أكدت منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة "الفاو"، أن جميع الحكومات وافقت اليوم على جملة مبادئ تشكل علامة مميزة على الطريق، لتوجيه الاستثمار في نظم الزراعة والغذاء بجميع أنحاء العالم، وضمان تدفق الأموال المؤسسي عبر الحدود واستثمارات الشركات ستقود إلى تحسين الأمن الغذائي، وتخدم الاستدامة وتراعي حقوق العمال الزراعيين والعاملين في مجالات الغذاء. تأتي مبادئ الاستثمار المسئول في نظم الزراعة والغذاء التي أقِّرت مساء الأربعاء الماضي في الجلسة العامة للجنة الأمن الغذائي العالمي، كثمرة لعامين من المشاورات والمفاوضات العسيرة التي تخص مجموعة واسعة من أصحاب الشأن. وبُنيت المبادئ الجديدة، على صرح الخطوط التوجيهية الطوعية بشأن الحوكمة المسئولة لحيازة الأراضي ومصايد الأسماك والغابات في سياق الأمن الغذائي الوطني، التي سبق أن اعتمدتها لجنة الأمن الغذائي العالمي في مايو، وسط تصاعد القلق العالمي آنئذ بشأن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاقتناء الواسع النطاق للأراضي والعمليات الزراعية الأجنبية المتزايدة في البلدان النامية، وفيما نعت في حينها بتسمية "الاستيلاء على الأراضي" من قبل النقّاد. وحتى إن ظلّت تلك المبادئ طوعية وغير ملزمة، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يلتئم فيها شمل الحكومات، والقطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، ووكالات الأممالمتحدة، والبنوك، والهيئات الإنمائية، والمؤسسات البحثية والأكاديمية للاتفاق على ماهية الاستثمار المسئول في نظم الزراعة والغذاء. وقالت رئيس لجنة الأمن الغذائي العالمي غيردا فيربورغ، أن هذا الاتفاق يأتى كثمرة لعمل شاق من جانب جميع أصحاب الشأن، لطرح رؤية مشتركة بشأن كيفيات ضمان أن الاستثمارات التي تمس الحاجة إليها في مجالات الغذاء والزراعة ستفيد أكثر من تُعوزهم. وأضافت قائلة: "والآن فنحن بحاجة إلى ترجمة الالتزام السياسي وروح التعاون والشراكة التي كشفت عنها المفاوضات، لوضع هذه المبادئ موضع التنفيذ على أرضية الواقع". وتقدِّر "الفاو" أن صافي استثمار مقداره 83 مليار دولار سنويًا في المتوسط سيكون ضروريًا لرفع الإنتاج الزراعي بنسبة 60 %، من أجل إشباع سكان العالم الذين يُتوقع أن تتجاوز أعدادهم 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050. ويكمن حجر الزاوية في الاتفاق، فيما يخص المبدأ "1"، في أن الاستثمار المسئول في الزراعة والنظم الغذائية يساهم في الأمن الغذائي وينهض بالتغذية، ولاسيما بالنسبة للمناطق الأشد ضعفًا التي يقطنها السكان المحليون، مثلما "يدعم التزامات الدول فيما يتعلق بالأعمال التدريجي للحق في غذاء كاف". وينطوي هذا السياق على زيادة الإنتاج المستدام ورفع إنتاجية الأغذية المأمونة والمغذية والمقبولة ثقافيًا، والحد من خسائر المواد الغذائية وإهدارها، وتحسين الدخل وتحجيم الفقر، وتعزيز كفاءة السوق وإنصافها وخاصة من خلال وضع مصالح أصحاب الحيازات الصغرى في الاعتبار. وتوضِّح المبادئ الأخرى كيف أن الاستثمارات المسئولة ينبغي أن تسهم في تحقيق المساواة بين الجنسين، وخدمة الصحة العامة، وتمكين الشباب، واحترام حقوق الحيازة المشروعة للأراضي ومصايد الأسماك والغابات وكذلك مراعاة استخدامات المياه القائمة والمحتملة، وضمان الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، والتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، وتبنّي آليات لتقييم ومعالجة الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية الممكنة. كما تتطرق هذه المبادئ مجددًا إلى قضايا هامة وخلافية أحيانًا كالموارد الوراثية، وحقوق السكان الأصليين، وتغيّر المناخ. وتتناول المبادئ معالجة جميع أشكال الاستثمار في نظم الزراعة وإنتاج الغذاء، سواء العامة أم الخاصة، والكبيرة أم الصغيرة وفي كلا مجالي الإنتاج والتجهيز، مع توفير إطار يمكن أن يلجأ إليه جميع أصحاب الشأن عند صياغة السياسات والبرامج، ووضع الهياكل التنظيمية الوطنية، وبلورة السياسات الاجتماعية وبرامج المسئولية المشتركة، وأيضًا في غضون تصميم الاتفاقيات أو العقود الفردية. ويوضح الاتفاق أدوار جميع فئات المستثمرين من دول إلى مؤسسات الأعمال، إلى صغار المزارعين أنفسهم، والذين يشكلون في مجموعهم ورغم تشتتهم أكبر المستثمرين قاطبة في العالم بالنسبة للإنتاج الزراعي الأولى. وأشاد جوزيه غرازيانو دا سيلفا، المدير العام لمنظمة "الفاو" بالاتفاق، معتبرًا أن المبادئ المعتمدة حديثًا تثبت قدرة لجنة الأمن الغذائي العالمي على إدارة المفاوضات المعقدة وتوفير منبر لسماع مختلف الأصوات، وإرساء مردود ملموس للمضي قدمًا. ويتمثل أحد الملامح البارزة للاتفاق في بند المبدأ السادس الذي يربط بين الاستثمار المسئول في الزراعة، وبين "اتخاذ تدابير، عند الاقتضاء، لخفض أو إزالة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ومع أن المبادئ الطوعية والصياغة المستخدمة للنصوس تظل بمنأى عن الإلزام، يُعدّ ذلك أول اتفاق دولي لم يعترض فيه أي طرف على اللغة التحريرية الصريحة بشأن خفض الانبعاثات الكربونية. ويتعلق أحد التفاصيل الأخرى الجدير بالملاحظة في تمديد حقوق الحيازة المشروعة للأراضي ومصايد الأسماك والغابات، على نحو ما اتفق عليه في المبادئ التوجيهية عام 2012، كي تشمل "استخدامات المياه القائمة والمحتملة"، علمًا بأن إدارة الموارد المائية ستشكل موضوعًا رئيسيًا للنقاش على طاولة لجنة الأمن الغذائي العالمي في العام المقبل. وتمثل لجنة الأمن الغذائي العالمي إحدى لجان لأمم المتحدة ذا المقر لدى منظمة "فاو" في روما، وتضم أمانتها وكالات الغذاء الثلاث التي تتخذ من روما مقرًا لها وهي منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (FAO)، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP) وجميعها على استعداد إلى تقديم الدعم والمساعدة للبلدان الأعضاء في تطبيق هذه المبادئ.