فى أوائل القرن الماضى صرخ المعلق الرياضى والذى كان يعلق على أحداث مباراة مهمة بين الإكوادور والهندوراس قائلا: إنهم يقتلون أولادنا بعد حالة صدام بدون كرة بين لاعبى الفريقين وهو ما أدى إلى إشعال نار الفتنة بين جمهور البلدين وتطور الأمر إلى نشوب حرب بينهما استمرت لعدة سنوات. ومع تطور الأحداث أصبحت القنوات الفضائية والمواقع الرياضية هما المصدر الرئيسى لثورة الجماهير، والممول الأساسى لزيادة التعصب والعنصر المهم فى إشعال نار الغضب والفتنة بين جماهير الأندية، سواء فى المدرجات أوعلى مستوى الشارع الرياضى . ومع ظهور العديد من القنوات الرياضية التى لا رقيب عليها أصبحت الأمور كلها فى يد مالكها أو من يعمل فيها دون رقيب أو ضمير وهو ما أدى إلى ظهور الحروب الكلامية والتراشق بالألفاظ والوعد والوعيد بين مقدمى البرامج ونجومها من أجل مصالح شخصية والخاسر فى النهاية هو المشاهد الذى يتأثر بكل ما يحدث من حوله لتزيد حدة التعصب وتعلو صيحات التهديد ويترسخ مفهوم الشغب. وهذه محاولة لإلقاء الضوء على ما يحدث فى الفضائيات وخطورته من وجهة نظر خبراء الإعلام عسى أن نكون نقطة إنطلاق نحو العودة للروح الرياضية والسمو بالأخلاق المصرية والبعد عن التعصب الأعمى الذى دمر كل الأشياء الجمالية فى حياتنا الرياضية. فى البداية يؤكد الدكتور صفوت العالم أن الممارسة الإعلامية فى المجال الرياضى تحتاج إلى تطبيق الميثاق الأخلاقى لأن بعض البرامج الرياضية والقنوات المتخصصة استباحت ما يثير ويعمق الاحتقان بين الجماهير وكثير منها ما ظهر بشكل غير أخلاقى كما أن لاعبى الكرة لا يفرقون بين الظهور على الشاشة واللعب فى الملعب حيث يكون هناك التحيز واضحا وعدم فهم الرسالة الإعلامية لديهم ولهذا يظهر الحوار غير الموضوعى فى تحليل المباريات والتعليق عليها لدرجة ظهور كثير من المغالطات وتمرير مصالح حتى لو كانت غير معلنة وهو ما وضح فى الفترة الماضية من خلال شوبير الذى يجسد هذه النظرية باستغلال موقعه فى اتحاد الكرة أو مجلس الشعب لبث أخبار وقرارات دون غيره من الإعلاميين. أيضا ترك رسائل المشاهدين من خلال SMS على الشاشة دون رقيب يعكس حالة الغليان الموجودة فى الشارع الرياضى وتنتقل الشاشة بدورها كمنبر أخلاقى لتعلم الثقافة الرياضية إلى حوار المقاهى والشوارع. والأخطر من هذا كله من يعمل فى مجال التعليق ويفعل ما يشاء دون وازع من ضميره فى الحياد والتعليق لإمتاع المشاهدين لا أن يثير الفتن والعصبية بين الجماهير وحل المشكلة تكمن فى تعميق المسئولية لدى الجميع بوجود نسق قانونى وتدخل مجلس الشعب وإيجاد ميثاق اعلامى يحدد المسئولية والتى ترتبط بالعقاب فى حال الخطأ. أما الدكتورة ماجى الحلوانى عميدة كلية الإعلام «سابقا» فتقول إن وجود قنوات عامة ورياضية متخصصة أدت إلى ظهور حالة من الاحتقان فى الشارع الرياضى لأن رسالتها لا تتضمن تقديم ما يفيد الناس من ترسيخ لمفهوم الروح الرياضية والحد من التعصب والشغب سواء فى المدرجات أو غيره ولى تحفظ على تلك القنوات والتى ظهرت مساوئها بوضوح من خلال تقديم أفكار المرشحين فى نادى الزمالك والتى كان من المفترض أن يقدم كل مرشح أجندته التى يقدم بها نفسه. وفوجئت بوضع مشين عندما شاهدت المرشحين وهم يتهمون بعضهم البعض باتهامات غير أخلاقية، وللأسف المشاهد ليس له دخل فيما يحدث وللأسف لا يوجد من يحاسب هذه القنوات أو البرامج الرياضية وأخشى عليها من أن تصبح مثلها مثل الصحف الخاصة والصفراء التى تهتم بالفضائح أو تفتعل المعارك من أجل التوزيع وغرس بذور الفتن بين الجماهير فى مختلف الأندية. وتضيف ماجى الحلوانى بأنه يجب على المسئولين أن يضعوا ميثاق شرف يلتزم به الجميع بجانب ميثاق الضمير الذى يوجد بداخل كل منا حتى تستطيع هذه القنوات نشر الروح الرياضية وغرس بذور تقبل ثقافة الفوز والهزيمة. ويؤكد حمدى الكنيسى رئيس الإذاعة الأسبق أن الكارثة حدثت بسبب بعض الذين دخلوا مجال الإعلام دون علاقة سابقة بالعمل الإعلامى دون دراسة مسبقة وهو ما جعل الصورة تظهر أقرب إلى الفوضى. وأخشى على هذه القنوات أن تكون مصدر للتعصب فى غياب الروابط التى تحكم العمل الإعلامى. ونحن فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون نقوم حاليا بعمل ميثاق إعلامى فى إطار تكوين نقابة للإعلاميين تحكم كل هذه الأمور، ويبقى السؤال المهم: ما هى الآلية التى من الممكن أن تحكم العملية الإعلامية؟ والإجابة عن هذا السؤال الصعب تكمن فى ضرورة عقد مؤتمر موسع يضم جميع الأطراف لوضع بنود الميثاق والتوقيع عليه لتنفيذه ويكون ملزما لكل الأطراف لأن الوضع ينذر بخطر ومطلوب إنقاذ الإعلام من مستوى الدرجة الثالثة. أما حسام الدين فرحات رئيس قناة النيل للرياضة الأسبق فيؤكد أن تعدد القنوات الفضائية اعتمد فى الأساس على اللامهنية فى اختيار المذيعين وأجلسوا نجوم الكرة على كراسى المذيعين وهو ما اعتبره إهدارا لضوابط العمل الإعلامى الصحيح لأن نجوم الكرة ليسوا مؤهلين حتى لو وجدت الكاريزما الخاصة بهم لجذب الجماهير. ولهذا لابد أن تكون هناك قواعد تحكم العمل الإعلامى على الشاشة حتى لا تتحول بعض شاشات التليفزيون إلى صورة مصغرة لما يحدث فى مدرجات الدرجة الثالثة وهو ما ظهرت بوادرة فى المشاهد التى رأيناها فى الفترة الماضية من اشتباكات على الهواء والذى أدى إلى احتقان للجماهير متعددة الانتماءات مثل الألتراس وما سببته بعض الفضائيات من كوارث. ويقول الدكتور فوزى عبدالغنى رئيس قسم الصحافة والإعلام بأكاديمية أخبار اليوم إن القنوات الفضائية فى ظل انتشارها سلكت الطريق الخطأ، فبدلا من القيام بدورها فى نشر الثقافة الرياضية وخلق مشاهد سوى وغير متعصب يقبل ثقافة الفوز والهزيمة كما يتقبل الآخر نجدها دعمت الاتجاه نحو زيادة التعصب من خلال برامجها الموجهة وبدأت القنوات الرياضية تستعين بلاعبين لديهم الشهرة والنجومية بغض النظر عن امتلاكهم للأدوات الإعلامية فى مخاطبة الشارع الرياضى وهو ما أدى إلى زيادة التعصب ونشوب الحروب وتضليل الجماهير وهو ما تجسد من خلال البعض منهم وكذلك بعض الصحفيين الذين سلكوا طريق التحليلات الرياضية، وهذا الوضع خلق نوعا من أنواع الإعلام الملون فعندما يتحدث تعلم انتماءه. وما زاد من الكارثة هو تعميق الصحافة الرياضية بجانب الفضائيات حالة من التحيز والتعصب لدى الجماهير وأعتقد أن القنوات هى المسئولة عما يحدث فى الوسط الرياضى وداخل المدرجات وعلى المقاهى وفى الشوارع، وكأن مقدمى البرامج لم يمروا على ما ينبغى أن يكون عليه الإعلام. وميثاق شرف يستدعى أن نحافظ على أخلاقيات المهنة. ويضيف عبدالغنى: للأسف انتشار القنوات الفضائية أثر على توزيع الصحف المتخصصة ولذلك نهجت الصحافة نفس السلوك الهجومى و«الفبركة»من أجل عودتها على الساحة وزيادة توزيعها وكان من نتيجة هذا أن أصبح الجمهور واللعبة هما الضحية. وأصبح لدينا كجمهور شك فى كل ما يتعلق باللعبة سواء بالحكم أو اللاعب أو المدرب ونتج عنه أيضا فكرة تفويت المباريات وهى قضية مدمرة لم ندرك خطورتها حتى الآن لأنها قضت على الشعار الذى من أجلة انتشرت الرياضة وهو أن «الرياضة تجسد الجانب الأخلاقى». ولهذا أطالب المسئولين وخصوصا وزير الإعلام أنس الفقى بأن يحكم قبضته على القنوات الفضائية وما يقدم من خلال شاشاتها لأن الحرية لابد أن تكون مصحوبة بمسئولية إجتماعية وإبعاد من لديهم هشاشة فى التفكير ومصالح فى التقديم. أما الدكتور عطا حسن وكيل كلية الإعلام بجامعة سيناء فيقول هناك مجموعة من الأسباب لهذه الظاهرة أهمها وجود الكثير من الدخلاء على مهنة الإعلام الرياضى لمجرد أنه كان نجما أو لاعبا سابقا فى أحد الأندية الكبرى وللأسف هذا النوع لم يفهم طبيعة الرسالة الإعلامية وهو ما يجسد المثل «فاقد الشىء لا يعطيه». ولهذا وجدنا كم المهاترات والتراشق بالألفاظ والدخول فى معارك لا شأن للمشاهدين بها فقد غلبت المصالح الشخصية على العمل الإعلامى والذى يدمر أحد عناصر الميثاق الإعلامى: (الجهر بالحياد وليس بالانتماء). وما يزيد من المشكلة هو ظهور برامج متخصصة سوف تكون كارثة على الشارع الرياضى فى الموسم المقبل بإذاعة برامج للأهلى أو الزمالك أو الإسماعيلى والمصرى، واللعب على مشاعر الانتماء لهؤلاء يؤدى إلى زيادة التعصب كما يتضح من ظهور مقدمى البرامج يعترفون على الهواء بانتماءاتهم الكروية كما هو الحال مع خالد الغندور وأحمد شوبير ومصطفى عبده ومدحت شلبى وكريم حسن شحاته وغيرهم. وهم مثال لتجسيد المصالح الشخصية فى البرامج الرياضية والحل بسيط ويتمثل فى تفعيل ميثاق الشرف الاعلامى بشرط أن يكون القائمون على الإعلام مؤهلين لذلك، ومع كل هذا فأنا ضد لاعبى الكرة على شاشات التليفزيون إلا إذا كانوا مؤهلين وهم نسبة ضعيفة لأن تأثير المذيع الرياضى سريع فى الشارع المصرى. ويؤكد الدكتور أحمد حسين الأستاذ بقسم الصحافة والإعلام بأن الفضائيات والمنتديات أثرت بالسلب على جماهير الكرة خصوصا بعد أن وصل الوضع إلى منحنى خطير فى هذه القضية، حيث إن الخناقات والحروب التى كانوا يشعلونها على الهواء من أجل جذب أكبر عدد من المشاهدين انتقلت إليهم وأصبحت الخلافات والتراشق بالألفاظ الخارجة على الهواء وأمام الجماهير شىء عادى يشاهده الجميع وهو ما أدى إلى توسيع الفجوة وزيادة نار التعصب بين الجماهير بمختلف انتماءاتها وللأسف كل هذا سيحدث فى ظل غياب الروابط والمواثيق المتعارف عليها إعلاميا . وأصبحت هذه القنوات مصدرا من مصادر زيادة التعصب بدلا من تأدية رسالتها فى نشر الرياضة والقيم المثلى والروح الرياضية وترسيخ مبدأ الفوز والهزيمة وزيادة الجرعة بالثقافة الرياضية ومدى تقبل الجماهير للهزيمة وحدود فرحتها عند الانتصار. وعلى الجميع أن يعود إلى تطبيق المبادئ والقيم ويعمل على ترسيخ بنود ميثاق الشرف الإعلامى وأن يعملوا على تهدئة الرأى العام لا أن يحثوا الجماهير على ترسيخ العداوة وزيادة التعصب والتمسك بالانتماء الأعمى للألوان دون النظر إلى التشجيع المثالى والاستمتاع الجيد باللعبة. أما الدكتور أشرف صالح عميد كلية تكنولوجيا الإعلام فيؤكد أن الوسط الرياضى كله به خطأ ما، ولهذا أصبحت ظاهرة التراشق بين مقدمى البرامج الرياضية فى القنوات الفضائية نتيجة طبيعية لما يحدث. وأضاف أنها كانت موجودة منذ زمن، ولكن مع تزايد انتشار القنوات واتساع رقعة البرامج ظهرت على السطح بشكل لافت للنظر ولكن هناك ما هو أخطر من البرامج الرياضية وهى ظهور القنوات الخاصة لأندية والتى سوف تزيد فى السنوات المقبلة وخطورتها تتركز فى ترسيخ مفهوم التعصب إذا لم يكن هناك ضوابط لها. ولهذا أدعو القائمين على الإعلام المصرى والمسئولين بأن يتم تكوين مجلس أعلى للرياضة بالتعاون مع وزرارة الإعلام ويتم وضع ميثاق شرف إعلامى يهتم بالنواحى الفنية ويضبط إيقاع المضمون الذى يقدم للمشاهدين ويتم توقيع مسئولى القنوات الفضائية على هذا الميثاق حتى تتم محاسبتهم فيما بعد وللأسف لا يوجد من يحاسب هذه القنوات بوضعها الحالى، حيث إن هيئة الاستثمار ليست مسئوله عن النواحى الفنية وإنما هى مسئولة فقط عن التصريح لهذه القنوات كمنطقة حرة للحصول على الشارة.