنها قالت إن الصراعات الثنائية القديمة ستستمر، من خلال الصراع بين التيار الإسلامي ومنظومة القوة، فبينما كان في الماضي بين التيار والرئيس، سيكون هذه المرة بين التيار والمجلس العسكري، وتوقعت أن يستمر هذا الصراع لعدة سنوات حتي يتم تشكيل صورة "ارض النيل". وذكرت الاذاعة في نهاية تقريرها "من المهم التذكير بأنه ليس مهما من سيكون الرئيس، لأن مشاكل مصر كانت دوما اكبر من قدرات حكامها". وفضلت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية استعادة احداث الثورة المصرية باختصار، تحت عنوان: "عام علي الثورة في مصر.. الحشود في الميدان للمرة الثانية"، مؤكدة انها أدت إلي صعود القوي الإسلامية وسيطرتها علي الحياة السياسية في مصر، وعلي رأسهم جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين، الذين وصفتهم ب"المتطرفين". في المقابل اختارت صحيفة «يديعوت احرونوت» الإسرائيلية عنوانا لتقريرها عن ذكري الثورة هو "عام علي ثورة مصر: التغيير لم يتحقق"، ابرزت فيه تباين المواقف بين الإسلاميين الذين يؤكدون احتياج مصر للاستقرار في الوقت الحالي، وعدد من التشكيلات السياسية الأخري التي تطالب باندلاع ثورة ثانية. أزمة الاقتصاد قال خبير اقتصادي إسرائيلي إن المصريين يحنون إلي عهد الرئيس السابق حسني مبارك، علي الأقل من الناحية الاقتصادية، بعد أن تسببت أعمال الفوضي والاناركية والعنف في تكبيد الاقتصاد المصري ما يزيد علي 100 مليار دولار. وأوضح مدير الأبحاث في شركة "اينفو برود" للأبحاث الاقتصادية الإسرائيلية بالشرق الأوسط، دورون باسكين، أن الأوضاع الاقتصادية نالت من درجة فرح واحتفال المصريين بالذكري الأولي للثورة التي أطاحت بالنظام السابق، حيث انخفضت درجة الأمان الشخصي بشكل كبير وتراجعت مستويات المعيشة كثيرا عما كانت عليه قبل الثورة. وقال باسكين في مقال بصحيفة «يديعوت احرونوت» الإسرائيلية إن أبناء الطبقة المتوسطة، ممن لا ينتمون إلي التيار الإسلامي، باتوا يتطلعون إلي دول الخليج العربي، خاصة الإمارات العربية المتحدة، للبحث عن فرصة عمل هناك. وأشار إلي أن جماعة "الإخوان المسلمين"، التي فاز ممثلوها بأغلب مقاعد مجلس الشعب، يدركون خطورة الوضع، ولذلك يعلنون بإصرار للجميع، خاصة للمجتمع الدولي، بأن جهودهم ستنصب في الوقت الحالي علي الإصلاح الاقتصادي، وقال إنهم حرصوا علي طمأنة الولاياتالمتحدةالأمريكية بشأن احترامهم لمعاهدة السلام مع إسرائيل، لضمان استمرار المعونات الاقتصادية الأمريكية، ودعموا المباحثات الجارية مع صندوق النقد الدولي للحصول علي قرض قيمته 3.2 مليار دولار، والإلحاح في إطلاق الرسائل التي تطمئن الجميع علي مجال السياحة، الذي يساهم في المتوسط بنحو 12 مليار دولار سنويا في خزانة الدولة. وأكد باسكين أن مهمة القيادة المصرية الجديدة في المجال الاقتصادي ليست سهلة، وأن الأمر يستلزم استعادة الأمن واحترام النظام والقانون أولا، في ظل انتشار أعمال الإضراب عن العمل وقطع الطرق واقتحام المؤسسات والمصانع والهيئات الحكومية. وقال إن تقديرات الخسائر المصرية خلال عام 2011 بسبب الثورة تتراوح بين 60 و100 مليار دولار، وتضع في اعتبارها الأضرار الفادحة التي أصابت قطاعات عديدة في الدولة، مثل السياحة التي تعاني تراجع عدد السائحين بنسبة 56%، وخسائر وقف تصدير الغاز المصري إلي إسرائيل، مشيرا إلي إغلاق نحو 5 آلاف مصنع العام الماضي، وفقدان أكثر من 200 ألف مصري وظائفهم، لافتا إلي أن بارقة الأمل الوحيدة تكمن في قناة السويس، التي واصلت عملها بانتظام رغم أي ظروف، وبلغت عائداتها 5 مليارات دولار عام 2011 . قناة السويس وفي الوقت الذي يتم التعويل فيه علي قناة السويس، يخرج رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ليعلن أن حكومته تبحث مع الحكومة الصينية إمكانية إنشاء سكة قطارات في إسرائيل لشحن البضائع من آسيا إلي أوروبا، تعتمد علي خط القطارات المزمع إنشاؤه بين تل ابيب وايلات، وهو ما بحثته الحكومة الاسرائيلية في اجتماعها الاسبوعي، امس الاول «الاحد»، لوضع اللمسات الأخيرة للخط المذكور «تل ابيب - ايلات»، الذي يهدف الي اختصار مدة السفر بين المدينتين الي ساعتين فقط، وقد وصف نتنياهو هذا المشروع بأنه "ثورة هائلة". واعتبر نتنياهو مشروع قطار الشحن القارّي العتيد بأنه يضمن لإسرائيل مصلحة استراتيجية تعتمد علي موقعها الجغرافي السياسي، ويعود عليها بكثير من الفوائد، علما بأن الهدف من المشروع هو خلق طريق بديل لمرور البضائع من قناة السويس، وهو ما يعني انه علي الاقل سينال من ايرادات القناة المصرية! ويشار إلي ان القطار الذي سيعمل بين تل ابيب وايلات سيتحرك بواسطة الطاقة الكهربائية، وستبلغ سرعته 300 كيلومتر في الساعة، علي ان يقطع المسافة بين المدينتين «وهي 350 كيلومترًا» خلال أقل من ساعتين تقريبا. واعلن وزير المواصلات، يسرائيل كاتس، عن دعمه لفكرة نتنياهو بشأن خط القطار الرابط بين آسيا واوروبا، واشاد بالكفاءات المهنية الصينية في هذا المجال، التي وصفها بأنها "الأفضل في العالم". وأشار الوزير كاتس الي أن لاسرائيل والصين مصالح اقتصادية مشتركة تعزز احتمالات نجاح المشروع المقترح، استنادًا الي التفاهمات التي اتفق حولها كاتس مع نظيره الصيني خلال لقائهما في سبتمبر الماضي. أخيرا.. هكذا تفكر اسرائيل في كيفية اضعافنا اقتصاديا، مع التذكير بعدد من الأصوات الاسرائيلية التي طالبت الولاياتالمتحدةالأمريكية بوقف المساعدات السنوية التي تقدمها لمصر، بسبب صعود التيار الاسلامي للحكم، والذي تصف اسرائيل بأنه تيار متطرف ومعاد لإسرائيل ويهدد السلام في المنطقة؛ فماذا نفعل نحن؟! هل بدأنا نقاشات جادة لتحقيق نهضة اقتصادية وعلمية وصحية، تعود ثمارها الي جميع فئات شعب مصر؟ للأسف لم نفعل ذلك بعد، في ظل جهود مستمرة من الداخل والخارج لإغراقنا في صراعات أيديولوجية، تبحث عن كرسي هناك، ومنصب هنا. ويزيد الحزن عندما نجد أن الصوت العالي بات ضاربا عرض الحائط بمفاهيم الديمقراطية والحرية الحقيقية، وباتت لغة السباب والإقصاء والسخرية السلبية النابعة من الجهل تارة، وتحقير الآخر تارة اخري، هي الاعلي صوتا، واصبحت اغلب وسائل الاعلام شريكا رئيسيا في ذلك، حتي بدا المشهد وكأن الاستقرار في مصر يعارض مصلحة القائمين علي هذه الوسائل الاعلامية، بما يدفعنا للتفكر والتساؤل في دهشة وريبة معا: من يقف ورائهم؟! الأمر الثابت الان هو ان مصر ليست في حاجة الي أصوات جاهلة أو حاقدة أو مغرضة، وإن أشد ما تحتاج إليه هو إطار يجمع جميع فئات الشعب في سياق يحقق الخير للجميع، وواهم من يظن ان بإمكان أي مجتمع أن يحقق اي نهضة، او تقوم له قائمة في ظل حالة التفسخ ودعوات الاقصاء، والأصوات الداعية الي الكراهية والانتقام والقمع.