في ظل هذا المناخ متعدد الوجوه يجد الإعلامي نفسه أمام وجبة إعلامية دسمة يجب التهامها مما أفرز مشهدا إعلامياً يغيب عنه الكود الأخلاقي والمهني فهناك اجماع من القائمين علي العمل الإعلامي علي ضرورة أن يكون هناك ميثاق شرف جديد يضبط العمل الإعلامي الآن للخروج من تهمة أن الإعلام هو المسئول عن التحريض وإثارة الفتن بسبب غياب المهنية والموضوعية في تناول الأحداث. لذا فهناك حاجة ملحة إلي أن يجلس خبراء العمل الإعلامي في مائدة حوار جادة للحديث عن ميثاق شرف إعلامي جديد لآن ماهو موجود الآن عبارة عن عبارات مطاطة تم وضعها من زمن وأصبحت لا تتناسب مع معطيات المشهد الإعلامي بعد الثورة.. فلابد من إعادة النظر في بنود الميثاق الحالي حتي تتوافق مع تطور الأحداث، فالعمل الإعلامي الآن في حاجة إلي ضوابط ونصوص منظمة وليست مقيدة لمواجهة حالة الانفلات الإعلامي.. من هذا المنطلق حاولت القاهرة أن تفتح النقاش مع الإعلاميين حول مدي إمكانية عمل مدونة لميثاق إعلامي جديد لمرحلة ما بعد الثورة. لا إفراط ولا تفريط في البداية تحدثنا مع الإعلامي جمال الكشكي الذي ألمح إلي ضرورة أن يكون هناك ميثاق عمل وطني من أجل هذا البلد يمنع البعض من تنفيذ الأجندات الخاصة، فالهدف هو تنظيم وليس تقيدا للعمل الإعلامي فهناك خط فاصل بين الحرية والفوضي، فلابد أن تسود الروح الوطنية لدي القائمين علي صناعة الإعلام الرسمي والخاص، ففي أعقاب الثورات نشهد حالة انفتاح غير منظم يأخذ خليطاً من الحرية والفوضي فالجرعة الزائدة من الفوضي تؤدي إلي خراب لكن الجرعة الصحية تؤدي إلي استقرار فالإفراط والتجاوز لسقف الحرية قد يعطي فرصة للحاكم أن يتخذ قرارات ضد مساحة الحرية، لذا نحتاج إلي مواثيق تعيد ترتيب الأوراق واحترام الكود الأخلاقي للمهنة بحيث تكتب وتذيع وتناقش دون تجاوز، فليس الهدف هو الفرقعة والشو الإعلامي والدخول في منافسات غير شريفة والإتجار بالوطن . فالمطلوب هو ميثاق إعلامي يراقب ويضبط من يتجاوز أخلاقيات المهنة، فالحرية هي أن تتحدث في صميم المهنة بحرفية وحنكة، فالمشهد الإعلامي يبدو مرتبكاً ويبحث عن الاستقرار وهذا متوقف علي استقرار الدولة نفسها، فلم تعد هناك معايير تحكم الإعلام.. غابت الحرفة فتاهت المعالم فأولي خطوات بناء الدولة المدنية الحديثة هو بناء اعلام حر ومهني قائم علي كود أخلاقي يتحرك بخطي ثابتة بلا إسفاف أو تهاون. وفي هذا السياق يعلق الكاتب الصحفي أحمد الجمال علي أن هناك عدداً من الظواهر غير المهنية اصبحت مألوفة للأسف الآن وهي أن هناك من يتحدث في السياسة وهو غير متخصص فهو يتعجب من خروج الأسواني كمحلل سياسي أكثر من كونه أديباً وكذلك ظهور بعض الفنانين علي الساحة السياسية أكثر من تواجدهم علي الساحة الفنية فلابد من إعادة النظر في اختيار الضيوف حتي يكون الضيف المناسب في الموضع المناسب حتي لاننساق وراء الآراء العاطفية، ويشير إلي ضرورة وضع قيود أخلاقية تحكم التغطية الإخبارية للأحداث فلابد من التأكد من صحة الخبر قبل نشره حتي لانصنع الفوضي فالإعلام الآن متهم بإثارة الفوضي نتيجة غياب المهنية. ويعلق الجمال علي ما يبث علي قناة الفراعين وما علي شاكلتها بأن القائمين عليها غير مهنين حتي في الجوانب الفنية لذا يجب أن تغلق لسياستها غير المسئولة، فنحن في حاجة إلي ميثاق واحد للعمل الإعلامي بشقيه الصحفي والتليفزيوني ويكون نابعاً من الإعلاميين أنفسهم لأنه يرفض الوصايا من الحكومة والمجلس العسكري حتي يكون إعلاما حراً، ويوجه الجمال طلباً لنقابة الصحفيين بضرورة أن تتقدم بهذه المبادرة بحيث تنسق مع العاملين في العمل الإعلامي والأكاديميين لعمل مجلس أعلي إعلامي للخروج بميثاق شرف إعلامي يتناسب مع طبيعة المرحلة، نحن نحتاج إلي إعداد ميثاق شرف جديد بعيدا عن كل الاقتراحات السابقة والتي لم تكن علي القدر الكافي من الأحداث فمرحلة ما بعد الثورة تحتاج إلي أن تعيد الصحافة بناء الثقة مع القراء وكذلك مراعاة سرية المعلومات للمصدر، فهدف الصحافة الأسمي هو كشف الحقائق، يجب ألا يكون هناك نوع من الرقابة علي الصحافة وفي المقابل الصحفي يراعي المصداقية، وإذا وقعت المؤسسة الصحفية في خطأ مهني يجب الاعتذار فورا،كذلك يجب حماية الصحفي لأن العمل الصحفي مليء بالمخاطر ويجب وضع ضمانات لحماية حرية الصحفي من ضغوط الأجهزة الأمنية، فلابد من تعديل قانون العمل الصحفي لأنه غير منصف في كثير من الأحيان، فلابد من إعادة تنظيم العلاقة بين الصحفي والسلطة وأن تتولي نقابة الصحفيين إعداد تقرير نصف سنوي حول الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون من منع ومصادرة للأراء وتفعيل آلية لمواجهة هذه الانتهاكات وفي المقابل وضع قيود أخلاقية تمنع تجاوز الصحفي عن القيم الأخلاقية والدينية، فهناك بعض مقالات تعبر عن شطط فكري.. فلا داعي لإثارة الفتن لمجرد تحقيق مصلحة شخصية. فهناك كثرة في القنوات وهي إما قنوات دينية تروج لأفكار سياسية من مرجعية دينية أو قنوات رجال أعمال تروج لمرشحين محددين للرئاسة.. فالإعلام الرسمي والخاص الآن لا يعبران عن إعلام حقيقي فهناك كارثة كبري في القنوات الخاصة وهي أنها تتحرك وفقا لوجهات نظر المالك، فهناك حالة من التخبط تحتاج إلي إعادة ترتيب الأوراق. لا للتحريض ومن جانبها تلاحظ الإعلامية درية شرف الدين أن لكل قناة اتجاها يحكم عملها وهي في الغالب تكون وفقا للأهواء والمصالح وهذا ما يثير القلق لديها وتعلق علي ذلك بحادثة ماسبيرو فلقد كان توجه بعض القنوات الإسلامية والمسيحية يدعو إلي التحريض، وترصد أيضا لجوء بعض الإعلاميين إلي الجرأة في استخدام الألفاظ وهذا خطأ مهني وأخلاقي ولايجب أن يحسب علي أنه حرية إعلامية، فهي ترفض الفوضي الإعلامية قائلة لايجب أن تقدم القناة أفلام البورنو أو تقدم التجاوزات السياسية والأخلاقية والإنسانية من منطلق الحرية فلابد من وضع خريطة تحكم العمل الإعلامي ولايحيد عنها الإعلام قائلة "أشك أن يكون هناك ميثاق شرف إعلامي.. ولو موجود أين هو؟ وللحديث عن الرؤية الأكاديمية عن المشهد الإعلامي الآن تحدثنا مع د.حسن عماد عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة، والذي انتقد المشهد الحالي قائلا"الإعلام الآن غير مهني وهوائي وانفعالي أيضا، فهناك عدم دقة في تناول الأخبار، فكثير من المعلومات تقدم علي أنها أخبار صحيحة ويتضح أنها غير دقيقة،فلايوجد ميثاق شرف إعلامي في مصر الآن فما هو موجود لايتعدي مجموعة من العبارات المطاطة والتي تحمل تفسيرات متعددة، فالإعلام يمر بحالة من العشوائية والارتجال لغياب السياسة العامة فهناك عشرات القنوات بعضها حكومي والآخر خاص تتصارع من أجل الجمهور دون مراعاة الفترة الحرجة التي تمر بها البلاد، لذا فهو يري ضرورة تأسيس مجلس أعلي للإعلام يضع ميثاق شرف يلتزم به الجميع ويضم المجلس شخصيات عامة غير حكومية وغير حزبية مشهود لها بالكفاءة في ممارسة العمل الإعلامي ولديهم مصداقية، ويخرج قرار تأسيس هذا المجلس بقرار من رئيس الدولة بعد أخذ رأي البرلمان، وتكون مدة عمل المجلس خمس سنوات ولايحق لرئيس الدولة عزلهم حتي يكون لهم الحرية الكاملة،ولكن حاليا يصعب تنفيذ ذلك لأننا في مرحلة انتقالية فما هو متاح حاليا هو تأسيس مجلس استشاري ويكون له شرعية إصدار القرارات قابلة التنفيذ، فأسلوب التغطية لبعض الأحداث يشوبه فجاجة وعدم لياقة. ومن ضمن الأمور المطروحة للنقاش في ميثاق الشرف الإعلامي الآن هي أخلاقيات نشر الصور ولاسيما بعد الفيديو الخاص بسحل القذافي فهناك من يري أن ماتم نشره وبثه أمر طبيعي لتسجيل الحقيقة ولكن للإعلامي . الهدف الحقيقي ويرفض حسين عبد الغني مدير مكتب الجزيرة سابقا رؤية خاصة في هذا الأمر حيث يري أن في القنوات الغربية يتم إعلان تحذيري قبل نشر الصور غير الملائمة للأطفال وكبار السن، فهناك قواعد متعارف عليها في شأن الصور وفيما يتعلق بصورة القذافي فقد كان يكفي بث الصورة من بعيد لتأكيد الحدث وليس من قرب مثلما حدث فهذا أمر قاس علي العين، فكرة تقييد حرية الإعلام بحجة أنه أصبح حراً أكثر من اللازم ومنفلتاً فهذه حجج الهدف الحقيقي منها تقييد الإعلام ولكنه يشير إلي ان هناك قواعد معروفة في الصحافة الحرة منها عدم انتهاك حرية الحياة الخاصة للأشخاص وكذلك عدم خدش الحياء والآداب العامة، وعدم التحريض علي الأديان والعقائد، فالتغطية الخاصة بأحداث ماسبيرو كانت كارثة لأنها كانت تحرض علي الأقباط، فهو يرفض التغطية الصحفية التي لا تتمتع بالمهنية فهناك عدد من الإعلاميين لم يتعرضوا لتدريب مهني حقيقي فقد وصل الأمر بالبعض إلي أن يقوم مذيع ما بسب شخصيات عامة علي الهواء، فلابد أن تكون هناك هيئات مستقلة عن وزارة الإعلام هدفها وضع قواعد تتطبق بصرامة وهذا لايعني خنق الحريات، فالقوانين الموجودة الآن تقيد العمل الإعلامي لذا فنحن في حاجة إلي قوانين تتناسب مع الحرية والديمقراطية لتتناسب مع مرحلة ما بعد الثورة. مشكلتنا ليست في إعداد القوانين والتشريعات فلدينا مواثيق لو نفذت لحلت المسألة ولكن المشكلة تكمن في عدم تطبيق القانون هذا هو رأي الأستاذ عماد جاد مدير مكتب دراسات الأهرام. فالمواثيق موجودة ولكنها لاتطبق فهناك بث لأخبار كاذبة ومحاولات لتشهير بالشخصيات العامة فهناك فوضي وانفلات إعلامي غير مسبوق ولا أحد يحاسب فنحن في حاجة إلي تطبيق القانون علي من يخطئ والتطبيق يبدأ من عند الإعلام الحكومي، فعندما يكون هناك انفلات لابد من محاسبة. الإعلامي الرياضي ويؤكد الكاتب الصحفي جمال الغيطاني إلي ضرورة الانتباه إلي الإعلام الإليكتروني فمشكلة بعض المواقع أنها لا تلتزم بالمعايير المهنية والدليل علي ذلك نشر المواقع لتعليقات القراء وما بها من كلمات وشتائم غير لائقة فلابد من ضوابط نستخلصها من تجارب الإعلام الإلكتروني في الخارج، فلابد من محاسبة المخطئ ففي انجلترا يتم فرض غرامة مالية كبيرة علي من يتجاوز المعايير المهنية فلقد ثبت بالتجربة أن المواثيق توضع ولاتنفذ لعدم وجود قوة ملزمة. وينتقد الإعلامي فهمي عمرو الإعلام الرياضي فهو مليء بالتجاوزات حيث استخدام الكلام الخارج والتهجم علي مسئولين والحكام وكذلك التراشق والتلاسن بالألفاظ، هذا فضلا عن برامج التوك شو الموجودة بالعشرات علي القنوات الفضائية وهي مليئة بالكثير من الغمز واللمز وهذا لايليق بالعمل الإعلامي فلابد من تطبيق ميثاق الشرف الإعلامي وإيقاف بث القناة التي تخرج عن الميثاق، فالأزمة أن بعض الإعلاميين يخرجون عن النص بلا محاسبة فالإعلامي لابد وأن يكون محايداً ولايجنح إلي الشائعات.