عشق القرآن فمنحه الكتاب سر آياته، فقرأها على المستمعين، وهو يدخل المعني في ذهن كل قارئ فيرتعش جسد المستمع، من البهاء الذي كان ينطق به القرآن. ومن رحم الإعاقة ولد الشيخ المعجزة في مدينة طهطا بسوهاج، وبعد عام واحد من ولادته فقد بصره، هنا أسلم الشيخ عيونه إلى الله وصبر على البلاء ووجدد في القرآن طريقا مفترشا بالنور عوضه عن الفقد للحياة، فكيف له أن ينتظر البصر وهو يملك طرق البصيرة التي تفتحت ثمارها في رحلته مع القرآن، وعندما اقتحم عالم الابتهال جعله أنشودة ربانية تنير لنا عظمة الخالق وتضع يدنا على جمال وكمال القداسة العظيمة، أدرك الشيخ عمران أن الجسد والقلب لا يمكن أن يشعرا بالاطمئنان إلا في وجود خالق ينظم للكون مسيرته وعند انفجار الظلم نتيجة لغياب العدالة الاجتماعية يجد الشيخ نفسه أسيرا ومتمسكا بأهمية وجود راعي ورب آمين لديه كل العدل الذي يريح القلب بالصبر على مزايا الآخرة، وعندما كان ينطلق صوته بالآية الكريمة "وبشر الصابرين" كانت ترتاح الجوارح لخالق يري بعينيه القدسية كل الظلم الذي ينفجر علىوجه الأرض وهو يبشر عباده الصالحين الصابرين بالجنة الموعودة التي هي عزاء لكل من لم يجد حقه في الحياة الموجعة..لا يكف الشيخ عن الدعاء فهو يدرك أنه طريق للوصل والوصال فيبتهل صوته الرائع بكلمات الرجاء.. والطف بنا يامولانا فيما جرت به المقادير الليل أقبل والوجود سكون بالليل حتى تستريح جفوني وهناك أحلام الخيال توافدت تتري فتسبح في الخيال عيون والروح تمضى في مجالات العلا وهناك في نهر الصفاء سفون فضلا من الله العظيم على الورى ليل يجئ وسره مكنون.... لايمكن لأحد أن يعرف الله دون أن يدرك قيمة الليل ففي الليل يتجلي الخالق وتتعطر الأرض برائحته التي تجعل في نسمات الفجر سحر خالص يجعل القلوب الصافية المحبة لتجليه تناجيه بإخلاص، وفي تلك اللحظات كان يجعل الشيخ عمران الله قبلته في هذا التجلي وهو يناديه في ابتهالاته.... في الليل ياربى وفى الأسحار أدعوك يالله أنت الباري أنت الذي أوجدتنا وخلقتنا أنت العليم بدقة الأسرار بيديك أنت الأمر وعندما ينعم الشيخ بلحظات فاصلة بينه وبين البشر ويجرب لذة الزهد المقرون بالصمت يكتشف كثير من جماليات الخالق التي تضيع وسط الضجيج..فيدرك أن الطريق إلى الله لابد أن يبدأ برتك الناس فيبتهل بهدوء... تركت الناس كلهم ورائى وجئت إليك كى بالقرب أنعم فعاملني بجودك وأعفو عنى فإن تغضب فمن يغفر ويرحم سبحان من علت الوجوه لوجه فهو الكريم يجيب من دعاه هوأول هو آخر هو ظاهرا ليس العيون تراه. أطلب بطاعته رضاك رحلة الشيخ مع القرآن بدأت مبكرا فمنذ العاشرة من عمره أتم حفظ القرآن على يد الشيخ محمد عبد الرحمن المصري ثم جوده على يد الشيخ محمود جنوط في مدينة طما. وعند بلوغه أحد عشر عاما سافر إلى القاهرة والتحق بمعهد المكفوفين للموسيقى حيث تعلم أصول القراءات والإنشاد وعلم النغم والمقامات الموسيقية وفن الإنشاد فرضت الحياة متابعها ومسئوليتها على الشيخ فلم يتكبر أن يعمل وهو يقرأ القرآن في مسجد شركة حلوان للمسبوكات والتي عمل بها، وفي تلك الأوقات بدأت شهرته في الذيوع وذاع صيته فتقدم لاختبار الإذاعة المصرية وتم اعتماده مبتهلا بعد نجاحه المتفوق والمتميز في امتحان الأداء، وعندما يكتب تاريخ الانشاد الديني الذي تربع على عرشه الشيخ على محمود وسار على دربه والى جواره المشايخ إبراهيم الفران ومحمود الفيومي وعبد السميع بيومي وطه الفشني والنقشبندي سوف يأتي اسم الشيخ محمد عمران في مقدمة الصفوف باعتباره مزيجا متفردا من كل هذه الأصوات المتميزة وأحد الأصوات الفريدة التي كان المسلمون يستيقظون عليها لأداء شعائر صلاة الفجر من الإذاعة المصرية. حياة الشيخ محمد عمران امتلأت بالأوجاع فقد أصيب في شبابه بمرض السكري وهو مرض أثر على مزاجه الشخصي وحعله في عزله بعيدة عن الإعلاميين والصحفيين وعندما توفي لم تذكره صحيفة واحدة لقلة علاقاته بهم سوي جريده اللواء الإسلامي،ففاضت روحه إلى بارئها عام 1994، وللأسف لم تعتمده الإذاعه مقرئا بعد سنوات أمضاها فيها سوى بعد رحيله بعشرين يوما، وهو ما يعكس أن الأبرار في تلك الحياة يعذبون حتى الموت ولا ينشدون الراحة إلا في الأبدية للقاء الخالق الذي صبرهم على بلاء الدنيا ووجع البشر.