قالت مصادر إسرائيلية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يخبر حكومته، في اجتماعها الذي عقد بتاريخ 14 نوفمبر، بأن موافقة إسرائيل علي تجميد الاستيطان لمدة 3 شهور إضافية، من المفترض ان تجري خلالها مفاوضات مع الفلسطينيين علي الحدود الدائمة، وان ذلك يعني انه بنهاية فترة التجميد الثانية ستقدم إدارة اوباما للفلسطينيين وإسرائيل مسودة لخريطة الحدود الدائمة للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، مع اعتبار ذلك ليس حلا مفروضا من جانب الأمريكيين، وانما فقط مجرد خطوة اولي ومبكرة للحل الذي ستفرضه الولاياتالمتحدة علي إسرائيل، في خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين الدولتين. وقالت المصادر إن نتنياهو يعلم أن خريطة كهذه سوف تمثل دعما للمطالب الإقليمية للفلسطينية اكثر من المطالب الإسرائيلية، وإنه إذا رفض هذه الخطوة الأمريكية سيؤدي ذلك إلي حدوث مواجهة مباشرة مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما. ونقلت المصادر الإسرائيلية عن مصادر أمريكية في واشنطن قولها إنه ينبغي علي نتنياهو ان يعلم من الآن ان كل ما سيكون اوباما مستعدا لفعله من تغييرات علي الخريطة الأمريكية هو بعض التعديلات الحدودية في الضفة الغربية وقطاع غزة، استجابة للاحتياجات الأمنية لإسرائيل، بما لا يزيد علي 4% او 4.5% من مساحة الأراضي الواقعة في حدود 1967، وأوضحت المصادر أن ذلك يعني انه سيكون علي إسرائيل إخلاء عشرات المستوطنات اليهودية، بالاضافة إلي مستوطنتين إسرائيليتين كبيرتين في الضفة الغربية، وهما مستوطنتا ايفرات في جوش عتسيون، التي يسكن فيها 8 آلاف مستوطن يهودي، ومستوطنة اريل في "شومرون"، والتي يسكن فيها 20 ألف مستوطن يهودي. وأشارت المصادر إلي ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) أكد للرئيس الأمريكي أنه في أي اتفاق دائم مع إسرائيل لابد من إخلاء مستوطنة ارييل، مع تأكيد علي أنه لن يكون هناك سلام مع إسرائيل إذا لم يتم اخلاء هذه المستوطنة علي وجه التحديد. وادعت المصادر ان الاجزاء التي يبدي الأمريكيون استعدادا لابقائها بحوزة إسرائيل تعد اقل مساحات عرضتها أي إدارة أمريكية من قبل علي إسرائيل. ولعل من الغريب ان يجري الحديث بهذا الأسلوب الذي جعل المفاوضات علي الحق الفلسطيني تجري بين إسرائيل والولاياتالمتحدة، بعيدا عن أي موقف للعرب، او حتي الفلسطينيين انفسهم! أشارت المصادر إلي ان الأمريكيين، خلال مفاوضات ايهود اولمرت وابو مازن، في عامي 2007 و 2008، كانوا يؤيدون مطالب أولمرت بأن تستحوذ إسرائيل علي 5.9% من اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. وذكرت المصادر ذاتها ان نتنياهو لم يخبر وزراءه ان خطاب الضمانات الأمريكية، الذي يضمن لإسرائيل تزويدها بأنظمة تسليح متقدمة وتصديا أمريكيا لاي هجوم سياسي علي إسرائيل، يمثل فقط احد وجهي العملة. في مقابل خطاب الضمانات الذي ستمنحه واشنطن لإسرائيل، تعد ادارة اوباما خطاب ضمانات أمريكية آخر لصالح ابو مازن. ولا يوجد لدي نتنياهو أو أي من الإسرائيليين المشاركين في المفاوضات السرية مع الأمريكيين والفلسطينيين أي علم عن طبيعة ما سيضمنه اوباما للفلسطينيين في خطاب الضمانات الممنوح لهم. وينقل إسرائيليون عن مسئولين أمريكيين قولهم ان علي إسرائيل الا تفاجأ اذا كان خطاب الضمانات الأمريكية الممنوح للفلسطينيين يتضمن تعهدات أمريكية قد لا تقبلها إسرائيل. في المقابل تقول مصادر إسرائيلية وأمريكية إنه لا يوجد أي تقدم في المفاوضات السرية بين واشنطن وتل ابيب، ولم يتم التوصل إلي أي اتفاق بشأن تجميد الاستيطان مقابل الضمانات الأمريكية المعروضة. واتهمت المصادر نتنياهو بتقديم صورة مضللة وغير صحيحة لوزراء حكومته عن نتائج زيارته إلي واشنطن واجتماعه مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في 11 نوفمبر الجاري. واوضحت المصادر ان نتنياهو اوهم وزرائه والراي العام الإسرائيلي بأن الولاياتالمتحدة مستعدة للموافقة علي تجميد للاستيطان لا يتضمن القدسالشرقية، وان الولاياتالمتحدة مستعدة لتزويد إسرائيل ب20 طائرة مقاتلة من طراز "إف 35" مجانا، وليس مقابل 3.5 مليار دولار، بالإضافة إلي 20 طائرة اخري من نفس الطراز تعهد الأمريكيون بتزويد إسرائيل بها. ونقلت المصادر عن مسئولين في واشنطن قولهم انه لا توجد أي تعهدات أمريكية من هذا النوع لإسرائيل، وان هيلاري كلينتون لم تعرض أي مزايا من هذا النوع بعيد المدي لإسرائيل. أوضح محللون إسرائيليون انه من أجل فهم تعقيد العلاقات الحالية بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل في الوقت الحالي ينبغي الانتباه إلي عدد من الامور لمعرفة حقيقة التصريحات التي يدلي بها كل من نتنياهو وهيلاري: أولا: عندما قالت كلينتون في 15 نوفمبر إن مقترحات نتنياهو تمثل تطورا ايجابيا يدل علي جهد جاد من جانب رئيس الوزراء نتنياهو"، فإنها تعني انه "ينبغي علي نتنياهو بذل جهد جاد ازاء الصيغة التي يصر عليها الأمريكيون والتي علي اساسها ستستأنف المفاوضات مع الفلسطينيين، أي ان تجميد الاستيطان في الفترة الثانية المنتظرة لابد ان يشمل القدسالشرقية، وان إسرائيل سوف تدفع الثمن كاملا لشراء طائرات "إف 35"، وهو علي عكس ما اوهم به نتنياهو وزرائه. ثانيا: عندما قالت كلينتون في 17 نوفمبر، ردا علي سؤال بشأن محتويات خطاب الضمانات الأمريكية الذي يطلبه نتنياهو، إنها لا تستطيع الدخول في تفاصيل"، فهذا يعني- برأي محللين إسرائيليين - ان الولاياتالمتحدة ليست مستعدة لمنح نتنياهو خطابا يتضمن البنود التي تحدث عنها نتنياهو مع حكومته. ثالثا: عندما أضاف متحدث أمريكي قائلا في يوم 19 نوفمبر، وقبل الفجر، انه لا يعرف متي سيتم اعداد خطاب ضمانات كهذا لتسليمه إلي نتنياهو، فإن ذلك يعني ان واشنطن تقصد القول إنه "إذا لم يتوقف نتنياهو عن ممارسة ضغوطه علينا من اجل الحصول علي خطاب كهذا، فربما نشأ وضع تقرر فيه الادارة الأمريكية بشكل نهائي انه لن يكون هناك خطاب كهذا ابدا. رابعا: عندما قال نتنياهو في يوم 18 نوفمبر إنه عندما يتلقي اقتراحا أمريكيا جيدا فإنه سيعرضه فورا علي المجلس الوزاري السياسي الأمني، فإنه يعني انه "ينبغي علي الولاياتالمتحدة ان توافق علي عدم إدراج القدسالشرقية في تجميد الاستيطان الثاني، وان يتم تسليم إسرائيل طائرات "اف 35" مجانا". وهناك من يري ان ما تروج له إسرائيل بشأن حزمة من المزايا التي تعرضها واشنطن عليها مقابل فترة اضافية من تجميد الاستيطان، ليس سوي شروط يطالب بها نتنياهو. وهناك من يدلل علي ذلك برفض رئيس الوزراء الإسرائيلي طلبا من نائبه موشيه يعلون، رئيس اركان الجيش الإسرائيلي الاسبق، وآخرين، بأن يقدم نصا مكتوبا عن هذه الحزمة الأمريكية، إذ اكتفي نتنياهو بالحديث "الشفوي". ويذهب تقرير إسرائيلي إلي ان حديث نتنياهو عن حزمة المزايا الأمريكية تمثل قنبلة دخان فقط، للتعمية علي ما يجري سرا من اتفاقات وصفها البعض بأنها تنازلات إسرائيلية خطيرة، لا يعلم بها سوي اثنين في إسرائيل هما نتنياهو نفسه، ومستشاره الشخصي إسحاق مولخو. وذكر التقرير أن مسئولين أمريكيين وسعوديين يشاركون في المحادثات السرية التي تدور في الأسابيع الأخيرة بالعاصمة الأردنية عمان وأماكن أخري في أوروبا، كشفوا عن 6 تنازلات جوهرية وافق نتنياهو علي تنفيذها في الضفة الغربية عند توقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وكان من بين ما كشفوا عنه ما يلي: أولا: اجراء جولة من المفاوضات السرية بين مصر والسعودية والاردن والفلسطينيين والولاياتالمتحدة وإسرائيل في العاصمة الاردنية عمان، منذ نهائية سبتمبر الماضي، توصل خلالها المشاركون إلي اتفاقات مبدأية بشأن الضفة الغربية. ثانيا: تم التوصل إلي اتفاق بشأن مستقبل غور الأردن، يتضمن تفاصيل عن مشاركة وتمركز قوات اجنبية في الاراضي الفلسطينية وعلي حدود السلطة الفلسطينية، تلبي المطالب الأمنية الإسرائيلية من اجل منع دخول او تهريب اسلحة او مقاتلين إلي الضفة الغربية. ثالثا: وافق نتنياهو علي وضع قوات من الجيش الأردني علي جانبي الحدود بين الاردن والضفة الغربية، وليس قوات أمريكية أو تابعة لحلف شمال الأطلنطي "الناتو" كما كان مقترحا في بداية المفاوضات. رابعا: تم التوصل إلي اتفاق بشأن دور الجيش الأردني وأساليب عمله في الضفة الغربية، علي أن يسري الاتفاق علي مناطق أخري بالضفة سيتم وضع قوات اجنبية فيها. خامسا: المستوطنات الإسرائيلية الموجودة في غور الأردن ستظل موجودة ومستمرة، ولكن من خلال تفاهم ينبغي علي المشاركين في المفاوضات التوصل اليه، ستنتقل المستوطنات إلي الدولة الفلسطينية المستقلة خلال فترة تتراوح بين 30 و 50 عاما. سادسا: تسري هذه الاتفاقات فقط بعد التوصل إلي اتفاق سلام وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وإذا كان البعض سيصدق الإسرائيليين بشأن الذعر مما وصفوه بتنازلات نتنياهو في اجتماعات الاردن، فعليه ان يتذكر أمرين مهمين: الأول هو ان كل هذه الامور رهن بشرط بعيد المدي وهو التوصل إلي اتفاق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو ما توافق عليه إسرائيل "شفويا" فقط، بينما تعمل علي مدار الساعة علي الارض لمنع اقامة هذه الدولة فعليا، بما يجعل هذه الاتفاقات اشبه برجل اعمال يعد عاملا لديه بأنه سيمنحه مليون دولار هدية عند عودته من رحلته القادمة إلي المريخ! فإذا سافر الرجل فعلا إلي المريخ، وطالب العامل بتنفيذ الوعد والحصول علي مليون دولار، سيبادر رجل الأعمال إلي توبيخه قائلا: "يا راجل عيب عليك، أنت بتستهبل؟! كلمتين كنا بنهزر بيهم سوا هتصدقهم؟ يعني لو ما نفذتش وعدي واديتك المليون دولار هتعمل إيه؟!". عندها وكما يحدث في كل مرة، سيطأطئ العامل رأسه في انكسار وينصرف!