جولات ماراثونية وحاسمة في فيينا تستمر أسبوعا يشهدها الملف النووي الإيراني قبل حلول 24 نوفمبر الجارى، وهو الموعد المحدد مسبقا بين أطراف المفاوضات إيران والدول الست (الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) للتوقيع على اتفاق نهائي بين الجانبين. ويعقد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري محادثات بمقر السفارة الأمريكية في لندن مع مسؤولين أوروبيين وشرق أوسطيين عن الملف النووي الإيراني، قبل انتقاله إلى فيينا للمشاركة في المفاوضات بين طهران ومجموعة (5+1). ومن ناحية أخرى وعشية مفاوضات فيينا، أجرى الوزير المسئول عن الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي محادثات في طهران مع نظيره محمد جواد ظريف، والرئيس الإيراني حسن روحاني تتعلق بنتائج الجولة التي استضافتها سلطنة عمان خلال الأسبوع الماضي.. ومن الواضح أن كل الأطراف مدفوعة للتوصل إلى تحقيق نتائج إيجابية لهذا الملف المعقد رغم التباين الواضح في مطالب كل طرف، إذ لا تزال القضايا الثلاث الخاصة بالتخصيب والعقوبات والاحتياجات النووية لإيران محل خلاف مع دول مجموعة (5+1)، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية الإيراني. فإذا كانت إيران ترى أن من حقها امتلاك 19 ألف جهاز من أجهزة الطرد المركزي، يرى الغرب أن طهران لا ينبغي أن تمتلك أكثر من 2000 جهاز طرد مركزي وبحد أقصى 4000 خلال المرحلة الحالية، وإذا كان الغرب يريد إلتزاما من إيران بإبقاء نسبة تخصيب اليورانيوم في مفاعلاتها منخفضة، وأن تكون خاضعة للرقابة الدولية، فإن طهران ترغب في رفع نسبة التخصيب إلى 20%، ناهيك عن الخلاف حول كيفية رفع العقوبات؛ ففي حين تطالب إيران برفع العقوبات سواء من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية أو من جانب مجلس الأمن الدولي أو من قبل الاتحاد الأوروبي بشكل فوري، يريد الغرب رفع العقوبات تدريجيا، وبالاتساق مع درجة التزام إيران بما يتم الاتفاق عليه، وفي قطاعات محددة. متغيرات طارئة ثمة مجموعة من المتغيرات الجديدة التي طرأت، ليس فقط على ظروف وأطراف المفاوضات وإنما على إقليم الشرق الأوسط برمته، فعلى مستوى أطراف المفاوضات: تتطلع واشنطن إلى إبرام اتفاق في فيينا بسبب صعوبة تحقيق الأمر بعد تولي الكونجرس الجمهوري المطرقة التشريعية في يناير المقبل، وإمكان تشديده العقوبات على طهران أو إجبار أوباما على إخضاع أي اتفاقٍ للتصويت قبل المصادقة عليه أو حتى منعه من رفع العقوبات عن إيران.. وقد حذر فيل جوردون مستشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما من أن عدم التوصل إلى اتفاق سيقوض في شكل دراماتيكي فرص إبرامه لاحقا. أما إيران فتتمسك بحقها في التمتع بحقوقها النووية كغيرها من الدول الموقعة على اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي بما في ذلك حق تخصيب اليورانيوم، ملتزمة بإزالة المخاوف الدولية، والعمل على استعادة ثقة المجتمع الدولي المتشكك في سلمية برنامجها النووي. أما على مستوى الإقليم، فإن حالة الحرب على تنظيم "داعش" باتت تمثل متغيرا مهما في صياغة الاتفاقات بين الدول، فرغم عدم مشاركة إيران في التحالف الدولي ضد "داعش"؛ إلا أن حجم النفوذ الذي تتمتع به إيران في العراق، يفيد بأن لها دورا ما غير معلن في هذه الحرب. وفي هذا السياق، يمكن فهم محتوى الخطاب الذي أرسله الرئيس الأمريكي إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي، والذي ربط فيه بين تعاون إيران مع جهود محاربة "داعش" وإبرام اتفاق نووي معها، وهو ما يشير إلى إمكانية عودة الحديث مرة أخرى عن القضايا غير النووية في المفاوضات بين إيران ومجموعة "5+1"، وخيار الصفقة الشاملة. كما أن رسالة أوباما إلى خامنئي قد تؤشر إلى قبول واشنطن التفاوض حول القضايا غير النووية مع إيران خلال الفترة المقبلة، وربما بصورة شبه معلنة، وهو ما يعني الحاجة إلى مدة زمنية أطول من المدة المتبقية حتى تاريخ 24 نوفمبر 2014، بشكل يفرض على واشنطن ضغطا لإقناع حلفاء إيران بذلك، وتحديدا روسيا، التي ظلت تتبنى موقفا يفضل الفصل بين القضايا النووية والقضايا غير النووية، والتي يعد دورها مهما في إتمام هذه المفاوضات. وتأسيسا على ما سبق، من المتوقع أن يتم ترحيل الأزمة لوقت مستقطع، والإعلان عن اتفاق انتقالي آخر يؤسس لمرحلة مفاوضات جديدة، يتم فيها التفاوض حول القضايا الخلافية العالقة، ورجح مسؤولون إيرانيون وغربيون عدم التوصل لاتفاق بحلول الموعد النهائي يوم الاثنين المقبل، وأن التمديد هو السيناريو الأكثر ترجيحا.. وقالوا "إن من الممكن الاتفاق على الخطوط العريضة لاتفاق مستقبلي، إلا أن ذلك يستلزم عدة أشهر لإعداد التفاصيل".