رغم أنّ ثورة يناير2011لم تُحقق أهدافها النهائية، ومن بينها إقامة مجتمع عصري يتأسس علي قاعدة أنّ لافرق بين مواطن ومواطن إلاّ بعمله وليس بمنصبه أوديانته إلخ، فإنّ الثورة حققتْ إنجازًا تاريخيا تمثل في سقوط دولة (الحاكم الفرد) الذي ضمّ السلطتين التشريعية والقضائية إلي السلطة التنفيذية وتكون مواد الدستورلخدمة الاستبداد، من خلال الصلاحيات المطلقة للحاكم. والرئيس المخلوع مبارك لم يخترع هذا النظام الاستبدادي وإنما ورثه عن نظام يوليو52 إذْ رفض عبد الناصرمشروع دستور54الذي تبني مبدأ (الجمهورية البرلمانية) لوأد السلطة المنفردة. وذكرأ. طارق البشري أنّ اللجنة انطلقت (وفق منزع ليبرالي صرف) (الديمقراطية ونظام يوليو52- كتاب الهلال ديسمبر91ص197) رفض عبدالناصرمشروع الدستوروأصرّعلي النظام الرئاسي واختراع تنظيمات شعبوية اسمًا، حكومية فعلا (هيئة التحرير، الاتحاد القومي، الاتحاد الاشتراكي) إلي الحزب الوطني. وفي دراسته المهمة عن مشروع دستور54 ذكر أ. صلاح عيسي (إنّ أخطرسيئات هذا النظام الاستبدادي هوأنه خرّب روح الأمة وحال دون تطورها ويوشك أنْ يقودها في الظروف التي يمربها عالم ما بعد الحرب الباردة إلي محاق التاريخ) (دستورفي صندوق القمامة- مركزالقاهرة لدراسات حقوق الإنسان- عام 2001 ص 132) سقوط حكم الفرد المطلق أحد إنجازات ثورة 25يناير ضد نظام يوليو52 الاستبدادي. السطوعلي ثورة يناير رفضتْ الجماعات الإسلامية المشاركة في ثورة يناير2011في أيامها الأولي، ومع التصاعد الدراماتيكي لأحداث الثورة (صمود الثوار+ تنازلات النظام المتوالية) صدرالأمرلأتباعهم للحاق بالثورة. وطوال أيام الاعتصام في الميدان، لم تظهرأية فروق بين المصريين، فكانت الفتاة المنتقبة تجلس بجوارمن تعتزبشعرها . وردّد الجميع شعار(ارفع راسك إنت مصري) ولكن في مساء 11فبراير، وإعلان تخلي مبارك عن الحكم، ظهرالوجه الحقيقي للأصوليين. فبعد أنْ هتف كل من في الميدان بعد تخلي مبارك عن حكمه يوم 11 فبراير (الشعب خلاص اسقط النظام) هتف الأصوليون (الله وحده أسقط النظام) وفي اليوم التالي ذبحوا العجول ووزعوها علي المحرومين من أكل اللحم مع التهنئة بانتصار(الثورة الإسلامية) وكانتْ هذه بداية السطو علي الثورة وسرقة أرواح الشهداء ودماء المصابين الذين لبوا نداء (الحرية) . مع التمهيد ليوم الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، بدأتْ الحرب الهجومية علي شعبنا الطامح في دولة عصرية. كثفتْ الميديا الأصولية دعايتها بخلط الدين بالسياسة. وكان الأصولي صاحب تعبير(غزوة الصناديق) علي حق في وصفه الدقيق لمرحلة التحول من إسقاط نظام سياسي استبدادي إلي الطغيان باسم الدين. وجاءتْ واقعة قطع أذن مواطن قبطي مسيحي لتؤكد هذا الطغيان، وبعد يومين من هذه الواقعة تم قطع رقبة مصري مسلم لأنه لا يحرص علي صلاة الفجر، وبعد أيام بدأتْ (غزوة هدم الأضرحة) نجحوا في هدم أضرحة الأولياء الصالحين المعروفين علي نطاق محلي في بعض المدن والقري، ثم أعلنوا أنّ الدورسيأتي علي الأضرحة الشهيرة مثل مقام السيدة زينب والسيدة نفيسة إلخ وهكذا تبدأ مصرمرحلة جديدة من الصراع الاجتماعي، فبعد أنْ كان الاحتقان الديني السائد بين المسلمين والمسيحيين، انتقل إلي الصراع بين المسلمين والمسلمين، إذْ أنّ شعبنا (مسلمين ومسيحيين) مولع بظاهرة الأولياء، مع مراعاة أنّ حب الأولياء لم ينتقص من العقيدة الدينية، ولعلّ إجماع علماء الاجتماع علي (تدين) شعبنا أكبردليل علي نفي ما ىُردّده الأصوليون من أنّ الاحتفال بالأولياء ومقابرهم داخل المساجد نوع من الشرك بالله. ولكن هل ينتهي المشهد بهدم الأضرحة أم سيعقبه الاعتداء علي المدافعين عنها كما فعل الوهابيون في بداية الدعوة الوهابية ؟ ذكر الجبرتي أنّ آل سعود تآمروا مع الوهابيين للاستيلاء علي مكة وطرد أهلها الأصليين، وأنّ أشراف مكة لجأوا إلي مصر لحمايتهم من بطش الوهابيين. إلي أنْ يقول (أخذ البلدة الوهابيون واستولوا عليها عنوة وقتلوا الرجال وأسروا النساء والأطفال . وهذا دأبهم مع من يحاربهم.. وهدموا قبة زمزم والقباب التي حول الكعبة والأبنية التي أعلي من الكعبة) (عجائب الآثارفي التراجم والأخبار- ج 6- لجنة البيان العربي- عام 1966من ص 26- 69وما بعدها) ولم تكن مصادفة أنْ يرفع الوهابيون علم السعودية في قري مصر، وأنْ يكون دفن الموتي سعودىًا وليس مصرىًا. الترويج للأصولية الدينية وإذا كان البسطاء من أبناء قنا رفضوا تعيين المحافظ لأنه (مسيحي) فالمعني أنّ الولاء يجب أنْ يكون للدين وليس للانتماء الوطني ومراعاة الصالح العام بغض النظرعن الديانة. جرثومة وضعها جمال الدين الإيراني الشهير بالأفغاني وتبناها من بعده المتعلمون الكبارأمثال أ. فهمي هويدي ود. محمد عمارة الذي لايمل من الهجوم علي الديانة المسيحية. وإذا كانت مباديء العلمانية هي التي نجحتْ في تحقيق الاستقرارلدي الشعوب المتحضرة، فإنّ فضيلة شيخ الأزهر د. أحمد الطيب ذكرأنّ الأزهرسيتصدي للعلمانية (المصري اليوم 12/4/2011ص8) في حين أنّ د. عبدالمعطي بيومي عضومجمع البحوث الإسلامية وعي خطورة الأصولية الدينية عندما انتقد الداعية الإسلامي أبوإسحق الحويني الذي قال (مش لوكنا كل سنة عمالين نغزو مرة واتنين مش كان ح يسلم ناس كتير في الأرض واللي يرفض كنا ناخدهم أسري وناخد أولادهم وأموالهم ونساءهم وكل ما يتعذرياخد راس ويبيعها) (نقلاعن د. خالد منتصر- المصري اليوم 15/4/ 2011) ولأنّ الإسلاميين تدربوا علي التلون لذا عندما سئل د. سعد الكتاتني مؤسس حزب (الحرية والعدالة) عما إذا كان الحزب سيدعو إلي تطبيق الحدود قال (لكل حادث حديث والحديث في موقع المعارضة يختلف عن الحديث في موقع الحكم) (نقلاعن أ. ياسرعبدالعزيز- المصري اليوم17/4/2011) أما د. محمود عزت نائب مرشد الإخوان فذكرأنّ تطبيق الحدود (ممكن بعد امتلاك الأرض) أي أنّ مصرمحتلة وأنّ الأصوليين سيحرّرونها. وذكرت المصري اليوم أنها بثتْ التسجيل الصوتي لصاحب التصريح علي موقعها الإلكتروني (17/4/2011) وإذا كانت الميديا المصرية تحتفي بالأصوليين، فكيف وصل بعضهم إلي لجنة تعديل الدستورأمثال أ. طارق البشري وأ. صبحي صالح القيادي الإخواني ؟ هل هوالتمهيد للدولة الطالبانية وحرق مصر كما حدث في البروفات التمهيدية ( قطع طريق السكة الحديد في قنا وحرق بيوت ومحال تجارية في المنيا في أبوقرقاص يمتلكها المسيحيون- التفاصيل أهرام 20/4/2011ص13) هل تتحول الثورة إلي نكبة أعتقد أنّ مصر في مفترق طرق : إما أنْ يحصل شعبنا علي حريته لينطلق نحو تأسيس الدولة العصرية التي أول مبادئها أنه لافرق بين مواطن ومواطن إلاّبعمله وليس بديانته. وهذا هوالمدخل الحقيقي لتحقيق التقدم، أوالاستسلام للإسلاميين الذين (مع افتراض حُسن النية) يسحبون مصر إلي عصرالكهوف . وإذا كان البعض يهاجم أمريكا (الكافرة) فإنّ عالم اللغويات الكبير(ناعوم تشومسكي) كتب (عمدتْ أمريكا وحلفاؤها إلي دعم الإسلاميين الراديكاليين بصورة منتظمة لتفادي خطرالنزعات القومية العلمانية. والمثال الشائع لذلك هوالسعودية إذْ هي مركزالإسلام الراديكالي) (صحيفة الجارديان- 4/2/2011) وأنّ (التهديد الحقيقي لأمريكا هو استقلال الشعوب . وأنها تُدعّم الإسلاميين المتشددين لتجنب قيام دولة قومية علمانية. وأقرب مثال علي ذلك هوالعلاقة بين واشنطن والسعودية) (نيويورك تايمز- 5/2/2011) وإذا كان الأحرار يؤمنون بالدورالوطني للمؤسسة العسكرية المصرية، فإنني أناشد الوطنيين المخلصين بها العمل علي وأد سرقة ثورة شعبنا حتي لاتكون لصالح التخلف . وصدق الشاعرالكبيرأحمد عبدالمعطي حجازي في قوله الحكيم (أهل العصورالحديثة يتحرّكون من حاضرإلي مستقبل. ونحن نرجع القهقري من ماضٍ إلي ماضٍ أبعد. هم ينتجون ونحن نستهلك. الغربيون لهم العلم والديمقراطية والقدرة علي تسخير الطبيعة. ولنا الطغيان والقدرة علي تسخير الجن) (أهرام 20/4/2011).