أزعم أن الغايات النهائية لثورة الفل تتلخص في إقامة مجتمع الحرية والعدل والكرامة الإنسانية في ربوع مصر كافة. وعلى المرحلة الانتقالية بين حكم الفساد والاستبداد البائد وبداية الطريق إلى إقامة هذا المجتمع، من خلال حكم ديمقراطي سليم، يقع واجب ضمان أن تكرس المرحلة الانتقالية التي يقوم عليها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بتمهيد هذا الطريق للوصول إلى المجتمع المنشود في أقصر وقت وبأعلى كفاءة وأقل تكلفة. لقد حققت ثورة الشباب الفل إنجازا مبهرا وملهما لجموع الشعب المصري، بل وفي جميع أنحاء الوطن العربي، إن لم يكن عبر العالم قاطبة (تتمثل بعض القوى الديمقراطية في الصين مثلا ثورة شباب مصر وتسعى لأن تتأسى بها). لكن الإنجاز يبقى، باعتراف الجميع، غير مكتمل، فقد سقط الطاغية سقوطا مدويا ومريعا، غير أن نظامه ما زال باقيا، وإن كان مهلهلا رثا وما فتئت هذه البقايا الرثة تحاول الانقضاض على ثورة الفل، والحكومة القائمة ليست حتى الآن إلا حكومة حزب الحاكم المخلوع. وعليه، فإن مهمة إسقاط النظام تبقى غير مكتملة. ولا ريب في أن مهمة بناء النظام الذي يكفل تحقق غايات الثورة ستكون التحدي القادم الأصعب. وستحدد معالم المرحلة الانتقالية طبيعة طريق التحول إلى تحقق غايات الثورة. والحق أن المؤسسة العسكرية قد حالفها التوفيق في مجمل خطاها في حماية الثورة والتمهيد لتحقق غاياتها حتى الآن. ومع ذلك تبقى بعض العثرات القائمة أو المحتملة التي نحاول التنبيه إليها بصياغة إيجابية كضمانات لصحة المرحلة الانتقالية، فيما يلي. يأتي على رأس الضمانات ألا تقتصر مهمة لجنة تصحيح الدستور القائم على شروط الترشح وضمانات حرية الانتخابات ونزاهتها، بل لا مناص من أن تقيد السلطات المطلقة الممنوحة لرئيس الجمهورية في الدستور الحالي (وإلا تحوّل أي رئيس قادم، بطبيعة النفس البشرية، إلى مستبد غشوم، حيث السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وربما حال الرئيس القادم دون التنقيح الكامل للدستور كما يتطلب تحقق غايات الثورة) كما ويلزم أن تفتح التعديلات الحالية الباب، نصا، لعملية سياسية وشعبية لصوغ دستور جديد متكامل يستطيع أن يحمل تحقق غايات الثورة، بعد الانتخابات التشريعية القادمة. ومن الضروري كذلك عدم إعفاء الرئيس المخلوع، وعائلته وحواشيه من المساءلة، وإلا أضحت عملية المساءلة عن آثام النظام السابق مهزلة مفضوحة، تعوّق بناء مصر الحرية. كما يسهم في صحة المرحلة الانتقالية أن تتشكل، في أقرب فرصة، حكومة تعبر عن تنوع الطيف السياسي في مصر، وروح الثورة، بحيث تصبح قادرة على تمثل بدايات التحرك نحو غايات الثورة. وعلى الساسة من أجيال الكهول والشيوخ التحلي بفضيلة الترفع عن التقافز على الثورة والتسلق على أكتاف شبابها الذين حققوا ما عجزت عنه تلك الأجيال. لقد دفع الشباب الفل مهر مصر وبات من حقهم الاقتران بمصر الثورة. أتفهّم طبعا أن يرغب بعض من أجيال الكهول والشيوخ في حضور العرس الذي فشلوا في إقامته طويلا والتقاط الصور التذكارية مع العروسين. ولكن ليس من حق أحد أيا كان أن يحاول انتزاع العريس من مقعده والجلوس محله، تحت أي مسمى. إن الشرف السياسي الحقيقي لهذه الأجيال السابقة في المرحلة الانتقالية الراهنة هو في إتاحة الفرصة كاملة لهذا الجيل المبهر من بني مصر لاستكمال ثورته، ولقيادة مرحلة بناء مصر الجديدة، خاصة وأن هذا الجيل الرائع قد أظهر نضجا فكريا وسياسيا وتنظيميا أدهش جميع المراقبين. باختصار لا يحق لأحد التحدث باسم ثورة الفل، وقيادة بناء مصر الحرية إلا التنظيمات التي تبلورت ديمقراطيا من قلب ثورة الفل المتدفق بالحيوية والوعد بمستقبل زاهر، مثل ائتلاف شباب الثورة. وعلى الجميع الباقين أن يبقوا مستعدين للمساهمة بإخلاص متى ما طلب منهم، لاسيما في تمكين جيل الثورة من القيادة مستقبلا. ويتفرع عن ذلك عبثية الجدل حول من يصلح من الشيوخ لتولي رئاسة الجمهورية، خاصة وأن بعض المرشحين هم من بقايا النظام البائد. فالأصلح لتحقق غايات الثورة هو التمهيد لتولي جيل الشباب الفل زمام الأمور في البلاد، ما يتطلب تخفيض سن الترشح لرئاسة الجمهورية، إلى 35 عاما، ولمجلس الشعب، إلى 25 عاما، على الأكثر. وأملي شخصيا أن يتمخض الدستور الجديد لمصر عن صوغ النظام السياسي في مصر على نسق الجمهورية البرلمانية مع تشكيل مجلس رئاسي بدلا من رئيس فرد.